"انقلاب عسكري في الصين".. من نشر الشائعة وما سر التوقيت؟
منذ عودة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى بلاده منتصف سبتمبر/أيلول 2022 بعد نهاية قمة في أوزبكستان، انتشرت شائعات وأنباء بأن بكين شهدت أول انقلاب من نوعه نفذه عسكريون وأنهم وضعوا الرئيس قيد الإقامة الجبرية.
زادت البلبلة تصدر وسم بعنوان "انقلاب الصين" على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ونشرت مواقع إخبارية أنباء وتفاصيل عن هذا الانقلاب العسكري، واختفاء الرئيس الصيني عن الأنظار، وعدم صدور أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي ما يتردد.
كما جاء غياب الرئيس الصيني عن ندوة عسكرية للحزب الشيوعي في 21 سبتمبر بالتزامن مع إلغاء الآلاف من رحلات الطائرات ليعزز التكهنات.
وقبل انتشار مزاعم الانقلاب، جرت حملة إقالات طالت مسؤولين كبارا في الصين، ما زاد الاضطراب قبيل المؤتمر المهم للحزب الشيوعي الحاكم في الصين، في أكتوبر/تشرين أول 2022.
وتزامنا مع ذلك، اعتقل النائب السابق لوزير الأمن العام سون ليجون، ووزير العدل السابق فو زينهوا، ورؤساء الشرطة السابقون في شنغهاي وتشونغتشينغ وشانشي بتهم فساد، ووصفت الاعتقالات بأنها "أكبر عملية تطهير سياسي منذ سنوات".
لكن مراقبين قالوا إن قرارات "بينغ" هدفها القضاء على المنافسين السياسيين، وسحق حركة مؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ قبل اجتماع الحزب الشيوعي الصيني الذي يعقد مرة واحدة كل خمس سنوات، في 16 أكتوبر.
ظهرت تخمينات تربط بين الانقلاب المزعوم وهذه الإقالات، وبين التوقعات بأن يمنع مؤتمر الحزب الشيوعي الرئيس بينغ من البقاء لولاية ثالثة في حدث غير مسبوق بالبلاد، يرافقه رفض عسكريين صينيين لاستمراره بالسلطة.
وألغى بينغ البالغ من العمر 69 عامًا سابقا قوانين تمنع تولي الرئيس أكثر من ولايتين، لكنه سمح عام 2018 بأن يتولى فترة ثالثة مدتها خمس سنوات.
انتهت شائعة اعتقال الرئيس، ولم ينته الجدل بشأن الخلاف الحاصل على السلطة، حين ظهر الرئيس الصيني في 27 سبتمبر وهو يزور معرضا في بكين، وفقا للتلفزيون الحكومي.
ويقول خبراء غربيون إن مؤتمر الحزب الشيوعي عملية سرية لتوزيع السلطة، لا تعلن نتائجها وما أسفرت عنه من توزيع للمناصب العليا إلا في اليوم الأخير.
وقد زادت الحكومة من إحكام سيطرتها على الخطاب العام الداخلي في الأسابيع الأخيرة، وكلما اقترب موعد الاجتماع اشتدت وطأة سحقها لأصوات المعارضة، وفق تقارير صحفية غربية.
انقلاب في الصين؟
بدأت القصة بعد تغريدة نشرتها المعارضة وناشطة حقوق الإنسان الصينية البارزة، جينيفر زينج، عبارة عن مقطع فيديو وصفت بأنه اصطفاف لحافلات لوضع الرئيس الصيني قيد الإقامة الجبرية.
تفاعل المئات مع التغريدة التي نشرتها المعارضة الصينية، والتي تزامنت مع إلغاء آلاف الرحلات الجوية في الصين دون إعلان سبب واضح لذلك.
#PLA military vehicles heading to #Beijing on Sep 22. Starting from Huanlai County near Beijing & ending in Zhangjiakou City, Hebei Province, entire procession as long as 80 KM. Meanwhile, rumor has it that #XiJinping was under arrest after #CCP seniors removed him as head of PLA pic.twitter.com/hODcknQMhE
— Jennifer Zeng 曾錚 (@jenniferzeng97) September 23, 2022
تحدثت وسائل إعلام تايوانية ونيبالية أيضا عن انقلاب في الصين ووضع الرئيس "شي جين بينج" رهن الإقامة الجبرية.
وروجت وسائل إعلام هندية وناشطون هنود بكثافة لشائعة اعتقال الرئيس الصيني الذي تعد علاقات بلاده مع الهند متوترة.
قال من روجوا الشائعة إن أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي أجمعوا على سحب السلطة العسكرية من الرئيس الصيني بينما كان خارج البلاد، وعندما عاد إلى بكين ليلة 16 سبتمبر اقتيد من المطار إلى الإقامة الجبرية.
ولفت موقع wionews الهندي، متعدد اللغات في 26 سبتمبر إلى أن الشائعات بدأت بعد يومين فقط من سجن كبار المسؤولين الأمنيين بتهمة الفساد في الصين، لذا قيل إن لها أرجل أو شيئا من الحقيقة.
وغرد مراسل مجلة دير شبيغل الألمانية في بكين "جورج فاهريون" راصدا في 25 سبتمبر مظاهر الانقلاب مصحوبة بصور.
Today in Beijing, I investigated the #chinacoup so you don’t have to. At considerable personal risk, I ventured out to some neuralgic key points in the city. Disturbing finds. Brace yourselves. /1 pic.twitter.com/z4CJYpQbbk
— Georg Fahrion (@schorselysees) September 25, 2022
تحدث عن سيطرة نخبة من المظليين الصينيين متنكرين بمكر على بوابة القيادة الصينية والمجمع الرئاسي "زونج نناهي".
ورصد "بلطجية" تابعين للسلطات الصينية تعج بهم ساحة تيان آن مين المجاورة في ثياب مدنية، مؤكدا أن هؤلاء ليسوا سائحين.
كما لاحظ انتشار متمردين يرتدون زيا عسكريا يحرسون مقر شبكة الدولة الإعلامية ويسيطرون على إمدادات الكهرباء في العاصمة.
وأغلق الطريق الدائري الثاني بالقرب من وزارة الخارجية، أحد الطرق الرئيسة في بكين، أمام حركة المرور، ولوحظ انتشار رتل من المركبات العسكرية لمسافة 80 كيلو مترا.
وذكر تقرير لموقع إيبوك تايمز "The Epoch Times" في 24 سبتمبر أن الزعيم الصيني اختفى عن الأنظار بعد رحلة لمدة ثلاثة أيام إلى آسيا الوسطى ولم يحضر اجتماعا عسكريا رفيع المستوى ولم يذهب للمؤتمر السنوية للأمم المتحدة.
وأشار "إيبوك" إلى أن هذه التطورات تتزامن مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر الوطني العشرين في الصين، والذي سيتقرر فيه مد فترة الرئيس لولاية ثالثة له أم لا؟.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن هذا المؤتمر حدث محوري في الدورة السياسية في الصين، وهو اجتماع يجمع حوالي 2300 مندوب نادرا ما يعارضون.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن هذا الاجتماع الكبير سيكشف كذلك عن اتجاه السياسة العامة للصين وتشكيلة قيادتها المقبلة في وقت يتباطأ فيه النمو بالداخل وتتعمق التوترات في الخارج
بدورها، نفت مجلة "نيوزويك" الأميركية في 22 سبتمبر اعتقال الرئيس الصيني، لكنها استغربت عدم رد أي مصادر رسمية في الصين على هذه الشائعة الخطيرة، ما قد يشير ضمنا لوجود صراع ما.
قالت إنه اختفت تقريبا رحلات الطيران التي تحلق فوق العاصمة بكين في 21 سبتمبر مع تردد أنباء عن إلغاء جميع رحلات القطارات والحافلات بالعاصمة، ما عزز الشائعة.
أكد موقع "إيبوك تايمز" 21 سبتمبر إلغاء 9583 رحلة جوية على مستوى البلاد، بنسبة رحلات ملغاة 59.66 بالمئة من إجمالي الرحلات المجدولة في ذلك اليوم، وهو نفس يوم غياب الرئيس عن الندوة العسكرية للجيش.
ذكر موقع "Netease" وهي بوابة إخبارية صينية رئيسة، أن الإلغاءات كانت بسبب تفجر الإصابات بمرض كوفيد-19 في العديد من المقاطعات الصينية.
نفي غامض
حاول موقع الرئاسة الصينية نشر آخر نشاط للرئيس في 22 سبتمبر عقب تصاعد أنباء الانقلاب المزعوم.
وقال إن "بينغ" توجه برسالة للمزارعين الصينيين بمناسبة مهرجانهم السنوي الخامس، لكنه لم يظهر.
كما نشرت وكالة "شينخوا" الصينية الرسمية، 24 سبتمبر 2022 خبرا عن احتفال الرئيس الصيني "بمهرجان الفلاحين الصينيين فينج شوي" وقالت إنه التقى بالمزارعين من جميع أنحاء البلاد.
ونقلت شينخوا عن "بينغ" مطالبته لجان الحزب والحكومة أن تنفذ بشكل شامل سياسات وقرارات الحزب المتعلقة بمشروع سام نونغ لتعزيز ضمانات الأمن الغذائي، واستقرار الوضع الأساسي للزراعة، وتقوية وتوسيع إنجازات القضاء على الفقر"
وأفاد مراسل وكالة "نوفوستي" الروسية في بكين في 24 سبتمبر أن الأوضاع في العاصمة الصينية طبيعية والسكان يمارسون أعمالهم اليومية بشكل اعتيادي، مكذبا ما أشيع من أنباء عن "حدوث انقلاب عسكري".
وأعلنت الصين أن سكان العاصمة الصينية يستعدون بنشاط لـ "الأسبوع الذهبي"، في عطلة رسمية مدتها سبعة أيام بمناسبة الذكرى الـ 73 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، التي تصادف مطلع أكتوبر 2022.
ونقل موقع "أوت لوك" في 25 سبتمبر عن خبراء تأكيدهم أنه لا يوجد دليل ملموس على حدوث انقلاب أو أي اضطراب في الصين.
أوضح أن حسابات تويتر التي روجت للانقلاب، وتضم عدة آلاف من المتابعين، لم تقدم أي تحديثات عن تفاصيل ما بعد الانقلاب المزعوم، وأن معظم هذه الحسابات لمستخدمين مجهولين.
وقد أظهر تحليل بيانات أحد أبرز الوسوم المروجة لهذه الروايات، وهو "انقلاب الصين" أو #ChinaCoup كتابة أكثر من 39 ألف تغريدة و30 ألف إعادة تغريد حول هذا الأمر.
وتصدرت الهند دول الحسابات المشاركة في الوسم بنسبة 32 بالمئة من التغريدات تليها الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 24 بالمئة ثم نيجيريا، وروجت قنوات هندية شهيرة للانقلاب في الصين كأنه وقع بالفعل.
كما شاركت أيضًا بعض الحسابات المجهولة مقاطع فيديو لتحركات عسكرية ووقوع انفجارات زعمت أنها في بكين، وأظهر أحد المقاطع الأكثر انتشار بنحو 300 ألف مشاهدة وقوع انفجار ليلي.
وربط مراقبون بين هذه الشائعات وبين أزمة تايوان وتسريب جهات صينية وتايوانية معارضة لبكين هذه الأخبار المختلقة ضمن دعاية وحرب إعلامية غربية ضد الحزب الشيوعي الصيني.
رغم انتهاء شائعة الانقلاب بظهور الرئيس الصيني رسميا، ظلت وسائل إعلام غربية وآسيوية تشير إلى أن ما أشيع عن انقلاب ربما وراه صراع أو خلافات داخل القيادة الصينية.
دفع هذا صحيفة "الغارديان" البريطانية للحديث في 26 سبتمبر عن تحول الصين إلى بيئة حاضنة للشائعات والمؤامرات قبل المؤتمر الحاسم للحزب الشيوعي لمد ولاية الرئيس الصيني لفترة ثالثة.
ذكرت أن الشائعات التي لا أساس لها عن الانقلابات العسكرية في بكين تحولت إلى تكهنات محمومة قبل نتائج اجتماع الحزب الشيوعي الحاكم المتوقعة.
وقال "درو طومسون"، الباحث في كلية "لي كوان يو" للسياسة العامة، إن وقوع انقلاب في الصين ليس بالأمر المستبعد تماما، فقد أشارت أنباء سابقة إلى تخوف الرئيس من هذا الاحتمال، وفق الغارديان.
ومع ذلك فإن "الشائعات التي انتشرت عن انقلاب بدت أشبه بضربٍ من التفكير بالتمني"، وفق "طومسون" الذي رجح أن يكون مصدرها حركة "الفالون غونغ" المعارضة، عبر "حسابات غير موثوقة في الأساس".
وقال طومسون، الذي عمل سابقا بوزارة الخارجية الأميركية إن وسائل إعلام جماعة "فالون غونغ" كثيرا ما يبالغون، أو يعمدون إلى تسليط الضوء على معارضتهم للرئيس والحزب الشيوعي الصيني في تقاريرهم.
و"فالون غونغ"، هي حركة دينية صينية تقوم على فلسفة أخلاقية وشعائر روحية.
وكتب طومسون على تويتر أن "شائعات اعتقال بينغ لديها ما تستند إليه في الواقع، لأن الصين تمر بلحظة سياسية حرجة، علاوة على أن ما شهدته البلاد في المدة الأخيرة من محاكمات لمسؤولين بارزين عززت تأجيج تلك الأنباء ونشرها".
The rumor that Xi Jinping has been arrested has legs because it is such a sensitive political moment in China, and the recent trials (and convictions) of long-serving senior officials creates a hothouse atmosphere.
— Drew Thompson 唐安竹 (@TangAnZhu) September 23, 2022
أيضا قال موقع zeenews الهندي 26 سبتمبر إن شائعات انقلاب الصين ربما تعني أن "بكين تخفي شيئا كبيرا، والرئيس شي جين في مشكلة عميقة".
ذكرت أن الشائعات وصلت إلى حد تحديد من سيكون الزعيم الصيني الجديد بعد الانقلاب، وهو القائد العسكري الكبير، لي تشيا مينغ، الذي قد يخلف شي بينغ قريبا. ومع ذلك، لم يصدر أي تعليق رسمي على مثل هذه الأنباء.
المصادر
- China Coup: Beijing hiding something BIG? Xi Jinping is in DEEP TROUBLE? What rumours suggest
- Xi Jinping Trends Online Amid Coup Rumors, Canceled Flights
- Is China Having A Coup And Is Xi Jinping Under House Arrest? Here's What We Know
- China becomes ‘hothouse’ of intrigue ahead of crucial Communist party congress
- The truth behind 'China coup' and Xi Jinping being 'under house arrest'. Did social media cross the line?