بلا رقابة.. ماذا وراء حجب تبون "أسرار" الدفاع والخارجية عن برلمان الجزائر؟

12

طباعة

مشاركة

توجيه جديد من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، باستثناء مسائل "الدفاع" و"أسرار الخارجية" من المساءلة البرلمانية، أثار استغراب وحنق الشارع والأوساط السياسية في البلاد.

ولن يتمكن أعضاء البرلمان من استخدام آليات المراقبة المتاحة لهم لمحاسبة وزيري الدفاع والخارجية، خاصة فيما يتعلق بـ“أسرار الدولة” في علاقاتها مع العالم.

ويرى متابعون أن الخطوة المتخذة في مجلس الوزراء بإصدار المشروع منافية للقانون، وتجرد البرلمان من صلاحياته الأساسية، وفي مقدمتها دوره الرقابي.

"مجالات التحفظ"

وقدّم تبون عبر بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزاراء، في 11 سبتمبر/ أيلول 2022، توجيهات بخصوص مشروع قانون يتعلق بتنظيم عمل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى) ومجلس الأمة (الغرفة الثانية).

وأكد تبون على أهمية ما وصفها بـ"العلاقة الوظيفية" بين غرفتي البرلمان والحكومة، مع "مراعاة مساءلة أعضاء الحكومة، في كل المجالات، باستثناء الدفاع الوطني، وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية، كونها مجالات تحفظ".

ولم يتضمن البيان تفصيلا بخصوص "مجالات التحفظ" و"أسرار الدولة" في الخارجية، ويرتقب أن يتضمن القانون، عندما يصدر، الحدود التي ينبغي على النواب عدم تخطيها عند التعاطي مع شؤون الدفاع الوطني والسياسة الخارجية.

ويبقي القرار مسؤولي الدفاع والدبلوماسية بعيدين عن المساءلة، عكس القطاعات الأخرى، الأمر الذي يزيد من حالة الغموض التي تكتنف الشأن الدفاعي والدبلوماسي.

ويتحدث مراقبون أن اعتماد هذا القرار يزيد من هيمنة المؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة، واستحواذها على أكبر الموازنات المقدرة سنويا بنحو 12 مليار دولار، بعدما وصلت في سنوات سابقة سقف الـ17 مليار دولار.

ولا يوجد في الدساتير الجزائرية ما يمنع تناول البرلمان لمسائل الدفاع والعلاقات الخارجية، بما فيها الدستور الجديد الذي عدله الرئيس تبون في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 باستفتاء شعبي.

وهو ما يجعل قرار مجلس الوزراء خرقا للدستور الذي يعد الوثيقة القانونية الأولى في البلاد، ولذلك يكون الرئيس تبون أمام إمكانية إحالة النص إلى المحكمة الدستورية للنظر في شرعيته، وفق قانونيين.

ولم يستند بيان مجلس الوزراء إلى أي مرجع أو نص تشريعي، لاستثناء الدفاع والخارجية من المساءلة النيابية، واكتفى بعبارة "مجالات التحفظ"، وهو ما يعني الأسرار التي تحيط بالشأنين المذكورين، الأمر الذي ينافي جميع التجارب الديمقراطية المنتهجة في العالم.

بينما لم يتبين على الفور الإجراءات التي ستلي تقديم المشروع من الحكومة إلى البرلمان، ليصبح قانونا ساريا، علما أن المجلس التشريعي الجزائري يسيطر عليه أعضاء موالون للسلطة.

بنود قانونية

وبالعودة إلى أمر الواقع وسلطة القانون، توجد في غرفتي البرلمان، لجنتان للشؤون الخارجية والدفاع، مهمتهما متابعة ما يصدر عن هذين القطاعين.

كما أن المادة 102 من الدستور تشير إلى إمكانية فتح مناقشة حول السياسة الخارجية بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس إحدى الغرفتين، ولا تنص على استثناء أي موضوع من المناقشة.

فيما ينص البند 157 من الدستور على أنه "يمكن للجان البرلمانية سماع أعضاء الحكومة حول كل مسألة تتعلق بالمصلحة العامة"، وهنا لا يوجد استثناء الدفاع الوطني وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية.

كما أن البند 158 ينص على أنه "يمكن لأعضاء البرلمان أن يوجهوا سؤالا شفويا لأي عضو في الحكومة"، ووزارة الدفاع الوطني هي قطاع من قطاعات الحكومة.

ويذكر البند 159 بأن "كل غرفة برلمانية في إطار اختصاصها، يمكن أن تنشئ في أي وقت لجان تحقيق في قضايا ذات مصلحة عامة، ولا تنشأ هذه اللجان بخصوص وقائع تكون محل إجراء قضائي"، ولا شيء في هذا السياق يحول دون إنشاء لجان تحقيق أو منع البرلمان من الخوض في قضايا الدفاع الوطني والعلاقات الخارجية.

ويفيد البند 165 من الدستور بأنه "يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في أي مسألة ذات أهمية وطنية، وكذلك عن حال تطبيق القوانين، ويكون الجواب خلال أجل أقصاه 30 يوما".

مسؤول الإعلام بحركة "مجتمع السلم"، أكبر حزب إسلامي بالبلاد، ناصر حمدادوش، وصف هذا التوجه بـ"غير الدستوري".

وقال حمدادوش لصحيفة "القدس العربي"، إن "الحكومة يجب أن تخضع إلى الرقابة البرلمانية بكل أعضائها، كما هو المعمول به في الديمقراطيات والدساتير في العالم".

وأضاف "هذا لا يتعارض مع الأمن القومي وأسرار الدولة وخصوصيات هذه القطاعات، وهي مأخوذة في الحسبان، ولكن لا يمكن إفلاتها من الرقابة والمحاسبة الكلية، في الجوانب التي لا علاقة لها بذلك".

ورأى النائب السابق أن هذا الواقع "كان معمولا" به في السابق، وما يتم اليوم هو "محاولة تسوية وضعيته القانونية فقط".

وحذر من أن هذا التوجه "يطعن في معايير الحكم الراشد، ومنه، الرقابة والمساءلة والشفافية وسيادة القانون"، كما أنه "يمثل امتدادا لنفس منظومة الحكم التقليدية والبالية السابقة"، على حد وصفه.

وبالعودة لأمثلة سابقة، قال حمدادوش: "إذا نظرنا إلى ما يمس بالأمن القومي وإفشاء أسرار الدولة، فهو من داخل السلطة التنفيذية وليس التشريعية المنتخبة".

وتابع: "يمكن التدليل على ذلك بحجم المسؤولين الساميين الأمنيين والعسكريين المحاكمين بقضايا فساد وإفشاء أسرار الدولة وتسريب المعلومات الخطيرة عن المؤسسات السيادية للدولة، لنتبين ذلك".

أما المساءلة البرلمانية ورقابة السلطة التشريعية فهي من "صميم النظام الدستوري الديمقراطي"، وفق حمدادوش.

وشدد مسؤول الإعلام في حركة "مجتمع السلم" على أن فلسفة تهميش المنتخب، هي من صميم طبيعة الأنظمة غير الديمقراطية التي تريد تركيز السلطات في يد السلطة التنفيذية، والتي هي متمركزة أصلا في سلطة الفرد على حساب المؤسسة.

متغيرات الساحة

وجرت العادة، منذ الاستقلال قبل 60 سنة، أن وزير الدفاع الذي هو وزير الجمهورية في الدستور، مستثنى من المساءلة البرلمانية ومن أي شكل من أشكال الرقابة.

أما وزير خارجية البلاد، فكثيرا ما وقف أمام النواب للرد على أسئلة تخص أوضاع الجالية الجزائرية في الخارج، لكن لم يسبق أن خاض البرلمانيون في السياسة الخارجية التي هي مجال حصري لرئيس الجمهورية.

والحال أن البرلمان كان دائما في تناغم تام مع السياسة الخارجية للبلاد.

وما هو معمول به أن السلطة التنفيذية تمنع البرلمان من تفعيل آليات الرقابة على قطاع الدفاع، وتضع حدودا بشأن الرقابة على نشاط الخارجية ومساءلة الوزير، لكن لم يسبق مطلقا أن تم التصريح بذلك علنا والنص عليه في قانون.

وفي العادة درج على ممارسة السياسة الدفاعية على ممارستها رئيس أركان الجيش الذي يملك صلاحيات واسعة في هذا المجال.

ونقل موقع "العرب" (مقره لندن) تصريحات للنائب البرلماني محمد الداوي، عن حزب "الكرامة" الموالي للسلطة، قوله إن "التطورات المتسارعة إقليميا ودوليا تستدعي تقديم التنازلات الممكنة من أجل حصر الملفين الحساسين في مؤسسة الرئاسة، ولا ضير في ذلك بما أن رئيس الجمهورية نفسه منتخب من طرف الشعب".

وفي هذا السياق، أوضح العضو السابق بـ"لجنة الدفاع الوطني بالمجلس الشعبي الوطني"، عبد الرحمن سعيدي، أن مقتضيات الظروف الراهنة "تكون قد دفعت بالسلطات إلى التفكير في هذه الخطوة".

وأضاف لموقع "أصوات مغاربية" أن "هناك الكثير من المتغيرات على الساحة الدولية والأمنية، بعضها ظاهر ومعروف وكثير من عناصرها لا يطلع عليها عامة أفراد الشعب بما في ذلك الأعضاء في المؤسسة التشريعية".

ومضى يقول: "يجب الاعتراف بأن المرحلة بالغة الحساسية، ما دفع بالسلطة إلى إخراج المسائل المتعلقة بسياسة الدفاع الوطني والدبلوماسية من النقاش داخل البرلمان".

وأكد العضو السابق بلجنة الدفاع بالبرلمان أن "مشروع القانون الجديد لا يتعارض مع التقليد الذي ظل معمولا به في البرلمان بحيث لم يسبق لأعضائها أن تقدموا بأي استفسار أو أسئلة للحكومة بخصوص هذين القطاعين المهمين في الدولة".

وأردف سعيدي أن "أغلب مناقشات المؤسسة التشريعية حول ملفي الدفاع الوطني أو السياسة الخارجية لا تتجاوز القضايا المتعلقة بالخدمة الوطنية، أو قضية تعويض المجندين، بإلإضافة إلى أمور أخرى تخص الجالية الجزائرية بالخارج، مثل مسألة التنقلات أو المظالم التي يتعرض إليها أفرادها في بعض الدول".