"أدمنت الفساد".. الحكومة الموريتانية تواصل عطلتها السنوية رغم الفيضانات
تعيش العاصمة الموريتانية نواكشوط وعدد من المدن الأخرى على وقع فيضانات وسيول كبيرة، أدت لتشريد مئات الأسر وغمر الأحياء والطرق بالمياه، في وقت تواصل فيه الحكومة عطلتها الصيفية.
وحتى 27 أغسطس/آب 2022، خلفت السيول الناجمة عن التساقطات المطرية 22 قتيلا من بينهم 12 طفلا، إضافة إلى 4 جرحى خلال أربعة أسابيع في 7 ولايات بالداخل الموريتاني، كما توفي شخصان غرقا بعدها بيوم في ولاية لبراكنة، جنوبي البلاد.
وسجلت مدينة كيهيدي التي تبعد عن العاصمة 435 كلم وتقع في الجنوب، نزوح 551 أسرة من منازلها، كما غمرت المياه 3 أحياء سكنية بالكامل، وعدت المناطق المحاذية للسد الواقي للمدينة مناطق غير صالحة للسكن مؤقتا.
الحكومة في عطلة
تفاعلا مع هذه الأزمة، أدى الوزير الأول الموريتاني محمد ولد بلال مسعود، في 23 أغسطس زيارة تفقد واطلاع لعمليات شفط مياه الأمطار عن بعض المناطق في مقاطعات الميناء بولاية نواكشوط الجنوبية، ودار النعيم بولاية نواكشوط الشمالية.
ووفق وكالة الأنباء الرسمية الموريتانية، "أعطى الوزير تعليماته بالإسراع في تنفيذ عمليات شفط المياه عن كافة المناطق المتضررة وخاصة المناطق المأهولة بالسكان".
وقال ولد بلال في تصريح صحفي عقب الزيارة، إن "الوضع تحت السيطرة، بالرغم من أن هناك عدة أحياء في ظروف صعبة"، مشددا أن "الفرق المكلفة بالعملية تواصل الليل بالنهار لإسعاف المواطنين".
وأشار الوزير الأول، وفق المصدر السابق، إلى أن "رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني يقف إلى جانب المواطنين أينما كانوا، وقد أعطى تعليمات صارمة بجعل المواطن هو الأولية، والعمل على إسعاده".
ولتحقيق هذا الغرض أوصى بأن تتجند الحكومة (لحل الأزمة) بالرغم من كون أغلب أعضائها في عطلة.
واستفاد تسعة من أعضاء الحكومة الموريتانية من عطلتهم السنوية التي بدأت من 3 أغسطس وانتهت يوم 16 منه.
فيما استفاد تسعة آخرون من عطلتهم خلال الفترة من 17 وحتى 30 أغسطس 2022.
وضمت الدفعة الأولى المستفيدة من العطلة وزراء العدل والتعليم والشؤون الاقتصادية والتحول الرقمي والتنمية الحيوانية والإسكان والمياه والصرف الصحي والأمينة العامة للحكومة ومفوض حقوق الإنسان.
فيما ضمت الدفعة الثانية من الحكومة وزراء الخارجية والشؤون الإسلامية والصحة والبترول والزراعة والتجارة والتجهيز والنقل والتعليم العالي ومفوضة الأمن الغذائي.
وأكد الناشط السياسي المرتضى ولد اطفيل أن حجم التفاعل الحكومي مع هذه الأزمة كان دون المستوى.
ومن ذلك، أن رئيس الجمهورية ونصف أعضاء الحكومة في إجازتهم السنوية ولم يقطعوها رغم الوضع الاستثنائي الذي تمر فيه البلاد.
ورأى ولد اطفيل، أن هذا السلوك لا يليق بالحكومة، ويشير إلى أنها غير معنية بحاجة المواطنين ومعاناتهم.
ومما زاد في سوء الوضع حالا دون مؤشر على تغيره في المستقبل القريب، يقول المتحدث ذاته، إن الحكومة الحالية لا تولي ما يكفي من عناية واهتمام لموضوع حماية العاصمة الموريتانية من خطر السيول والغرق المهدد لها منذ نشأتها.
وأبرز ولد اطفيل لـ"الاستقلال" أن هذا التهديد الذي تتعرض له العاصمة الموريتانية مرده أنها تقع تحت مستوى سطح البحر بـ50 سنتيمترا، فضلا أن مياه البحر تزحف نحوها بمعدل 25 مترا سنويا.
وخلص الناشط السياسي الموريتاني إلى أن معالجة هذا الوضع تتطلب من الحكومة التفكير الإستراتيجي بغية إيجاد حل دائم لمشكلة الأمطار القديمة المتجددة سنويا.
حاصرته السيول لمدة 24 ساعة.. الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني أعلن إنقاذ حياة الطفل أحمد ولد أحمدو ولد هدي الذي علق وسط سيول مدينة بومديد وسط البلاد. pic.twitter.com/Pza2tU9GxA
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) July 31, 2022
المعارضة غاضبة
من جهتها، عبرت المعارضة عن غضبها من وجود الحكومة في عطلة، رغم الظروف التي تمر فيها البلاد.
ودعا زعيمها إبراهيم ولد البكاي الحكومة لقطع إجازتها السنوية لمواجهة الأوضاع الناجمة عن الفيضانات الأخيرة، وتقاسم المعاناة مع المواطنين عن قرب.
وقال في بيان، 24 أغسطس 2022، إن الحكومة "تثبت يوما بعد آخر فشلها في تحقيق تطلعات الموريتانيين والتخفيف من معاناتهم، رغم الآمال التي علقها المواطنون على النظام طيلة ثلاث سنوات من الحكم".
ولفت ولد البكاي إلى أن الأمطار الأخيرة وما أحدثته من أضرار وخلفت من خسائر، "كشفت العجز البين للحكومة وتقصيرها عن تدبير وإغاثة المنكوبين بكفاءة وفاعلية، مكتفية في أحسن الأحوال بزيارات ميدانية وتدخلات لا تسمن ولا تغني من جوع".
وأضاف: "العاصمة غزت السيول مساكنها، وسكان كيهيدي تركوا ديارهم وقطعت أرزاق الكثير من المواطنين بسبب تعطل أنشطتهم، وتعثرت حركة السير داخل نواكشوط وعلى بعض المحاور الطرقية الإستراتيجية بالوطن، بسبب رداءة الطرق التي غمرتها الأمطار".
وهذه كلها صور تترجم الأداء الهزيل للحكومة في ظل هذه الوضعية المنذرة بالتفاقم في قادم الأيام.
وأوضح زعيم المعارضة أن "موضوع الصرف الصحي، الذي كان عنوان نقاش في المرحلة السابقة بوصفه أحد الحلول الإستراتيجية لما يتهدد العاصمة نواكشوط من تحديات غمر المياه، لم يعد له وجود في سياسات وخطابات وبرامج النظام الحالي".
وهو ما يفهم منه أن هذه القضية الجوهرية ليست من أولويات السلطة الحالية، من خلال غياب التخطيط على الصرف الصحي في الحركة العمرانية التوسعية للعاصمة نواكشوط في الفترات الأخيرة، وفق قوله.
وحمل الحكومة المسؤولية الكاملة "لهذا الفشل الذريع في التصدي لآثار الأمطار".
في الاتجاه نفسه، دعت المعارضة الموريتانية في بيانها سالف الذكر، الحكومة إلى "تنظيم أيام تشاورية في المستقبل لدراسة مشكلة التخطيط في نواكشوط وبعض المدن الكبيرة، والتحديات التي تواجهها هذه المدن في ظل التقلبات المناخية الطارئة".
وانتقد الكاتب الصحفي الهيبة الشيخ سيداتي صرف ملايين الأوقيات (العملة الموريتانية) على البنية التحتية دون عائد يذكر.
وقال في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 26 أغسطس 2022: "منذ ديسمبر/كانون الأول 2014 حتى 2022 أنفقت موريتانيا أزيد من 20 مليار أوقية على الصرف الصحي في نواكشوط، والنتيجة ما تشاهدونه صباح اليوم ومقاييس المطر لم تصل 50 ملم".
فيما دعا رئيس "مركز تكوين العلماء في موريتانيا" محمد الحسن الددو الشنقيطي، إلى التضامن المجتمعي لمواجهة هذه السيول ومخلفاتها.
وقال العلامة الشنقيطي في تدوينة نشرها بحسابه الفيسبوكي، 26 أغسطس 2022، "إن من وجوه التعاون على البر والتقوى، تعاون المسلمين على دفع الضرر وإماطة الأذى عن الطريق وصرف المياه الراكدة عن الطرقات".
وتابع المتحدث ذاته: "لن تنعدم وسيلة لذلك ما دامت الإرادة موجودة، فاستحضروا نية إماطة الأذى عن طرقات المسلمين ومساجدهم".
وضع كارثي
بالعودة إلى مسألة المخصصات المالية الحكومية للبنى التحتية والصرف الصحي، أكد الناشط السياسي الموريتاني، المرتضى ولد اطفيل، أنه لا توجد أرقام دقيقة ورسمية عن هذه المخصصات، سواء في ظل هذه الحكومة أو الحكومات السابقة.
وأوضح ولد اطفيل في تصريح لـ "الاستقلال"، أن غياب هذه المعطيات الرسمية مرده إلى غياب الشفافية المعهود من الحكومات المتعاقبة، مشيرا إلى ما ورد بوكالة الأخبار المستقلة من أن هذه المخصصات فاقت 20 مليار أوقية في ظرف ثمان سنوات.
من جانبه، قال حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" (معارضة)، إن العاصمة نواكشوط ومناطق عديدة داخل البلاد أبرزها عاصمة ولاية گورغول كيهيدي تعيش منذ أيام وضعا كارثيا بفعل السيول والفيضانات.
وأوضح "تواصل" في بيان نشره في 23 أغسطس 2022، أن "مئات الأسر تعيش مشردة والمياه تغمر الأحياء والطرق، والمخاطر الصحية جمة ومحدقة".
وأدان الحزب ما وصفه "تقصير الجهات الحكومية في مواساة ضحايا الفيضانات كما يجب، وتركهم يعانون من أوضاع صعبة، والاكتفاء بتدخلات استعراضية في أغلبها، ومحدودة في وقتها وفي المستفيدين منها".
كما عقد رئيس الحزب محمد محمود ولد سيدي، مؤتمرا صحفيا في 27 أغسطس 2022، انتقد فيه قرار الحكومة أخذ عطلتها السنوية "في وقت تعاني فيه آلاف الأسر الموريتانية جراء الأمطار والسيول التي اجتاحت مناطق واسعة من البلاد".
وأعرب ولد سيدي عن استغرابه الشديد من استمرار الحكومة في عطلتها رغم الأوضاع الصعبة التي تعيشها العديد من قرى ومدن البلاد بما فيها نواكشوط.
ولفت إلى أن مجموعة كبيرة من المدن والقرى غارقة وتعرضت لموجة غير مسبوقة من السيول والأمطار "فيما بات واضحا أن أجهزة الدولة لم تكن جاهزة رغم أن المختصين في الأرصاد تحدثوا ونبهوا وحذروا وطالبوا بالتهيئة لهذه الأمطار".
وأضاف: "آلاف الأسر مشردة وآلاف الأفراد يبيتون في الشوارع يعانون البعوض والجوع والأمراض والحكومة غائبة، للأسف هناك حالة تطبيع مع التقصير".
وعبر ولد سيدي عن تضامن حزبه من المتضررين في جميع مناطق البلاد، مبينا أن وسائل الدولة الآن "في يد من لا يتحمل المسؤولية"، مشيرا إلى أن هناك جهودا بذلت "لكنها بعيدة من المطلوب".
ولفت إلى أن حزبه لاحظ "المركزية التي تعاملت بها الجهات الرسمية بخصوص ما حصل في الداخل ونواكشوط"، مشيرا إلى أنه لو جرى دعم الجهات المحلية ومنظمات المجتمع المدني لتعاون الجميع للتخفيف من معاناة الناس.
ووجه ولد سيدي نداء لمناضلي ومنتخبي وقيادة حزبه وجميع المنظمات ورجال الأعمال وأطر البلد، من أجل التحرك لمساعدة المتضررين جراء الأمطار في جميع مدن وقرى البلد.
هذه الدعوات جاءت أيضا من حزب "الإنصاف" الحاكم، إذ قال رئيس الحزب محمد ماء العينين ولد أييه، إن لجنة الطوارئ والإغاثة في الحزب قدمت مساعدات في مناطق مختلفة من موريتانيا.
وأضاف ولد أييه خلال إشرافه على تسيير قوافل للداخل وتقديم مساعدات للمتضررين من السيول بنواكشوط في 28 أغسطس 2022، أن الحزب سيواصل مساعدة المواطنين في موسم الأمطار وفي مثل هذه المواقف "التي يجب أن يكون فيها بجانب مناصريه".
عاصمة بديلة
كما تفاعل عدد من الفاعلين وناشطي المجتمع المدني مع هذه السيول وما خلفته من آثار.
وفي هذا الصدد، دعا المصطفى أفاتي، في منشور على فيسبوك 24 أغسطس 2022، إلى بناء عاصمة جديدة لموريتانيا بدل نواكشوط.
وقال أفاتي: "نواكشوط عاصمة لا زراعية، ولا صناعية، ولا سياحية، ولا صرف صحي، ولا فن معماري، ولا أماكن للراحة والاستجمام...! لماذا لا نفكر في بناء عاصمة جديدة...!!".
في الاتجاه نفسه أكد الباحث الأكاديمي محمد فال السيد الشنقيطي، أن نواكشوط مهددة بالغرق، وأنه لا حل سوى في بناء عاصمة جديدة.
وأشار الشنقيطي في تدوينة على فيسبوك 27 أغسطس 2022، أن "أنجع الحلول هو تحويل العاصمة، وبناء أخرى عصرية مؤسسة على الصرف الصحي من أول يوم"، مشددا أن "كل تأخير يزيد من تكلفة الأمر".
وفي تدوينة بعنوان "نواكشوط مدينة منكوبة"، نشرها ددي ولد السالك، الأستاذ الجامعي ورئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية/ التنمية فى موريتانيا، 25 أغسطس 2022، قال فيها إن نكبة العاصمة المتكررة عنوان عريض لمأساة البلاد المستمرة منذ الاستقلال إلى اليوم.
وتابع، "وهي كذلك عنوان لفشل الأنظمة المتعاقبة على الحكم في مسار تحقيق أهداف التنمية واختيار تنمية الفساد بدلا عنها؟".
وشدد ولد السالك أن نكبة نواكشوط المتكررة عنوان كذلك لفشل النخبة الموريتانية؛ التي "أدمنت الفساد وإعادة إنتاج الفشل".
ولفت إلى أن "نكبة نواكشوط المتكررة عنوان كذلك لمجتمع استسلم لثلاثي التخلف اللعين: الجهل والفقر والمرض".
واسترسل المتحدث ذاته: السؤال الموجه إلى النخبة الموريتانية؛ إلى متى تظل أوضاع بلدنا هكذا؟ وهل التخلف والبؤس قدر علينا في هذه الربوع؟
وتساءل: ألم تدرك النخبة الموريتانية أن الأوضاع في العالم تغيرت وأن التحديات التي تفرضها التحولات الدولية على بلادنا تحتاج من الجميع العمل على التغيير وإصلاح حالها؛ لكي لا تذهب ضحية لتلك التحديات؟
وختم ولد السالك تدوينته متسائلا: ألا يستحق الإنسان الموريتاني على الحكومات المتعاقبة والنخبة عموما وضعا أفضل من حالة البؤس الذي يرزح تحته منذ عقود؟