دراسات مبشرة للمصريين.. لهذه الأسباب نظام السيسي معرض للسقوط
مع توالي الأيام، ثبت لكثيرين أن التترس بالأجهزة الأمنية وفرض الدولة البوليسية، لم يكفل الأمان والرفاهية لنظام عبدالفتاح السيسي في مصر كما زعم لسنوات، بل على العكس بات يمتلك الآن مخزونا كبيرا من الفشل في إدارة البلاد وسقط بها في وحل الفقر والتضخم.
دراسات دولية جديدة صدرت خلال أبريل/ نيسان 2022، كشفت أن حكم السيسي غير مستقر للغاية، وعرضة للتغيير بشدة على وقع الاضطرابات الاقتصادية الراهنة، وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني، لاسيما الأساسية منها التي يعتمد عليها المواطن الفقير لمواصلة حياته.
وأشارت هذه الدراسات إلى أن النظام المصري بات الأكثر هشاشة في إفريقيا، أمام احتمالات التغيير المتوقعة.
ما يفرض تساؤلات، من قبيل كيف أوصل السيسي البلاد إلى تلك الحالة بعد نحو ثماني سنوات من حكمه رُغم وعود الإصلاح العريضة التي أطلقها؟ ولماذا تهرب الاستثمارات الأجنبية؟ وهل كان رهانه على القمع لبناء "الدولة" في محله؟
عرضة للسقوط
وفي 22 أبريل/ نيسان 2022، خلصت دراسة للخبير البريطاني تشارلز روبرتسون، بمجموعة "رينيسانس كابيتال" الدولية للاستثمارات المالية، إلى أن "مصر أكثر دولة إفريقية عرضة لتغيير نظام الحكم فيها هذا العام بسبب التضخم وسوء الأوضاع الاقتصادية".
و"رينيسانس كابيتال" من أبرز المجموعات الاقتصادية المهتمة بنشر دراسات عن إفريقيا والشرق الأوسط، وتأسست عام 1995، ومقرها الرئيسي في لندن، وفي عام 2020، حازت على جائزة أفضل مجموعة استثمارية للأسواق الناشئة في أوروبا.
وأوردت المجموعة في دراسة روبرتسون، أن ارتفاع التضخم سيؤدي إلى زيادة مخاطر تغيير النظام في البلدان الإفريقية، حيث إن الأسعار المرتفعة تزيد من احتمال حدوث انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للفرد.
وأوضحت الدراسة أن مصر الدولة الأكثر احتمالية لتجربة تغيير النظام، مع تجاوز معدل التضخم الحضري السنوي عتبة 10.5 بالمئة في مارس/ آذار 2022، وهو أعلى معدل منذ يونيو/ حزيران 2019.
وأدت هذه المعدلات إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وهناك احتمال 25 بالمئة أن يتغير النظام في مصر، حسب تقديرات روبرتسون.
وذكرت الدراسة أن المسار العقلاني لزعيم يواجه الوضع السياسي الراهن هو أن يفعل كل ما في وسعه للحفاظ على الناتج المحلي الإجمالي للفرد في منطقة إيجابية، ولا يجب أن يقوم بإلغاء دعم الخبز على سبيل المثال.
وخلصت إلى أن السيسي هو الزعيم الإفريقي الأكثر تعرضا للخطر من الناحية السياسية بسبب ارتفاع الأسعار.
ديون كارثية
وما يؤكد فرضيات الدراسة، وجود تقارير صادمة تتحدث عن اتجاه مصر إلى أزمة ديون كارثية، إذ كشفت وكالة "ستاندرد آند بورز" الدولية للتصنيف الائتماني، أن إجمالي الديون السيادية لمصر يتوقع أن تصل مع نهاية 2022 إلى 391.8 مليار دولار، بعد أن كانت عند مستوى 184.9 مليار دولار فقط في 2017.
وتوقعت الوكالة في دراسة نشرتها بتاريخ 27 أبريل 2022، أن تستدين مصر 73 مليار دولار خلال 2022، لكن الكارثة هي أن الجزء الأكبر من هذا المبلغ المهول سوف يذهب لسداد الديون المتراكمة، أي أن الشعب والاقتصاد لن يستفيدا من هذا الرقم الضخم.
وبحسب "ستاندرد آند بورز"، فإن مصر ستصبح أكبر دولة مدينة في الشرق الأوسط، وسوف تكون أحد أكبر طالبي الديون في العالم، وسيقترض النظام هذه المبالغ العملاقة عبر إصدار سندات بقيم كبيرة، وسيكون أكبر طالب لهذه الديون في الشرق الأوسط وأوروبا وشمال إفريقيا.
وأوردت أن نصيب المواطن المصري من هذه الديون سوف يصبح من بين الأعلى في العالم، إذ إن كل مواطن سوف يكون مدينا بأكثر من 3900 دولار مع نهاية 2022، أي أكثر من 71 ألف جنيه مصري.
وساهم السيسي بسياساته الجزافية، بحسب مراقبين، إلى وصول مصر لدرجة كبيرة من الاضطراب والشلل الاقتصادي، ففي 19 أبريل 2022، ذكرت منظمة "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط" للأبحاث (بوميد)، أن الحكومة أنفقت الجزء الأكبر من إيراداتها المتاحة في السنوات الأخيرة على مشروعات ضخمة ذات قيمة رمزية بدلا من أن تكون ذات قيمة اقتصادية.
وأضافت في تقرير للباحث الأميركي روبرت سبرينغبورغ، أن هذه المشروعات تتضمن "العاصمة الإدارية الجديدة"، التي تقع في صحراء خارج القاهرة وابتلعت عشرات المليارات من الدولارات.
فضلا عن شراء السيسي ترسانة أسلحة ضخمة لا يُعرف قيمتها الفعلية لكنها تجعل البلاد ضمن أكبر خمس دول شراء للأسلحة في العالم وفق المنظمة الأميركية.
وتابعت: وكذلك توسعة قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار لكنها لم تحقق أي زيادة ملحوظة في إيرادات العبور، التي وصلت إلى 5.8 مليارات دولار فقط في 2020 بعد أن كانت 5.6 مليار دولار في 2017.
كل هذه النفقات إلى جانب الأموال التي تذهب إلى رواتب موظفي القطاع العام البالغ عددهم 6 ملايين موظف (18.2 مليار دولار في موازنة 2020/2021)، ويترك هذا بقية أموال الموازنة الضئيلة لتغطية قطاعات الصحة والتعليم والتنمية والخدمات الأخرى.
هروب المستثمرين
وفي 2 مارس/ آذار 2022، كشفت وكالة "رويترز" البريطانية، أن مصر شهدت خروج مئات الملايين من الدولارات من أسواق النقد الأجنبي، منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا يوم 24 فبراير/ شباط 2022، مع إقبال المستثمرين على الفرار من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر أمانا.
وأرجع اقتصاديون أنه من أسباب هروب الاستثمارات من مصر سيطرة الشركات العسكرية على مفاصل الاقتصاد بنسبة تتجاوز 60 بالمئة، وهو ما ينعدم معه فرص المنافسة، على أثر إعطاء المناقصات بالأمر المباشر لشركات الجيش.
لكن الأمر يتجاوز فكرة المنافسة إلى التنكيل الكامل بالمستثمرين، مثلما حدث مع رجل الأعمال المصري صفوان ثابت، مالك شركة جهينة الشهيرة في الصناعات الغذائية.
ففي 23 أبريل 2022، ذكرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، أنه في معظم الدول يمكن وصف "جهينة" بأنها بطلة قومية، لكن في ظل الحكام العسكريين لمصر، واجهت الشركة ابتزازا على غرار ما تفعله المافيا، وهذا ما يوضح عيوب الاقتصاد المصري.
وأضافت المجلة، بدأت مشاكل جهينة عندما قررت السلطات المصرية السيطرة عليها، بعد أن رفض مؤسسها صفوان ثابت، التنازل عن الحصة التي تسمح لمالكها باتخاذ القرار في الشركة، ليلقى به في سجن سيئ السمعة بسبب ما يجرى فيه من تعذيب، وعندما رفض ابنه سيف نفس الصفقة، ألحق بوالده في السجن.
وذكرت إيكونوميست أن "صندوق النقد اشتكى أيضا من أن الحكومة المصرية تخنق القطاع الخاص".
وقالت: "يظهر أحد الاستطلاعات أن القطاع الخاص تقلص في جميع الأشهر باستثناء 9 أشهر منذ عام 2016. فيما يصدر السيسي ضجيجا مؤيدا للأعمال في الأماكن العامة، لكن جنرالاته الذين يسيطرون على أجزاء من الاقتصاد، يسخرون من السوق الحرة.
أرجل زجاجية
وتعليقا على هذه الدراسات، قال الباحث الاقتصادي أحمد يوسف لـ"الاستقلال"، إن "وصول النظام المصري إلى مرحلة الاهتزاز والتردي على وقع الأزمات الاقتصادية العالمية كان أمرا متوقعا منذ سنوات، لكنه احتاج إلى لحظة كاشفة.
وأضاف، "وهو ما حدث عدة مرات، أولها معايشة تبعات جائحة كورونا، التي خلفت موجة ركود وتضخم عالمية، ضربت الأسواق الكبيرة والناشئة في آن واحد، والثانية اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، والتي سيكون لها نتائج وتداعيات أسوأ من كورونا، لارتباطها بالطاقة والغذاء، وهو الوضع الذي لن تقدر على تحمله أسواق مثل مصر، التي تعتمد على القمح الروسي والأوكراني، بنسبة كبيرة".
ومضى يوسف يقول إن "الوضع الذي يعيش فيه النظام المصري، أشبه بعملاق عسكري مستبد يمتلك كل أدوات القوة والهيمنة والبطش، لكنه يقف على أرجل زجاجية، ستتحطم في لحظة واحدة، وينهار البناء بأكمله".
وأكد الباحث المصري أن "هذا أمر لا يحتاج إلى توقعات، فوصول ديون الدولة إلى ما يزيد عن 400 مليار دولار، وتجاوز معدل التضخم 12 بالمئة في عام واحد، وضع أشبه بدولة خارجة لتوها من حرب طويلة، ولا تمتلك قدرة على الإنتاج والتصنيع والاستثمار".
وأوضح أن "كل تلك النظريات والإشكاليات العميقة في بنية اقتصاد الدولة، يترجمها وضع المواطن على جميع الأصعدة، فالمجتمع المصري يمر بمرحلة اختناق حقيقية، لا أمل فيها إلا بتغيير شامل وإصلاح حقيقي في المنظومة السياسية والاقتصادية".
واستدرك يوسف: "لأنه في لحظة منتظرة يمكن أن نشاهد مصر على غرار الأرجنتين عندما أعلنت إفلاسها في مطلع القرن الحادي والعشرين، أو كما يحدث في لبنان حاليا، ويمكن أن يتطور الأمر إلى ثورة عارمة لن يستطيع النظام مجابهتها، كما تنبأت الدراسات الأخيرة".
المصادر
- Regime-change risks in Africa are growing as inflation accelerates, says Rencap
- ارتفاع ديون مصر الخارجية بمليارات الدولارات
- إلى أين تتجه أزمة الديون في مصر؟ القصة الكاملة للكارثة وتداعياتها الاقتصادية وأبرز ضحاياها
- sovereign-debt-2022-borrowing-will-stay-high-on-pandemic-and-geopolitical-tensions
- التضخم يلتهم جيوب المصريين ويستعد لقفزة جديدة
- إيكونوميست: هذه انعكاسات “ما حدث لمالك شركة جهينة وابنه” على الاستثمار في مصر