بعد فصله عشرات القضاة.. صحيفة فرنسية: قيس سعيد لا يحترم الديمقراطية
مع اقتراب موعد الاستفتاء على الدستور في 25 يوليو/تموز 2022، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد عن إقالة 57 قاضيا، ما أدى إلى حالة من الاستياء لدى منتقديه.
وتقول صحيفة جون أفريك الفرنسية إن سعيد يفرض قبضته المحكمة على جميع دواليب السلطة، منذ 25 يوليو 2021، وهو التاريخ الذي أقال فيه الحكومة السابقة وجمد عمل البرلمان قبل أن يحله لاحقا.
عشرون دقيقة، خلال افتتاح مجلس الوزراء الذي ترأسه في الأول من يونيو كانت كافية بالنسبة لقيس سعيد لـ"تطهير" السلطة القضائية، الحاضرة نصب عينيه وتطلعاته السياسية منذ استيلائه على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
سلطة الإلغاء
اليوم بعد أقل من عام على ذلك التاريخ، استولى سعيد أيضا على السلطة القضائية بموجب مرسوم يعطيه المزيد من الصلاحيات للتدخل في المجلس الأعلى للقضاء (CSM)، ولا سيما صلاحيات عزل القضاة وأعضاء ذلك المجلس إذا لزم الأمر.
وهو مرسوم انتهى به قيس سعيد إلى إقالة 57 قاضيا اتهمهم بالفساد والجرائم والجنح المختلفة التي ذكرها لدقائق طويلة دون أن يذكر أسماءهم التي ذكرت لاحقا في الصحف الرسمية.
ومن بين هؤلاء الأسماء المذكورة، جرى عزل الرئيس الأول السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد، والمدعي العام السابق بشير العكرمي، ونائب المدعي العام السابق سفيان السليطي، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر.
أكد الرئيس التونسي بنبرة غاضبة أنه أظهر الكثير من الصبر على القضاة، وأن الإصلاح الشامل الذي أجري في المجلس الأعلى للقضاء بداية مارس/آذار 2022 لم يكن له، على حد قوله، التأثير المتوقع على العدالة، وأنه لم يجلب المزيد من السرعة في معالجة القضايا.
ومع ذلك، فإن المجلس الأعلى للقضاء ليس مخولا للتصرف بشأن هذه القضايا، والتي تعتمد على حجم العمل وتنظيم المحاكم، والتي تعد من مسؤولية وزارة العدل.
ولكن بالنظر إلى التوترات السياسية المتزايدة، لا أحد يتوقف عند هذه الفروق الدقيقة.
بعد رد فعله غير المتناسب على التقرير الذي نشرته لجنة البندقية، في 27 مايو 2022، أعلن قيس سعيد بطريقة قطعية أن القضاء ليس سلطة بل وظيفة، وأن أولئك الذين يمارسون مهنة القضاء يجب أن يمتثلوا لوظيفتهم وقبل كل شيء ألا يتظاهروا بممارسة مهام أخرى لخدمة مصالح أخرى.
و"البندقية" هي "اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون"، وتعد هيئة استشارية لمجلس أوروبا، تضم خبراء مستقلين في مجال القانون الدستوري وتختص بتقديم المشورة للدول الأعضاء فيها، ومساعدة الدول الراغبة في جعل هياكلها القانونية والمؤسسية تتماشى مع المعايير الأوروبية والخبرة الدولية.
وصرح قيس سعيد، نهاية مايو أن أعضاء لجنة البندقية الأوروبية غير مرحب بهم في تونس، ردا على ملاحظاتها القانونية بشأن إجراءات تنظيم الاستفتاء على دستور جديد في البلاد وتعديل تركيبة هيئة الانتخابات بمرسوم رئاسي.
وفي بيانه الصادر بالأول من يونيو، لم ينتقد سعيد القضاة فحسب، بل منح نفسه أيضا السلطة "في حالة الطوارئ، أو إذا كان هناك تهديد للسلامة العامة أو المصالح العليا للبلاد".
يخضع هذا الاستيلاء على المجلس الأعلى للقضاء إلى نفس المنطق الذي اتبعه الانقلاب القسري على السلطة في 25 يوليو 2021، عندما ادعى قيس سعيد وجود "خطر داهم" لتفعيل المادة 80 من الدستور وتعيين نفسه قائدا وحيدا على متن دفة القيادة في تونس.
رد فعل القضاة
بعد تعليق بعض الهيئات الدستورية، وحل أخرى، بما في ذلك مجلس النواب، صار النظام القائم في تونس أكثر انغلاقا ويثير تساؤلات حول أي مدى ستبلغ رغبته في ممارسة السلطة.
يعلق أحد الباحثين السياسيين بالقول إنه "في 25 يوليو، أعلن قيس سعيد أنه رئيس النيابة، لكنه تراجع بسرعة بناء على نصيحة من حوله. والآن يتصرف بمفرده ووفقا لفهمه الخاص للأمور"، تقول الصحيفة الفرنسية.
قبل تقديم طلب الاستئناف في قرار عزلهم، يتعين على القضاة المفصولين تبرير موقفهم أمام المحكمة الإدارية.
وهو أمر لم يسمع به أحد، حتى عندما أقال وزير العدل السابق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، عام 2012، 82 قاضيا يشتبه في فسادهم خلال فترة نظام زين العابدين بن علي.
ومنذ ذلك الحين، حكمت المحكمة الإدارية لصالح إعادتهم إلى وظائفهم وأعادت حقوقهم.
لكن قيس سعيد، هذه المرة، ذهب إلى أبعد من ذلك، وكأنه يضمن تحييدا نهائيا لدائرة من القضاة يعدهم فاسدين.
وقال قاض مفصول لصحيفة جون أفريك، بشرط عدم الكشف عن هويته، لأنه أعلن نيته اتخاذ إجراء قانوني ضد سعيد أن الرئيس "لن يكون على دراية بأن لدى القضاة التونسيين طريقة للرد على قراراته".
وأضاف أن ما يحدث هو "اعتداء على استقلال القضاء ومحاولة للضغط على هيئته وإخضاعها تحت وطأة العار".
تقول الصحيفة إنه من الواضح أن قيس سعيد قد قرر تصفية الحسابات مع القضاة.
هذه المساءلة التي يتعرض لها القضاء، يبدو أيضا أنها مسألة شخصية بين سعيد وجملة من القضاة.
وتقول جون أفريك: "سعيد مقتنع تماما، وهو المتأثر بمشاعر أنه رجل العناية الإلهية الذي سيقود الشعب، بأن نتيجة استفتاء 25 يوليو على الدستور ستكون في صالحه".
وبحلول ذلك التاريخ، سيكون قد أكمل 12 شهرا من ممارسة السلطة بمفرده، والتي لم يكن قد أعد أي تقييم لها بعد.