قاطعوها في 2021.. هل يشارك أهالي "القبائل" بانتخابات الجزائر الجزئية؟
تسعى السلطات في الجزائر لكسب رهان سياسي جديد من خلال إعلانها عن انتخابات جزئية جديدة منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022، تخص 6 بلديات في منطقة "القبائل" التي قاطع سكانها الاستحقاقات المحلية التي جرت عام 2021.
وتعثرت الانتخابات في تلك البلديات وألغتها السلطات بعدما شهدت دعوات مقاطعة من أحزاب وجمعيات معارضة بشكل أدى إلى عزوف المواطنين عن الترشح والتصويت، مع نسبة ضعيفة في الاقتراع.
ويسود قلق سياسي من استمرار الرفض الشعبي للاستحقاقات في بعض مدن منطقة القبائل، إذ تراهن السلطات على هذا الموعد الجديد لكسب "اعتراف" من منطقة كانت ولا تزال مزعجة للنظام.
و"القبائل" منطقة تقع شمال شرقي الجزائر، وتغطي ولايات عدة، بينها "شرق ولاية بومرداس، ولاية تيزي وزو، ولاية بجاية".
مواصلة المسار
وفي 27 يوليو/تموز 2022 أعلنت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات عن إعادتها في 6 بلديات في منطقة القبائل، 4 منها توجد في ولاية القبائل، واثنتان في ولاية بجاية.
وفي الانتخابات الماضية لم تصل نسبة المشاركة إلى النصاب القانوني الذي يسمح بتشكيل مجالس محلية كما جرى عليه الأمر في باقي المناطق.
وسجلت ولاية تيزي وزو 20 بالمئة بالنسبة للانتخابات البلدية، و15 بالمئة بالنسبة للتصويت في الانتخابات الولائية.
وسجلت ولاية بجاية نسبة اقتراع بين 18.36 و14.77 بالمئة في صناديق الانتخابات المزدوجة البلدية والولائية.
وقال رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي: "اليوم لي حظ كبير أنني أتكلم في هذه المنطقة التي أخذت موقفا سلميا في السابق من الانتخابات، واليوم قررت المشاركة فيها وهذه هي الديمقراطية".
وخاطب السكان والمترشحين بقوله خلال ندوة "أشجعكم اليوم على مواصلة المسار وتطويره لصالح الجزائر"، مضيفا "المنطقة ليست عاقرة وستكون سببا في تمتين النسيج الوطني خدمة للبلاد ومقاومة التخلف".
وأكد أن إجراء الانتخابات المحلية الجزئية في ولايتي بجاية وتيزي وزو يعبر عن الديمقراطية الحقيقية والحس المدني لسكان الولايتين، داعيا إلى "ضرورة تجسيد الديمقراطية والتنافس الشريف بين الأفراد والمواطنين بكل سلمية واحترام".
وأوضح شرفي أن العدد الإجمالي للمقاعد في البلديات المعنية بالانتخابات الجزئية هي 90، بينما بلغ العدد الإجمالي للمترشحين في البلديات المعنية 108 مترشحين يتنافسون على أصوات قرابة 58 ألف ناخب في البلديات الست.
وفي سياق التفاعل السياسي مع الحدث، أعلنت جبهة القوى الاشتراكية، وهي أكثر الأحزاب تجذرا في المنطقة، مشاركتها، وعدت ذلك "امتدادا لقرار مشاركة الحزب في الموعد الرسمي العام الماضي".
وتهدف مشاركة القوى الاشتراكية، وفق بيان، إلى "الفوز بمقاعد المجالس الشعبية البلدية المعنية"، كما ستعمل على "استغلال هذه المحطة السياسية للترويج لمشروعها السياسي وللمرافعة من أجل رؤيته للتسيير المحلي القائمة على الديمقراطية التشاركية والتضامن المحلي".
ووجه أقدم حزب معارض في الجزائر مناضليه وهياكله المحلية، خاصة المعنية منها بهذا الاقتراع، بضرورة "الاستعداد الأمثل له والعمل على إنجاحه وبلوغ الأهداف التي سطرها الحزب خلاله".
وكانت مشاركة القوى الاشتراكية في الانتخابات العامة السابقة قد صنعت الحدث بعد مقاطعته للتشريعيات والرئاسيات قبل ذلك.
وبرر الحزب آنذاك مشاركته، بتحمل "مسؤوليتنا الوطنية وحرصنا الشديد على الوحدة والسيادة الوطنيتين، والحفاظ على السلم المدني والانسجام المجتمعي بعد أن أضحت هذه العناصر محل تهديدات متعددة ومتجددة سواء كانت داخلية أو خارجية"، وفق ما قاله السكرتير الأول للحزب، يوسف أوشيش.
وهناك عوامل عديدة صنعت "التمرد الانتخابي" لمنطقة القبائل في الجزائر، أهمها وجود قطيعة تاريخية تعود إلى بداية الاستقلال عام 1962.
رهانات سياسية
وحسب متابعين، ستنحصر المنافسة على مقاعد المجالس البلدية المعنية، بين جبهة "القوى الاشتراكية" والقوائم الحرة، في ظل المقاطعة المتوقعة لـ"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" الذي لم يشارك في كل الانتخابات منذ بدء المسار الانتخابي برئاسيات 2019 التي أوصلت الرئيس عبد المجيد تبون للحكم.
ولا تستبعد مشاركة رمزية لأحزاب أخرى مثل "جبهة التحرير الوطني" (اشتراكية) و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"حركة مجتمع السلم" (إسلامية) وهي كبرى الأحزاب حاليا.
وفي الصدد، قال رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، عثمان معزوز: "لا أعتقد أن شيئا سيتغير خلال الانتخابات المقبلة على فرض أن الوضع السياسي في الجزائر باق على حاله، بل تعقيد أكثر مقارنة بمرحلة ما قبل الحراك الشعبي".
وأكد معزوز لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن)، أن "الشعب سواء في منطقة القبائل أو في ولايات أخرى من البلاد يريد انتخابات حقيقية تتمتع بالمصداقية والشفافية وتسمح بإنتاج مؤسسات قوية تعبر عن إرادة المواطنين وتقودهم إلى التغيير الذي يتطلعون إليه، وهو الأمر غير المتوفر في الظرف الحالي".
ولفت في 4 أغسطس/آب 2022 إلى أن "الهدف الأساسي للسلطة في الجزائر هو استحداث مؤسسات صورية لا يكون لها أي أثر في الساحة المحلية، ولا يمكن لها المساهمة في تحقيق تنمية اجتماعية عادلة كما يحلم جميع الجزائريين".
واستبعد معزوز أن "يعود السلوك الانتخابي في منطقة القبائل إلى ما تطمح إليه السلطات، ما لم تثبت رغبتها الحقيقية في التغيير، من خلال الاستجابة لجميع المطالب التي رفعت منذ الحراك الشعبي إلى غاية الآن".
ويؤكد مراقبون أن المكاسب الانتخابية لا تعد كبيرة، كونها 6 بلديات فقط، إلا أن للاستحقاقات المرتقبة "رهانات سياسية" تتعلق بـ"استعادة السلطة لهيبتها" في المنطقة وتأكيد قدرتها على تنظيم انتخابات بشكل طبيعي.
وشهدت رئاسيات 2019 والاستفتاء الدستوري 2020 وتشريعيات 2021، مقاطعة "شبه كلية" في منطقة القبائل، مع إغلاق مراكز الاقتراع ومنع بالقوة للراغبين في التصويت.
وينص القانون الجزائري على أنه في حال إلغاء الانتخابات في أي بلدية، تعين السلطات إداريين لتسيير شؤونها مؤقتا إلى غاية إجراء انتخابات جزئية بها.
منقوصة الشرعية
ويسود التفكير في المنطقة بأن نظام الحكم تشكل بالقوة، وأن الدولة منقوصة الشرعية الديمقراطية، إضافة إلى الاصطدامات مع السلطة المركزية في محطات مختلفة منذ الاستقلال، منها ربيع 1980، وربيع 2001، وكذا فقدان المواطنين الثقة حتى في الأحزاب التقليدية في المنطقة، نتيجة فشلها في التسيير المحلي".
وبين منطقة القبائل والسلطة مناوشات سياسية تاريخية منذ عام 1963، بعد رفض زعيم تاريخي أمازيغي انقلاب الجيش على الحكومة المؤقتة عشية استقلال البلاد، وقمعها لانتفاضة السكان في أبريل/نيسان 1980، والتي عرفت بأحداث "الربيع الأمازيغي"، وكانت تستهدف المطالبة بالاعتراف باللغة والهوية الأمازيغيتين.
وظل التوتر السياسي قائما بين المنطقة والسلطة، ويتجدد بين فترة وأخرى، إذ شهدت المنطقة عام 1994 ما يعرف بـ"إضراب المحفظة" للمطالبة بتدريس اللغة الأمازيغية في المدارس، وتلته أحداث "الربيع الأسود" في يونيو/حزيران 2001، بعد مقتل شاب على يد قوات الدرك.
وقال المحلل السياسي محمد أوكاد: "إقدام السلطات على تنظيم الانتخابات الجزئية في ولايتي بجاية وتيزي وزو يندرج ضمن محاولاتها لكسب الرهان في تلك المناطق التي عرفت عزوفا واضطرت معه لإلغاء النتائج بسبب النسب الضعيفة جدا".
وأضاف أوكاد لـ"الاستقلال" أن السلطات "تريد أن تظهر في الرأي العام الداخلي والخارجي بأنها ممسكة بزمام الأمور وأن العملية الديمقراطية تسير في الاتجاه الصحيح، رغم أن كل المؤشرات على أرض الواقع تدل على عكس ذلك في كل مرة، نظرا لوجود وعي سياسي بدرجة كبيرة في هذه المناطق والمشاركة في العملية".
ولفت إلى أن "الناخبين يرفضون التصويت ويتهمون السلطات بالتزوير والعمل على رفع نسبة المشاركة، وبالتالي هذه مسرحية مكشوفة للجميع وفي كل مرة تعاد، وتحدد سلفا نسبة المشاركة والأحزاب الفائزة، وهي لعبة تلعبها السلطات بين مختلف الأحزاب".
وأفاد أوكاد بأن "العملية لا أساس لها من الصحة، وبالتالي لا طائل من المشاركة فيها وفق المواطنين في منطقة القبائل، لأنهم يتسمون بوعي عال جدا مقارنة بباقي مناطق الوطن".
ويرى أن "السلطات ستنجح في تمرير هذه الاستحقاقات بعد تراجع موجة الحراك الشعبي خلال السنة الأخيرة، وبعد عامي كورونا والحراك فُقد ذلك النفس الذي يخرج في العاصمة ومختلف الولايات مطالبا بتغيير النظام السياسي والدخول في مرحلة انتقالية، وليس الجزائر الجديدة التي تريدها السلطات كما يتهمها المحتجون".
وختم أوكاد حديثه بالقول: "الهيئة ستمرر نتائج الانتخابات بالحد الأدنى حتى يكسب النظام الرهان داخليا وخارجيا لتحسين صورته، خاصة مع المكتسبات السياسية (لم يوضحها) التي حصل عليها خلال الفترة الأخيرة".