مع المساعدات الإغاثية.. لماذا يعاني الأطفال "سوء التغذية الحاد" في النيجر؟
تتوقع "إيزابيل ديفورني" مديرة العمليات في منظمة أطباء بلا حدود "أزمة غذاء وتغذية كبيرة" في النيجر، البلد الساحلي الإفريقي.
فقلة هطول الأمطار وانعدام الأمن المتزايد وعواقب فيروس كورونا، كلها عوامل تقوض بشكل خطير الأمن الغذائي في العديد من مناطق النيجر وخاصة بين الأطفال الصغار.
كانت إيزابيل ديفورني، في مهمة ميدانية بذلك البلد مطلع فبراير/شباط 2022، وفق ما تقول صحيفة لوموند الفرنسية.
وضع هش
ترسم هنا صورة للوضع وتدعو إلى عدم تركيز جميع المساعدات الإنسانية على مناطق النزاع والتي ليست دائما تلك التي تكون فيها مشاكل سوء التغذية أعظم.
وتقول: "نحن نعلم أن البلد في وضع هش بالفعل مع انعدام الأمن السائد على مستوى الحدود الثلاثة (مع مالي وبوركينا فاسو) وفي منطقة ديفا (حدود نيجيريا)، حيث من الضروري رعاية السكان النازحين".
جرى تحديد هذه المسألة بوضوح من قبل السلطات وأصحاب المصلحة الخارجيين. هذا بالإضافة إلى الصعوبات التي سببتها أزمة كورونا، والتي أضعفت الاقتصاد بشكل كبير.
هناك تضخم مرتفع للغاية في أسعار المواد الغذائية في العاصمة نيامي، ناتج بشكل خاص عن ارتفاع "عجز الحبوب" فيما يتعلق بالاحتياجات والذي يقدر بـ 38 بالمئة من قبل الحكومة.
لذلك يتوقع الجميع حدوث أزمة غذاء وتغذية كبيرة هذا العام. وترى أن الجفاف والأمطار السيئة العامل الأول للعنف في ذلك البلد.
في العام 2022، وضع أول تقدير لليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) عدد 492 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
و1.3 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد (من إجمالي 4.7 ملايين طفل تقل أعمارهم عن خمس سنوات).
يوجد هؤلاء الأطفال في شرق وجنوب البلاد، لاسيما في منطقتي مارادي وزندر، اللتين جرى تصنيفهما على أنهما "مستقرتان" في الوقت الحالي، وبالتالي فهما لا يتمتعان بالجزء الأكبر من المساعدات الإنسانية، وفق لوموند.
وتقول المسؤولة في المنظمة: "من المنطقي أن تتجه أعين سلطات النيجر والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة نحو مناطق الصراع، حيث نشهد هجمات وأعمال عنف منتظمة تؤثر على السكان".
لكن هذا لا يكفي، "ويجب أن نتأكد من أن المناطق الجنوبية من النيجر ستؤخذ في الاعتبار من خلال خطط الاستجابة".
تواجه هذه المناطق الواقعة جنوب مارادي تدفقا كبيرا للعائلات من شمال غرب نيجيريا منذ العام 2021 هربا من العنف.
في العام المذكور، جرى إدخال 30 ألف طفل إلى المستشفى ورعاية 50 ألفا من المصابين بسوء التغذية. وكان من بينهم ضِعف عدد الأطفال النيجريين مقارنة بالسنوات السابقة.
عدم يقين
علاوة على ذلك، إذا كانت خطط الاستجابة للحكومة والأمم المتحدة تبدو وكأنها على مستوى الأزمة المعلنة، فلا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن حقيقة تمويلهما، وفق قولها.
السؤال الآخر يتعلق بسرعة الإفراج عن الأموال. فبمجرد تقديم طلبات المساعدة، لا يزال الأمر يستغرق ما بين ثلاثة وستة أشهر قبل وصول المواد الغذائية إلى البلاد.
وتنفي "إيزابيل ديفورني" أن تكون مبادرة الإنقاذ من حالة المجاعة الواسعة التي أطلقتها النيجر قبل بضع سنوات، بقيادة الرئيس الأسبق محمدو إيسوفو قد فشلت.
وتتابع: "كان أحد أوجه التقدم العظيمة هو علاج الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم حيث كان شبه معدوم في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين".
وتوضح أنه "لا ينبغي أن نركز كل الرعاية الغذائية على الحالات الشديدة، لكن هذا يتطلب تدابير دعم وقائي حقيقية وشبكة أمان اجتماعي لدعم اقتصاد الأسرة".
يعتمد هذا بشكل عام على ثلاثة مكونات: الصحة (التطعيم، الوقاية من الملاريا، إدارة الأمراض البسيطة، إلخ)، التغذية (الدقيق، المكملات الغذائية التي تعتمد على الحليب المجفف، إلخ) والاقتصاد الأسري (توزيع النقود لتمكين الأسر من السعي للحصول على التغذية أو المكملات أو الرعاية الطبية لأطفالهم).
اتخذت عدة دول خطوات لتقليل معدل سوء تغذية الأطفال، لكن في منطقة الساحل، حتى الآن، لم تكن الأولوية للعمل الوقائي، لا للسياسيين ولا للمانحين. ولمدة 15 عاما، ركز الإجراء على الحالات الأكثر خطورة، وفق لوموند الفرنسية.
وبينت أن أزمة الغذاء هذه لا تؤثر على النيجر فقط، ولكن من سمات هذا البلد العدد الكبير جدًا من الأطفال المتضررين.
في شمال غرب نيجيريا، مقابل ديفا، كانت هناك أيضا معدلات عالية من سوء التغذية الحاد لسنوات، كما أن الأزمة تتفاقم بسبب العنف الذي يهز هذه المنطقة.
وفي تشاد، توجد المشكلة أيضا، لكن السكان أكثر تشتتا. ويختلف الوضع من منطقة إلى أخرى.
من الملاحظ في النيجر أن سوء تغذية الأطفال الصغار أعلى في المناطق الزراعية منه في الرعوية، حيث يجرى تلبية الاحتياجات الغذائية للأطفال الصغار من الحليب واللحوم بشكل أفضل.
وأردفت المسؤولة في "أطباء بلا حدود": "نواصل زيادة عملياتنا في المنطقة الجنوبية وتقوية أنفسنا من أجل تلبية احتياجات السكان المحليين، وكذلك احتياجات النيجريين الذين يعبرون الحدود".
وأوضحت أنهم قرروا "رعاية جميع الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد وليس فقط أشدها".
وذكرت أن الفترة من شهر يونيو/حزيران إلى سبتمبر/أيلول تشهد ارتفاعا بأسعار المواد الغذائية بشكل تقليدي، مما يعقد الوصول إلى الغذاء.
لكن هذا العام، شهدنا ارتفاعا حادا في الأسعار عن فبراير السابق، ربما بسبب ضعف المحاصيل المعلن عنها أو تضخم أسعار المواد الخام على المستوى العالمي، بحسب قولها.