مردود هزيل.. ماذا وراء بدء روسيا فجأة الاهتمام بالفوسفات في سوريا؟
بعد عامين من التدخل الروسي في سوريا سنة 2015 لمنع سقوط رئيس النظام بشار الأسد، أبدت موسكو رسميا اهتمامها بالاستيلاء على حقول الفوسفات فيها، وعملت على ذلك عبر اتفاقيات تستمر لعقود.
إلا أن غزو روسيا لجارتها أوكرانيا المتواصل منذ فجر 24 فبراير/شباط 2022، أعاد حسابات الروس حول هذه الثروة ودفعها لإحكام السيطرة أكثر على الأراضي السورية، وإبعاد المنافسين الدوليين الفاعلين عنها وخاصة إيران.
ولا سيما أن سوريا كانت تأتي في المرتبة الخامسة على قائمة الدول المصدرة للفوسفات في العالم عام 2011.
حماية الفوسفات
وفي خطوة جديدة لتعزيز الحماية لمناجم الفوسفات في سوريا، أنهت القوات الروسية إنشاء مهبط طائرات مروحية بالقرب من شركة فوسفات الشرقية الصوانة شرق محافظة حمص، حسبما ذكرت شبكة تدمر الإخبارية في 11 أبريل/نيسان 2022.
جاء ذلك، عقب انسحاب مليشيا الحرس الثوري الإيراني من حقل الصوانة الغني بالفوسفات بعد سنوات من الاستيلاء عليه، ضمن تفاهمات سابقة بين موسكو وطهران.
وأرسلت روسيا مجموعات من مليشيات الفيلق الخامس ولواء القدس المدعومين لوجستيا وعسكريا منها إلى محيط الحقل، بهدف تأمينه.
والفوسفات يستثمر حاليا من منجمين سطحيين هما الشرقية وخنيفيس ويقعان إلى الجنوب الغربي من مدينة تدمر شرق حمص، على مسافة 45 و65 كم على التوالي.
وتبلغ الطاقة الإنتاجية السنوية من المنجمين نحو 3.5 ملايين طن قابلة للتصدير قسمها الأعظم من منجم الشرقية.
إذ يستعمل جزء محدود منه داخليا في صناعة الأسمدة الفوسفاتية ويشحن إلى معمل سماد حمص، فيما يصدر القسم الأكبر إلى عدة دول عن طريق سكة الحديد التي تصل المناجم بمرفأ طرطوس.
ويوجد خمسة مصانع للفوسفات بسوريا، أربعة في مناجم الشرقية ومعمل واحد في مناجم خنيفيس.
وتسعى حكومة الأسد لإعادة التنافس في السوق العالمية على كل أنواع أصناف الفوسفات المنتجة سابقا (المغسول والجاف والمخلوط والرطب)، وخاصة أن الفوسفات السوري يعتبر من أجود الأنواع بالعالم.
إذ تصل نسبة خامس أوكسيد الفوسفات إلى 31 — 32 بالمئة، ما يجعله من الأصناف الجيدة القادرة على منافسة نظيرتها المتوافرة في الدول الأخرى المعروفة بإنتاجها لهذه المادة.
ويبلغ الاحتياطي الجيولوجي من الفوسفات الرطب القابل للاستثمار في مناجم الشرقية ببادية تدمر، نحو مليار و800 مليون طن وفي مناجم خنيفيس نحو 150 مليون طن.
قيمة الإنتاج
لكن التطلعات الاقتصادية لروسيا والبحث عن تحقيق عوائد اقتصادية بالقطع الأجنبي جراء إنتاج وتصدير الفوسفات من سوريا، يأتي رغم احتلالها الرتبة الرابعة على مستوى المصدرين العالميين.
إذ يبلغ المتوسط السنوي لإنتاج الفوسفات في روسيا 14 مليون طن، كما أن الصادرات الروسية تمثل نحو 14 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية للأسمدة النيتروجينية اليوريا والأمونيا، ونحو 21 بالمئة من أسمدة البوتاسيوم و13 بالمئة من صادرات الفوسفات.
وعقب اجتياح أوكرانيا تعرضت الصادرات الروسية للعقوبات الأميركية والأوروبية ومن بينها الفوسفات، الذي يدخل في مجال صناعات الأسمدة، مما يسبب انقطاع إمداداته ارتفاعا في أسعار الغذاء العالمي.
وركزت روسيا على الفوسفات السوري، إذ سبق لديمتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي، أن قال في ديسمبر/كانون الأول 2017، إن بلاده الدولة الوحيدة التي ستعمل في قطاع الطاقة السورية وإعادة بناء منشآت الطاقة.
وأضاف أنه "في سوريا يوجد أكبر حقل فوسفات يمكن الاستثمار فيه، وفيه منتجات مطلوبة في العديد من البلدان مثل الأسمدة".
وصدق بشار الأسد في 14 أبريل/نيسان 2018 على عقد مدته 50 عاما تستخرج بموجبه "ستروي ترانس غاز لوجستيك" الروسية، خامات الفوسفات من مناجم الشرقية الضخمة في تدمر وسط سوريا.
وبموجب العقد سيجري تقاسم الإنتاج بين الطرفين، حيث تبلغ حصة المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية التابعة للنظام من كمية الإنتاج نسبة 30بالمئة، مقابل 70 بالمئة للشركة الروسية، وبإنتاج سنوي قدره 2.2 مليون طن من مناجم تبلغ احتياطياتها الجيولوجية 105 ملايين طن.
وسبق ذلك مصادقة الأسد في 23 أبريل 2017 على اتفاقية بين المؤسسة المذكورة سابقا و"STNG Logestic"، وهي شركة تابعة لـ "ستروي ترانس غاز"، بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة لمناجم الفوسفات وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرفأ التصدير "سلعاتا" بلبنان.
شركة "ستروي ترانس غاز"، يمتلك الملياردير الروسي الأوليغارشي، غينادي تيموشينكو حصة فيها تبلغ 31.5 بالمئة، وهو المستثمر الوحيد المعروف في سوريا، والذي تعرض لعقوبات أميركية، وبريطانية، وأوروبية عقب غزو بلاده لأوكرانيا.
مردود هزيل
ويرى خبراء اقتصاديون سوريون أن المردود لروسيا من الفوسفات السوري هزيل جدا، طالما هناك تهديد أمني لعمليات الاستخراج ومنها تنظيم الدولة الموجود في البادية السورية على شكل خلايا.
إذ سبق وأن استهدفوا القطار الذي ينقل الفوسفات إلى معمل البتروكيماويات بحمص ومن ثم إلى مرفأ طرطوس.
وتوحي الإحصائيات التجارية التي تنشرها الدول المستوردة من سوريا أن النقاش حول أهمية الفوسفات السوري والدور الروسي مبالغ بهما بشدة، ولا يعدو عن كونه جزءا من الثروات التي ابتلعتها روسيا كجزء من فاتورة تدخلها، خاصة أنها استولت على عدد من آبار النفط في دير الزور عام 2021.
فمثلا صدرت سوريا فوسفات يتجاوز قيمته 270 مليون دولار في عام 2010، فيما لم تتعد قيمة الصادرات 27 مليونا فقط عام 2018، إذ كانت قيمة المبلغ المصدر إلى صربيا 21.5 مليون دولار، وإلى اليونان 3.2 ملايين دولار، وإلى أوكرانيا 2.6 مليون دولار.
وتختص شركة "سند" السورية لخدمات الحماية والأمن، بالمسؤولية عن حماية شحنات الفوسفات الروسية من وسط سوريا إلى ميناء "طرطوس".
ويعتبر ميناء طرطوس الأكبر في سوريا، ويمتلك ميزات فنية فيه تؤهله ليكون ضمن المرافئ المتطورة.
ومنذ أبريل/نيسان 2019، جرى تأجيره لروسيا من قبل النظام السوري لمدة 49 عاما للنقل والاستخدام الاقتصادي، وبذلك تكون موسكو حصلت على المرفأ التجاري وعلى قاعدة بحرية قبالته منذ عام 2017.
وفي هذا الإطار، يؤكد الأكاديمي والباحث في "معهد الشرق الأوسط بواشنطن"، كرم شعار، "عدم وجود ارتباط بين اهتمام موسكو بالفوسفات السوري عقب غزو أوكرانيا، ولا سيما أن روسيا هي بلد مصدر له".
كما أن الفوسفات السوري يجري تصديره دون انقطاع من أكثر من عامين، ولكن هذا لا يلغي اندفاع الشركات الروسية لاستثمار استخراجه من باب التربح، وفق قوله.
تنافس روسي إيراني
وأضاف شعار لـ "الاستقلال" أنه لا يوجد تغير في تعامل موسكو بقطاع الفوسفات السوري، مشيرا إلى "وجود خلاف فعلي بين روسيا وإيران حول حقوله الواقعة شرق حمص".
واستطاعت روسيا خلال العقد الأخير، جعل إيران خارج معادلة النفط والغاز والفوسفات السوري، عبر تعزيز حضورها في مناطق انتشار هذه الثروات أو عبر سحب الاتفاقيات لصالحها من النظام.
ونظرا لافتقار إيران إلى الفوسفات، فإنها ركزت في كثير من اجتماعات مسؤوليها مع النظام السوري لزيادة حصتها منه، رغم أن طهران اتفقت مع الأسد عام 2016، لتأسيس شركة مشتركة، لاستخراجه وتصديره.
لكن منذ عام 2018 دخلت روسيا على الخط، واستحوذت على النسبة الأكبر من الفوسفات السوي.
إذ يؤكد خبراء اقتصاديون أنها وقعت عقودا مع النظام لاستثمار خزانات الفوسفات والأكثر احتياطا، وهما "الشرقية وخنيفيس" والبالغة نحو 105 ملايين طن.
ومع ذلك، فإن إيران تحصل على حصة من الفوسفات، وتتكفل مليشيا الحرس الثوري بنقل كميات منه برا عبر العراق، وكذلك بحرا عبر ميناء اللاذقية.
ومجددا بحث وزير النفط لدى النظام السوري بسام طعمة مع وفد إيراني برئاسة مصطفى إثباتي مستشار وزير الدفاع رئيس مجلس التعاون الاقتصادي الإيراني، في 16 مارس/آذار 2022 سبل تعزيز التعاون في مجالي النفط والثروات المعدنية.
وشددا على ضرورة متابعة تنفيذ المشاريع التي سبق وجرى الاتفاق عليها، والإسراع بها ولا سيما أنها تشمل مجالات التعاون في قطاعات زيوت الأساس والغاز المضغوط لتشغيل الآليات وتأمين توريدات للضواغط والعنفات ومستلزمات الحفارات من خلال المقايضة مع الفوسفات السوري أو مع المقطرات النفطية.
وفي 12 يناير/ كانون الثاني 2022 أعلن رئيس الغرفة التجارية الإيرانية السورية كيوان كاشفي، أن غالبية السلع المصدرة إلى سوريا تتعلق بالصناعات الهندسية منها قطع ومكونات التوربينات البخارية إلى جانب المواد الغذائية والأدوية، بينما قال إن الصادرات السورية إلى إيران معظمها من الفوسفات.