استنساخ لمزاعم الصهاينة في الأقصى.. هكذا يبرر الهندوس هدم المساجد

12

طباعة

مشاركة

بعد مشاهد يومية لحصار متطرفين هندوس مساجد المسلمين وهم يحملون السيوف والأسلحة، وإقامة احتفالات صاخبة أمامها وتهديدات بحرقها، بدأت الهند خطة جديدة لتحويلها إلى معابد.

الخطة الهندوسية التي تتشابه مع أجندة الصهاينة ضد المسجد الأقصى، تقوم على ادعاء وجود آثار لمعابد أو تماثيل آلهة هندوسية أسفل بعض المساجد التاريخية القديمة، ومن ثم الدعوة لصلاة الهندوس داخلها وتحويلها إلى معابد أو هدمها بالقوة.

أجج هذه الحملة الجديدة قبول المحاكم الهندية خلال الشهور القليلة الماضية، دعاوى قدمها هندوس للصلاة بأصنامهم داخل مسجدين أثريين هما مسجد "غيان وابى" بمدينة واراناسي، والآخر مسجد "عيدكاه" بمدينة ماتهورا شمال البلاد. 

مزاعم انتقامية 

وبدأ هندوس، منذ مارس/آذار 2021، في حصر ثلاثة آلاف مسجد يزعمون أن بها أثارا هندوسية أو أنها كانت معابد حولها المسلمون لمساجد ويطالبون باستعادتها.

زعموا أن هذه الثلاثة آلاف مسجد، لا تشمل معابد أخرى ادعوا أن المسلمين هدموها في الهند، ونشروا قائمة بأسماء هذه المساجد للمطالبة بإعادتها لمعابد هندوسية.

التطور الجديد جزء من خطة أكبر لإعادة تشكيل الهوية وفق سياسة "الهند للهندوس" التي يقودها رئيس الوزراء المتطرف ناريندرا مودي.

إذ بات تمجيد "نقاء العنصر الهندوسي" والعداء للمسلمين يسيطر على الأجندة السياسية.

ودعاوى غلاة الهندوس بشأن المساجد قديمة، وتصاعدت حين جرى هدم المسجد البابري في أيودهيا خلال ديسمبر/كانون الأول 1992.

هدأ الأمر بعدما ثار الرأي العام الهندي والعالمي ضد تيار الحركة الهندوسية السياسية (هيندوتفا)، لكن التصعيد عاد الآن بقوة.

ولأن قرار المحكمة الهندية انتصر للهندوس، عده المسلمون مؤشرا لما ينتظر آلاف المساجد الأثرية، والتي يزعم غلاة هذه الطائفة المتعصبة أنها قد أقيمت على أنقاض معابدهم، ويخشون هدمها، بعد انتشار قائمة تشمل 3 آلاف مسجد مهدد بالهدم.

فهناك مطالب أخرى بتحويل عشرات من المساجد إلى معابد، مثل المسجد الجامع في دلهي، مسجد "قوة الإسلام" الملحق بمنارة قطب في دلهي (وهو أول مسجد أقيم شمال البلاد قبل أكثر من ألف سنة) ومقبرة "تاج محل" في آغرا.

ومسجد "كمال مولى" في دهار، ومقبرة الولي "بابا بودان غيري" في شيكمانغلور بولاية كرناتكا، والمسجد الجامع بمدينة مانديا (وهو في قصر السلطان تيبو في سيرينغاباتنام).

والمسجد الجامع في بدايون، والمسجد الجامع بمدينة آغرا، بحسب ما نشر موقع "الرسالة" الهندي 16 سبتمبر/أيلول 2022.

ويقول الصحفي وزعيم الجالية المسلمة في دلهي ظفر الإسلام خان، إن مئات من المساجد الأثرية تواجه خطر استيلاء الهندوس عليها، ولا يمضي يوم إلا ونسمع عن دعوى أو قضية جديدة تُرفع في محكمة ما تطالب بمسجد أو مقبرة إسلامية.

أضاف، في مقال نشره بموقع "الجزيرة" 16 سبتمبر 2022: "أحيانا ينجحون في الاستيلاء على جزء من هذه الآثار حين يُفضل مسلمو المنطقة الضعفاء قبول تسوية مع الجانب الهندوسي الذي يتمتع بتأييد السياسيين والشرطة والمحاكم".

ويعتقد مراقبون أن هذه الإجراءات ستستمر في ظل دعم حكومة حزب بهاراتيا جاناتا المتطرف، واستغلالها لإحداث استقطاب سياسي حاد يستفيد منه الحزب الحاكم، الذي يمثله مودي، للحصول على أصوات الهندوس واستعدائهم المسلمين.

يؤكدون أن قادة الهندوس المتطرفين يسعون للانتقام بدعوى الثأر التاريخي من حكام الهند المسلمين السابقين الذين يزعمون أنهم استولوا على معابدهم وحولوها لمساجد في الماضي.

لكن يرى الطرف الآخر أن الهدف الأساسي من هذه الممارسات هو تحويل المسلمين إلى مواطنين درجة ثانية.

وهو مطلب للحركة الهندوسية السياسية (الهندوتفا) التي تؤمن بأن المسلمين والمسيحيين ضيوف على الهند.

ومن ثم فهم ليست لهم حقوق، وعليهم قبول ما يعطى لهم، وفق زعمهم، لذا ينتزعون أملاكهم أو يهدمونها بدعوى أنها غير قانونية.

وضمن هذه الحملة على مساجد مسلمي الهند، أجبرت الشرطة والسلطات الهندية قرابة 900 مسجد في مومباي مايو/أيار 2022 على خفض صوت الأذان بعد مطالب هندوسية، بدعوى منع الضوضاء.

سبق ذلك في أبريل/نيسان 2022 تهديد راج ثاكيراي، وهو زعيم لحزب هندوسي محلي، بأن تلتزم المساجد بـ "حدود الضوضاء المسموح بها"، وهدد بأنه إذا لم يفعلوا ذلك، فإن أتباعه سيحتجون أمام المساجد مرددين صلوات الهندوس.

ورغم التزام المسلمين بخفض صوت الأذان، يقيم الهندوس بشكل مستمر احتفالات ويشغلون موسيقى صاخبة أمام المساجد في وقت الصلاة بغرض التضييق عليهم.

استنساخ من الصهاينة

في 22 مايو 2022 قدمت خمس نساء هندوسيات دعوى أمام محكمة واراناسي، يطالبن بالحق في الصلاة داخل مسجد بالمدينة، بزعم العثور على رموز مرتبطة بالإله الهندوسي المزعوم "شيفا" في المسجد، بحسب وكالة رويترز البريطانية.

كانت الدعوى التي قدمنها تحمل نفس الحجج الصهيونية في بناء الهيكل اليهودي في الحرم القدسي بدعوى أن المسجد بني فوق أنقاض الهيكل.

زعم أن معبدا هندوسيا كان موجودا قبل المسجد في الموقع، وأن آثارا لهم لا تزال هناك، منها نافورة مسجد "جيانفابي" التي يزعمون أنها العضو التناسلي لإلههم شيفا، مطالبين بالسماح للهندوس بدخول المسجد وتحويله لمعبد.

وافقت المحكمة على دراسة الطلب في 12 سبتمبر 2022، ثم فتحت باب المرافعات في 22 من ذات الشهر، ورفضت طعن المسلمين باستبعاد الدعوى، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.

فتح قبول المحكمة الدعوى الهندوسية، الباب لفحص النافورة "علميا" لمعرفة صحة مزاعمهم، رغم تأكيد المسلمين أنها نافورة المسجد ولا علاقة لها بإله الهندوس المزعوم، وجرت أعمال حفر داخل أساسات المسجد بحثا عن آثار معبد هندوسي.

وجاء قرار المحكمة برغم حث المسلمين لها بعدم قبول الالتماس لأن القانون الذي صدر عام 1992، بعد نزاع مسجد أيودهيا وهدمه "يمنع تغيير الطبيعة الدينية لدار العبادة"، ما يشير لتواطؤ القضاة الهندوس ضد المساجد.

زعم قضاة محكمة واراناسي الهندوس أن قانون 1992 الخاص بأماكن العبادة "يحافظ على الأماكن الدينية" و"الطابع الديني لجميع أماكن العبادة العامة كما كانت في 15 أغسطس 1947"، ولكنه "لا يمنع غير المسلمين من العبادة فيها".

أثار مخاوف المسلمين أكثر، زعم وسائل إعلام هندية أن فريق مسح حكوميا زعم أنه عثر على آثار للإله الهندوسي شيفا ورموز دينية داخل المسجد.

لذا يخشون أن يؤكد الخبراء الذين ستستعين بهم المحكمة مزاعم الهندوس، كما جرى سابقا بخصوص المسجد البابري، حين قُبلت شهادات كاذبة وتم الحفر لإثبات أن هناك معبدا في أساس المسجد ثم هدمه، وهو أمر رفضه علماء آثار راسخون حينئذ.

"هذا يعني أن قانون الحفاظ على أماكن العبادة، أصبح بلا معنى، بموجب قرار المحكمة في 12 سبتمبر 2022" حسب ما قال زعيم الجالية المسلمة في دلهي، ظفر الإسلام خان، لإذاعة صوت أميركا في 14 من ذات الشهر.

أضاف: "لا يوجد قانون ولا التزام أصبح الآن مقدسا في الهند"، ولم يعد لمساجد المسلمين من يحميها، وكل شيء حسب إرادة المتعصبين الذين يرفعون راية "هندوتفا"، وهي عقيدة هندوسية تجمع بين التطرف الديني والغلو القومي.

أوضح أن "هناك قضايا قضائية مماثلة تتعلق بالمساجد والمنشآت الإسلامية الأخرى في أماكن مختلفة في جميع أنحاء الهند، وهذا الحكم سيشجع محاكم أخرى على اغتصاب مساجد المسلمين تدريجيا في المستقبل، كما حدث مع مسجد بابري". 

وقال أستاذ اللغة الهندية في جامعة دلهي أبورفاناند، إن أمر المحكمة الصادر بنظر قضية مسجد غيان وابى "أوجد وأعطى بذلك للهندوس حصة في المسجد".

وبين في تصريحاته لإذاعة صوت أميركا أن "أمر المحكمة يشكل عملية تفكيك حقيقية لقانون أماكن العبادة"، وأنه شجع قادة حركة هندوتفا المتطرفة للتهديد باتخاذ إجراءات ضد مساجد أخرى في الهند. 

ونقلت إذاعة "صوت أميركا" 14 سبتمبر عن "سوهانلال آريا" المحامي الذي يمثل الجانب الهندوسي قوله: "إن قرار المحكمة انتصار للهندوسية، يجب أن يُنظر إليه على أنه حجر الأساس لمعبد (مسجد) غيان وابى".

وزعم قاضي المقاطعة في حكمه لصالح الهندوس أنهم كانوا يعبدون آلهتهم في المكان المتنازع عليه (المسجد) باستمرار منذ 1947 حتى 1993، مرة واحدة في السنة بموجب اللوائح التنظيمية لولاية أوتار براديش، لذا يحق له قبول الدعوى.

مسجد غيان وابى

وأهمية هذا المسجد (غيان وابى)، مقارنة بآلاف المساجد التي يطالب هندوس بالصلاة فيها أو هدمها بزعم أن أسفلها معابد هندوسية، هو أنه يقع في منطقة "فاراناسي"، إحدى أقدس مدن الهندوسية على ضفاف نهر الغانج، بحسب بلومبيرغ.

كما أن المسجد يقع في منطقة ضمن الدائرة الانتخابية لرئيس الوزراء الهندي المتطرف ناريندرا مودي الذي يدعم قمع المسلمين.

لذا فالدعوى يمكن أن تتحول إلى نقطة نزاع ديني بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة (نحو 200 مليون).

ولو حكمت المحكمة لصالح الهندوس سيجرى السماح لهم بدخول المسجد ووضع أصنام لآلهتهم المزعومة داخله وعبادتها.

وهو ما يهدد بتجدد الصدامات التي جرت من قبل في المسجد البابري وانتهت لهدم العصابات الهندوسية له في ديسمبر 1992.

وقد دعا رجل الدين البارز "خالد راشد فرنجيمالي" المسلمين إلى "الهدوء في رد الفعل أو الشعور بالغضب" من قرار المحكمة، لأنه يمكن نقل الأمر إلى المحكمة العليا لمراجعة القرار، بحسب ما نشرت صحيفة "تليجراف انديا" 13 سبتمبر 2022.

لكن نقل الأمر للمحكمة العليا، يعيد للأذهان قصة المسجد البابري، عندما سمحت هذه المحكمة الفيدرالية عام 2019، للهندوس بالاستيلاء عليه وبناء معبد هندوسي في موقعه.

وذلك بعدما أقرت محكمة فرعية تقسيم المسجد بين المسلمين والهندوس ورفض الطرفان الحكم.

ويخشى زعماء الجالية المسلمة أن يؤدي الحكم الجديد إلى أحداث مشابهة لأعمال الشغب الدينية المميتة التي وقعت عام 1992 بشأن مسجد بابري الذي بني أيضا في عهد المغول في أيوديا، والذي زعم الهندوس أنه مسقط رأس إلههم رام.

وهدم حشود من الهندوس المسجد حينئذ، بعدما منحت المحكمة العليا في الهند عام 2019 الموقع الديني لمسجد بابري المتنازع عليه لهم، مما أثار سلسلة من الاحتجاجات أودت بحياة 2000 شخص، معظمهم من المسلمين.

قبل دعاوى الهندوس بأن المسجد بُني على أنقاض معبد شيفا ومطالبتهم بالصلاة فيه، هاجم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الإمبراطور المغولي المسلم الذي بنى المسجد.

وبنى مسجد "غيان وابى" الإمبراطور المغولي المسلم أورنجزيب في عام 1669، وظل يحكم الهند لما يقرب من 50 عاما من 1658 إلى عام 1707، وكان يوصف بأنه "آخر إمبراطور مغولي حقيقي"، وفق ما نشرت شبكة "بي بي سي" في 27 مايو 2022.

وتحدث رئيس الوزراء الهندي في ديسمبر 2021 عما أسماه "فظائع أورانجزيب وإرهابه" في فعالية أقيمت بمنطقة المسجد "فاراناسي"، زاعما أن الامبراطور "حاول تغيير الحضارة بحد السيف، وسحق الثقافة بالتعصب".

وذكر "ناريندرا" اسم الحاكم المغولي مرة أخرى في أبريل 2022 عندما كان يتحدث بمناسبة الذكرى الأربعمئة لميلاد "غورو السيخ تيغ بهادور" الذي قُطع رأسه في عهد الإمبراطور لعدائه للإسلام ويقول الهندوس إنه رفض اعتناق الإسلام.

وقد استغرب الصحفي الكندي الأميركي "ديفيد فروم" من هجوم "مودي" على الإمبراطور المسلم عقب تقديم دعوى للمحكمة بشأن صلاة الهندوس في مسجده.

وسأل على تويتر: لماذا ألقى رئيس الوزراء الهندي "خطابا طويلا يهاجم فيه إمبراطورا مغوليا توفي قبل 300 عام"؟.

وردت المؤرخة أودري تروشكي في سلسلة تغريدات على تويتر مشيرة إلى سبب آخر هو أن القوميين الهندوس يعتقدون أن "المسلمين اضطهدوهم لمئات السنين، لذا فهم يستحقون أن يُضطهدوا اليوم عقابا على ما حدث في الماضي".

وأضافت أن اسم أورانغزيب يستخدم "كضوء أخضر للإشارة إلى أنه من المقبول اضطهاد مسلمي الهند اليوم واستخدام العنف ضدهم"!.

وفي الأيام التي تلت تلك الحوارات على تويتر، تزايدت الكراهية للإمبراطور المغولي المسلم أورانجزيب، ووصفه عمدة مدينة "أجرا" الهندية بأنه "جزار"، وقال إنه يجب إزالة كل آثاره من الأماكن العامة.

كما أطلق هندوس على الإمبراطور المغولي عبر تويتر لقب "الغازي" الذي أراد القضاء عليهم، واقترح أحدهم هدم جميع الآثار والمباني التي بناها المغول فوق أماكن العبادة الهندوسية بالجرافات.

وأُغلق ضريحه في ولاية ماهاراشترا الواقعة في غرب البلاد أمام الزوار بعد أن شكك سياسي إقليمي في "الحاجة إلى وجوده" ودعا إلى تدميره.

ويؤكد "ظفر الإسلام خان" أنه منذ مجيء "مودي" على رأس الحكومة، سعى بصفته من غلاة الهندوس لتحويل المساجد إلى معابد بدعوى أن المسلمين خلال حكمهم الطويل ظلموا الهندوس وهدموا معابدهم وبنوا مساجدهم فوقها.

وفي عام 1990، نشرت المؤرخة سيتا رام جويل، مع آخرين، كتابا بعنوان "المعابد الهندوسية: ماذا حدث لها؟"، تتبعت فيه أكثر من 1800 مبنى إسلامي زعمت أنه جرى تشييدها فوق المعابد الهندوسية المدمرة في ولايات هندية مختلفة.

والكتاب، الذي نشر تفاصيله موقع "أوب انديا" في 22 مايو 2022 عبارة عن مجموعة من المقالات المنشورة سابقا في الصحف بشأن "تفاصيل تدمير المعابد الهندوسية كما وجدت في كتابات المؤرخين البريطانيين والمسلمين".

ويشرح الكتاب مزاعم عن كيف خرب أباطرة المغول المسلمين وهدموا المعابد "لتبرير وجودهم في الهند"، وزعم أن "المؤرخين المسلمين شرحوا بالتفصيل كيف جرى تدمير المعابد لتمجيد الإسلام"، وفق قوله.