احتجاجات غاضبة لتأخره.. من يعرقل إعادة الإعمار في قطاع غزة؟

غزة - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

عاد ملف إعادة إعمار قطاع غزة إلى الواجهة بعد احتجاج غاضب نفذه متضررون أمام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".

وأشعل فلسطينيون غاضبون النار أمام البوابة الرئيسة لمقر أونروا بمدينة غزة في 5 سبتمبر/ أيلول 2022، احتجاجا على عدم بناء منازلهم المدمرة.

وكانت المفاجأة أن المحتجين هم ممن تضررت منازلهم في العدوان الإسرائيلي في صيف 2014، الذي تبعه عدوانان آخران في عامي 2021 و2022.

وهو ما يظهر أن الإعمار متوقف أو لم ينفذ بشكل كامل منذ عام 2014، ما يفتح الحديث عن عدد تلك المباني المهدمة أو المتضررة، وتكلفتها، وهوية المانحين، فضلا عن المتسببين بعرقلة العملية. 

أبرز الأرقام

تعددت الأرقام التي أصدرتها وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة بشأن عملية الإعمار، مع الاستمرار في رصد الأضرار.

في آخر إحصائية لها بعد العدوان الأخير (5-7 أغسطس/ آب 2022)، قالت الوزارة إن القطاع المحاصر بحاجة إلى 3 مليارات دولار للإعمار والتنمية الشاملة.

وهذه الأموال هي حصيلة لإعمار ما دمره الاحتلال كليا وجزئيا من مبان سكنية ومصانع وغيرها في عدة حروب وهجمات أبرزها في: 2008-2009، 2012، 2014، 2021، 2022، وأيضا تنمية القطاع المحاصر منذ نحو 16 سنة.

وأكد وكيل الوزارة ناجي سرحان، خلال لقاء صحفي في 23 أغسطس 2022، أي بعد نحو أسبوعين من انتهاء العدوان الأخير، أنه بقيت وحدات سكنية متضررة من الاعتداءات الإسرائيلية السابقة على غزة لم يجر إعمارها بعد. 

ولفت إلى أن ألف وحدة سكنية لم تُبنَ من أصل 1700 مدمرة خلال عدوان 2021 الذي أنجز فيه "40 بالمئة فقط من إعادة الإعمار".

وكذلك هناك ألف وحدة سكنية من الحروب السابقة؛ ليصل مجموع الوحدات السكنية التي لم تبن حتى الآن إلى نحو 2300 (لا يشمل عدوان 2022).

وذكر أنه يوجد نحو 70 ألف وحدة سكنية متضررة بشكل جزئي من حروب 2014 و2021 و2022، وهناك ما يزيد عن 800 مليون دولار أضرار من قطاعات أخرى، اقتصاد وزراعة وبنى تحتية. 

بينما تسبب العدوان الأخير (أغسطس 2022) بدمار 25 وحدة سكنية بشكل كامل، و80 وحدة بشكل جزئي بليغ غير صالح للسكن، ونحو ألفي وحدة سكنية تضررت بشكل جزئي ما بين طفيف إلى متوسط.

ولفت سرحان إلى وجود عجز بأكثر من 100 ألف وحدة سكنية في القطاع بمجال الإسكان، مشيرا إلى أنه بحاجة سنويا إلى 14 ألف وحدة لمعادلة النمو الديمغرافي.

وشدد على أنه "إذا استمر الحصار المفروض على غزة، فنحن مقبلون على انفجار، وإذا انفجر القطاع فإنه سينفجر في وجه المحتل".

وينتظر قطاع غزة منذ عدوان 2021، إنجاز ملف الأبراج السكنية التي قال مسؤول ملف الإعمار في الوزارة محمد عبود، إنها "تواجه تحديا كبيرا، فنحن نتحدث عن تدمير أكثر من 14 برجا بشكلٍ كامل قرابة 500 وحدة سكنية".

وبين في تصريحات صحفية في 18 أغسطس، أن قطاع غزة يحتاج إلى 220 مليون دولار لإنجاز ملف الإعمار وإصلاح الأضرار التي لحقت بالمنازل خلال العدوان الأخير، وما قبله من تصعيدات.

وختم "عبود" بأن التكلفة التقريبية لإعمار ما دمره الاحتلال في عدوان 2014 وما قبل عدوان 2021 هي 100 مليون دولار للوحدات المدمرة كليا، إضافة لـ 100 مليون ويزيد، للوحدات المدمرة بشكلٍ جزئي.

ولا تستهدف عملية الإعمار البنى التحتية الخاصة بالمزارع والمصانع المتضررة وتركز مع بطئها على المساكن حاليا، ما يتسبب بتراجع الوضع الاقتصادي المأزوم.

هوية المانحين

منذ العدوان الإسرائيلي الأول عام 2008-2009، برزت قطر في الواجهة كأول دولة تقدم مبالغ مالية كبيرة داعمة لقطاع غزة.

ترسخ هذا الدور بعد زيارة أمير قطر السابق حمد بن خليفة إلى غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2012 ودعوته من هناك إلى "تنفيذ القرارات العربية والدولية المتعلقة بإعمارها" والتي اتخذت بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2008-2009.

وآنذاك، قدمت قطر منحة لإعمار غزة بقيمة 254 مليون دولار، خصص منها 140 مليون دولار لإنشاء وتعبيد طرق وبنى تحتية، و62 مليونا لإقامة مدينة الأمير حمد السكنية جنوب القطاع، و15 مليونا لإقامة مستشفى للأطراف الصناعية والتأهيل، و12.5 مليونا لمشاريع زراعية.

وفي مؤتمره الصحفي الأخير، ثمّن ناجي سرحان جهود الدول المانحة وخاصة مصر وقطر اللتين أسهمتا في عملية إعادة الإعمار بعد عدوان عام 2021، داعيا السعودية والكويت والإمارات لتقديم الدعم.

وغاب الملف الفلسطيني بالكامل وخاصة قضية حصار غزة عن أجندة عدد من الدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة بفعل التوجه نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وإقرار بعضها خطة "صفقة القرن" الأميركية المزعومة للسلام، ما أنتج خلافات ظهرت للعلن مع السلطة الفلسطينية.

وقال سرحان إن "لقطر دورا كبيرا في قطاع غزة وتضخ شهريا 30 مليون دولار في قطاعات مختلفة، وعملية إعادة الإعمار عبء إضافي عليها، ونتمنى من الجهات المانحة الأخرى أن يكون لها إسهامات بجانبها".

وفي 12 أغسطس 2022، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إسماعيل هنية، أن قطر تعهدت بإعادة إعمار البيوت المهدمة، جراء التصعيد الإسرائيلي الأخير (في ذات الشهر) على غزة.

وإلى جانب قطر، برزت مصر في المرتبة الثانية أخيرا، إذ خصصت منحة بـ500 مليون دولار لإعمار قطاع غزة.

وبدأت عقب عدوان عام 2021 بإنشاء 3 مدن سكنية تضم 2500 وحدة سكنية، بالإضافة إلى كورنيش شارع البحر شمال قطاع غزة بطول 4 كيلو مترات على مرحلتين.

وأوضح سرحان أن الاستفادة من مشاريع الوحدات السكنية سيكون للمواطنين، "ولمن يرغب من الذين دمرت منازلهم في الاعتداءات الإسرائيلية على غزة وسيكون لهم الأولوية"، مشيرا إلى أن نسبة الإنجاز بالمنحة المصرية وصلت إلى 30 بالمئة".

وبيّن أن وزارته على "تواصل دائم مع المانحين لإيجاد منح الإعمار والتنمية"، معبرا عن أمله في تجاوز المعيقات والوصول إلى الهدف في المستقبل.

وأشار إلى أن وزارته سبق أن تواصلت مع بعض الجهات العربية المختصة بالتنمية الاقتصادية (لم يحددها)، بغرض تمويل بعض المشاريع، إلا أنها أفادت بعدم "توفر التمويل اللازم". 

بدوره قال محمد عبود: "لا يوجد أي ممول حتى اللحظة لإعادة إعمار الأبراج السكنية التي دمرت خلال الحروب السابقة"، مشيرا إلى وجود تعهدات قطرية بإعادة بناء برج الجلاء وسط مدينة غزة بتقديرات أولية بمبلغ 4 ملايين دولار.

أما المنحة المصرية بعد عدوان 2021، فتحولت لتطوير الشوارع والبنية التحتية، وفق "عبود"، مضيفا: "غزة بحاجة إلى مبالغ ضخمة؛ لإعادة وتطوير البنية التحتية والتي تضررت بفعل ضرب ما عُرف بالحزام الناري آنذاك".

وتوقع الانتهاء من مشاريع المدن السكنية المصرية في غزة خلال عام 2023، موضحا أنّه سيجرى وضع آليات ومحددات للتسجيل والاستفادة من هذه الشقق، واعتمادها من لجنة العمل الحكومي.

معوقات الإعمار

توجه أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتأخير عملية إعادة الإعمار خاصة من خلال التضييق وفرض الشروط.

وهو ما أكده ناجي سرحان بالقول إن "الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد إعاقة وصول أموال المانحين إلى القطاع".

وبعد العدوان على غزة عام 2021، ربط الاحتلال إعادة الإعمار وتخفيف الحصار المفروض منذ عام 2006 بالإفراج عن الجنود الأسرى لدى المقاومة في غزة.

وتحتفظ كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" بأربعة أسرى إسرائيليين، هم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014 وآخران دخلا القطاع في ظروف غير واضحة.

وإلى جانب إسرائيل، تشكك تقارير فلسطينية في الدور المصري الرسمي المزعوم بشأن إعمار غزة، رغم الإشادات الفلسطينية بأدوارها ودعمها للعملية.

ويعزز ذلك أن القاهرة تواصل التضييق على الفلسطينيين فيما يخص السفر من معبر رفح المنفذ الوحيد لسكان غزة نحو العالم الخارجي، والحديث المستمر عن استخدامه كورقة ضغط لإجبار حماس على تقديم تنازلات لإسرائيل.

وركزت القاهرة في عملية إعادة الإعمار بعد العدوان الذي شنه الاحتلال في مايو 2021 على إقامة مدن سكنية (بدأت لكنها تتسم بالبطء)، إلى جانب إعادة تأهيل بعض الطرق وإنشاء الكباري والجسور التي لم يبدأ العمل بها.

وأعلن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، في 18 مايو/ أيار 2021، عن تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، ما أثار جدلا وشكوكا بشأن مصداقية الخطوة وأهدافها.

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية وقتها، إن السيسي يسعى لاستغلال إعادة إعمار قطاع غزة لتعزيز النفوذ الإقليمي لبلاده وتحقيق مكاسب لجيشه.

وأضافت أن "مصر تعتمد على مشروع إعادة إعمار غزة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، مستفيدة من النفوذ الذي اكتسبته من خلال التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس".

وأشارت إلى أنه "جرت الإشادة بالسيسي على نطاق واسع لأنه لعب دورا محوريا في التفاوض على إنهاء الحرب المميتة في 21 مايو 2021، بما في ذلك من الرئيس الأميركي جو بايدن".

كما يلقي الانقسام السياسي الفلسطيني منذ عام 2007 بظلاله السلبية على عملية الإعمار، وفق سرحان.

وهو ما أكده المحلل السياسي ناصر الصوير بالقول إن "الذي يعرقل عملية إعادة الإعمار ليس الاحتلال ولا الدول الإقليمية وإنما الانقسام والتشرذم في القرار الفلسطيني الواحد".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الضفة الغربية (السلطة الفلسطينية) طامعة أن تكون رأس الحربة في إعادة الإعمار للكثير من الأسباب وحماس (في غزة) ترفض ذلك جملة وتفصيلا".

لذلك يستغل الاحتلال هذا التشرذم في القرار الفلسطيني والرغبة الثنائية لطرفي الانقسام في السيطرة وإدارة إعادة الإعمار بتعطيل هذا الملف بالكامل، بحسب المحلل الفلسطيني.

وتجرى عملية إعمار غزة بعيدا عن السلطة الفلسطينية، وتقدم وزارة الأشغال في القطاع التقارير الفنية المطلوبة للمانحين مثل قطر أو وكالة "أونروا"، وتصرف هذه الجهات الأموال للمستحقين.

وتشترط دول عديدة التعامل مع السلطة في رام الله وليس حركة حماس التي تدير قطاع غزة فيما يخص التمويل والإعمار، خوفا من أن تطالها تهم دعم المقاومة الفلسطينية.

أما دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أونروا، فيقتصر حاليا على صرف المستحقات والتعويضات للمتضررين من العدوان الإسرائيلي.

وقال منسق اللجنة المشتركة للاجئين في غزة محمود خلف، إن إدارة أونروا ترفض صرف مستحقاتهم ترميم بعض المنازل بحجج ومبررات وادعاءات أمنية.

وأضاف خلال وقفة في الاحتجاج الأخير "هذا العذر أقبح من الذنب الذي ارتُكب، فإدارة أونروا تريد استرضاء الاحتلال في هذه النقطة وتعاقب هذه الأسر تحت مبرر غير مقبول من الإدارة، وتحديدا إدارة غزة".

وأشار إلى أن ملف إعادة الإعمار يتراكم منذ 2014 مرورا بـ 2021 وصولا إلى 2022، مؤكدا أن "هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم ولا يمكن أن نسلم بسياسة المماطلة والتسويف".

وشدد على أن "أونروا مؤسسة دولية مسؤولة عن مجتمع اللاجئين في قطاع غزة الذي يمثل أكثر من 70 بالمئة من السكان".

ومع بطء عملية الإعمار وغياب التعويض للمتضررين، تتفاقم معاناة قطاع غزة الذي يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني ظروفا اقتصادية ومعيشية صعبة، جراء الحصار الإسرائيلي الممتد لأكثر من 15 عاما، وتداعيات الانقسام الفلسطيني الداخلي.