"لا دخان دون نار".. سر شائعة استقالة حميدتي من مجلس السيادة السوداني

12

طباعة

مشاركة

بينما كان نائب رئيس مجلس السيادة في السودان، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، يشد رحاله إلى إقليم دارفور حيث مسقط رأسه في قبيلة الزريقات ليعسكر هناك، وسط أنباء عن خلاف محتدم مع شركاء الجيش، كان رئيسه في المجلس، عبدالفتاح البرهان، يتوجه نحو مدينة "قندتو" بولاية نهر النيل، للاطمئنان على عشائره.

وتواردت الأنباء أن حميدتي على وشك "الاستقالة" من مجلس السيادة، حيث قالت الشائعات التي تناولتها صحف ومواقع محلية إنه "على وشك أن يقال فعليا، ويكون مجلس سيادة دون حميدتي".

وما بين التصديق والتكذيب، تؤكد الوقائع الأخيرة أن الخلاف بين القوتين (حميدتي ومعه الدعم السريع، والبرهان وبجانبه الجيش) وقع بالفعل، ووصل إلى درجة غير مسبوقة، وهو ما ظهر في تصريحات حميدتي في 1 أغسطس/آب 2022 التي قال فيها "إن الجيش فشل في إجراءاته خلال المرحلة الانتقالية، وعليه تسليم السلطة للمدنيين".

احتدام الخلاف 

شواهد الخلاف ليست فقط في التصريحات، بل التحركات بين الجانبين، وفي 8 أغسطس/آب 2022، كشف موقع "سري للغاية نيوز" (محلي) عن تنسيقات تتم بين حميدتي، و"هيئة محامي الطوارئ" وهي مؤسسة تابعة للحزب الشيوعي السوداني. 

وقال الموقع إن "قائد قوات الدعم السريع، ينوب عنه في التنسيق شقيقه عبد الرحيم الذي بذل أموالا ضخمة لهيئة محامي الطوارئ لتتمكن من عقد مؤتمرها بقاعة نقابة المحامين، والذي استقطبوا له عددا من قيادات ما يُسمى لجان المقاومة وجماعة ما يسمى (أربعة طويلة)". 

وأضاف "من ناحية أخرى يبذل أحد قيادات استخبارات الدعم السريع، جهودا حثيثة لإقناع أحزاب سياسية وقوى اجتماعية للانضمام إلى مؤتمر الهيئة بقاعة نقابة المحامين".

وبحسب الموقع "يهدف المؤتمر لإخراج وثيقة دستورية تحدد كل المسار السياسي للمرحلة المقبلة، وتكوين حكومة من شخصيات يسارية لضمان استمرارية المسار العلماني الغربي في حكم السودان". 

وذكر أن "الحزب الشيوعي وأحزابا أربعة طويلة (يقصد بهم أحزاب البعث العربي الاشتراكي، المؤتمر السوداني، تجمع الاتحاديين، والأمة، الفاعلين في المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير عام 2019) تدعم إخراج الوثيقة الدستورية، ووعدت بحشد الدعم الغربي لها، لإخراج العسكر من المعادلة السياسية جملة واحدة". 

وعلم الموقع أن "الأحزاب اليسارية وعدت عبدالرحيم دقلو بدعم توجه شقيقه حميدتي نحو الحكم". 

ودون الناشط السياسي السوداني، وائل نصر الدين، عبر صفحته على موقع "فيسبوك" قائلا: "الصراع بين البرهان وحميدتي على وشك الانفجار، وقد يمنعه شيء واحد هو أن تكبح أسرة محمد حمدان، ابنهم عن هذا التمدد، وأقصد بالأسرة عبد الرحيم وبقية أبناء عمه، وحتى الشيخ موسى هلال".

و"موسى هلال"، زعيم قبيلة المحاميد السودانية وقائد ومؤسس مليشيا "الجنجويد"، التي تحولت إلى قوات الدعم السريع، وقد تعرض لانقلاب من قبل ابن عمه حميدتي، وفقد جزءا من سيطرته على القبيلة، وسطوته، قبل أن تحدث مصالحة بينهما، لكنه لم يعد كما كان قبل من حيث القوة والنفوذ. 

 

استقطابات موازية 

وبالتوازي مع سعي حميدتي عقد اتفاقات مع جهات معارضة، كان قادة الجيش يرتبون الأوضاع مع زعماء الحركات المسلحة. 

ولعل هذا ما دفع حميدتي للغضب والهجوم على تلك الحركات، ففي 29 يوليو/تموز 2022، أدلى حميدتي بتصريحات للإذاعة الرسمية، أثارت جدلا ولغطا كبيرين في الأوساط الشعبية والسياسية بالبلاد التي تواجه مخاطر عديدة حاليا، في مقدمتها الاقتتال القبلي.

وقال قائد قوات الدعم السريع "سيئة السمعة"، حميدتي، إن "البلاد تعاني من الاقتتال والحروب والفتن والكراهية، والآن تتعافى بدءا من ولاية غرب دارفور". 

ووجه حميدتي أصبع الاتهام إلى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق "جوبا" للسلام في السودان بأنها تمنح رخص سلاح لأشخاص بصورة غير قانونية.

وجاء هجوم حميدتي على الحركات المسلحة في وقت انتشرت فيه تقارير عن توسعها ومدى خطورتها. 

ففي 28 يوليو 2022، نشر موقع "سودانيل" المحلي، أن الحركات المسلحة تشظت إلى أكثر من 87 مجموعة في عموم البلاد، لكن معظمها يتركز في دارفور (منشأ قوات الدعم السريع).

وهو ما جعل حميدتي "متحفزا ومستنفرا" بشكل دائم، ويحيط نفسه بقوات تحمي مبنى قصر الضيافة في مدينة الجنينة غربي دارفور، حيث يقيم هناك منذ أشهر، وفق وسائل إعلام محلية.

تشكيلة متعارضة

وبالعودة إلى الحوار الجدلي الذي أجراه حميدتي مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في 1 أغسطس/آب 2022، فإنه أكد أن قواته "جزء من القوات المسلحة، وبالتالي هي جزء من المنظومة العسكرية".

ومع ذلك أبدى استعداده "في الحوار لدمجها في إطار إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية".

وقال حميدتي: "لا أحد يرفض فكرة وجود جيش قومي ومهني، وفي هذا الإطار لا مانع لدينا في دمج قوات الدعم السريع".

لكنه لم يمرر الجملة هكذا، إذ استدرك بالقول: "أخشى أن يأتي يوم ويندم بعضهم على دمج قوات الدعم السريع في الجيش".

ولا يمكن فصل تصريحه عما أعلنه في 19 يونيو/حزيران 2022، من تصريحات حادة، أبرزها تهديده بالتوزيع "اللا مركزي" لكل القوات النظامية، في خطوة غير مسبوقة منذ الإطاحة بنظام الرئيس المعزول البشير، وهي التصريحات التي فسرها البعض بأنها تعني "فرط عقد الجيش".

وعزا حميدتي هذا التهديد إلى "وجود عملية ممنهجة وأجندة تستهدف قوات الدعم السريع على وجه الخصوص".

ووقتها أثيرت مخاوف بشأن وقوع تصادمات بين العسكريين تمهد لتفكيك جيش السودان.

يذكر أنه في 28 مايو/أيار 2019، نشر موقع "الجزيرة نت" تقريرا تحدث عن تداول أنباء عن "خطة لإعادة هيكلة الجيش السوداني"، فسرها بعض المراقبين بأنها "محاولة لتفكيك القوات المسلحة لصالح قوات الدعم السريع التي استوعبت في الآونة الأخيرة مجندين كثر من أقاليم مختلفة، في مقدمتها إقليم شرق السودان".

وأكد التقرير "تواتر أنباء عن تمويل خليجي لتدريب طيارين بغرض تشكيل قوة جوية تتبع لتلك القوات". 

ونقل عن مصدر أمني خاص، قوله: "فكرة تفكيك القوات المسلحة هي مغامرة خليجية، هدفها تكوين قوة عسكرية مستدامة الولاء لمحور السعودية والإمارات تحت قيادة حميدتي بدلا من الجيش الذي يغلب عليه القيم المحافظة"

لعبة الدومينو 

وقال السياسي السوداني، عبدالواحد ريحان، إن "أمر استقالة حميدتي أو إقالته من المجلس السيادي، مستحيل عمليا، لأن تشكيلة المجلس تمثل النظام القائم بعد البشير والمتحكم في مفاصل البلاد، وهو المتعامل مع القوى الخارجية والداخلية، وأي خلل ولو كان بسيطا يعني انهيار النظام بأكمله، وهذا لن يكون في مصلحة السودان عموما". 

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال" "لكن تصريحات حميدتي وشائعات خروجه من المجلس السيادي، تأتي في إطار خلافات شديدة مع البرهان وقادة الجيش، وهو أمر قديم متجدد، وحميدتي ربما أخذ مبادرة بانتقاد إدارة الجيش للمرحلة الانتقالية، لغرض القفز من السفينة وصناعة سفينته الخاصة التي سيبحر بها نحو الحكم".

ورأى ريحان أن "قائد قوات الدعم السريع يعلم جيدا أنه لن يستطيع حكم السودان، لكنه يستطيع أن يحظى بوضع متميز، ويستطيع أن يستفرد بإقليم دارفور ويحكمه بشكل منفصل عن بقية السودان، وهو مقيم هناك بالفعل في الإقليم منذ 3 أشهر، ويدير أمور دولته وقواته منها، وهو سيناريو كان مطروحا".

ولفت إلى أن "السودان عرضة للتقسيم بين دارفور ومنطقة شرق السودان وجنوب كردفان، وكل الطرق تؤدي إلى ذلك حاليا في ظل ضعف واهتراء الدولة المركزية". 

وشدد ريحان على أن "العلاقة بين أطراف العملية السياسية في السودان، على رأسها الجيش وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة، وكذلك طوائف المعارضة، أصبحت مثل لعبة الدومينو، عندما تغلق من جميع الجهات، وتحتاج إلى بداية دور جديد". 

وختم ريحان حديثه بالقول إن "كل قوة في السودان حاليا تتمترس خلف آمالها ومواطن قوتها، وترفض التخلي عن كل شبر في سبيل تحقيق المصلحة العليا للبلاد، وهو ما ظهر منذ أول لحظات المرحلة الانتقالية، وأتوقع بشكل شخصي أننا نسير إلى سودان شبه فيدرالي، كل مجموعة ستحكم جزءا حسب اتفاق ما، ويعود الأمر إلى مجلس حكم صوري".

واستدرك موضحا: "لكن وقتها سنرى دولة في أضعف حالاتها، مع غياب الرقابة والمؤسسية، ستعود دولة القبيلة مرة أخرى، وهو الوضع الذي كان يحاربه نظام الإنقاذ (البشير) ويحقق التوازن حتى لا يحدث، وإن اختلفنا معهم وأسقطوا من الحكم، لكن لابد من الإشارة إلى ذلك أمام التاريخ".