الأزمة الدبلوماسية بين باريس والرباط.. هكذا تؤثر على حياة المغاربة

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة جون أفريك الفرنسية الضوء على الأزمة الدبلوماسية بين باريس والرباط التي "تشعر المغاربة بالذل" وتحرمهم الحق في السفر.

وشددت فرنسا منذ سبتمبر/أيلول 2021 بشكل جذري شروط منح التأشيرات للمغاربة، في إجراء "بات يتحمله المواطنون بسبب الأزمة الدبلوماسية"، وفق الصحيفة الفرنسية.

وأردفت: "في المغرب، تتدفق الشهادات على الشبكات الاجتماعية لتحدي الدبلوماسية الفرنسية في مواجهة العدد المتزايد لرفض طلبات التأشيرة التي يواجهها مواطنو المملكة".

أزمة مركبة

عاش سفيان وهو أب لابنتين فرنسيتين، 15 عامًا في فرنسا وأراد الذهاب إلى هناك مع أطفاله خلال العطلة الصيفية.

سفيان غرد على تويتر وقال: "أنا محروم من الحق في السفر، وهو حق أساسي".

هذه هي المرة الرابعة التي يتقدم فيها للحصول على تأشيرة شنغن قصيرة الأجل، والمرة الأولى التي يجرى رفضها. 

والسبب أنه لم يُبرر سبب رحلته بشكل صحيح، رغم أنه قدم حجزه الفندقي إلى القنصلية، وكذلك حجز تذكرة الطائرة، وفق جون أفريك. 

وعلى الرغم من المناشدة الأولى لقنصلية الدار البيضاء، والثانية للسفارة الفرنسية في المغرب والأخيرة للجنة رفض التأشيرة في نانت، اضطر سفيان للتخلي عن رحلته وابنتيه القاصرتين لرؤية عائلتهم في فرنسا. 

يقول بمرارة: "تجري الدول أحيانا حسابات دبلوماسية تؤثر بشكل مباشر على مواطنيها، كما هو الحال هذه المرة مع أطفالي".

وتوضح الصحيفة أن صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول زادت منذ سبتمبر 2021، عندما قررت الحكومة الفرنسية خفض عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر والمغرب إلى النصف، وبنسبة 30 بالمئة لتونس.  

كان الهدف من هذا الإجراء الضغط على حكومات الدول الثلاث لمنح المزيد من التصاريح القنصلية لمواطنيها الذين يخضعون لإجراءات الترحيل. 

 "إنه قرار صارم وغير مسبوق، لكنه اتخذ بشكل ضروي لأن هذه الدول لا توافق على استعادة رعايا لا نريدهم ولا يمكننا الاحتفاظ بهم في فرنسا"، كما أوضح المتحدث السابق باسم الحكومة الفرنسية غابرييل عطال على منبر قناة أوروبا 1. 

خلال زيارته للمغرب في أكتوبر/تشرين الأول 2020، أشار وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين إلى حالة القاصرين المغاربة الموجودين على الأراضي الفرنسية دون أوراق ثبوتية. 

بعد عشرة أشهر من تنفيذ فرنسا لقرارها، لا تزال السياسة الفرنسية بشأن التأشيرات في المغرب العربي سارية، حتى لو جرى الطعن في فعاليتها من قبل وزارة الداخلية الفرنسية نفسها. 

وبالضغط عبر الحد من عدد التأشيرات الصادرة، اعترف جيرالد دارمانين على موقع قناة بي إف إم التلفزيونية في 26 يوليو/تموز 2022 "أن الأمر لا ينجح دائما على هذا النحو".

يعمل كريم ب، مديرا للتسويق الرقمي في باريس، وقد واجه وضعا مماثلا. وكان من المقرر أن يتزوج الشاب البالغ من العمر 30 عاما من شريكته الفرنسية في نهاية أغسطس/آب 2022، لكن الحفل كاد أن يجرى بدون والدته وجدته اللتين رفضت طلباتهما. 

يشير سبب الرفض إلى أن هذا الأخير لم يقدم دليلا على الوسائل المالية الكافية لإقامتهم. ويوضح كريم، الذي لديه دخل يفي بالمعايير، مثل زوجته، أستاذة الرياضيات المشاركة "بمعرفتنا بسياسة التأشيرة الحالية، وضعنا الكثير من الضمانات المالية".  

بالإضافة إلى ذلك، فإن المتقدمين من أصول فرنسية أو أزواج فرنسيين، وبالتالي يمكن قانونا أن يخضعوا للرفض "فقط لسبب من النظام العام"، على النحو المحدد من قبل محكمة نانت الإدارية. 

وقرر هو وشقيقته شرح موقفهما على وسائل التواصل الاجتماعي، وشاركت شخصيات سياسية فرنسية مثل الوزيرة السابقة سيسيل دوفلو منشوراتهم. وسمحت الضجة لهم بالحصول على رد إيجابي من القنصلية. 

وتحذر نجوى كوكوس النائبة عن حزب الأصالة والمعاصرة في مجلس النواب المغربي: "أتلقى ما بين عشرين وثلاثين مطلبا وتظلما من المغاربة كل أسبوع".  

في 14 يوليو، وجهت هذه النائبة عن دائرة الدار البيضاء-سطات سؤالا شفويا إلى وزارة الخارجية المغربية حول هذا الموضوع.

تقول النائبة التي تطالب الحكومة المغربية بالتحرك إنه تمييز ضد دول المغرب العربي. وأردفت: "نحن نستقبل العديد من الأجانب الأوروبيين الذين يستقرون في المغرب، وخاصة المتقاعدين، والذين يأتون لقضاء عطلاتهم يجرى الترحيب بهم بأذرع مفتوحة".

إجراءات وصعوبات

للتقدم بطلب للحصول على تأشيرة، حتى ولو لفترة قصيرة - تأشيرة أوروبية تقل مدتها عن 90 يوما- فإن الإجراء ممل، تقول الصحيفة الفرنسية. 

يكلف 80 يورو، تُضاف إليها تكاليف يجرى دفعها إلى الشركة الوسيطة المكلفة بتنظيم ملفات التأشيرة "تي يالاس كونتاكت" والتي تسجل المواعيد والطلبات. 

يضاف إلى ذلك شهادة العمل والراتب، والكشوف المصرفية، وكشوف الرواتب، وحجوزات الطائرات والفنادق، وهنا فإن العملية مكلفة في حالة الرفض، كما تزداد صعوبة الحصول على المواعيد.

بالنسبة لعام 2021، جرى رفض ما يقرب من 35 بالمئة من طلبات تأشيرة شنغن بالمغرب من قبل القنصليات الفرنسية، مقارنة بـ 21 بالمئة في عام 2019 قبل أزمة كورونا، وفقا للإحصاءات الأوروبية.

على الرغم من تأثر عدد الطلبات بشدة بالقيود، إذ انخفض بنسبة 80 بالمئة مقارنة بعام 2019، فإن معدل الرفض قد ارتفع خلال السنوات الخمس الماضية. 

ويقرر المزيد والمزيد من المغاربة اللجوء إلى دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا أو بلجيكا، على سبيل المثال، حتى يتمكنوا من رؤية عائلاتهم المقيمة في فرنسا.

"كان هناك بالفعل استياء معين من فرنسا في المغرب"، كما يحلل محمد فنجر، الذي رأى عائلته تعاني العديد من الرفض، لكن هذه كانت فئات اجتماعية ذات مستوى معيشي منخفض. 

واليوم، فإن المغاربة الميسورين ماديا، المتعلمين والذين يديرون مشاريعهم الخاصة، يجدون أنهم غير مُرحب بهم وأنهم يعاملون بطريقة مهينة، وفق جون أفريك. 

 بدعم من الأغلبية الرئاسية، يعيش مهندس الأمن السيبراني- محمد فنجر- الذي يحمل الجنسية الفرنسية في فرنسا مع زوجته وابنه البالغ من العمر سنة واحدة.  

يجد هو وزوجته نفسيهما معزولين عن بقية أفراد أسرتهما ويأسفان على عدم قدرتهما على تلقي المساعدة من والديهما للتوفيق بشكل أفضل بين الحياة المهنية والشخصية.

عانت زوجة محمد ثنائية الجنسية وهي طبيبة في مستشفى حكومي بسبب البعد عن والديها، من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة.  

انتظرت والديها، مثلما انتظر محمد والديه، عدة أشهر للحصول على موعد، قبل رؤية طلبهم مرفوضا.  

 "زوجتي تطلب مني كل أسبوع مغادرة فرنسا والذهاب إلى المغرب. أنا، لدي ارتباط معين وهذا هو المكان الذي أريد أن أربي فيه ابني". 

 وقال عثمان (39 عاما)، مدير فرع شركة دولية في الدار البيضاء: "فرنسا تطلق النار على قدميها".  

براتب يعادل 4500 يورو شهريا، لم يكن هذا الأربعيني ليتخيل أبدا أن طلب التأشيرة للذهاب إلى باريس يمكن رفضه.  

يشرح عثمان ذلك بغضب ويقول "من السخف أن رحلتي ممنوعة لأسباب سياسية، قررت عدم التقدم بطلب إلى فرنسا مرة أخرى، حتى لو جرى سحب الإجراء".

قدم كريم بن شيخ، نائب المواطنين الفرنسيين بالخارج في الدائرة التاسعة، سؤالا خطيا إلى مجلس الأمة في الثاني من أغسطس للطعن في تشديد شروط الحصول على التأشيرة. 

 وصرح مسؤول منتخب عن حزب الاتحاد الشعبي الإيكولوجي والاجتماعي الجديد في فرنسا أن "جعل المواطنين المغاربيين يدفعون ثمن صراع دبلوماسي خطأ"، وفق جون أفريك.   

وهذا يؤدي إلى فقدان الثقة بين شعوب البلدان المغاربية الثلاثة وفرنسا، ويهدد المصالح الاقتصادية الفرنسية فيها.

وتعد فرنسا أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين في بلدان المغرب العربي المذكورة والتي تظل مستثمرا رئيسا فيها.  ويخلص ابن شيخ إلى أن "الكرة الآن في ملعب الحكومة الفرنسية".

وفي عمود نشرته صحيفة لوفيغارو الفرنسية في 7 أغسطس، أعرب الرئيس السابق فرانسوا هولاند عن أسفه "لقرار السلطات الفرنسية بالحد بشكل كبير من عدد التأشيرات التي كانت تُمنح حتى ذلك الحين للأشخاص المرتبطين بثقافتنا وبلدنا".

وأضاف أن "هذه الطريقة مؤذية بلا داع دون أن تكون فعالة في السيطرة على الهجرة غير الشرعية".