تعليق منصور عباس عضوية قائمته بحكومة بينيت.. قرار جدي أم خديعة؟
قررت القائمة العربية الموحدة "تعليق" عضويتها في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي والكنيست (البرلمان)، 17 أبريل/نيسان 2022 إثر اعتداءات الاحتلال المتواصلة على المسجد الأقصى.
القرار جاء محاولة لامتصاص الغضب الذي تراكم داخليا في الحركة الإسلامية الجنوبية وفي أوساط أنصار القائمة الموحدة المشاركة في دعم الائتلاف الإسرائيلي الحاكم.
بذلك تواجه حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت انقساما جديدا ينذر بانفراط عقدها في أي تصويت قادم بالكنيست، لأن الحزب له أربعة نواب في البرلمان يدعمون الائتلاف الذي يحظى بدعم 60 نائبا فقط من أصل 120.
وأدى عدوان الاحتلال المستمر على المسجد الأقصى والمصلين ومحيطه في القدس إلى ضغوط سياسية شديدة على القائمة العربية الموحدة وزعيمها منصور عباس ودعوته للانسحاب من الائتلاف الحاكم.
وأسفرت الضغوط عن تصديق أعضاء مجلس شورى الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي منذ انقسامها عام 1996)، في ختام اجتماع مطول عقد في كفر قاسم مساء 17 أبريل 2022، على القرار بتجميد عضوية أعضائه بالقائمة الموحدة.
هدد عباس بتحويل قرار تجميد العضوية في الائتلاف الحكومي والكنيست، إلى انسحاب كامل حال استمرت حكومة بينيت في سياساتها ضد الأقصى، وفق ما نقلت قناة "كان" الإسرائيلية في 18 أبريل 2022.
كما هدد نواب في القائمة العربية الموحدة بأخذ هذا القرار على محمل الجد واعتبار أنفسهم في حل من قرارات حزبهم، وهو ما يقلق الحكومة الإسرائيلية، لأن انسحاب عضو كنيست آخر من دعمهم قد يهدم الائتلاف.
لكن صحفا عبرية أكدت أن التجميد جرى باتفاق مع الحكومة لعدم إحراج الحركة الإسلامية الجنوبية مع جمهورها، وأنه مؤقت أو مناورة.
بينت أن "عباس" نقل إلى الائتلاف الحكومي رسالة اطمئنان أن قرار تجميد العضوية "يهدف إلى إرضاء الشارع العربي بعد الانتقادات التي وجهت إلى حزبه وسيعود مرة أخرى للائتلاف".
ويجمع الائتلاف الحاكم مزيجا متباينا أيديولوجيا من أحزاب يسارية وقومية يهودية متشددة وأحزاب دينية بالإضافة إلى القائمة العربية الموحدة الإسلامية.
وتحالف نفتالي بينيت، مع منصور عباس في أول حكومة من نوعها يونيو/حزيران 2021.
"خارج المساومات"
بحسب عضو الحركة الإسلامية والكنيست الإسرائيلي "وليد طه"، رأى مجلس الشورى القطري للحركة الذي تأتمر القائمة العربية الموحدة بقراراته، أن "المسار السياسي الحالي لا يمكن أن يستمر كما هو".
وأوضح أنهم قرروا تعليق عضوية نواب القائمة ليس فقط في الائتلاف الحكومي وإنما أيضا في الكنيست، وأنه في حال استمرت الحكومة الإسرائيلية في خطواتها التعسفية بحق القدس وأهلها "سنقدم استقالة جماعية".
"طه" نقل عن بيان الحركة عبر حسابه على فيسبوك أن سبب هذه الخطوة هو أن "ملف القدس والأقصى يجب أن يكون خارج نطاق المكاسب السياسية".
وكانت حكومة بينيت قد خسرت أغلبيتها الضيقة بالكنيست في 6 أبريل 2022 نتيجة استقالة نائبة يمينية متشددة بدعوى عدم التزام الحكومة بالشريعة اليهودية، حسبما قالت.
وهو ما جعل أغلبية الحكومة مهددة، حيث بات لها 60 مقعدا مقابل 60 مثلها للمعارضة.
وهاجم الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية (الشق الشمالي الرافض للدخول بالكنيست الإسرائيلي) منصور عباس.
ويقود الشق الشمالي الشيخ رائد صلاح، الذي انفصل عن الجنوبي بعد مشاركته في انتخابات الكنيست عام 1996.
وقارن الخطيب في تغريدة على حسابه في تويتر 10 أبريل 2022 بين موقف عضو الكنيست اليهودية "عيديت سليمان" التي انتصرت لعقيدتها وقررت الانسحاب من الائتلاف بسبب خميرة خبز ستدخل المستشفيات بما يخالف عقيدتها، وبين رفض عباس وحزبه "الانتصار لعقيدته ولأقصاه".
وكانت القائمة الموحدة أصدرت بيانا في 15 أبريل 2022 ترفض وتدين فيه أي اقتحام للمسجد الأقصى وقالت "نبذل جهدنا لمنع انتهاك حرمته".
وقالت إن "الحل الحقيقي يكمن في منع أي شخص غير مسلم من اقتحام المسجد الأقصى تحت مسميات وذرائع مختلفة؛ فهو حق خالص للمسلمين".
لكن أنصارها عدوا البيان ضعيفا وطالبوا بالانسحاب من الائتلاف الحاكم الإسرائيلي وإسقاط حكومة بينيت.
وسبق أن كتب "الخطيب" في 31 مارس/آذار 2022 يقول: "الحمد لله على نعمة الانقسام (بين شقي الحركة الإسلامية)".
وتابع: أرى ما حصل في العام 1996 من انقسام الحركة الإسلامية وإن كان ظاهره شرا وكرهناه ولم نسع إليه، كان فيه الخير كل الخير وفق ما نرى عليه سلوك من دخلوا مستنقع الكنيست".
وأشار إلى أن انقسام الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 بين شقين شمالي رافض لدخول الكنيست، وجنوبي قبل بدخوله "كان بهدف إلى تصحيح المسار".
وقال إن حزب عباس واصل انحرافه بالدخول في ائتلاف حكومي "يقتل أبناء شعبنا وينتهك أقصانا ومقدساتنا".
قنبلة دخان
فور إعلان القائمة الموحدة الإسلامية تعليق عضويتها في الائتلاف والكنيست، أكدت عدة صحف عبرية أن القرار ما هو إلا قنبلة دخان وجرى بالتنسيق مع بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد.
وبينت أن لا قيمة له لأن الكنيست في إجازة ولا يمكنه التصويت حاليا على قرارات الحكومة.
وقد أكد ذلك النائب منصور عباس لراديو "الناس" العربي بمدينة الناصرة قائلا: "لم نسقط الحكومة لأننا لا نستطيع ذلك تقنيا، الكنيست في عطلة ولا يمكن التصويت على حلها".
وقال محللون فلسطينيون وإسرائيليون إن ما يفرغ القرار من قيمته، ويضفي عليه صفة التدليس والخداع هو أن اتخاذه جاء بعد تنسيق مسبق حوله بين منصور عباس ولابيد وبينيت، كما كشف تسريب من الحكومة لصحف تل أبيب.
فقد ذكرت قناة "كان" العبرية 17 أبريل 2022 أن قرار التجميد جرى بالفعل بالتنسيق مع يائير لابيد، وأن الأخير عرض نشر بيان مشترك بذلك لكن عباس رفض، فسرب الأول خطة الحزب الإسلامي إلى الصحف.
وأكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في ذات اليوم أن قرار التجميد "محاولة لإيجاد حل مؤقت للضغوط الداخلية على منصور عباس من مؤيديه وأعضاء حزبه في الكنيست".
ونوهت إلى أن الجميع كانوا يطالبونه بالاستقالة فورا من الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بعد الاعتداءات على المسجد الأقصى، فجاء قرار التجميد "حلا وسطا مؤقتا".
وأكد جاك خوري من صحيفة "هآرتس 18 أبريل أنه "لم يكن أمام القائمة العربية خيار سوى تجميد عضويتها بعد الإجراءات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، لكن هذا لا يعني أنها تخطط لمغادرة التحالف في أي وقت قريب".
وأضاف: "حيلة الحزب الإسلامي سوف تكسب التحالف الحكومي وقتا ثمينا للاستمرار في الحياة"، و"إسرائيل لا تتجه نحو حرب أو انتخابات".
أيضا كشفت صحيفة "هآرتس" في 17 أبريل أن منصور عباس بعث برسالة طمأنة لقادة التحالف بأن تجميد العضوية لن يطول.
وزعمت أن "عباس يأمل بأنه ومع نهاية شهر رمضان ونهاية العطلة، سينخفض الضغط وستعود القائمة الموحدة إلى حضن التحالف الذي لم تقاطعه.
وأكدت أن قرار التجميد جاء بعد التنسيق، وأن ما حصل "له معنى رمزي فقط وفي نفس الوقت يحافظ على الائتلاف".
وأشارت إلى أنه سيتم التعامل مع الفترة المتبقية من شهر رمضان بنفس الطريقة حال وقعت أحداث إضافية في القدس، مشددة على أن "عباس غير معني بإسقاط الحكومة الإسرائيلية".
وزعمت هيئة البث الإسرائيلي ("كان 11") في 17 أبريل نقلا عن مصادر شاركت في اجتماع مجلس الشورى، قولها إن "أغلب المشاركين في الاجتماع يؤيدون البقاء في الائتلاف ويؤيد منصور عباس تجميد عضوية القائمة مؤقتا".
المحلل الفلسطيني مصطفى الصواف يؤكد أن "قرار القائمة الموحدة لا يقدم ولا يؤخر لأنه مؤقت، وجرى بالتوافق بشأنه مع بينيت ولابيد، والحكومة الصهيونية لا تعير حزب منصور عباس أي اهتمام".
أكد لـ "الاستقلال" أن قرار التجميد "لن يوقف كرة النار المشتعلة القادمة سواء من غزة أو الضفة أو كل فلسطين المحتلة".
سخرية واسعة
وقد سخرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 17 أبريل من قرار الحركة الإسلامية تعليق العضوية في الكنيست، وقالت إنها "خطوة تنطوي على تلاعب وتضليل".
أوضحت أنه لا يوجد في القانون الإسرائيلي ما يتيح ترجمة هذه الخطوة عمليا، فإما أن تكون عضوا في الكنيست أو الاستقالة منه".
أيضا سخر النواب العرب في القائمة العربية المشتركة (منافسة للموحدة) من قرارات الأخير بتعليق عضويتها في الكنيست والائتلاف خلال عطلة الربيع ووصفوه بأنه "مدعاة للسخرية والخجل".
وغرد رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة، على "تويتر" ساخرا: "عدم الحضور إلى الكنيست خلال أيام العطلة، قرار دراماتيكي".
وردا على هذه السخرية قال منصور عباس، للمحلل والكاتب الفلسطيني فالح حبيب: "لسنا بهذه السذاجة لنخرج بقرار من هذا القبيل ونحن نعلم أن الكنيست في عطلة".
"حبيب" بين في مقال نشره بموقع "الهدهد" 17 أبريل أن عباس أكد له أن خطوتهم (التجميد) سارية المفعول طالما لم يجر التوصل إلى حلول بخصوص الأقصى وتوفير الأمان لأبناء المجتمع العربي.
منصور تابع: "قرارنا بتجميد عضويتنا في الكنيست ونشاطه وكل عمله مفتوح ومستمر ما لم نطمئن على المسجد الأقصى وحماية أبناء شعبنا وتأمين حياة وعيش كريم لهم"، أي أن قرار المقاطعة سيستمر حتى بعد العطلة.
وتقول مصادر في الحزب الإسلامي إن عباس يعاني من انتقادات وهجوم عليه من أعضاء الحركة الذين يضغطون للانسحاب من الحكومة، مشيرين إلى أنها تساهم في تهويد الأقصى بتحالفها مع بينيت.
وتعالت الأصوات الصادرة عن شخصيات بارزة في الحركة الإسلامية الجنوبية بالمطالبة بالانسحاب الفوري من الائتلاف الحكومي على خلفية الاعتداءات الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى.
ومن بين الداعين للانسحاب من التحالف رئيس دار الإفتاء والبحوث الإسلامية، محمد سلامة حسن، والرئيس السابق للحركة، إبراهيم صرصور، والمرشح السادس في القائمة الموحدة للكنيست، علاء الدين جبارين.
وكتب حسن على "فيسبوك": "لندع الحكومة التي تهاجم النساء والأطفال وكبار السن في المسجد الأقصى تذهب إلى جهنم".
كما هدد عضو الكنيست مازن غنايم بالاستقالة حال استمرار نشاطات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في الأقصى.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في 17 أبريل إن "خطوة عباس تهدف إلى إرضاء العناصر الأكثر تطرفا في حزبه، الذين كانوا يدعون إلى الانسحاب من الحكومة في أعقاب الاشتباكات في الحرم القدسي".
وزعمت أن "زعيم الحزب منصور عباس يفضل البقاء في الائتلاف، وبالتالي اختار تجميد مشاركته مؤقتا ليبقى كجزء من كتلة الأغلبية في الكنيست".
وتعرض عباس لانتقادات عديدة من داخل وخارج حزبه بسبب مواقف سابقة بتأييده "إسرائيل دولة يهودية"، ودعمه زيادة رواتب جنود الاحتلال في الكنيست وموقفه الضعيف من الاعتداء على قرى النقب العربية، ثم قضية القدس والأقصى.
المصادر
- Ra’am freezes its coalition and Knesset membership amid Temple Mount tensions
- Islamist Party 'Freezes' Role in Israel's Ruling Coalition Over Al-Aqsa Tensions
- Analysis | Islamist Party's Ploy Buys Precious Time for Israel's Coalition
- Islamist Ra'am party 'temporarily' halts coalition partnership
- "الموحدة" تقرر تعليق عضويتها في الائتلاف والكنيست بالتنسيق مع بينيت ولبيد
- قرار القائمة العربية الموحدة .. شعبويّ تكتيكي أم استراتيجي؟