حبس صحفي احتياطيا بسبب تقرير عن "البلح" في الجزائر.. ما القصة؟
قررت النيابة الجزائرية في 8 سبتمبر/ أيلول 2022 حبس صحفي احتياطيا، بسبب تقرير له تطرق فيه إلى إرجاع شحنة من البلح الجزائري من الخارج، بسبب احتوائها على مواد كيميائية ضارة محظور وجودها في التمور، الأمر الذي نفته السلطات لاحقا.
وتعليقا على هذه النهج، أكدت صحيفة لوموند الفرنسية، أن حبس الصحفي بجريدة "الشروق" (غير حكومية) بلقاسم حوام، يعد "اعتداء" على الدستور الجزائري، ويضيف للسجل الحقوقي للسلطات انتهاكا جديدا ويرسخ القطيعة بينها وبين الصحافة.
انتهاك جديد
وتساءلت الصحيفة الفرنسية عما إذا كان من الممكن ممارسة الصحافة في الجزائر؟ بعد هذا الاعتقال المفاجئ.
وأشارت إلى أن هذا التساؤل يسيطر حاليا على أهل مهنة الصحافة في الجزائر بعد اعتقال زميلهم بلقاسم حوام.
وكتب حوام في مقاله الذي نشر في 7 سبتمبر، نقلا عن مصادر لم يسمها، إن وزير التجارة الجزائري كمال رزيق قرر الوقف الفوري لتصدير تمور “دقلة نور” الجزائرية للخارج.
بعد أن سُحبت من عدد من الأسواق الأوروبية، ولا سيما فرنسا، نتيجة معالجتها بمواد كيميائية غير مرخصة في أوروبا.
وأضاف التقرير أن هذا القرار اتخذ للحفاظ على سمعة التمور الجزائرية، ومعالجة المشاكل المرتبطة بتصديرها، مشيرا إلى الخسائر الكبيرة التي تعرض لها المنتجون بسبب سحب التمور الجزائرية من الأسواق الخارجية.
وعقب نشر التقرير الصحفي، قدمت وزارة التجارة الجزائرية بلاغا قضائيا تتهم فيه صحيفة الشروق والصحفي حوام، بالإضرار بالاقتصاد الوطني.
وتبع ذلك استدعاء حوام للمثول أمام وكيل الجمهورية (النيابة العامة)، ثم قاضي التحقيق الذي أمر بإيداعه الحبس المؤقت، بعد توجيه التهمة رسميا له.
كما تقرر منع صحيفة الشروق من الطبع في المطابع التابعة للحكومة لمدة 10 أيام، ما أدى إلى توقف صدورها ورقيا.
وأصدرت وزارة التجارة الجزائرية بيانا نفت فيه ما ورد بالتقرير الصحفي، ورأت أن كل ما جاء فيه "مبني على معلومات لا أساس لها من الصحة، وغير مبررة وبها مساس بالاقتصاد الوطني والثروة التي تزخر بها الجزائر".
وأضافت أن "جودة التمور الجزائرية مطلوبة على كل المستويات الدولية".
وأعلنت أنها ستتخذ "جميع الإجراءات اللازمة ضد كاتب المقال والصحيفة المعنية، بما في ذلك الإجراءات القانونية أمام المحاكم المختصة".
وتشتهر الجزائر بإنتاج تمور "دقلة نور" خاصة في ولاياتها الشرقية، والتي تكتسب سمعة طيبة خاصة في الأسواق الأوروبية.
وسجلت عائدات الجزائر من التمور عام 2021 نحو 50 مليون دولار بزيادة 19.98 بالمئة عن عائدات 2020، وفق إحصائيات وزارة التجارة الجزائرية.
مسار منحرف
وقالت لوموند إنه حتى تلك اللحظة، بدت التوضيحات من وزارة التجارة، ومن بعدها وزارة الزراعة، كافية لإغلاق الموضوع، لكن الأمور انحرفت إلى مسارات غير متوقعة.
حيث جرى رفض تصريح طباعة صحيفة الشروق في المطبعة الحكومية، أما الصحفي حوام فقد جرى استدعاؤه من قبل المحاكم المُختصة، ومن ثم وضعه في ذمة الحبس الاحتياطي في سجن الحراش بالجزائر العاصمة.
وأثار خبر اعتقال الصحفي الجزائري حالة دهشة عامة، وعلق عليه موقع "توالى" الإخباري بالقول: "لا ينبغي أبدا أن يذهب أي صحفي إلى السجن بسبب هذا".
بينما طالب ممثل منظمة مراسلون بلا حدود في شمال إفريقيا خالد الدرارني، بالإفراج عن الصحفي، مذكرا أن الدستور الجزائري ينص على أنه "لا يجوز أن يعاقب على جريمة الصحافة بعقوبة مقيدة للحرية".
كما ندد بالقرار مدير "راديو إم" وراديو "مغرب إيمرجنت" إحسان القاضي، الذي حُكم عليه في يونيو/ حزيران بالسجن ستة أشهر بسبب مقال نشره عن تأثير حركة "رشاد" المحافظة نسبيا على المشهد السياسي في الجزائر.
يشار إلى أن الصحفي بلقاسم حوام، مُلاحق بموجب قانون "يتعلق بمكافحة المضاربات غير المشروعة".
وهو قانون صدر في ديسمبر/ كانون الأول 2021، أثناء جائحة كورونا، وهو يجرم على وجه الخصوص "نشر أخبار أو معلومات كاذبة أو افترائية عن قصد للجمهور من أجل إحداث اضطراب في السوق وزيادة مفاجئة وغير مبررة في الأسعار".
ويواجه "حوام" حكما بالسجن يتراوح بين ثلاثة أعوام وثلاثين عاما.
ودعا الصحفيون، الذين أذهلهم خبر اعتقال حوام، إلى تنظيم مسيرة في دار الصحافة عبد القادر سفير دي كوبا في الجزائر العاصمة.
قطيعة واضحة
وقال وزير الاتصال السابق عبد العزيز الرحابي إنه "صُدم" من التعامل مع القضية ولاسيما في ظل الأشكال المستخدمة في جميع وسائل الإعلام في العالم الحديث.
ورأى الرحابي أن "اعتقال صحفي بسبب معلومات ذات طبيعة تجارية بحتة يعكس استمرار الاستغلال السياسي للعدالة وهو مسألة ممارسات من عصر آخر".
وبالنسبة للوزير السابق، هذا ليس "عملا منفردا، بل سياسة تختزل المجال الإعلامي إلى أبسط تعبير له كمتحدث باسم التوجه السياسي الرسمي للدولة الجزائرية، دون أي تأثير حقيقي على الرأي العام الواعي والأكثر عولمة من قادته".
الصحفي رشيد ولد بوسيافة، قال بدوره إن “الزميل بلقاسم حوام قيمة مهنية وأخلاقية استثنائية، ومثال صادق عن الصحفي الملتزم بقضايا أمّته ووطنه”.
ورأى أن “وجوده في السجن خطيئة، لأن مساره نظيف وثري بالتجارب، فقد دافع عن المحرومين والمظلومين والفقراء وكان صوتا صادقا”.
أما المحامي والحقوقي عبد الرحمن صالح فعلق في نفس السياق، بالقول إن “إيداع صحفي الحبس بعد متابعته على أساس عمله الصحفي هو اعتداء على الدستور والقانون”.
وكتب أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر رضوان بوجمعة، من زاوية أخرى، أن “غياب جريدة عن الأكشاك دون أن ينتبه لذلك أحد، هو مؤشر كاف عن موت مهنة الصحافة في هذا البلد”.
وأضاف في سياق متصل أن “القطيعة واضحة بين المجتمع والصحافة بسبب غياب المصداقية”.
يشار في هذا الصدد إلى أن حملة اعتقال الصحفيين بالجزائر تكررت في الفترة الماضية، بسبب كتاباتهم.
ومن أشهر من سجنوا رابح كارش صحفي جريدة “ليبرتي” الجزائرية الناطقة بالفرنسية بعد تغطيته لاحتجاج في ولاية تمنراست جنوبي البلاد.
كما تعرض آخرون للمتابعة بتهم المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالمصلحة الوطنية بسبب مقالات جرى تكييفها قضائيا على هذا الأساس.