بفتح حدود سبتة ومليلية.. هل يتأثر "التهريب المعيشي" بين المغرب وإسبانيا؟
بعد إغلاق دام أكثر من عامين، عادت حركة المرور على مستوى الحدود البرية بين المغرب وإسبانيا، في 16 مايو/أيار 2022، وعاد معها النقاش بشأن نشاط "التهريب المعيشي" الذي وضعت حدا له سلطات الرباط عام 2019.
"التهريب المعيشي" (نشاط تجاري غير قانوني) الذي استمر لما يقرب من 6 عقود، أثار على مدى سنوات طويلة انتقادات حقوقية، جراء انتشار صور نساء يعملن على حمل أكياس ضخمة محملة بالبضائع الإسبانية فوق ظهورهن.
وأيضا بعد حوادث التدافع التي أودت بحياة عدد من الأشخاص الذين يمتهنون تهريب السلع من سبتة ومليلية، إلى باقي المدن داخل المغرب.
تضييق الخناق
ورغم أن فتح المعابر الحدودية مرتبط بعودة "التهريب المعيشي" انطلاقا من المدينتين، وهو الأمل الذي ما زال آلاف المغاربة في شرق أو شمال المملكة والتجار الإسبان داخل الثغرين يحتفظون به، فإن أغلب المؤشرات لا تشير إلى إمكانية "تنازل" السلطات المغربية عن قرارها السابق في هذا الشأن.
وبداية من 2018، بدأ تضييق الجانب المغربي الخناق على مهربي السلع من المدينتين، بشكل تدريجي، وهو ما أكده بشكل رسمي المدير العام لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في المغرب، نبيل لخضر، في فبراير/شباط 2019 أمام مجلس النواب (البرلمان).
وأبرز لخضر أن المنع النهائي للتهريب انطلاقا من الثغرين سيكون بين حوالي 5 إلى 10 سنوات، قبل أن يعجل وباء كورونا بهذا الأمر في أقل من سنتين.
ومنتصف يوليو/تموز 2019 اتخذ المغرب القرار الأول، ويقضي بإغلاق الجمارك البرية مع مدينة مليلية، ومنع أي عملية استيراد أو تصدير عبر المعبر البري.
فيما يتعلق القرار الثاني، بالإغلاق النهائي لمعبر باب سبتة، أمام تجار السلع المهربة، بحسب ما أوردته وسائل إعلام إسبانية ومغربية، بداية ديسمبر/كانون الأول 2019.
وبعد قرار السلطات المغربية منع التهريب المعيشي، عادت العديد من الأسر التي كانت تشتغل في هذا النشاط إلى مدنها الأصلية، بينما اشتغلت مجموعة منهم في الوحدات الصناعية وموانئ مدينة طنجة ومشاريع تجارية أطلقتها هيئات حكومية.
ومن شأن هذه المشاريع تقديم بدائل عملية للقطع النهائي مع أنشطة كانت متمركزة على اقتصاد غير مهيكل مرتبط في غالبيته بشكل مباشر بأنشطة المعابر وقوامه تهريب السلع والبضائع.
وفي تقرير المهمة الاستطلاعية البرلمانية بالمغرب الذي نشر أوائل عام 2020، فإن حوالي 3500 سيدة أو أكثر بقليل حسب جمعيات محلية، كن يحترفن "التهريب المعيشي" بباب سبتة.
وقدرت قيمة هذا النشاط بين 570 و780 مليون دولار سنويا، "لكنه حرم الجمارك المغربية من مداخيل"، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
أشار التقرير إلى أنه "منذ أن توقفت هذه التجارة زادت الجمارك المغربية بنحو 4 مليارات درهم (قرابة 400 مليون دولار)"، وفق ما نقلت عنها وسائل إعلام محلية في ديسمبر 2021.
وتقع سبتة ومليلية أقصى الشمال المغربي، وتخضعان لإدارة إسبانيا، ويرفض الرباط الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني للمدينتين، ويعدهما جزءا لا يتجزأ من أراضيه، ويطالب مدريد بإجراء مفاوضات مباشرة على أمل استرجاعهما.
وأغلقت إسبانيا حدود المدينتين مع المغرب ربيع 2020 إثر تفشي فيروس كورونا، واستمر الإغلاق بفعل أزمة دبلوماسية اندلعت حين استقبلت مدريد في أبريل/نيسان 2021 زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، بـ"هوية مزيفة" ودون إخطار الرباط، وهو ما عدته الأخيرة "طعنة في الظهر".
وفي مارس/آذار 2022، عاد الدفء إلى العلاقات بعد إعلان إسبانيا دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء.
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة "محمد الأول" في مدينة وجدة، خالد شيات، يرى أن "ظاهرة التهريب المعيشي لا يمكن أن تعود، لاعتبارات كثيرة أهمها أن المغرب لن يغير موقفه من واقع احتلال المدينتين من طرف إسبانيا، وهو موقف حكومي رسمي وشعبي"، وفق تعبيره.
وأضاف شيات، لموقع "هسبريس" (محلي)، أن "ما يعزز استبعاد سماح المغرب بعودة هذه النشاطات في المعابر البرية هو وضعه إستراتيجيات اقتصادية بديلة في المناطق المحاذية لها، سواء في محيط مليلية أو منطقة مارتشيكا، مع إحداث أنشطة تجارية في منطقة المضيق".
رمز للمآسي
ونتيجة للمفاوضات بين الطرفين بشأن إعادة فتح الحدود، كشف وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، تفاصيل اتفاق مشترك للحد من ظاهرة “التهريب المعيشي” بسبتة ومليلية.
وشدد ألباريس على أن البلدين يرغبان في أن تجري عملية فتح الحدود البرية “بطريقة منظمة وتدريجية وسلسة، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو البضائع”، مشيرا إلى أنها “خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى"، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء الإسبانية في 15 مايو 2022.
وقال ألباريس إنه اتفق مع نظيره المغربي ناصر بوريطة على إحداث مركزين جمركيين في المعابر الحدودية لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، دون تحديد موعد لذلك.
من جهتها، أعلنت إدارة الجمارك المغربية أنه يجب على الذين يعبرون الحدود، انطلاقا من سبتة باتجاه المغرب، الإدراك بأن المسؤولين في المعبر لن يسمحوا لهم بإدخال مختلف أنواع البضائع، لا منتجات غذائية ولا أي نوع آخر من السلع، ولا بكميات كبيرة ولا صغيرة.
وقالت الجمارك، في بيان للمديرية العامة للجمارك والضرائب غير المباشر، نشره موقع القناة الأولى الحكومي في 21 مايو، إن التهريب الذي كانت تعرفه البوابتان في سبتة ومليلية “انتهى، وأصبح غير مقبول وينتمي إلى عهد قد ولى بصفة نهائية”.
وأضافت أن “جميع التدابير اتخذت بهدف القطع النهائي مع جميع أنواع وأشكال التهريب، الذي كان يعرفه المعبران سابقا، وكان يشكل عائقا رئيسا لتوفير مناخ ملائم لعملية العبور بشكل عادي”.
ولفت البيان إلى أنه “منذ إعادة فتح المعبرين، سجل غيابا تاما لما كان يسمى ببضائع التهريب المعيشي”.
وفي 21 مايو 2022، نشرت الصحيفة الرسمية الإسبانية، قرارين وزاريين حول فتح الحدود البرية مع المغرب، الذي أكد أنه "لن يسمح مطلقا بعودة أنشطة التهريب عبر معبري سبتة ومليلية، وسيسمح فقط بعبور الأشخاص الحاصلين على تأشيرة شنغن والعاملين المصرح لهم قانونا".
رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، استبعد "عودة التهريب المعيشي بعد إعادة الفتح التدريجي للمعابر الحدودية بين سبتة ومليلية مع المغرب".
لكنه أكد لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) أنه "من الصعب القضاء بشكل نهائي على التهريب الحدودي للسلع ولكن لا يمكن أن تعود كما كانت من قبل".
من جهته، قال الناشط المدني، محمد الأنصاري، إن "فتح المعبرين لا يعني بالضرورة العودة للتهريب المعيشي الذي طالبنا مرارا بإنهائه، لأنه كان رمزا للمآسي بغض النظر عن الربح الهامشي لتلك السيدات وغيرهن، فهي تجارة ذل استفادت منها شبكات التهريب فقط".
وذكر في حديث لـ"الاستقلال" أن "التهريب يكبد سنويا خزينة الدولة خسائر بمئات ملايين الدولارات، لكن قرار توقيفه يدخل في إطار الحفاظ على السيادة الاقتصادية للمغرب، لأنه كان يحرم المملكة من ملايين الدراهم يوميا".
وأشار الأنصاري، إلى أن "هناك عاملات عبرن عن سعادتهن بقطع هذه المهنة الشاقة والمذلة، بعد حصولهن على فرص عمل جديدة تضمن لهن قوت يومهن بشكل لائق يضمن كرامتهن عكس ما كن عليه من قبل في فترة امتهان التهريب المعيشي".
وشدد على أن "القطيعة مع التهريب المعيشي ينهي سيطرة لوبيات وبارونات التهريب الذين يسيرن هؤلاء الباحثات عن لقمة عيش بثمن زهيد، وأيضا القطيعة مع صور كانت ترسم المواطنين المغلوبين على أمرهم أمام المتابعين خارجيا بطريقة غير مشرفة".