صفقة سرية.. هل ينجح العراقيون بتشكيل الحكومة بعد استئناف أعمال البرلمان؟
بعد تعطل البرلمان العراقي عن العمل نحو شهرين استؤنفت الجلسات من جديد باتفاق جرى بين الإطار التنسيقي الشيعي والقوى الكردية والسنية، دون تحريك ساكن من التيار الصدري الذي طالما توعد بإفشال انعقاد البرلمان والمضي في تشكيل الحكومة.
وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2022 عقد البرلمان جلسة بحضور 235 نائبا من أصل 329، شهدت التصويت ضد استقالة رئيسه محمد الحلبوسي، إضافة إلى انتخاب المنتمي لكتلة المستقلين محسن علي أكبر المندلاوي نائبا أول له، بدلا عن القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي.
استئناف جلسات البرلمان أثار جملة من التساؤلات بخصوص مدى احتمالية أن تمهد هذه الخطوة الطريق أمام حكومة جديدة، في ظل استمرار خلاف القوى الكردية على منصب رئيس الجمهورية، والذي يأخذ على عاتقه تكليف مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة؟
قضي الأمر
وتعليقا على ذلك، رأى الباحث في الشأن العراقي لطيف المهداوي أن "صمت مقتدى الصدر تجاه استئناف جلسات البرلمان يبرره واحد من ثلاثة أمور، الأول وجود ضغط إيراني شديد عليه، والأمر الثاني انفضاض الداعمين له من حلفائه السنة والأكراد، وأخيرا أنه قد يكون بانتظار حراك تشرين للتحرك تحت عباءته".
وتوقع المهداوي لـ"الاستقلال" أن "تذهب الأمور إلى تشكيل حكومة من دون التيار الصدري الذي خسر فوزه التاريخي بحصوله على 73 مقعدا، وذلك بسبب قرارات زعيمه مقتدى الصدر المتخبطة التي أحرجت نواب كتلته وحلفاءه من السنة والأكراد بقرار استقالة كتلته من البرلمان في يونيو/ حزيران 2022".
ولفت إلى أن "حلفاء الصدر من السنة والأكراد لم يعد لهم قبل لمواجهة الإطار التنسيقي الشيعي الذي أصبح يمثل الأغلبية البرلمانية بعد انسحاب التيار الصدري، وكذلك سحبه أنصاره من المظاهرات والاعتصام داخل المنطقة الخضراء".
وأكد الباحث أن "الإطار التنسيقي مصر على تشكيل الحكومة ولن يقف أحد بوجهه سوى عودة المظاهرات مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2022 بقوة في ذكرى انطلاقتها عام 2019، ودخول التيار الصدري بكل ثقله تحت عباءتها لإعطائها زخما كبيرا وديمومة لبقائها".
وأشار إلى أن "الصدر إذا لم يقبل بدخوله في الحكومة والقبول ببعض الوزارات بشكل غير معلن، فإن الإطار التنسيقي سيسحقه بأدوات الدولة كما حصل في عهد رئيس الوزراء نوري المالكي الذي شن على التيار حملة صولة الفرسان عام 2007 وأودعهم السجن".
ولم يستبعد المهداوي حصول "اتفاق مبطن بين الإطار التنسيقي ومقتدى الصدر من أجل قبول الأخير بمناصب وزارية والذهاب إلى انتخابات مبكرة بعد عام واحد، لكن ذلك لن يمنح التيار الصدري نفس المقاعد التي حصل عليها في انتخابات عام 2021".
وتوقع الباحث العراقي أن "يتوصل الحزبان الكرديان (الديمقراطي والاتحاد الوطني) لاتفاق بخصوص اختيار شخصية واحدة لتولي منصب رئيس الجمهورية، خلفا للرئيس الحالي برهم صالح، الذي يصر الاتحاد الوطني على تجديد ولاية ثانية له، فيما يعارض ذلك الديمقراطي".
ترتيب الأوراق
وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي غالب الشابندر إن "الإطار التنسيقي لا يريد إرضاء زعيم الصدر، رغم وجود بعض الشخصيات من الإطار ترغب في ذلك، لكنهم يمتلكون عدد مقاعد قليلة، ومنهم: حيدر العبادي وعمار الحكيم وإلى حد ما هادي العامري".
واستدرك خلال مقابلة تلفزيونية في 28 سبتمبر: "لكن نوري المالكي وقيس الخزعلي لا يريدون ذلك، وكل ما يصدر عنهم من كلام بخصوص سعيهم لإرضاء الصدر غير صحيح، لأن هناك خلافا بنيويا بين الطرفين ومن الصعب ردمه، أي أن الأمر وصل بينهم إلى كسر عظم".
ورأى الشابندر أن "تغريدة وزير الصدر (صالح محمد العراقي) بعد انعقاد الجلسة تشير إلى أن زعيم التيار يوافق إعطاء فرصة لعمل حكومة الإطار التنسيقي، فإذا كان عملها جيدا فإنه يمضي معها، وإذا كانت خلاف ذلك فسيكون له موقف آخر".
— وزير القائد - صالح محمد العراقي (@salih_m_iraqi) September 28, 2022
وفي 28 سبتمبر حذر العراقي الكتل السياسية وزعماءها من استمرار الفساد المالي والإداري وإعادة استنساخ نفس تجارب الحكم في الحكومات السابقة، مؤكدا أن ذلك سيؤدي إلى "نهاية العراق".
وقال الشابندر إن "الصدر الآن يراجع وضعه ليس بخطوات سريعة، لأنه وجد نفسه أمام معادلة صعبة، وأتمنى أن يصل الإطار التنسيقي إلى اتفاق، لكن ذلك أجده بعيدا".
وأكد أن "ما حصل من اتفاق بين الإطار التنسيقي وتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني والآخرين هو نتيجة تنازلات هائلة قدمها الشيعة للأكراد والسنة بشكل واضح لا يحتاج إلى نقاش، لذلك لغة المحاصصة والتنازلات أصبحت هي الماشية ولن تتنج حكومة قوية بطبيعة الحال".
ونصح الشابندر، مقتدى الصدر أن "يقبل بالأمر الواقع ويعيد ترتيب أوراقه من جديد ومراقبة الحكومة لأنها ستكون هشة ومليئة بالفراغات وغير قادرة على تسيير الأمور، وستتعرض لانشقاقات كبيرة، لذلك الأسلم للتيار الصدري الانسحاب ومراقبة ما يجري".
"إدارة الدولة"
وجاءت جلسة البرلمان بعد توقيع ست من أكبر الكتل البرلمانية التي تمثل المكونات الرئيسة في العراق على اتفاق سياسي لتشكيل ائتلاف "إدارة الدولة" من أجل استئناف عقد جلسات البرلمان، والمضي في انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
القوى الموقعة على الدخول في الائتلاف الجديد هي: "الإطار التنسيقي الشيعي، تحالف السيادة السني، تحالف عزم السني، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، حركة بابليون المسيحية"، بحسب ما أعلنت قوى سياسية تنتمي إلى "الإطار".
وأعلن فادي الشمري القيادي في تيار "الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، عبر "تويتر" في 25 سبتمبر، توقيع الكتل ورقة الاتفاق السياسي على أمل استكمال مشاورات تسمية مرشح رئاسة الجمهورية وتحديد موعد استئناف عمل البرلمان العراقي لمهامه الدستورية.
#الان
— فادي الشمري (@Fadi_H_alshamri) September 25, 2022
الاتفاق النهائي على تشكيل #تحالف_ادارة_الدولة بين #الاطار_التنسيقي والحزبين الكرديين وتحالف #العزم وتحالف #السيادة و #بابليون وتوقيع ورقة الاتفاق السياسي.
على امل استكمال مشاورات تسمية مرشح رئاسة الجمهورية وتحديد موعد استئناف عمل مجلس النواب العراقي لمهامه الدستورية.
ونقلت شبكة "رووداو" الكردية في 26 سبتمبر، عن القيادي في حزب الدعوة الشيعي، عباس البياتي، إنه "في ورقة الاتفاق السياسي لتشكيل ائتلاف إدارة الدولة هناك فقرات عدة، من ضمنها معالجة قضية النفط والغاز لإقليم كردستان، وأن هناك ثلاثة أشهر سقفا زمنيا وضعت لتشريع قانون النفط والغاز الموضوع على درج البرلمان منذ عام 2003".
وأردف البياتي: "وفي البرنامج الحكومي لمحمد شياع السوداني كذلك، هنالك فقرات تتعلق بقضية النفط وتصديره، وقضايا تتعلق بهذا الملف، فأنا أطمئنكم بأن هذا الأمر له الأولوية لأنه أهم مطلب لدى إقليم كوردستان".
وفي فبراير/شباط 2022، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق حكما يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
من جهته، أشاد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بشخصية مرشح الإطار التنسيقي الشيعي لرئاسة الحكومة المقبلة محمد شياع السوداني، مبينا أن ائتلاف "إدارة الدولة" سيكون بمشاركة جميع القوى السياسية في الحكومة.
وقال الحلبوسي خلال مشاركته في ملتقى "حوار الرافدين" الذي أقيم ببغداد، في 27 سبتمبر، إن "جميع القوى السياسية المشاركة في تحالف بناء القوى ستتعاون في تحمل مسؤولية إدارة الدولة، لذلك فقد أطلق عليه تلك التسمية".
وأضاف أن "القوى السنية ستحصل على حقوقها بعودة النازحين وإعمار المدن المحررة وإنهاء المساءلة والعدالة والمخبر السري وتعريف التعامل مع الإرهابي في المناطق المحررة"، مبينا أن "شخصية محمد السوداني مهمة وقادرة على تحقيق الإنجازات".
وفي الوقت الذي يرفض فيه التيار الصدري أي حكومة توافقية، فإن قوى "الإطار التنسيقي" تصر على تشكيلها برئاسة السوداني، بدلا من حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي.
المصادر
- الكشف عن أسباب اطلاق تسمية "تحالف إدارة الدولة"
- اتفاق "ائتلاف إدارة الدولة" يحدد 3 أشهر لتشريع قانون النفط والغاز
- وزير الصدر يوجه تحذيرا للسياسيين: إن عدتم كما كنتم فإنها نهاية العراق ونهايتكم
- العراق: قوى حليفة لإيران نحو تشكيل ائتلاف "إدارة الدولة" لحل الأزمة
- "إدارة الدولة".. تحالف سياسي يضم الجميع إلا مقتدى الصدر