الحوثي يعقدها.. هل تنجح الجهود الدولية بتمديد الهدنة في اليمن للمرة الثالثة؟

12

طباعة

مشاركة

الزيارات المتوالية للوفود الدولية إلى اليمن خلال الآونة الأخيرة، حملت في طياتها الكثير من الرسائل والدلالات، خصوصا أن بعضها كانت إلى صنعاء، العاصمة التي تحكم مليشيا الحوثي قبضتها عليها بقوة السلاح.

وبدأت المساعي من المجتمع الدولي للبناء على الهدنة الهشة التي تنتهي في الثاني من أغسطس/آب 2022، من أجل تمديدها مجددا، تمهيدا للشروع بعملية سلام دائم.

وزار المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ العاصمة المؤقتة عدن، في 25 يوليو/ تموز 2022، والتقى وزير الخارجية أحمد بن مبارك، وتباحثا بشأن تمديد الهدنة.

كما زار السفير الألماني باليمن هوبرت ييقر صنعاء في 27 من الشهر نفسه، والتقى ما يسمى "وزير الخارجية" في حكومة الحوثيين (غير المعترف بها دوليا) هشام شرف عبدالله.

وصل ييقر إلى صنعاء قادما من العاصمة المؤقتة عدن، واجتمع بعدد من مسؤولي الحوثي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الصراع في اليمن قبل أكثر من سبع سنوات، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014.

وبحسب وكالة "سبأ" التابعة للحوثي، أكد السفير الألماني أن الوضع في اليمن يحتل مكانة في عمل السياسة الخارجية لبلاده، مشيرا إلى أن "الحل السياسي السلمي هو الحل الوحيد، ومن خلاله سيجري معالجة الوضع الإنساني".

وما إن غادر الوفد الألماني صنعاء حتى وصل وفد عماني في 31 يوليو، برفقة رئيس وفد الحوثيين المفاوض والمتحدث باسم المليشيا، محمد عبدالسلام للتشاور حول تطورات الهدنة وإمكانية تمديدها والمقترحات التي قدمها المبعوث الأممي لمعالجة القضايا الإنسانية والاقتصادية.

وتلعب سلطنة عمان دورا محوريا في المشاورات الأخيرة المتعلقة بالهدنة وجهود تحقيق السلام في اليمن، كونها الطرف الخليجي الوحيد الذي يلتقي بالحوثيين بصورة مباشرة في مسقط وصنعاء. 

هدنة وسلام

ويرى متابعون أن زيارة الوفد العماني إلى صنعاء تندرج في سياق مساع لإقناع الحوثيين بخفض سقف مطالبهم لتمديد الهدنة الأممية، بناء على طلب من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

وفشلت تحركات المبعوثين الأممي هانس غروندبرغ والأميركي تيم ليندركينغ، في التوصل إلى اتفاق مع طرفي الصراع بشأن التنازل من أجل تمديد الهدنة.

وحول هذه التحركات الأممية والإقليمية والدولية، قال الصحفي اليمني كمال السلامي، إنها "تهدف للحصول على موافقة لتمديد الهدنة لمرة ثالثة، قبيل انتهاء موعدها".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن "هناك موافقة مبدئية على الهدنة من الطرفين، لكن الشرعية رفضت بعض اشتراطات الحوثيين غير المنطقية ومن بينها إعادة البنك المركزي من عدن إلى صنعاء".

بينما يجري النقاش حول صرف رواتب الموظفين الموقوفة وفق كشوفات ما قبل 2014، أي قبل تعيين الحوثيين لأنصارهم في مرافق الدولة إضافة إلى اشتراط المليشيا فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة بدون قيود.

وأوضح أن "هناك تنازلات كبيرة قدمتها الحكومة لتمديد الهدنة، لكن الحوثي لديه المزيد من الاشتراطات".

وبين أن "الوفد العماني في صنعاء للاستماع لتلك الاشتراطات والنقاش حولها ونقل وجهة نظرهم للوسطاء الدوليين، ودفع الحوثيين إلى التخلي عن مطالبهم لتمديد الهدنة".

ويرى السلامي أن "المؤشرات تتجه نحو التمديد لستة أشهر وربما أقل، لكن بدون ضمانات خصوصا من قبل الحوثيين.

فملف تعز المتعلق بفتح الطرقات ورفع الحصار لا يزال عالقا، والمزاج الإقليمي لا يحتمل المزيد من المفاوضات أو الخلافات.

ويسعى الإقليم لتحقيق هدنة تفضي إلى سلام، ولو على أساس هش، فالحرب اليمنية تدفع تدريجيا نحو الهامش، بجانب أزمات كبرى أطلت برأسها مع بداية العام 2022، وفي المقدمة أزمتا أوكرانيا والتضخم العالمي، وفق تقديره.

ومضى السلامي بالقول، "المزاج العام يصب في خانة تمديد الهدنة، مع غض الطرف عن الخروقات أو الضمانات".

ويعتقد أن الحرب في اليمن بصورتها السابقة غير ممكنة ولن تعود القيود على الحوثيين، ولن تقصفهم مقاتلات التحالف "وبالتالي فالحكومة اليمنية هي أكبر الخاسرين من هذا الوضع".

رغبة دولية 

المواقف الإقليمية والدولية لم تتوقف عند تأكيد الرغبة في طي صفحة الحرب اليمنية.

 ففي أثناء زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية في 15 يوليو/تموز 2022، ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أكد الجانبان دعمهما الثابت للهدنة في اليمن، بوساطة الأمم المتحدة، وشددا على أهمية استمرارها وإحراز تقدم لتحويلها إلى اتفاق سلام دائم.

إلى جانب الأمم المتحدة والجهود الأوروبية، نشطت سلطنة عمان خلال الفترة الأخيرة بالتنسيق مع الولايات المتحدة بحراك دبلوماسي شمل زيارة وفد رفيع المستوى إلى صنعاء للقاء قيادات الحوثيين وتحركات للمبعوث الأممي.

وأفضت إلى بلورة رؤية شبه موحدة في أوساط المجتمع الدولي باتجاه إنهاء الصراع دون تحديد آلية واضحة، توافقت مع رغبة السعودية على ما يبدو في الخروج من هذه الحرب.

في هذا السياق تتواصل الاتصالات الأميركية مع مختلف الأطراف الإقليمية.

وأجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، في 31 يوليو 2022، اتصالا هاتفيا مع نظيره العماني، بدر البوسعيدي، بحث معه جهود تمديد الهدنة الأممية في اليمن، تعزيزا لفرص تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

لكن وفقا للصحفي السلامي، فإن "صيغة السلام الحالية بعد ثمان سنوات من الحرب، تتكئ على معطيات مختلفة عن تلك التي كانت في بداية الحرب".

وتساءل بالقول: "أي سلام سيعتمد على جغرافيا السيطرة وأوراق القوة لدى كل طرف، والحوثي اليوم يمتلك أكثرها، فلديه جغرافيا متماسكة وقوة عسكرية كبيرة، ومؤسسات دولة، بينما أصبحت الشرعية اليمنية في موقف ضعيف تتجاذبها أجندة دول الإقليم، وتنهكها تباينات مكوناتها".

وأردف السلامي بالقول، "رؤية المجتمع الدولي للأزمة اليمنية أيضا تحدد شكل السلام الذي سيدفع باتجاهه، وهو بلا شك لا يصب في مصلحة الشرعية اليمنية ولا غالبية اليمنيين".

لكنه يقوم على أسس معينة، من بينها أن الحوثي أصبح أمر واقع، إضافة إلى وجود رغبة عالمية في إنهاء ما يطلق عليها الأزمة الأسوأ، وفق تقديره.

تحفظات داخلية

رغم الإخفاقات التي منيت بها الأمم المتحدة في الملف اليمني، فقد نجحت لأول مرة في إرساء هدنة مؤقتة قابلة للتمديد، في الثاني من أبريل/نيسان 2022، وجرى تمديدها مطلع يونيو/حزيران، بموافقة الحكومة اليمنية والحوثيين.

وتضمن اتفاق الهدنة المؤقتة فتح المعابر في مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين كأحد أولويات الحكومة الشرعية، في مقابل فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية بواقع رحلتين أسبوعيا، إحداهما لمصر والأخرى للأردن.

وشملت الهدنة وقفا شاملا للعمليات العسكرية في جميع أنحاء البلاد، ووقف الهجمات عبر الحدود، والسماح للسفن باستئناف توريد شحنات النفط إلى ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي.

وأعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في الثاني من أغسطس 2022، أن طرفي الأزمة في اليمن اتفقا على تمديد الهدنة للمرة الثالثة بالشروط ذاتها لمدة شهرين إضافيين.

ويرى خبراء أن الهدنة معرضة للانهيار في أي وقت، خصوصا أن الهدنة الماضية شهدت تبادل الكثير من الاتهامات بخرقها من قبل طرفي الحرب، إلى جانب فشل المساعي في تنفيذ البند المتعلق بمدينة تعز، التي يحاصرها الحوثيون منذ يوليو 2015.

وخلال زيارة المبعوث الأممي الأخيرة إلى عدن رفض مجلس القيادة ورئيسه رشاد العليمي لقاءه نتيجة تحفظات على مطالب يسعى لترويجها تتعلق بالهدنة، وعلى طريقة تنفيذ مهمته.

 إذ يرى الجانب الحكومي أن المبعوث الأممي يحابي الحوثيين، ولا يمارس عليهم الضغط الكافي لتنفيذ ما عليهم من التزامات.

وخلال اتصاله برشاد العليمي، في 31 يوليو 2022، دعا أنتوني بلينكن أطراف الصراع في اليمن إلى استغلال فرصة الهدنة لإنهاء الحرب وإحلال السلام.

وأكد العليمي التزام مجلس القيادة الرئاسي بنهج السلام العادل والشامل القائم على المرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية، وخصوصا قرار مجلس الأمن 2216.

وذكر بتجارب التهدئة المخيبة للآمال مع الحوثيين، وصولا إلى الهدنة القائمة التي تنصلت فيها المليشيات عن كافة التزاماتها، بما في ذلك إبقاء الحصار على مدينة تعز والمحافظات الأخرى .

وأيضا عدم دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، والتلكؤ في تنفيذ التفاهمات المتعلقة بملفي الأسرى والمحتجزين، وفق وكالة "سبأ" الرسمية.

وفتحت التنازلات الحكومية المتواصلة والتواطؤ الأممي والغربي مع الحوثيين، شهية المليشيا لتحقيق المزيد من المكاسب وفرض المزيد من الاشتراطات من أجل تمديد الهدنة والدخول في سلام دائم.