منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا.. لماذا يحصن الغرب بولندا ويدعمها عسكريا؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في زمن ماض عندما كانت روسيا في طور ضعفها وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يهيمن شرقا وغربا، أعلن وزير الخارجية الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد عام 2001، عن انتهاج الحلف سياسة الباب المفتوح بخصوص انضمام أعضاء جدد إليه، مشددا على الحاجة إلى وضع نظم دفاعية غربية جديدة للقرن الحادي والعشرين.

رامسفيلد وهو يتحدث عن الباب المفتوح، كانت عينه تحديدا على بولندا ودول البلطيق السوفييتية السابقة، حيث قال "واشنطن تصر على عدم استبعاد أي دولة من الانضمام بسبب التاريخ أو الجغرافيا"، وهو ما أثار تحفظ موسكو الضعيفة آنذاك، وأبدت اعتراضها. 

تغير الزمن وتمددت روسيا جيوسياسيا مع صعود الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وقررت استعادة مناطق نفوذها، لتصطدم بالغرب ودول أوروبا.

ومع الاجتياح الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، بعث التاريخ الصدامي من جديد، وتأثرت دول الجوار فزعا من الهيمنة الروسية، خاصة بولندا، صاحبة الموقع الإستراتيجي. 

ومن هنا فإن أوروبا ومن ورائها الولايات المتحدة، قرروا الارتكاز في نقاط محورية وتعزيزها لمنع التمدد الروسي، وعلى رأس تلك البقاع بولندا، فمع غزو أوكرانيا غدت هي من خطوط الدفاع الأولى.

فكيف سيتم تعزيز بولندا؟ وكيف ستستقبل روسيا ذلك الأمر؟ وما خطورة دخول البلد الشرق أوروبي في النزاع بشكل مكثف؟

مركز لوجيستي 

في 4 مارس/آذار 2022 أعلنت الاستخبارات الروسية، أن بولندا أصبحت في الأسابيع الأخيرة "مركزا لوجستيا" لتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمقاتلين، بما في ذلك القادمين من الشرق الأوسط.

ذلك التصريح لم ينفصل عن وجود وارسو في بؤرة الصراع المريرة، فحتى وقبيل الاجتياح الروسي لأوكرانيا بأيام وتحديدا في 5 فبراير 2022، وصلت أولى التعزيزات العسكرية الأميركية لأعضاء الناتو في شرق أوروبا إلى قاعدة "ريزاشو" العسكرية في جنوب شرق بولندا.

وبحسب المتحدث العسكري البولندي، هبطت عناصر من مجموعة اللواء المقاتل من الفرقة 82 المحمولة جوا من الجيش الأميركي.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن أمر بنقل 3 آلاف جندي إضافي إلى بولندا ورومانيا لحماية شرق أوروبا من تداعيات أزمة أوكرانيا.

النقطة الأخطر في تعبئة بولندا، ما فعلته حكومتها في 9 مارس 2022، بأن أعلنت عبر وزارة خارجيتها بجعل جميع طائراتها من طراز "ميج 29" التابعة للحقبة السوفييتية تحت تصرف الولايات المتحدة، في إطار اتفاق يسمح للجيش الأوكراني باستخدام هذه الطائرات.

وقالت وزارة الخارجية البولندية، في بيان، إن وارسو "مستعدة لتسليم الطائرات إلى قاعدة رامشتاين الجوية الأميركية في ألمانيا على الفور ودون مقابل" لتكون تحت تصرف واشنطن، حسبما نقلت وكالة "أسوشيتيد برس" الأميركية.

وتحدثت تقارير عن أن البيت الأبيض يدرس اقتراحا بموجبه تزود بولندا أوكرانيا بمقاتلات من الحقبة السوفييتية وتتلقى بدورها طائرات "إف 16" الأميركية لتعويض خسارتها، إلا أن مصادر أميركية نفت الأمر. 

التجربة البولندية 

وفي 24 فبراير 2022، أعلنت بولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، تفعيل المادة رقم 4 من اتفاق حلف شمال الأطلسي والتي تجتمع هذه الدول تحت عضويته.

وقالت حكومات تلك الدول في بيان مجمع "إن الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل تهديدا لأوروبا بأكملها".

وبموجب المادة 4 من الاتفاقية ستتشاور الأطراف معا، بطلب دولة من الدول الأعضاء، حول سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي.

وتفعيلها يكون عندما تتعرض إحدى دول الحلف لخطر خارجي أو معرضة لعدوان من دولة خارج الحلف، وتعتبر دول البلطيق أن العدوان الروسي ضد أوكرانيا يعد تهديدا مباشرا لحلف "الناتو"، وبالتالي فدعوتها نشر مزيد من القوات أمر منتظر.

وفي 3 مارس 2022، تحدث موقع "يورو نيوز" عن نظرة الاتحاد الأوروبي إلى بولندا في ظل الأحداث المتصاعدة.

وأكد بالقول: "أصبحت بولندا نقطة انطلاق رئيسة لإرسال طوفان من الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات والبنادق والذخيرة والأسلحة والدروع وغيرها من الإمدادات الحربية إلى الأوكرانيين المقاتلين ضد الروس". 

وأضاف: "كما أرسلت الولايات المتحدة طائرات B-52 مباشرة إلى الجبهة الشرقية لحلف الناتو، وأجرت عمليات فوق القطب الشمالي وبحر البلطيق، وفوق وارسو، وكذلك نشرت واشنطن مزيدا من الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية في رومانيا وبولندا". 

 

في 18 فبراير 2022، تحدثت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن التجربة البولندية في التخلص من قبضة السوفييت، وكيف أنها يمكن أن تكون ملهمة لأوكرانيا ودول خط المواجهة أمام التمدد الروسي. 

وقالت: "نجحت وارسو في تفادي مصير كييف الكارثي كهدف للاحتلال الروسي، كما أنها تعلم أنه إذا تمكنت موسكو من فعل ما تريد مع كييف فقد تتجه إليها" وذلك وفق القاعدة السياسية الراسخة في أذهان البولنديين ويرددونها دائما: "لا يمكن أن تكون بولندا حرة دون أوكرانيا حرة، والعكس بالعكس".

وأضافت: "لذلك كان الهدف الأساسي لبولندا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، هو الاندماج الأوروبي الأطلسي، بالانضمام للناتو والاتحاد الأوروبي، من أجل تفادي الوضع الذي تواجهه أوكرانيا اليوم".  

ووصل الأمر بوارسو أنها هددت بتطوير قدراتها النووية الخاصة إذا لم تحظ بعضوية الناتو، ودفع أول رئيس لبولندا ليش فاليسا، الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسن، للموافقة على أن الانضمام للحلف "لا يتعارض مع مصلحة أي دولة، بما في ذلك روسيا أيضا".

وبالفعل أصبحت بولندا عضوا بالناتو عام 1999، وأتبعت ذلك عضوية الاتحاد الأوروبي في 2004. 

أهمية بولندا

تلعب بولندا أهمية جيوسياسية وتاريخية كبرى في الصراع ما بين المعسكر الروسي والغرب.

جغرافيا تقع في أوروبا الوسطى، وتحدها غربا ألمانيا، ومن الناحية الشرقية تحدها جمهورية التشيك، وفي الجنوب سلوفاكيا، أما من الشرق فأوكرانيا وبيلاروسيا، ثم بحر البلطيق ومنطقة كاليننغراد (تابعة لروسيا)، وليتوانيا شمالا. 

لذلك فهي تشكل أحد الحواجز الإستراتيجية التي يتمركز عندها الاتحاد الأوروبي لمنع التمدد والنفوذ الروسي. 

ولعبت هذه الأرض في التاريخ دورا مهما وكانت سببا لاندلاع كثير من الحروب، حتى إنه في سبتمبر/أيلول 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية، أكبر وأشرس حروب التاريخ الحديث، بسبب غزو ألمانيا النازية والاتحاد السوفييتي لبولندا (كجزء من ميثاق مولوتوف ريبنتروب).

وقتل أكثر من 6 ملايين مواطن بولندي جراء العدوان، وهو ما ظل في ذاكرة البولنديين حتى يومنا هذا، ويتحفزون بقوة ضد التوسع الروسي لهذا السبب. 

وفي عام 1999 انضمت بولندا رسميا إلى حلف الناتو، ومن وقتها تنظم بين الحين والآخر مناورات عسكرية على مقربة من الحدود الروسية، ما تعتبره بولندا إجراء يضمن أمنها، بينما تراه موسكو استفزازا متواصلا.

وتسعى الولايات المتحدة إلى إثقال وارسو عسكريا حتى تستطيع كبح جماح النفوذ الروسي. وفي 18 فبراير 2022، زار وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بولندا، وتعهد بالتزام بلاده الدفاع عن حلفاء "الناتو".

وأعلن في مؤتمر صحافي، عن صفقة بيع دبابات أبرامز القتالية لبولندا، وقال إن ما لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريده هو وجود حلف شمال الأطلسي أقوى من جناحه، وهذا بالضبط ما يحدث اليوم.

وأضاف: "بوتين سيرى حلف ناتو قويا من الآن فصاعدا". وأعلن أوستن عن بيع 250 دبابة أبرامز إلى بولندا، في وقت تتحرك فيه واشنطن لتعزيز دفاعات حليفتها الرئيسة في أوروبا الشرقية، في ظل تهديد متزايد بعد غزو روسيا لأوكرانيا.

وبحسب وزارة الدفاع البولندية، يبلغ عدد القوات المسلحة للبلاد 110 آلاف جندي مؤهلين بقدرات احترافية.

 وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تقدم زعيم حزب "القانون والعدالة" الحاكم في بولندا، ياروسلاف كاتشينسكي، بمشروع قانون" الدفاع عن الوطن"، يهدف إلى زيادة الميزانية الدفاعية، ورفع عدد الجنود إلى 250 ألف مقاتل، للدفاع عن الأرض.