بشارة الراعي.. بطريرك لبناني يهاجم وطنه لصالح الأسد ويعادي اللاجئين

12

طباعة

مشاركة

في وقت يتوجب على رأس الكنيسة المارونية اللبنانية الممثلة بشخص بشارة الراعي، أن يكون "داعيا للرحمة والإنسانية"، يكرر البطريرك خطابه "التحريضي والعدائي والعنصري" تجاه اللاجئين السوريين.

تمثلت أحدث خطوة بإطلاق الراعي تصريحات جديدة خاطب فيها اللاجئين السوريين قائلا: "فرضت عليكم الحرب الأولى ولكن إن لم تعودوا إلى منازلكم فأنتم تفرضون على أنفسكم الحرب الثانية، ولا يمكنكم البقاء على حساب لبنان".

وفي مقابلة ببرنامج "وهلق شو" على قناة الجديدة المحلية في 11 سبتمبر/أيلول 2022، توجه الراعي إلى المسؤولين اللبنانيين قائلا: "فلتتفاوضوا مع السوريين لعودة النازحين، ولتسألوا الرئيس السوري بشار الأسد، ما إن كان يريد عودتهم قبل التنبؤ بموقفه، وإن كان هناك جزء لا يريد عودتهم، ليعد الباقي من غيرهم".

وأردف قائلا: "البابا فرنسيس كان يريد أن يبقى السوريون في لبنان، لكنني قدمت له تقريرا مفصلا اقتصاديا واجتماعيا عن تأثيرهم على البلد وتغيير معالمه.. وبكرا شي واحد يطلعنا بشي مرسوم تجنيس".

كلام الراعي، أكد من جديد على موقفه "الطائفي وغير الإنساني" تجاه اللاجئين السوريين، الذين فروا إلى لبنان هربا من قتل أجهزة مخابرات نظام بشار الأسد لهم وقصف طائراته لبيوتهم.

وما يزال أكثر من مليون سوري عبروا إلى لبنان المجاور منذ عام 2011، يخشون العودة إلى بيوتهم الأصلية، خوفا من عمليات تعذيب وانتقام وقتل من قبل أجهزة نظام الأسد الأمنية على خلفية انتفاض مدنهم ومشاركتها بالثورة الشعبية التي تفجرت في مارس/آذار 2011.

بشارة الراعي

ولد بشارة يوسف الراعي، في منطقة حملايا - المتن في لبنان في 25 فبراير/شباط 1940، لأسرة مسيحية من الموارنة.

وانتخب الراعي الذي كان مطرانا لمنطقة جبيل، بطريركا جديدا لأنطاكية وسائر المشرق للموارنة، بعد خلوة للكرادلة (مجموعة تختار البطريرك) استمرت ستة أيام، في مارس/آذار 2011.

وآنذاك رجحت كِفة الراعي في دورة الاقتراع الثالثة عشرة وهي الأخيرة، فرفع بعدها اسمه إلى بابا الفاتيكان بنيديكتوس السادس عشر كي يصدق على انتخابه حينها، ونصب كردينالا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

والبطريرك المنتخب مقرب جدا من سلفه الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير، وله علاقة وثيقة مع الفاتيكان.

ويعد الراعي رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، ورئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك.

ودرس الدروس التكميلية والثانوية في مدرسة سيدة الجمهور للآباء اليسوعيين منذ 1957 - 1962.

كما درس فلسفة ولاهوت "ليسانس" وحقوق كنسية ومدنية "دكتوراة" ومحاماة روتالية "3 سنوات" في روما في جامعة مار يوحنا اللاتران - محكمة الروتا الرومانية، من 1962 – 1975.

وعين مسؤولا عن قسم اللغة العربية في إذاعة الفاتيكان من 1968 – 1975. كما شغل منصب نائب رئيس دير مار أنطونيوس الكبير للرهبنة المارونية المريمية في روما.

وشغل الراعي كذلك، منصب قاض في المحكمة الابتدائية المارونية الموحدة بلبنان من 1977 – 1982.

والراعي مؤسس ورئيس جامعة سيدة اللويزه، 1978 – 1984، وكانت آنذاك تعرف باسم "مركز سيدة اللويزة للتعليم العالي" بالتعاون مع كلية بيروت الجامعية BUC واليوم LAU.

كما عين رئيسا للمحكمة البطريركية الاستئنافية من 1982 – 1986. وتولى الإشراف على المحاكم الروحية المارونية في لبنان من 1986 – 1992.

كما عينه بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني عضوا في المجلس البابوي "قلب واحد" من 1988 - 1994.

وانتخب الراعي من 2010 - 2011 عضوًا في مجلس تطبيق قرارات جمعية سينودس الأساقفة الخاصة بالشرق الأوسط، ممثلا الكنيسة المارونية.

وأصدر عام 2005 سلسلة التنشئة المسيحية وهي من سبعة أجزاء. وحصل عام 1994 على وسام الاستحقاق الوطني برتبة كومندور من رئيس جمهورية إيطاليا السابق، جورجيو نابوليتانو.

كما نال عام 2007 وسام الأرز الوطني برتبة كومندور، من رئيس جمهورية لبنان السابق العماد إميل لحود، وحصل عام 2011 على "وسام الصليب الأكبر" من رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق نيكولا ساركوزي.

مواقف مشينة

اللافت أن موقف البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي من اللاجئين السوريين، الذين يواجهون عنصرية شديدة تجاههم في لبنان، ودعوته لعودتهم إلى بلدهم قبل تحقيق الأمن والاستقرار فيها، ليس بجديد.

وسبق أن رأى الشيخ اللبناني حسن مرعب، في كلمة له في سبتمبر 2012 ردا على كلام الراعي لإذاعة الفاتيكان حينها عن اللاجئين السوريين أن "هذا الخطاب الصادر من رأس الكنيسة المارونية والذي يفترض أن يكون راعي الرحمة والإنسانية يجب ألا يصدر عنه".

ومضى مرعب يقول: "ألا تتخيل في رأسك إلى أين سيؤدي بنا هذا الخطاب وسط انتشار السلاح، وكأنك تقول لجماعتك ورعيتك تفضلوا أخرجوا هؤلاء من لبنان ويتم الاعتداء عليهم بدعوة منك وقد يقتل السوري ويضرب وتسيل الدماء في الشوارع".

ويواجه اللاجئون السوريون حملات عنصرية يطلقها ساسة لبنان الموالون لنظام بشار الأسد.

ويكاد يكون خطاب المنظومة السياسية الحالية في لبنان موحدا، ويتركز على مناصبة العداء للاجئين السوريين والتذمر من وجودهم وتحميلهم أزمة الانهيار الاقتصادي، ولعب دور وظيفي للتسويق لرؤية الأسد حول عودة اللاجئين بدعم من روسيا.

ويعد البطريرك الراعي من الموالين لبشار الأسد، والداعين لانفتاح كامل معه من قبل الدولة اللبنانية، ولهذا يؤكد مراقبون أن صوته المعادي للاجئين مدفوع بشكل أو بآخر من هذا النظام.

وبحسب مسيرة الراعي، فإنه لم يكن على خطى سلفه المارونيين، في مناصبة نظام الأسد العداء نتيجة تنكيل الأخير بهم إبان وصايته على لبنان منذ ثمانينيات القرن العشرين حتى عام 2005.

والحدث المفصلي، الذي كشف توجهات الراعي، كان حينما وصل مطلع سبتمبر 2013، إلى العاصمة السورية دمشق وصلى في كاتدرائية مار أنطونيوس هناك من أجل "السلام والطمأنينة ومن أجل عودة النازحين، وإيجاد الحلول الدبلوماسية لكل الأمور العالقة".

وأثارت تلك الزيارة حينها جدلا واسعا كونها، تعد الأولى لبطريرك ماروني إلى سوريا منذ العام 1943، إذ شهدت العلاقات بين الموارنة في لبنان ونظام الأسد توترات ولا سيما خلال فترة الوجود السوري العسكري في لبنان بين العامين 1976 و2005.

ورفض البطريرك السابق نصر الله بطرس صفير زيارة سوريا طوال مدة ولايته التي استمرت أكثر من 25 عاما، لا بل قاد المعارضة المسيحية ضد النظام السوري عقب الثورة عام 2011.

ناصر الأسد

وسبق ذلك إثارة الراعي ردود فعل غاضبة حينما دافع عن رئيس النظام السوري بشار الأسد ودعا "لمنحه فرصة لتطبيق الإصلاحات السياسية التي بدأها".

وحذر البطريرك الماروني مما وصفها "مرحلة انتقالية في سوريا قد تشكل تهديدا لمسيحيي الشرق"، في إشارة إلى احتمال سقوط النظام السوري تحت ضغط الشارع.

وللمفارقة فقد صمت الراعي عن قتل السوريين بمن فيهم المسيحيون عقب ذلك، وتدمير طائرات النظام للكنائس.

ورغم ذلك، لم يتخلف شباب المسيحيين في الالتحاق بالمظاهرات السلمية والمطالبة بإسقاط نظام الأسد.

ولم يسلم المسيحيون من القتل والتعذيب والاعتقال من قبل أجهزة مخابرات الأسد، فضلا عن قصف منازلهم وتهجيرهم من مدنهم.

وحتى الآن يدعو الراعي لانفتاح حكومة لبنان بشكل أكبر مع نظام الأسد، وهو بذلك يتماهى مع موقف رئيس الجمهورية ميشال عون الماروني، والذي يعد أحد أبرز حلفاء الأسد راهنا في لبنان بعد حزب الله.

أما موقف الراعي من حزب الله المدعومة من طهران بالمال والسلاح، ويهيمن بقوة الأخيرة على لبنان منذ عقود، فكانت متأرجحة دائما بين الهدوء والفتور والسجال الكبير.

ولطالما انتقد الراعي وهاجم حزب الله، منها على خلفية الحملات التي يشنها الحزب ضد دول عربية، وتهدد استقرار لبنان وتعمق من أزماته الاقتصادية.

وسبق أن عد حملات حزب الله "منطلقة من مصالح دول أجنبية". كما انتقد سلاح الحزب، وقال في لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون في 17 أبريل/نيسان 2022، إن "الإصلاح يترافق مع توحيد السلاح والقرار".

مواقف شعبية

ودائما ما يستخدم البطريرك الراعي، "عظة يوم الأحد" في الصرح البطريركي الماروني في بكركي، شمالي بيروت، للتعبير عن مواقفه السياسية، والتعليق على المشهد اللبناني الساخن.

وانتقد الراعي حزب الله خلال لقاء له عبر الفيديو كونفرس، مع مجموعة من الطائفة المسيحية بأبرشية مار مارون بروكلين في الولايات المتحدة أواخر مارس 2021.

وتوجه البطريرك الراعي في الفيديو إلى "حزب الله" بتساؤلات أبرزها: "لماذا تقف ضد الحياد؟ هل تريد إجباري على الذهاب إلى الحرب؟ هل تريد إبقاء لبنان في حالة حرب؟ هل تأخذ برأيي حين تقوم بالحرب؟".

وتابع: "هل تطلب موافقتي للذهاب إلى سوريا والعراق واليمن؟ هل تطلب رأي الحكومة حين تعلن الحرب والسلام مع إسرائيل؟

كما لا يتوانى البطريرك الماروني، عن مهاجمة المسؤولين في الدولة اللبنانية.

ودعا خلال إلقائه "عظة عيد الميلاد" في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021، هؤلاء المسؤولين إلى الكف عما وصفها بـ"جريمة تعذيب وقهر" المواطنين "الذين يعانون الفقر والجوع والحرمان من أبسط وسائل الحياة كالغذاء والدواء والتدفئة".

كما انتقد الراعي، في 7 أغسطس 2022 الساسة اللبنانيين متهما إياهم بتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة.

وقال حينها: "أليس انقسام السلطة السياسية في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديًا وأفقيًا، هما في أساس الانحلال السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي؟".

ويخشى الراعي من حدوث فراغ في منصب رئاسة الجمهورية المخصص للموارنة ضمن المحاصصة الطائفية في لبنان، إذ ستنتهي ولاية ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ويتعين لتجاوز الفراغ انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء المدة المذكورة.

وإذ يطمح جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر اللبناني، وصهر عون، لوراثة الرئاسة عن عمه، يعارض البطريرك تولي الأول المنصب.

وحدد الراعي، مواصفات الرئيس المقبل، بأن يكون "متمرسا سياسيا وصاحب خبرة، محترما وشجاعا ومتجردا ورجل دولة وحياديا في نزاهته وملتزما في وطنيته".

وتابع الراعي: "ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب ولا يشكل تحديا لأحد، ويكون قادرا على ممارسة دور المرجعية الوطنية والدستورية والأخلاقية على جمع المتنازعين، للشروع في وضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقي والتغيير الإيجابي".

ويعد كلام الراعي، ضربا مباشرا بباسيل الذي شغل سابقا منصبي وزيري الطاقة والخارجية، والمتهم بالارتهان لحزب الله.

وكذلك يتهم باسيل بعدم القدرة على استيعاب خصومه السياسيين الراغبين في انتشال لبنان من أزماته وعلى رأسها الاقتصادية التي عصفت به منذ عام 2019، كما يتهمه الشارع بأنه أحد رموز الفساد المالي في البلاد.

فضلا عن أن رئيس الكنسية "البطريركية المارونية" بشارة الراعي يدعم خيار قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون، لدخول قصر بعبدا "رئيسا إنقاذيا".

وكثيرا ما حضر الراعي جلسات مغلقة في القصر الرسولي بالفاتيكان، ومنها عام 2021، إذ قال إنه ناقش: "حياد لبنان عن نزاعات المنطقة، والمؤتمر الدولي، وموضوع حزب الله وسلاحه".

وزار بشارة الراعي مدينة القدس المحتلة في 23 مايو/أيار 2014 في جولة هي الأولى من نوعها منذ قيام دولة إسرائيل في عام 1948، ليحضر وقتها زيارة "البابا فرانسيس" إلى الأراضي الفلسطينية.

 وتعرض الراعي لهجوم من حزب الله، إذ إن لبنان يعيش "حالة حرب" مع إسرائيل تمنعه من إقامة أي علاقات دبلوماسية معه، في حين أكد الأول حينها وجود أمور دينية تخص المسيحيين والقدس بعيدا عن التداعيات السياسية.