تحتفي بالفائز وتسحق الخاسر.. عنصرية أوروبا تطارد الرياضيين المسلمين

12

طباعة

مشاركة

احتاجت فرنسا إلى 24 سنة كي يحصل لاعب كرة قدم فرنسي من أصل جزائري على الكرة الذهبية، ورغم ذلك فإن حالة العداء والعنصرية بحقه لم تتوقف من قبل الفرنسيين.

الجائزة نفسها كان آخر فائز فرنسي بها هو الجزائري الأصل زين الدين زيدان عام 1988، وذلك من بين 5 فرنسيين فازوا بها، منذ 1958 وفق ما قالت وكالة الأنباء الفرنسية في 18 أكتوبر/تشرين أول 2022.

كانت مفارقة أن يحتفل الإعلام الفرنسي بفوز لاعبه من أصول جزائرية، كريم بنزيمة بجائزة الكرة الذهبية، ويرى فوزه إنجازا رياضيا للفرنسيين، بينما في الأمس القريب، كان يجلد اللاعب بانتقادات عنصرية.

قالوا إن "الكرة الذهبية توجت ببنزيمة"، بينما كان اللاعب "كريم حافظ مصطفى بن زيمة" محط انتقادات عنصرية لنفس الإعلام، الذي وصمه بالتطرف لأنه "مسلم" ويفتخر ببلد عائلته (الجزائر).

وهو ما يطرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير الفرنسية، التي ترى دائماً فوز الرياضيين أمثال بنزيمة نجاحا للبلاد، في حين ترجع إخفاقهم لأصولهم الإفريقية والإسلامية.

فرنسي أم إفريقي؟

تكرر الأمر مع لاعبين آخرين تعرضوا لنفس العنصرية والهجوم بسبب أصولهم ودينهم الإسلامي، في دول أوروبية مثل ألمانيا، والمملكة المتحدة وغيرها، ووصلت السخرية من بشرة بعضهم السوداء لو أخفقوا في سداد ضربة جزاء.

مراقبون رأوا هذا "نفاقا" و"عنصرية" أوروبية، مؤكدين أن الأوروبيين يحتفون بالرياضيين العرب والأفارقة إذا فازوا.

لكن إذا أخفقوا يهاجمونهم ويعايرونهم بأنهم من دول إسلامية أو إفريقية وأنهم سبب الهزيمة، ويصل الأمر لاتهامهم بـ "الإرهاب".

جانب آخر من هذه العنصرية ظهر على لسان مدرب نادي ليفربول الإنجليزي، الألماني الأصل، يورغن كلوب، حين ربط في 14 أكتوبر 2022 بين الأندية الأوروبية المملوكة من قبل بعض دول الخليج العربي والصراعات الكروية.

ثم حاول في تصريحات لصحيفة الغارديان البريطانية في 18 أكتوبر نفي اتهامه بـ "العنصرية" و"كراهية الأجانب"، زاعما أن تصريحاته بشأن الأندية الأوروبية المملوكة من قبل بعض دول الخليج العربي قد "أسيء فهمها".

ضمن هذه العنصرية جاءت تصريحات مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، خلال افتتاح الأكاديمية الدبلوماسية الأوروبية الجديدة في مدينة بروغ البلجيكية.

قال: "أوروبا حديقة وأغلب باقي العالم أدغال.. ويمكن للأدغال أن تغزو الحديقة"، ما تسبب في حالة من الغضب والاستهجان، دفعته للاعتذار، ولكنها أثارت تساؤلات عن العقلية الغربية "الاستعلائية" التي تتبنى هذه الأفكار.

وتمتد هذه العقلية "الاستعلائية" إلى الرياضة، وتعد أبرز الأمثلة على تلك الممارسات، العنصرية والتمييز الذي يتعرض له لاعبو كرة القدم من ذوي الأصول الإفريقية والعربية في المنتخبات الأوروبية.

عقب فوز "بنزيمة"، غرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محتفلا بهذا التتويج على تويتر فكتب"ك.ب.9!"، في إشارة إلى الحروف الأولى من اسم اللاعب ورقمه.

وقال: "حرفان ورقم سيدخلان التاريخ"، وأضاف: "بعد 24 عاما من زين الدين زيدان، ها هي كرة ذهبية أخرى تفوز بها فرنسا"، مع أن "زين الدين" أيضا من أصول جزائرية.

لكن اللاعب الفرنسي السابق ورئيس الاتحاد الأوروبي سابقا "ميشيل بلاتيني" غرد بعنصرية ضد "بنزيمة" قال فيها إن كريم يجب أن يثبت أنه يستحق الكرة الذهبية بتقديم مونديال كبير، ما أثار غضب ناشطين عرب.

بدأت أزمة بنزيمة بتهكم الصحافة الفرنسية عليه عام 2016 عندما قالت إنه مسلم يحب بلده الأصل الجزائر. 

فحرضت جماهير واسعة على كرهه والحقد عليه مما حرمه من المشاركة في بطولة يورو 2016 والتتويج بكأس العالم 2018 في روسيا

في مقابلة معه مطلع يونيو/حزيران 2016 قال كريم بنزيمة، لصحيفة "ماركا" الإسبانية إن سبب إبعاده من تشكيلة منتخب بلاده لبطولة يورو 2016 يعود إلى رضوخ مدرب المنتخب الفرنسي لـ "ضغوطات عنصرية" من الشعب الفرنسي، بعد صعود حزبين عنصريين في الانتخابات.

برغم أن صحف فرنسا هاجمت "بنزيمة" لأنه اتهم "جزءا من الشعب الفرنسي" بالعنصرية، فإن نجم المنتخب الأسبق، إيريك كانتونا، نجم مانشستر يونايتد السابق، دافع عن كريم مؤكدا أن فرنسا "عنصرية".

قال لصحيفة الغارديان في 26 مارس/آذار 2017، إنه يرى أن عدم استدعاء كريم بنزيمة وحاتم بن عرفة لبطولة 2016 سببه عنصري هو "أصولهما الإفريقية والمغاربية".

"كانتونا" عبر عن استغرابه من القوانين الفرنسية، إذ مُنع بنزيمة من تمثيل المنتخب بسبب دعوى قضائية ضده، فيما لم يحرم المرشح فرانسوا فيون من الدخول في الانتخابات الرئاسية رغم وجود دعوى قضائية بحقه تتعلق بفساد واختلاس.

وفي حوار آخر مع "يورو سبورت" نقلته صحيفة "لوبوان" 25 مارس/آذار 2017، قال كانتونا: "فرنسا بلد غريب جدا، إذا كنت متهما بقضية ما لدى المحكمة فستحرم من تمثيل المنتخب، لكن لا يزال بإمكانك المشاركة في انتخابات الرئاسة".

قال: "فيون اقترح إلغاء المباراة إذا كان هناك أناس (عرب وأفارقة) لا يحترمون النشيد الوطني الفرنسي، وبدوري أطالب بإلغاء الانتخابات حينما يوجد مرشحون لا يحترمون الأخلاق العامة".

وكان "فيون" قصد بنقده، أن بنزيمة يرفض ترديد النشيد الوطني الذي يُعزف قبل المباريات، برغم أن النجم ميشال بلاتيني أكد أنه شخصيا لم يردد النشيد الوطني أيضا حينما كان لاعبا.

وشرح المحلل الرياضي الجزائري "زكرياء حبشي" في 17 أكتوبر 2022 هذه الازدواجية الفرنسية قائلا: "إنه النفاق بعينه وازدواجية المعايير التي تسود الإعلام الفرنسي".

أضاف: "هم يحتفون بالرياضيين إذا فازوا كفرنسيين وإذا أخفقوا يهاجمونهم كجزائريين"، وفق ما قال لموقع "تي ري تي عربي".

وسبق أن انتقد الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، لاعب ريال مدريد، كريم بنزيمة، وقال إنه "بلا عقل" عام 2016، بدعوى أنه ابتز زميله في المنتخب الفرنسي، ماتيو فالبوينا.

وقال هولاند إن بنزيمة ليس مثالا يُحتذى به، وإنه "سبب أزمة أخلاقية ولا يجب أن يفعل مثل هذه التصرفات الصبيانية ويبتز أحد مواطنيه بهذا الشكل".

ورد اللاعب باتهام "هولاند" بالعنصرية ضده بسبب ديانته وأصوله الجزائرية، وقال "إن الرئيس بدلا من أن ينهي المشكلة، ساهم في إشعالها أكثر".

كما قال مدرب ريال مدريد آنذاك زين الدين زيدان، إن من حق الرئيس توجيه انتقادات، "لكن ليس بقول أمور غريبة" تُشعر اللاعب بالانزعاج. وعوقب بنزيمة آنذاك بالاستبعاد من المنتخب الفرنسي.

عنصرية سياسية

ونال العديد من اللاعبين العرب والمسلمين في الفرق الأوروبية نفس العنصرية خصوصا عندما كانت تُهزم فرقهم، بينما كان يُنسب إنجازهم لو فازوا، لفرقهم وجنسيتهم الأوروبية لا الإفريقية أو الإسلامية.

عام 2019 ردد مشجعو نادي تشيلسي الإنجليزي هتافات عنصرية ضد محمد صلاح اللاعب المصري لفريق ليفربول، ونشروا فيديو على الإنترنت يسيء إليه لأنه عربي ومسلم زاعمين: "صلاح مفجر إرهابي"، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية في 12 أبريل/نيسان 2022.

وفي 3 سبتمبر/أيلول 2022 جرى تشويه جدارية لمحمد صلاح قبل مباراة إيفرتون وليفربول وكتب المتعصبون كلمة "Paki" على صورته، وهو مصطلح شعبوي إنجليزي يقصد به المنحدرين من أصل باكستاني وبه تلميح إلى أنهم "إرهابيين".

كما دفعت العنصرية اللاعب الألماني من أصل تركي، مسعود أوزيل، إلى اعتزال اللعب الدولي في أعقاب كأس العام يوليو/حزيران 2018 بسبب الهجوم عليه لالتقاطه صورة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مايو/أيار 2018.

ونشر أوزيل ردا عبر حسابه على تويتر، اتهم فيه رئيس اتحاد الكرة الألماني آنذاك بالعنصرية، وقال "في نظر راينهارد غريندل ومؤيديه، أنا ألماني عندما نفوز، ومهاجر عندما نخسر".

واتهمته صحيفة "بيلد" الألمانية حينئذ بدعم ما أسمته "طاغية يحاول فرض ديكتاتورية إسلامية"، بعد لقائه أردوغان وإهدائه قميصه، وكذلك اتهمته صحف أخرى بضعف الولاء لألمانيا.

ورد عليهم وزير العدل التركي عبد الحميد غل، حينئذ قائلا إن قرار أوزيل بترك المنتخب الألماني "أجمل هدف ضد فيروس الفاشية".

وفي سبتمبر/أيلول 2020 كشف لاعب المنتخب الفرنسي السابق "باتريس إيفرا" عن الممارسات العنصرية التي كان يتعرض لها هو وزملاؤه من ذوي الأصول الإفريقية، سواء من بعض المشجعين أو من إدارة المنتخب.

قال إن الأمر وصل إلى حد تشبيههم بالقردة، واستبعادهم من التقاط الصور مع رئيس الجمهورية الفرنسية حال زيارته للمنتخب.

في 15 فبراير/شباط 2021 نشرت جامعة برمنغهام سيتي دراسة عن تأثير الإسلاموفوبيا على اللاعبين المسلمين داخل وخارج الملعب، تستكشف "كيف تحولت اللعبة الجميلة إلى كراهية؟".

أوضحت عددا من الأسباب الجذرية للإسلاموفوبيا في كرة القدم، مثل عدم تمثيل المسلمين، وخاصة في الدوري الإنجليزي الممتاز، وربطهم بهجمات إرهابية بصفتهم مسلمين، وبث تقارير إعلامية سلبية عن الإسلام والمسلمين، لتشويه صورتهم.

كشفت أن لاعبين معروفين مثل محمد صلاح وغيره، تعرضوا لإساءات معادية للإسلام من جماعات مرتبطة باليمين المتطرف، ينشرون على مواقع التواصل والمدونات ما يؤيد السلوك العنيف والعنصري.

وجد الباحثون أن المشاركين في الدراسة (40 لاعب ولاعبة مسلمون) أبلغوا عن تجارب جرائم كراهية من أفراد من الجمهور، وكذلك من لاعبي الفرق والإدارة، فضلا عن ممارسات معادية للرياضيات المحجبات من الفتيات.

اتهم لاعبو كرة القدم المسلمون، سلطات كرة القدم بالفشل في التعامل مع الإسلاموفوبيا على محمل الجد.

وقالت المسلمات إن ارتداء الحجاب جعلهن هدفا للعداء من قبل مشجعين في الملاعب وعبر الإنترنت، فضلا عن رفض فرقهم اختيارهم للعب.

وقالت رياضية بريطانية مسلمة: "أتلقى منشورات عنصرية ومعادية للمرأة على حسابي في فيسبوك"، بحسب ما نشرته صحيفة "الغارديان" عن نفس الدراسة.

لذا، دعا علماء الجريمة اتحاد كرة القدم البريطاني إلى تقديم المزيد من الدعم للاعبين المسلمين بعد ما كشفته الدراسة.

وسبق أن أفادت منظمة بريطانية تراقب حالات العنصرية في 17 ديسمبر 2017 بأن لاعبي كرة القدم في الأحياء والأندية الصغرى "أصبحوا يعانون بشكل متصاعد من الاعتداءات اللفظية المعادية للإسلام".

وقالت المنظمة الخيرية لمكافحة التمييز في بريطانيا "Kick It Out" إن نسبة التمييز العنصري زادت في الملاعب بنسبة 42 بالمئة.

وبينت أنه فقط خلال عام 2019 أن التقارير التي تلقتها حول ذلك ارتفعت من 313 في عام 2018 إلى 446 عام 2019، وفق ما نشر موقع بي بي سي في 3 سبتمبر/أيلول 2020.