خسرت أكثر من نصف قيمتها.. ما مستقبل "بيتكوين" وباقي العملات الإلكترونية؟
حالة تراجع شديدة يشهدها سوق العملات الرقمية، بقيادة العملة الأشهر "بيتكوين"، فضلا عن سقوط مدو لعملتين وهما "تيثر" و"تيرا" وبخاصة الأخيرة التي فقدت 99 بالمئة من قيمتها، ما أدى إلى تراجع كبير في قيمة تلك العملات حتى التي كانت تشهد حالة من الاستقرار.
وفي 19 يونيو/حزيران 2022، تراجعت "بيتكوين" في التعاملات الصباحية، دون مستوى 20 ألف دولار للجلسة الثانية على التوالي، وسط مخاوف من هبوط أكبر.
ويأتي تراجع "بيتكوين" بالتزامن مع موجة نزوح من الاستثمارات عالية المخاطر كالعملات المشفرة، وأسواق الأسهم والسندات، والتحوط بشراء الدولار تخوفا من حدوث ركود أميركي.
ظروف صعبة
وذكر موقع "كوين ماركت كاب" الأميركي المتخصص في متابعة تطورات سوق العملات المشفرة، في 12 مايو/أيار 2022، أن نحو 200 مليار دولار من قيمة هذه العملات في السوق العالمية "قد تبخر في ظرف يوم واحد".
وقدر بعض الاقتصاديين الخسائر التي جاءت بعد منتصف مايو 2022 على العملات الرقمية بنحو 500 مليون دولار.
وتراجعت قيمة "بيتكوين"، التي تتربع على عرش العملات المشفرة، وانخفضت بشدة إلى النصف تقريبا، فبعد أن كانت قيمة الوحدة منها 60 ألف دولار نهاية العام 2021 هوت إلى ما دون 20 ألف دولار في 19 يونيو 2022.
ولم تتوقف قصة انهيار العملات الرقمية وتحديدا بيتكوين عند هذا الحد، فبعد أن جمدت منصة "سيلزيوس"، وهي شركة أميركية لإقراض العملات المشفرة، عمليات السحب والتحويلات مرجعة ذلك إلى "ظروف صعبة"، في أحدث علامة على اضطراب سوق المال الذي ضرب عالم العملات الرقمية، ليصل سعر وحدة بيتكوين عند 18.337 ألف دولار.
ويعد هذا التراجع في قيمة البيتكوين هو الأعلى منذ 20 يوليو/تموز 2021، حيث بلغ حينها نحو 29.8 ألف دولار.
ومنذ وصول العملة الأشهر عند 67.5 ألف دولار في 11 أغسطس/آب 2021 لم تتجاوز هذا الرقم منذ هذا الحين، وبالتالي خسر البيتكوين نحو 72.8 بالمئة خلال 11 شهرا.
وهبطت عملة "تيرا لونا" الرقمية من ارتفاع 116 دولارا في أبريل/نيسان 2022، إلى 0.09 دولار في 12 مايو 2022.
فبعد رحلة الضوء الأحمر "الهبوطي" الذي عاشته تلك العملة خلال فترة ما قبل عام 2021، بدأت في الصعود منذ 28 يناير/كانون الثاني 2021 من سعر 1.45 دولار.
واستمرت تلك الرحلة المليئة بالضوء الأخضر لعملة "تيرا لونا"، حتى 4 أبريل/نيسان 2022 الذي شهدت فيه العملة أعلى سعر لها وهو 116.41 دولارا لتبدأ رحلة الهبوط المتسارع إلى أن تتحول للضوء الأحمر في 12 مايو 2022، وتصل 0.00005355 دولار للوحدة في 19 يونيو/حزيران 2022.
وتعرضت عملة "التيثر"، أكبر عملة مستقرة والتي يقول مطوروها إنها مدعومة بأصول بالدولار، للضغط أيضا وانخفضت من نحو دولار واحد إلى 95 سنتا في 11 مايو 2022، وذلك وفقا لبيانات "كوين ماركت كاب"، لكنها عادت بسعر 99 سنتا في 7 يونيو 2022.
أسباب الانهيار
ووسط وجود مخاوف لدى المستثمرين والمدخرين من ارتفاع معدلات التضخم التي تلتهم قيمة رأس المال، دائما ما يبحث هؤلاء عن ملاذات آمنة تحمي أموالهم من التآكل وتبقيها عند قيمتها دون نقصان.
ولطالما لجأ المدخرون إلى العملات الرقمية في هذا الإطار، لكن المعطيات الاقتصادية الأخيرة دفعت البعض إلى اللجوء إلى الدولار، لأن القاعدة الأساسية عند المستثمر والمدخر هي البحث عن الأدوات المالية والنقدية الأقل خطورة والأكثر ربحية.
وفي الوقت الراهن يتم تداول مؤشر الدولار الأميركي قرب أعلى مستوى له منذ 20 عاما، نتيجة رفع الفيدرالي لسعر الفائدة 3 مرات منذ بداية العام 2022 بنسبة إجمالية بلغت 1.5 بالمئة ليتراوح نطاق سعر الفائدة بين 1.5 بالمئة إلى 1.75 بالمئة.
يأتي ذلك وسط توقعات بزيادات أخرى في الفائدة، ليذهب بعض المستثمرين إلى الدولار.
كما أن مخاوف التضخم العالمية والزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي والتوتر بشأن تباطؤ اقتصادي محتمل، هزت بورصة "وول ستريت" وأدت إلى ارتفاع عوائد السندات.
ويحوم عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، فوق 3.1 بالمئة، بعد أن تضاعف هذا العام، ما أدى إلى جذب بعض من هؤلاء المستثمرين.
وانعكست مخاطر الأزمة الاقتصادية العالمية في تصريحات الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان"، جيمي ديمون، الذي أوصى المستثمرين بالاستعداد لإعصار اقتصادي، مع ارتفاع التحديات غير المسبوقة، بما في ذلك تشديد السياسة النقدية وغزو روسيا لأوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022.
وخفض الاقتصاديون في "جي بي مورغان"، خلال مايو 2022، توقعاتهم للنمو العالمي للنصف الثاني من عام 2022 إلى 2.4 بالمئة من 3 بالمئة، وللنصف الأول من عام 2023 إلى 1.5 بالمئة من 2.1 بالمئة وللنصف الثاني من عام 2023 إلى 1 بالمئة من 1.4 بالمئة.
وأشاروا إلى انخفاض أسعار الأسهم وارتفاع معدلات الرهن العقاري وارتفاع الدولار مقارنة بالشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ما يؤكد سعي المستثمرين وأصحاب المدخرات للبحث عن ملاذات آمنة بعيدا عن الاضطرابات الاقتصادية المتوقعة.
خسائر متتالية
وأرجع موقع "أخبار أميركا"، تراجع العملات المشفرة إلى عدة أسباب، منها نقص السيولة في أسواق تلك العملات نتيجة قيام المستثمرين الكبار بتسييل جزء كبير من أصولهم مقابل أعداد أقل من المستثمرين الراغبين في الشراء.
وهذا الأمر يترك وفرة في العرض مع طلب محدود، وبالتالي يؤدي هذا السلوك إلى إغراق سوق البيتكوين وأخواتها.
وأضاف الموقع الأميركي، أن حظر الصين لتعدين العملات المشفرة في يونيو 2021، وتهديد روسيا بحظر استخدام البيتكوين، كان على المعدنين الانتقال إلى أماكن أخرى تقبل تلك العملات أو على الأقل لا تحظرها، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير في تجزئة الشبكة التي تعد أحد خطوات تعدين أو إنتاج العملة المشفرة، وبالتالي تراجع أسعارها.
ويأتي السبب الثاني نتيجة قناعة العاملين أو الخبراء في هذا المجال بأن انخفاض أسعار العملات المشفرة يسهم في تراجع معدل التجزئة (تعدين العملات الرقمية)، والعكس صحيح، فبانخفاض معدل التجزئة تتراجع أسعار تلك العملات.
وأشار الموقع الأميركي، إلى أن قيمة العملات المشفرة مدفوعة بمشاعر المستثمرين، لذا فإن الحركة المضطربة في سوق العملات الافتراضية يثير مخاوف المتعاملين وبالتالي يؤثر على معدل التجزئة والسعر الإجمالي لأي من تلك العملات.
ويعد أكثر ما يؤيد وجهة النظر القائلة بأن العملات المشفرة مدفوعة بمشاعر المستثمرين، هو أن تغريد كبار رجال الأعمال والمستثمرين على تويتر وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي، مثل رئيس شركة تسلا للسيارات الكهربائية، إيلون ماسك، حول تلك العملات يؤثر بشكل مباشر في استقرارها وفي تدفق رؤوس الأموال إليها ومنها.
ويعكس أداء العملات المشفرة في الوقت الحالي مدى الضبابية التي تقوم عليها تلك الوحدات الافتراضية التي لا تقوم على أسس علمية أو تسير وفق الآليات التي تقوم عليها العملات التقليدية.
ورغم حديث البعض عن أن العملات الافتراضية لعبت دولار كبيرا في حماية أموال المستثمرين وغيرهم خلال عام 2020، ما دفع البعض للحديث حينها عن أن العملات المشفرة أصبحت ضمن الملاذات الآمنة، إلا أنه مع الأزمة الاقتصادية الحالية وارتفاع التضخم يهرب المستثمرون منها وتتراجع قيمتها.
وبعد أن قادت عملة البيتكوين مكاسب سوق العملات الافتراضية وسط أزمة تفشي جائحة كورونا خلال عام 2020، حيث أضافت العملة الأشهر أكثر من 300 مليار دولار إلى قيمتها السوقية، أصبحت هي التي تقود خسارات العملات الافتراضية في الوقت الحالي.
خسائر بالملايين
وفي سياق آخر، ذكرت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية، أن أكثر من 46 ألف شخص أبلغوا عن خسارة أكثر من مليار دولار في عمليات الاحتيال المتعلقة بالعملات المشفرة منذ بداية عام 2021، وهو ما يقرب من 60 ضعف ما تم الإبلاغ عنه في 2018.
وأضافت الوكالة أن التقارير تظهر أن منصات التواصل الاجتماعي والتشفير أحد الأسباب الرئيسة للاحتيال، مضيفة أن حوالي 575 مليون دولار من جميع الخسائر المتعلقة بعمليات الاحتيال في العملة الرقمية كانت تتعلق بفرص استثمارية زائفة.
وقالت لجنة التجارة الفيدرالية إن متوسط الخسارة المبلغ عنها للفرد تصل إلى 2600 دولار، فيما كانت عملات البيتكوين والتيثر والإيثريوم من أهم العملات المشفرة المستخدمة في عمليات الاحتيال، وحدثت معظم حالات الاحتيال عبر منصات "فيسبوك" و"واتس آب" و"تليغرام" و"إنستغرام".
وبالتالي وفق تلك المعطيات التي تشير إلى أن العملات المشفرة "غير المبرر" هبوطها وصعودها اقتصاديا بشكل دقيق، فضلا عن ارتهانها لعوامل متغيرة ومختلفة بين الحين والآخر ما يزيد من مخاطرها، بالإضافة إلى اقترانها بعمليات الاحتيال، "من الصعب بمكان بل من المستحيل" أن تصبح في مصاف الملاذات الآمنة للمستثمرين كالذهب والدولار.
وفي ظل وجود علامات على تراجع الثقة في الأصول الرقمية القوية، حسب ما قاله كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "أركا" للاستثمار في العملات المشفرة، جيف دورمان، فمن المتوقع أن يشهد السوق الافتراضي حالة التراجع خلال الفترة القادمة، خاصة مع صعود الملاذات الآمنة التقليدية وخاصة الدولار.
ولكن يعتمد سوق العملات المشفرة على كل عملة وأدائها بحد ذاتها، وبالتالي قد نرى صعود عملات جديدة تحل محل العملات التي تقود السوق الرقمي للعملات، خاصة مع صعود عملات مثل "سولانا"، و"بولكدوت"، و"كاردانو"، و"أفلانش".
وهو ما أكده كبير محللي السوق في "أواندا" للعملات الرقمية، إدوارد مويا، الذي أشار إلى أن العملات الصاعدة السالف ذكرها "في طريقها لتصبح عملات مشفرة رئيسة في منافسة بيتكوين وإيثريوم، إذ أظهرت هذه العملات نجاحا في المعاملات في سوق العملات الرقمية على حساب بيتكوين".
ولكن يظل مستقبل العملات المشفرة يشوبه الغموض خاصة في ظل اتساع حالة عدم اليقين وصعوبة التنبؤ بموعد انتهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، ووجود توقعات بصعوبات اقتصادية قادمة، فضلا عن صعوبة التنبؤ بعالم التشفير الرقمي الذي يسير بدون محددات بالأساس.
المصادر
- انهيار بيتكوين يسحق أسهم أكبر شركة عملات مشفرة في أمريكا
- Cryptocurrencies Melt Down in a ‘Perfect Storm’ of Fear and Panic
- Terra Classic
- Bitcoin
- البيتكوين: أكبر عملة رقمية تخسر نصف قيمتها في سبعة أشهر
- Why Does Crypto Crash? 6 Reasons
- Crypto firms say thousands of digital currencies will collapse, compare market to early dotcom days
- رئيس بنك جي بي مورجان يحذر من أزمة اقتصادية قادمة : «الإعصار انطلق وفي طريقه إلينا»
- تقرير: احصائيات وأرقام حول سوق العملات الرقمية المشفرة في 2020
- 46 ألف أمريكي يخسرون مليار دولار بسبب عمليات احتيال بالعملات المشفرة