الحرب الروسية على أوكرانيا.. كيف أصابت اقتصاد موسكو بالشلل؟
سلطت صحيفة إلباييس الإسبانية الضوء على التصعيد الاقتصادي الدولي تجاه موسكو بعد شنها حربا على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.
وقالت الصحيفة، إن الحرب على الجبهة الاقتصادية والعقوبات أثرت بالفعل على موسكو وأيضا على أسواق الأسهم والشركات في الغرب.
وأردفت أن بداية الحرب في أوكرانيا رافقها تعرض سفينة محملة بالحبوب لهجوم بصاروخ روسي في البحر الأسود.
لم تكن هناك وفيات، لكن انعدام الأمن أجبر بعد ساعات، في 24 فبراير، السلطات على إغلاق الموانئ التجارية في البلاد.
في الأثناء، بدأت أسواق العقود الآجلة في الارتعاش، حيث وصل سعر القمح عند مستويات لم نشهدها منذ 14 عاما.
ضربات اقتصادية
وأوردت الصحيفة أن هذه التطورات تعد إحدى الضربات الاقتصادية للحرب، لكنها ليست الوحيدة.
وتسببت سلسلة العقوبات التي أطلقها الغرب، والتي تركز على مهاجمة النظام المالي، في سقوط الروبل (العملة الروسية) وشلت بورصة موسكو وغيرت الحياة اليومية للروس.
في الوقت نفسه، يقود الارتفاع في أسعار الطاقة والمشاكل الجديدة في سلسلة التوريد الاقتصاد العالمي إلى تفاقم دوامة التضخم وتهديد الانتعاش الذي طال انتظاره بعد كابوس وباء كورونا.
ونوهت الصحيفة بأن المشهد الجيوسياسي والاقتصادي تغير أخيرا وشهدت أسواق الأسهم اضطرابات، مع انخفاضات واسعة النطاق، خاصة في أوروبا.
في هذا السياق، يتفق الخبراء على أن الرئيس فلاديمير بوتين مستعد لشل الاقتصاد الروسي لتلبية رغبته في الحرب، وقد افترضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أنه يجب إيقاف تقدمهما وبالتالي تحمل التكلفة.
من جهتها، تقول الخبيرة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية ماريا شاجينا: "كانت استجابة الغرب غير مسبوقة من حيث النطاق والسرعة والوحدة".
وتؤكد أنه "سيكون للعقوبات تأثير مدمر على الاقتصاد الروسي وستؤدي إلى تآكل القاعدة التي تموّل الحرب".
وأوضحت الصحيفة أن الإجراءات ستستغرق وقتا لتصبح سارية المفعول بالكامل، على الرغم من ظهور بعض الآثار بالفعل، كما يتضح من خلال هروب المستثمرين من الأصول الروسية في العالم وتعليق عمليات الشركات الكبيرة داخل البلاد، بالإضافة إلى الضربة التي تمثلها الحرب وحدها من الناحية التجارية.
وأوضح آدم بوزين الخبير الاقتصادي ورئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن "آثار العقوبات قوية وفعالة بسبب التحالف الذي تشكّل بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال ردّ مشترك، ومقاومة الشعب الأوكراني".
ونقلت الصحيفة التأثيرات الرئيسة وكيفية تأثيرها على الاقتصاد العالمي ككل.
النظام المالي
أشارت الصحيفة إلى أن البنوك المركزية كانت دائما عنصرا رئيسا في الحروب؛ على سبيل المثال، يرتبط تأسيس بنك إنجلترا في القرن السابع عشر جزئيا بتمويل الحرب ضد فرنسا لويس الرابع عشر.
وفي هذه الحرب، يعد البنك المركزي لروسيا هدفا ذا أولوية. لهذا السبب، تستهدف العقوبات الاحتياطيات الأجنبية التي كانت تخزنها روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014 لتفادي العقوبات.
من هذا المنطلق، منعت العقوبات الوصول إلى ما بين 40 و50 بالمئة من 630 مليار دولار تخزنها روسيا، بين عشية وضحاها، وفقا لحسابات معهد التمويل الدولي.
ونقلت الصحيفة أن الضربة المالية اكتملت بطرد قائمة من سبعة بنوك من نظام الدفع الدولي سويفت، حيث ينفذ 11 ألف كيان من جميع أنحاء العالم معاملاتهم.
هذا الإجراء الأخير، الذي يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ قريبا، يسبب فوضى بالفعل لأنه سيجعل العمليات أكثر صعوبة بشكل كبير.
وعلى الرغم من أن روسيا يمكن أن تستفيد من النظام الصيني، فإنه يوفر سيولة أقل بكثير.
وأفادت الصحيفة بأن التأثير الفوري لهذه الإجراءات تمثل في الانهيار التاريخي للروبل، في حين جرى إغلاق بورصة موسكو لمدة خمسة أيام بأمر من السلطات لاحتواء النزيف المالي.
لكن، لم تتمكن روسيا من تفادي هذه الخسائر في الأسواق الدولية الأخرى، وخاصة الأوروبية، حيث انخفضت الأسهم الروسية بشكل كبير.
في هذا المعنى، اعترفت محافظ البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، بأن العقوبات تمنعها من التدخل للحفاظ على الروبل، وقد رفعت أسعار الفائدة من 9.5 إلى 20 بالمئة، وهو أعلى ارتفاع منذ عام 2003.
كما حاولت روسيا اللجوء إلى شتى الطرق لتفادي تداعيات أكبر للأزمة المالية.
سلاسل التوريد
ونقلت الصحيفة أن الحرب والعقوبات أدت إلى مشاكل على مستوى سلاسل التوريد، المتعثرة بالفعل بسبب الوباء.
عموما، كانت الأسباب عبارة عن مزيج من تأثير الحرب على النقل، مما يعيق الخدمات اللوجستية، وعدم اليقين بسبب تأثير العقوبات.
وبالتالي، أدى إغلاق الموانئ في أوكرانيا إلى رفع أسعار الحبوب، خاصة أن هذا البلد وروسيا مسؤولان عن ثلث إنتاجها.
على سبيل المثال، وصل القمح إلى أعلى مستوياته في 14 عاما ويهدد الوضع الحالي العرض المستقبلي. بالإضافة إلى ذلك، أثر الصراع على نشاط إنتاج هذه المحاصيل.
وأضافت الصحيفة أن المشاكل اللوجستية تقف أيضا وراء تعليق أنشطة الشركات الغربية في روسيا، مثل إيكيا وفولكس فاجن وتويوتا.
وتنتج الحرب حصارا ذا أهمية فائقة في النقل البحري، مع مشاكل في جمارك الموانئ الروسية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب العمل في السوق الروسية في حدوث المزيد من المشاكل التي تضر بسمعة الشركات، حتى إن شركات النفط تخلت عن مشاريعها في هذا البلد.
وفي ظل هذا الوضع، طرحت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية حصتها البالغة 20 في المئة في شركة النفط روسنفت، للبيع.
وعلى الرغم من حقيقة أن العقوبات لم تصل بعد إلى هذا القطاع، فإن المزيد والمزيد من التجار يختارون عدم إبرام أي عقد شراء جديد في الدولة الأوراسية بسبب الخوف المزدوج: السمعة وإمكانية أن تشمل العقوبات هذا المجال.
عموما، سيكون تأثير وقف بيع الهيدروكربونات مدويا بالنسبة لروسيا، وفق الصحيفة الروسية.
الطاقة والسياحة
نوهت الصحيفة بأنه على الرغم من استبعاد الطاقة من العقوبات، نظرا لاعتماد أوروبا على الغاز والنفط من روسيا، فإن تأثير الحرب على هذه الأسواق كان وحشيا.
وتخطى النفط الخام عتبة 120 دولارا وهو الحد الأقصى خلال عامين ونصف العام، وسيظهر التأثير على الوقود والكهرباء سريعا في جيوب المستهلكين وفي التضخم، في وقت كانت الأسعار فيه مرتفعة بالفعل.
من جهة أخرى، يحدث الشيء نفسه بالنسبة للغاز، الذي ارتفع بنسبة 60 بالمئة مطلع مارس/آذار، بسعر قياسي بلغ 194 يورو لكل ميغاواط/ساعة، في سوق شديد التقلب.
وأوردت الصحيفة أن أزمة الطاقة هذه، إضافة إلى التأثير الجانبي للعقوبات على الاقتصاد العالمي، ستؤدي إلى مشاكل في روسيا.
وتتسبب أيضا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما سيؤدي بالبلاد الأوراسية إلى الركود، وفقا للخبراء.
وهو ما سيقلل من ثروة الأوليغارشية الروسية (الرجال الأقوياء المحيطين ببوتين)، مما يشكل مزيجا يصعب تجاوزه بالنسبة للاقتصاد العالمي في وقت الانتعاش ومع ارتفاع التضخم، الذي وصل بالفعل إلى أعلى مستوياته.
وأشارت الصحيفة إلى أن السياحة من أكثر القطاعات حساسية لأي صراع.
في هذه الحالة، يؤدي إغلاق المجال الجوي لروسيا إلى تغيير مسارات الخطوط الجوية وزيادة تكلفة التذاكر.
هذا بالإضافة إلى تأثير النفط على هذه الشركات، والتضخم على مستوى القدرة الشرائية للمواطنين.