"الهجرة تعني الجودة".. هكذا يبرر أخنوش تحول المغرب إلى بيئة طاردة لأبنائه

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يصمت دهرا وينطق عجبا، هذا حال رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، منذ تعيينه بمنصبه في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

آخر تصريحات أخنوش قوله إن "هجرة الأدمغة تعكس جودة تكوين الأطباء والمهندسين في المغرب"،  في تبرير لفشل منظومة حاكمة في وقف نزيف هروب الكفاءات إلى خارج المملكة.

تملص من المسؤولية

وفي كلمة افتتاحية للمنتدى الاقتصادي الإفريقي الذي انعقد في 20 أكتوبر بمدينة الدار البيضاء، قال أخنوش، إن "هجرة الأدمغة المغربية نحو الخارج تعني أن المملكة تكوّن أطباء ومهندسين وأساتذة ومبرمجين جيدين".

هذا التصريح استفز فئات مختلفة من المجتمع، وقال الناشط السياسي محمد خيي الخمليشي: "في ظروف أخرى.. ما كان لهذا التصريح الكارثي أن يمر مرور الكرام، وفي ظروف غير الظروف التي نعيش كان سيعتبر مثل هذا الكلام فضيحة تستوجب المساءلة السياسية".

وفي تدوينة عبر فيسبوك في 21 أكتوبر، تساءل الخمليشي: "كيف يمكن التسامح أو التغاضي عن افتخار رئيس الحكومة بنزيف الأدمغة؟ كيف نفهم تبريره لهجرة الكفاءات ومغادرتها لوطنها الأم بحثا عن موطن آخر باعتبار تلك الهجرة دليلا على جودة التكوين بالمغرب!! وهل يشتغل نظامنا التعليمي بنظام المناولة؟".

من جهته، رد موقع "كفى بريس" المحلي قائلا: "الجواب على تصريح أخنوش هو كون الحكومة (الحكومات) لم توفر لها الشروط الضرورية للعمل أو توفر لها أجورا تضمن لها العيش الكريم".

وأوضح في مقال نشره في 20 أكتوبر أن "المغرب يعاني من خصاص كبير في الأطر، خاصة في قطاع الصحة، وتقدر الوزارة عدد الأطباء الذين هاجروا إلى الخارج بـ14 ألفا، بالإضافة إلى عدد كبير من المهندسين والباحثين في مختلف المجالات، خاصة العلمية منها".

وقال الإعلامي في قناة الجزيرة القطرية، عبد الصمد ناصر: "سؤالي للسيد عزيز أخنوش :لو توفرت لهذه الكفاءات البيئة الجاذبة في المغرب لتحقق ذاتها وتخدم وطنها، هل كانت لتهاجر؟".

وأضاف في تغريدة بحسابة على تويتر في 20 أكتوبر، إن "اعتبار هجرة الأدمغة مؤشر نجاح في تكوين أطر جيدة يحسب للدولة، هو مغالطة وقلب للحقائق وتملص من المسؤولية تجاه هذه الكفاءات التي وجدت ضالتها في الدول المستقطبة".

وبينما لا تتوفر إحصائيات عن عدد العقول المغربية المهاجرة، إلا أن  موقع "مغرب تايمز" أوضح أن "أعداد هجرة الأدمغة من المغرب إلى خارجه تفاقمت مؤخرا، حيث يختار مئات الشباب من مهندسين وممرضين وأساتذة وأطباء.. الهجرة إلى خارج الوطن في أول فرصة".

وأرجع الموقع في مقال في 20 أكتوبر ذلك إلى "البحث عن آفاق علمية ومهنية وحياتية أفضل، وتنديدا بعدم التفات الحكومة إلى ملفاتهم المطلبية".

وشدد على أن "كثيرا من الأحيان يكون دافعهم للهجرة أكبر من مادي، لحفظ كرامة العيش والهروب من ظروف الاشتغال التي يعيشون داخلها".

بؤس اجتماعي

ويعزو مراقبون نزيف هجرة الأدمغة المغربية إلى الخارج إلى عاملين رئيسين، الأول ضعف العناية التي توليها الدولة لهذه الطاقات في مجالات العلوم والإعلام والرياضة والفنون، والثاني الحفاوة المعنوية والمادية الكبيرة التي يحظون بها في بلدان الاستقبال.

وقال المتخصص في الإعلام الرقمي محسن الكريفي في تدوينة على فيسبوك في 21 أكتوبر، إن "تصريح أخنوش يجسد أقصى درجات الإفلاس السياسي والبؤس الاجتماعي وأفول أدنى درجات منطق الخطاب العقلاني".

وأضاف الكريفي، أنه "مشهد حاول من خلاله رئيس الحكومة تبرير فشل بفشل آخر حيث إنه حاول التعتيم عى حقيقة الفشل الحاصل في قطاع التعليم في بلاد أكثر من نصف سكانها أميون، وتتراجع عاما بعد عام على مستوى جودة التعليم".

واستطرد: "هذا الأمر جعلها تتذيل القائمة خلف بلدان تعاني من الحروب والمجاعات, وذلك بربطه بفشل آخر وهو عدم الحفاظ على الكفاءات القليلة التي تمكنت بشكل أو بآخر من تسلق هرم المعرفة لترتطم بحائط البطالة والوساطة والتهميش وعدم التقدير وهزالة الأجور.. ثم قررت البحث عن فرص أفضل للشغل والحياة والتقدير خارج أسوار هذا الوطن".

وخاطب الكريفي أخنوش، قائلا: "هجرة الأدمغة لا تشير أبدا إلى جودة التعليم سيدي رئيس الوزراء, بل تعني أن هذا الوطن أصبح مجرد مستنقع عفن من اللصوص والطفيليات التي لا تستطيع العيش والتكاثر إلا عن طريق امتصاص دماء الطبقات الهشة والمستضعفة".

وتابع: "مستنقع من السياسين والدجالين والمحتالين والتافهين ولا يصلح لحياة البشر، فما بالك ليعيش فيه المثقفون وأصحاب الكفاءات والشرفاء..".

وشدد على أن "هجرة الأدمغة تعني أن هذا الوطن أصبح فريسة عاجزة تماما فتكالبت عليها الحيوانات المفترسة مثلك ومن هم على شاكلتك من كل فج عميق قاطعين بذلك الطريق أمام ذوي الكفاءات العليا وأصحاب الأيادي الشريفة لينشقوا عنا باحثين عن أوطان تعرف قيمتهم وتوفر لهم البيئة اللازمة لإطلاق طاقاتهم والاستفادة منها".

وصنف المغرب كثاني أعلى معدل لهجرة الأدمغة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب التقرير العربي للتنمية الثقافية وصحيفة العرب الأسبوعية اللندنية في أغسطس/آب 2022.

وأفادت المجلة بأن الحكومة المغربية أسست سنة 2007 المنتدى الدولي للكفاءات المغربية في الخارج لجذب المهنيين الشباب والأكاديميين إلى المغرب، لكن الأرقام كانت ناطقة بالواقع المرير، فقد باءت محاولات استرجاعهم بالفشل الذريع.

في حين كشفت دراسة أجرتها جامعة الدول العربية أن هناك حوالي أكثر من خمسين ألف طالب مغربي يدرسون في الخارج، وحوالي مئتي ألف خبير في مجالات مختلفة اختاروا العمل بالخارج.

وأظهرت دراسة أجراها موقع "ريكروت" الإلكتروني، وهي شركة توظيف رائدة أن واحدا وتسعين بالمئة من الخريجين المغاربة يحلمون بمغادرة البلاد، معتقدين أن الهجرة ستساعدهم على تطوير حياتهم المهنية، بحسب صحيفة "العلم" المحلية، في 30 أغسطس2022.

كما لا تتعدى عامة الأجور في الوظائف العليا العمومية في جامعات ومراكز أبحاث المغرب الألف ونصف الألف دولار شهريا، وهي أقل بكثير مما يقدم للباحثين المغاربة بالخارج.

خطأ شنيع

من جانبه، رأى الناشط السياسي محمد الأنصاري أن "تصريح أخنوش سياسي أراد من خلاله إظهار أهمية المغرب، فإذا به يقع في خطأ شنيع؛ لأن أبعاد كلامه تحمل حاجة في غاية الأهمية، وهي أن المغرب طارد للكفاءات، يخسر عليهم ملايين الدراهم للتحصيل العلمي والأكاديمي وفي الأخير تستفيد منهم دول أخرى".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "الفريق الاستشاري لأخنوش تنقصه الحكمة في تمحيص الخطابات وقراءة أبعادها، بدل البحث عن تبريرات تكون أفظع من المشكل بالأساس، وهنا يمكن الحديث عن تجربة الفريق وكفاءته وحنكته في التعامل مع كتابة أي نص خطابي لرئيس الحكومة".

وأشار إلى أن "نزيف الكوادر المغربية لا يعني أنها بالكفاءة التي يتحدث عنها رئيس الحكومة وأنها نتاج المدرسة الوطنية، وإنما هي اجتهاد شخصي ذاتي لعينات من الطلاب تعبوا على أنفسهم واجتهدوا بعيدا عن أسوار المدارس، وبحثوا عن الفرصة من فم الأسد كما نقول".

بدوره، قال رئيس شبيبة العدالة والتنمية، عادل الصغير: "اطلعت على تصريح مستفز لرئيس الحكومة يعد فيه أن هجرة الأدمغة تعكس جودة تكوين الأطباء والمهندسين بالمغرب، كما لو أن المغرب والمغاربة لا يستحقون الاستفادة من هذه الجودة التي أنتجوها وأنها وجدت ليستفيد منها “البراني (الأجنبي)".

وأضاف الصغير في مقال نشره عبر موقع الحزب المعارض في 25 أكتوبر، أن "أخنوش منسجم مع خلفيته الرأسمالية التي تؤمن أن كل شيء قابل للتجارة، ولكل شيء ثمن في سوق البيع والشراء".

وتابع: "ابتداء من شراء البرامج والناخبين والمواقع والإعلام والنخب وصولا إلى بيع الأمن الغذائي والثروة البشرية… أليس هو صاحب مقولة السوق هو هذا".

ولفت الصغير إلى أن  "أخنوش تعامل مع العقول المهاجرة وهو رئيس للحكومة كما تعامل مع معطيات الأمن الغذائي عندما كان وزيرا للفلاحة".

ومضى يقول: "إذ اشتغل على استبدال الزراعات الأساسية بأخرى لا تشكل جزءا أساسيا من تغذية المغاربة (البطيخ والأفوكادو…) فقط لأنها ذات قيمة تصديرية أعلى، ثم جاءت الأزمة الأوكرانية والجفاف… وبقية القصة نعيشها جميعا".

فيما ختم الأنصاري حديثه لـ"الاستقلال" بالتأكيد على أن "أخنوش يجب أن يتحلى بالمسؤولية أمام أي نزيف يعاني منه المغرب، خاصة أن هذه الهجرة لم تعد مقتصرة على خريجي الجامعات الجدد.

بل الكوادر العليا من دكاترة ومهندسين وغيرهم، الذين ضاقوا ذرعا بالوطن ويبحثون عن فرص حقيقية وأفضل في الغرب، يضيف الخبير الإعلامي المغربي.

ونبه إلى أن "الكثير من الآباء غادروا المغرب بحثا عن آفاق تعليمية أفضل لأبنائهم، لتأمين مستقبلهم بتعليم جاد ومفيد، وبالتالي المسؤولية الآن ملقاة على عاتق الحكومة بصفة عامة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإصلاح الأعطاب للحفاظ على الرأسمال الحقيقي للوطن وهو المواطن".