عمال غزة في الداخل الفلسطيني.. ورقة إسرائيلية جديدة لابتزاز المقاومة

محمد عيد | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ورقة ابتزاز جديدة بدأت إسرائيل تستخدمها ضد المقاومة الفلسطينية، وهي "عمال قطاع غزة في الداخل المحتل"، إضافة إلى ممارستها عقابا ضد الفئة الأكثر فقرا بمنطقة لا تزال تعاني من حصار مشدد، وارتفاع كبير في نسب الفقر والبطالة.

وخلال التوترات الأمنية الأخيرة، التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال أبريل/نيسان 2022، إثر اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، واعتداءات قوات الاحتلال على المصلين، وما أعقبها من إطلاق صواريخ من قطاع غزة، سارعت سلطات الاحتلال إلى الإعلان عن إغلاق حاجز بيت حانون "إيرز".

خطة مساومة

وجاء قرار إغلاق الحاجز في 23 أبريل/نيسان 2022، من أعلى رأس الهرم العسكري في دولة الاحتلال، حيث وضع وزير الدفاع، بيني غانتس، شروطا لفتح الحاجز أمام عمال قطاع غزة بالعودة للعمل داخل الأراضي المحتلة، أبرزها استقرار الأوضاع الأمنية في قطاع غزة.

وبعد ثلاثة أيام من إغلاق الحاجز، قررت سلطات الاحتلال في 25 أبريل/نيسان 2022، إعادة فتحه من جديد، أمام العمال.

ويعد حاجز بيت حانون الذي يقع أقصى شمال غزة، المنفذ الوحيد لدخول الأفراد من القطاع إلى الداخل المحتل، وفقا لاشتراطات إسرائيلية مشددة.

وأعاد الاحتلال السماح لعمال قطاع غزة للعمل بالداخل من جديد بعد قرابة 21 عاما من المنع، وهو ما تسبب في ارتفاع نسبة البطالة بالقطاع.

وسمح الاحتلال، وفق بيانات وزارة العمل الفلسطينية بغزة، بإصدار تصاريح لـ12 ألفا شملت تجارا وأخرى يصنفها الاحتلال تصاريح احتياجات خاصة.

وجاء عودة السماح لعمال قطاع غزة للعمل في الداخل، بعد خطة "الاقتصاد مقابل الأمن" التي طرحها وزير خارجية الاحتلال، يائير لابيد، مؤخرا، وذلك بهدف تحقيق "رفاهية اقتصادية" في غزة، مقابل "استتباب الأمن في العلاقة مع إسرائيل".

وقال لابيد خلال طرحه الخطة في سبتمبر/أيلول 2022، إن "هذه الخطة مقرر لها أن تنفذ عبر مرحلتين؛ الأولى تكون بإعادة الإعمار وتقديم الاحتياجات الإنسانية في غزة، مقابل إضعاف قوة حركة حماس العسكرية عبر قوات دولية".

أما الثانية، فأطلق عليها "خطة اقتصادية كاملة تضمن الأمن"؛ بحيث تساهم في اختلاف شكل الحياة كليا وعلى نحو إيجابي في غزة؛ بشرط قبول القطاع لتفاصيل المرحلة الأولى، وتولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور على صعيد الإدارة المدنية والاقتصادية في القطاع.

كما تشمل المرحلة الثانية "تطوير مشروع الجزيرة الاصطناعية قبالة ساحل غزة؛ مما سيسمح ببناء ميناء، كما سيتم بناء شبكة مواصلات بين قطاع غزة والضفة الغربية".

وأضاف لابيد أن المرحلة الثانية ستتضمن، كذلك، "تعزيز الاستثمار الدولي داخل غزة والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية".

ابتزاز واضح

المختص في الشأن الإسرائيلي، مؤمن مقداد، أكد أن "إستراتيجية قادة الاحتلال إعطاء تسهيلات للفلسطينيين في غزة، بهدف منعهم من القيام بأي أعمال تجاه دولة الاحتلال، ولكن المقاومة في القطاع تذهب إلى تفعيل ساحات أخرى لتجاوز ابتزاز الاحتلال".

وأوضح مقداد لـ"الاستقلال"، أن "هناك مناداة في الأوساط الإسرائيلية لاستخدام ورقة عمال قطاع غزة في الداخل المحتل لابتزاز دائم في حالة قامت حركة حماس بأي أفعال ضد أهداف إسرائيلية".

ووفق مقداد، فما حدث من إغلاق حاجز "إيرز" أمام عمال القطاع، يأتي ضمن "استخدام جيش الاحتلال هذه الورقة بشكل واضح كابتزاز من قبل غانتس، وتحريض سكان غزة على المقاومة".

ويطرح قادة الاحتلال، حسب مقداد، خطة "الاقتصاد مقابل الأمن" والتي تشمل تقديم تسهيلات لسكان غزة، وبناء مطار وميناء بهدف تحقيق الأمن، ولكن تلك الخطة لن ترى النور أو تحقق نتائج.

وعلى مدار سنوات الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ عام 2006، تضرر الاقتصاد بشكل كبير وارتفعت نسب البطالة والفقر.

وحسب تقرير للبنك الدولي، فما زال قطاع غزة يعاني أوضاعا اقتصادية "بالغة الشدة"، مع الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وتدهور الأحوال الاجتماعية.

ووفق تقرير البنك الدولي الذي جاء على إثر المراقبة الاقتصادية الفلسطينية، ونشر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فمعدل النمو في القطاع بلغ 5.4 بالمئة في النصف الأول من 2021، مع توقعات بتراجعه في عام 2022 إلى نحو 3 بالمئة بسبب تضاؤل سرعة الانتعاش ما بعد جائحة كورونا وبقاء مصادر النمو محدودة.

وتناول تقرير البنك الدولي الآثار التراكمية لسنوات من الحصار على اقتصاد غزة الذي انكمش في الوقت الحالي إلى نسبة ضئيلة من إمكاناته التقديرية.

وتقلصت مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني، حسب التقرير، بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، ووصلت في الوقت الحالي إلى 18 بالمئة فقط، وشهد قطاع غزة تراجع أنشطة التصنيع، وأصبح اقتصاد القطاع يعتمد بنسبة كبيرة على التحويلات الخارجية.

وقال تقرير البنك الدولي إنه "إثر التدهور الاقتصادي في قطاع غزة تأثيرا شديدا على مستويات المعيشة، إذ بلغ معدل البطالة 45 بالمئة، ووصل معدل الفقر إلى 59 بالمئة من جراء جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوما، وتدهور الأوضاع جراء تفشي جائحة كورونا".

تداعيات كارثية

من جهته، أكد الكاتب والباحث الاقتصادي، أحمد أبو قمر، أن "سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول توظيف إدخال عمال قطاع غزة إلى الداخل المحتل، للضغط من أجل عود الهدوء مع القطاع، من خلال الضغط عبر السكان".

ويريد الاحتلال، من ورقة العمال، حسب حديث أبو قمر لـ"الاستقلال" إلى استخدامه لابتزاز غزة، من خلال استخدام سياسة "العصا والجزرة"، وربطها بقضية التسهيلات المقدمة للفلسطينيين، وهي مجربة سابقا، حيث حاول من خلال خطة السلام الاقتصادي، ولكنها لن تجدي نفعا مع القطاع المحاصر.

وتعد خطوة إدخال العمال الفلسطينيين من قطاع غزة للعمل في الداخل المحتل، وفق أبو قمر، خطوة اقتصادية، ولكن ليست هي المطلوبة.

وقال أبو قمر: "هناك آلاف من أبناء قطاع غزة يعملون في الداخل المحتل، على بند احتياجات اقتصادية، أو تجار".

وجاء إدخال هؤلاء العمال إلى الداخل المحتل، حسب أبو قمر، في وقت يعاني اقتصاد غزة من صعوبات بالغة، وحاجته الماسة إلى سيولة، بسبب تجميد مصادر الأموال لقطاع غزة سواء للجمعيات والمؤسسات الخيرية، ضمن الحصار الاقتصادي.

وعانى غزة، كما يوضح أبو قمر، من سياسة تقليص رواتب موظفي السلطة، وتقاضيهم نسبة من الراتب لفترة طويلة، وهو ما أدى إلى ضعف شديد في القدرة الشرائية بأسواق القطاع.

وسيسهم إدخال قطاع غزة للداخل المحتل، وفق أبو قمر، برفع نسبة السيولة بالقطاع، وهو ما بدأ يظهر في الأسواق، حيث هناك نوع من الحركة بسبب ضخ بعض الأموال في غزة، ولكن لا يزال القطاع بحاجة إلى المزيد.

ويرى الباحث الاقتصادي، أن إدخال العمال إلى الداخل المحتل، يعد منفعة اقتصادية، ولكن لا يحقق التنمية، كونه يزيد من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي حتى لو حل مشكلة البطالة.

ويحتاج الاقتصاد الفلسطيني، وفق أبو قمر، إلى تشغيل العمال في الأراضي الفلسطينية من خلال بناء مصانع، وتوفير فرص العمل، لتحقيق اقتصاد حقيقي وليس وهميا.

وتتناقض فكرة عمل فلسطينيين في الداخل المحتل، مع الانفكاك الاقتصادي الذي تتغنى بها القضايا الفلسطينية، خاصة أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى التحلل من اتفاقية باريس الاقتصادية، حسب أبو قمر.

وحول تداعيات إغلاق حاجز "إيرز"، أكدت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، في 24 أبريل 2022، أن إغلاق الحاجز جاء في سياق مواصلة دولة الاحتلال اعتداءاتها على المسجد الأقصى، وسعيها لتنفيذ مخططاتها الاستيطانية التوسعية وسياسة التطهير العرقي في القدس المحتلة، لتهجير عشرات العائلات الفلسطينية.

وجاء الإغلاق، وفق بيان "حشد" في وقت يتواصل فيه تدهور الأوضاع الإنسانية لسكان غزة نتيجة للحصار، ومنع دخول وخروج المواطنين من المرضى والعمال والقطاعات التجارية والعاملين في المؤسسات الدولية، عدا عن منع دخول الغذاء والمستلزمات الطبية والأدوية وإمدادات الوقود، وتداعياته الكارثية على أوضاعهم.

وتضررت خدمات الرعاية الصحية وإمدادات المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والكهرباء، إثر استهداف قوات الاحتلال خلال عدوانها الأخير للمرافق العامة واستهدافها المنظم للبنية التحتية من شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، مما ساهم في تحويل القطاع لمكان غير آمن لسكن ما يقارب من 2 مليون فلسطيني يعيشون فيه.