بعد الإطاحة بعمران خان.. تعرف على "التاريخ الأسود" للمحكمة العليا في باكستان
مع تصاعد أحداث الأزمة السياسية العاصفة التي تضرب باكستان، إثر إسقاط رئيس الوزراء عمران خان، عقب "حملة شرسة" قادتها المعارضة البرلمانية، اتجهت الأنظار نحو "المحكمة العليا"، أعلى هيئة تشريعية في البلاد، والتي لعبت "دورا حاسما" وساهمت بشكل رئيس في عزل خان في 10 أبريل/نيسان 2022.
وعد أنصار رئيس الوزراء، ما حدث بمثابة "انقلاب دستوري" دعمته أطراف خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، "الخصم الألد" لسياسات خان، وأنها هي من حركت المعارضة ومؤسسات الدولة، ومنها المحكمة العليا لإسقاطه.
ولطالما لعبت المحكمة العليا "دورا إستراتيجيا" في التغيير السياسي على مر تاريخ باكستان منذ نشأة الجمهورية عام 1947، كدولة مستقلة للمسلمين، شهدت حروبا متعددة ضد جارتها الهندية، واضطرابات داخلية مستمرة بتحكمات الجيش والانقلابات العسكرية، أو بالانقلابات الدستورية وإسقاط الحكومات المنتخبة.
كلمة النهاية
وخلال الفترة الأخيرة من حكمه والتي شهدت خلافات واسعة، أعلن خان وجود مؤامرة موجهة من الخارج للإطاحة به مدعومة من الولايات المتحدة، مستندا على اعتراض الأخيرة على سياسته الخارجية المستقلة، بالتواطؤ مع خصومه السياسيين لـ"التفريط في سيادة البلاد"، حسب تصريحاته.
وسرعان ما بدأت مشاكل خان عندما هدد نواب من "حركة إنصاف" المعارضة بالتصويت ضده، تزامنا مع تفكك ائتلافه الحاكم الهش.
هنا تحرك رئيس البلاد، عارف علوي، من حلفاء خان، ووافق على طلبه بحل الجمعية الوطنية (البرلمان)، على أمل إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، بعد أن حاولت المعارضة نزع الثقة والانقلاب على خان، وهو الإجراء الذي أوقفه نائب رئيس البرلمان، قاسم سوري.
وفي ظل التطورات والمشاحنات، ألقت المحكمة العليا بكلمتها الأخيرة وأبطلت قرار حل البرلمان وقضت بالتصويت على اقتراح المعارضة بسحب الثقة من خان، ما كلفه منصبه في النهاية.
وتعد "المحكمة العليا"، التي كان لها القول الفصل في الإطاحة بخان، أعلى محكمة في الترتيب الهرمي القضائي بالبلاد، ويعود تأسيسها إلى 14 أغسطس/آب 1947، مع بدايات تأسيس الدولة عقب الانفصال عن الهند.
وكان ميان عبد الرشيد، هو أول رئيس لها، وكذلك رئيس عموم القضاة في باكستان.
أما رئيس المحكمة الحالي هو عمر عطا بنديال، الذي أعلن أنه يريد إنهاء الجلسات بشأن قضية خان، قائلا "دعونا نبدأ مبكرا من الغد لإنهاء القضية"، وبالفعل انتهت بحجب الثقة عنه.
واستمدت تلك المحكمة روحها وتشكلت وفقا للتقاليد الثقافية للقانون البريطاني، وأصبح جزءا لا يتجزأ من السلطة القضائية الباكستانية، على خلفية فترة الاحتلال البريطاني الطويلة لتلك المناطق.
ومن أبرز ما تتمتع به المحكمة من سلطات، الأمر بإعادة تشكيل البرلمان، أو الدعوة لانتخابات جديدة، أو منع رئيس الوزراء من تولي السلطة إذا ارتأت أنه خالف الدستور.
ولها كذلك سلطات الاستئناف النهائية والأصلية، وتجمع سائر السلطات الاستشارية في جميع المحاكم، بما فيها المحاكم العليا ومحاكم المقاطعات والمحاكم الخاصة ومحكمة الشريعة الاتحادية، والتي تنطوي على قضايا القوانين الاتحادية.
ويمكن للمحكمة أن تتصرف في الأحكام الصادرة بشأن القضايا في السياق الذي تتمتع فيه بالولاية القضائية.
وتعد المحكمة العليا هي الحكم النهائي للنزاع القانوني والدستوري، وكذلك بمثابة المترجم النهائي للقانون الدستوري، وكل ذلك وفق الجزء السابع من القانون الباكستاني.
داعمة الانقلابات
على مدار تاريخ الجمهورية الباكستانية، لعبت المحكمة العليا "دورا كبيرا" في عمليات التغيير السياسي، فأحيانا دعمت انقلابات عسكرية صريحة قام بها جنرالات الجيش، وأحيانا أخرى ساهمت في تصحيح مسار سلطة الجيش، ومنعته من التغول رغم قوته ونفوذه في بنية الدولة.
ومن الأحداث المفصلية التي شهدتها المحكمة، في أبريل/نيسان 1993، عندما قضت ببطلان قرار رئيس الجمهورية غلام إسحاق خان، بحل حكومة رئيس الوزراء نواز شريف، الذي استقال من منصبه بعد التفاوض على تسوية أدت إلى عزل الرئيس أيضا.
لكن واحدة من أكثر الأحداث حرجا وجدلا في تاريخ المحكمة العليا، دعمها للانقلاب العسكري في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1999، الذي قاده الجنرال برويز مشرف، واستولى من خلاله على السلطة، وبعد عدة أشهر أقرت المحكمة العليا بشرعية الانقلاب العسكري وإجراءاته.
ففي جلستها التي عقدت بقلعة "أتوك" غرب العاصمة إسلام آباد، رفضت المحكمة العليا، برئاسة القاضي (حينها) إرشاد حسن خان، شكاوى رفعت ضد انقلاب العسكريين، منها الدعوى التي رفعها حزب "الرابطة الاسلامية" بزعامة نواز شريف.
وطالب المدعون بإعلان عدم شرعية الانقلاب وإعلان المحكمة العليا عن إعادة الحكومة والبرلمان والدستور الذي علقه العسكر، لكن المحكمة قررت عكس ذلك بالمصادقة على قانونية استيلاء العسكريين على السلطة.
وشهدت باكستان "صداما تاريخيا" بين المحكمة والسلطة الحاكمة، في 9 مارس/آذار 2007، عندما قرر الرئيس، برويز مشرف، عزل افتخار شودري من رئاسة المحكمة العليا، كفعل غير مسبوق في تاريخ الدولة، و"تغول فادح" من الرئيس مشرف على السلطة التشريعية والدستور.
ورغم أن المحكمة حكمت في 20 يوليو/تموز 2007، بإعادة شودري إلى منصبه لكن السلطة العسكرية عطلت تنفيذ القرار.
وفي 22 مارس/آذار 2009، عاد القاضي شودري لمنصبه كرئيس للمحكمة العليا بعدما ألغت الحكومة قرار عزله.
وشهد نفس العام، إلغاء المحكمة العليا "قانون المصالحة الوطنية" الذي شطب ملفات الفساد عن عدد من المسؤولين والساسة الباكستانيين، وأمرت بفتح تلك الملفات التي تم شطبها.
ويذكر التاريخ أن خان لم يكن أول رئيس وزراء تنقلب عليه المحكمة العليا أو تساهم في عزله، ففي أبريل/نيسان 2012، اتهمت المحكمة رئيس الوزراء، يوسف رضا جيلاني، بمخالفة أوامرها لرفضه إعادة فتح دعوى قضائية في سويسرا ضد الرئيس، آصف علي زرداري، بتهمة الفساد.
وفي 19 يونيو/حزيران 2012، أمرت المحكمة بعزل جيلاني، وطلبت من الرئيس (آنذاك) زرداري تعيين رئيس وزراء جديد.