اقترحته ستة أحزاب معارضة.. ما إمكانية عودة النظام البرلماني في تركيا؟
في 28 فبراير/شباط 2022، عقدت ستة أحزاب تركية معارضة اجتماعا أعلنت فيه عن "نص الاتفاق المبدئي"، الذي أطلقوا عليه اسم "النظام البرلماني المعزز".
واتفقت تلك الأحزاب على العودة إلى نظام الحكم البرلماني، غير أن البيان الذي جرى الإعلان عنه لم يرق إلى المستوى الذي أريد له أن يصله بسبب المشاكل التقنية والسياسية فيه والإبهام الذي يحيط به.
لذلك، وعلى عكس المرجو منه، لم يتمكن النص من أن يتجاوز كونه بيانا سياسيا ضعيفا وقاصرا وعاديا جدا، وفق ما تقول صحيفة "صباح" التركية في مقال للكاتب "باقي لاله أوغلو".
وتابع الكاتب: أظهر النص أن مشروع العودة إلى النظام البرلماني معيب وغير منطقي تقنيا وسياسيا.
سر المعارضة
والسبب الرئيس لذلك يعود إلى أن مسألة العودة إلى النظام البرلماني لا تلقى اهتماما كبيرا لا في نظر الناخبين ولا في السياسة العملية.
كما أن غموض البيان المشترك وطبيعته أضر بمصداقية وموثوقية المشروع ومعديه. لذلك، فإن أي خطاب سياسي سينبني على هذا المشروع لا بد أن يكون قاصرا وغير موثوق، وفق تقديره.
واستدرك الكاتب أن "أهم ما يلفت الانتباه في النص أن الوعد بالعودة للنظام البرلماني المعزز بني بالكامل على مبهمات وتفاصيل غير واضحة، الأمر الذي تسبب في العديد من المشاكل التقنية والسياسية".
وأضاف مستعرضا المشاكل: أولاها عدم تحديد الجهة التي ستنتخب رئيس الجمهورية، البرلمان أم الشعب؟".
ومن الواضح أنه لم يجر تحديد الأمر عن قصد ووعي، وسبب ذلك هو عدم اتفاق الأحزاب فيما بينها على أحد الخيارين.
ومع أن المتعارف عليه أن يجري انتخاب الرئيس من قبل البرلمان في أنظمة الحكم البرلمانية، إلا أن أحزاب المعارضة لم تجرؤ على طرح ذلك حتى.
إذ إن هذا الخيار يعيد إلى الأذهان الأزمات السياسية والعقبات التي حدثت سابقا، كما يعني سحب حق التصويت المباشر من الشعب الذي يتمتع به حاليا، يقول الكاتب التركي.
ويضيف: لو غضضنا الطرف عن أنها تعني سحب حق التصويت من الشعب، فإن انتخاب الرئيس من قبل الشعب جاء قبل كل شيء بموافقة الناخبين أنفسهم.
وذلك عن طريق الاستفتاء الذي أجري لطرح مسألة انتخاب الرئيس من قبل الشعب كحل للأزمات المذكورة أعلاه والتي سببها البرلمان في الماضي.
وأعقب قائلا: لكن حقيقة استمرار انتخاب الرئيس من قبل الشعب في ظل النظام البرلماني الموعود سيعني أيضا أن رئيس الجمهورية، الذي يزعمون حاليا أنه يتمتع بسلطات وصلاحيات غير مسؤولة، سيستمد شرعيته مباشرة من الناخبين.
وكل هذا يكشف عن التعارض في البيان المشترك، بين رئيس لم يجر تحديد مهامه بما يتضمن "الإجراءات الاستثنائية التي يمكن أن يتخذها بمفرده" وبين رئيس وزراء سيتمتع بصلاحيات تنفيذية.
بعبارة أخرى، ستعود مشكلة "الرئيسين"، التي شكلت أساسا بعض الأزمات السياسية التي مرت بها تركيا في الماضي، إلى الواجهة، وفقا للكاتب.
وعلق: وهكذا، لم تستطع أحزاب المعارضة الستة الاتفاق فيما بينها على قضية مهمة مثل من سينتخب الرئيس، أو حتى فضلت إخفاء رأيها عن الشعب والرأي العام. وهذا وحده يدل على ضعف أسس مشروع العودة إلى النظام البرلماني منذ بدايته.
بلا خريطة
وقال الكاتب لاله أوغلو إن عدم رسم خارطة طريق خاصة بالعودة إلى النظام البرلماني لنقطة أخرى يكتنفها الغموض.
إذ من غير الواضح كيف سيجري تغيير نظام الحكم وكم من الوقت سيستغرق تنفيذه، خاصة وأن تبديله يعني تغييرا دستوريا شاملا.
وأضاف: كذلك يلزم ما لا يقل عن 400 نائب لتنفيذ ذلك بشكل مباشر، ويلزم الحصول على 360 مقعدا في البرلمان على الأقل لإجراء استفتاء عام لأجل العودة إلى النظام البرلماني.
إلى جانب أنه يجب الفوز في الانتخابات الرئاسية لكتابة سيناريو عقلاني سياسي وإن لم يكن ذلك إلزاميا نظريا.
وبالنظر إلى كل هذا، هناك العديد من الأمور التي ينبغي توضيحها في السيناريوهات المختلفة: أولها ماذا سيحدث حال فازت المعارضة بأصوات 400 نائب.
وماذا سيحدث حال حصلت المعارضة على 360 مقعدا؟ وباختصار، عليها الإعلان عن خريطة طريق، يؤكد الكاتب التركي.
ويوضح ذلك بالقول: ليس من الواضح في البيان المشترك ما الخطة وما نوع العملية الانتقالية التي ستنفذها الأحزاب الستة، وهل سيديرها ائتلاف أو رئيس الجمهورية الذي يمثل السلطة التنفيذية وحدها في النظام الحالي؟
وهكذا من غير الواضح لمن وكيف ستنقل هذه الصلاحيات خلال الفترة الانتقالية، وكيف سيجري الاستجابة لمشاكل تركيا الحالية واحتياجاتها أثناء ذلك.
وتابع: أما السيناريو الأخير فهو فوز المعارضة في الانتخابات النيابية وفشلها في الحصول على 360 مقعدا.
وعلى الرغم من طرح بعض السياسيين المعارضين حلولا غير واقعية لتغيير النظام، فإنه من غير الواضح ما إذا كان الرئيس في النظام الحالي سيستخدم سلطاته أو ينقلها إلى ائتلاف.
وأردف قائلا: كذلك، لا يزال من غير الواضح أي نوع من الإصلاحات ستنفذها المعارضة في حال فشلت بالعودة إلى النظام البرلماني، أو ما إذا كانت ستجري انتخابات مرة أخرى للحصول على الأغلبية اللازمة للعودة إلى النظام البرلماني.
حزب الشعوب الديمقراطي
واستطرد لاله أوغلو: إضافة إلى ما سبق، وبالنظر إلى الوضع السياسي الحالي، تحتاج الأحزاب المعارضة الستة إلى دعم حزب الشعوب الديمقراطي لتنفيذ السيناريوهات المعنية وضمان فوز مرشحها في الانتخابات الرئاسية.
غير أن الأحزاب الستة تتجنب الظهور مع حزب الشعوب الديمقراطي في نفس الصورة حاليا، مع أن الأخير يحتل مكانه على ذات الطاولة وهناك تحالف معه بعيدا عن الأعين، مقابل أن يقدم الدعم في الانتخابات.
وبالفعل، أعلن حزب الشعوب الديمقراطي أنه يدعم العودة إلى النظام البرلماني، رغم أنه لم يجلس مع أحزاب المعارضة على الطاولة.
وهنا لم يجر الإجابة عن الأسئلة مثل: كيف ستتعامل الأحزاب الستة مع حزب الشعوب الديمقراطي خلال الفترة الانتقالية؟
وما الدور الذي سيلعبه "الشعوب الديمقراطي" في السيناريوهات المختلفة، وما إذا كان هذا الحزب سيستمر في البقاء خارج التحالف أو سيكون له سلطة من خلال الدخول في ائتلاف رسمي؟
وعلى صعيد آخر، يلاحظ أن مفهوم ومحتوى "النظام البرلماني المعزز" خاطئان أيضا.
فعلى الرغم من أنهم حاولوا خلق انطباع بأنه مشابه للنظام البرلماني العقلاني، لكنه بعيد كل البعد عن هذا النموذج.
والسبب الرئيس لذلك أن النموذج المعني يهدف إلى نقل السلطة التنفيذية للحكومة ضد البرلمان، وفقا للكاتب.
ويضيف: بينما يتوخى النظام البرلماني المعزز أن يعزز من قوة البرلمان ضد السلطات الأخرى. وهو الأمر الذي يناقض تماما النظام البرلماني العقلاني. لذلك، يمكن القول إن توصيفه بأنه "معزز" اختيار مقصود.
إذ إن الهدف من ذلك، إظهار أن النظام البرلماني الذي تقترحه الأحزاب الستة، نموذج "مختلف، جديد، وقوي".
وختم الكاتب بالإشارة إلى أن البيان المشترك حول النظام البرلماني المعزز يتسم باحتوائه على الكثير من جوانب الغموض.
ولفت إلى أنه "يتبين بتدقيق النظر في محتواه، أن هناك شروحات مطولة لتفاصيل لا تتعلق مباشرة بالتغيير في نظام الحكم، بينما يحيط الإبهام بالنقاط المهمة التي ترتبط ارتباطا مباشرا بالنظام، مثل الإجابة عن سؤال: من سينتخب الرئيس؟".
ويقول: وهذا يجعل من الصعب قبول البيان حتى كمذكرة تتضمن المبادئ الأساسية. كذلك فإن النص بعيد أيما بعد عن أن يكون توصيفا لنظام حكم شامل".
وحتى لو لم يجر إعداد مسودة، يجب أن يكون البيان واضحا لا لبس فيه، ويجيب عن الأسئلة الأساسية حول النظام سواء كان ذلك تقنيا أو سياسيا، كما يرى الكاتب.
لكن الأحزاب الستة فضلت، وعن قصد ووعي، رسم صورة للنظام البرلماني المعزز بطريقة يشوبها الغموض والإبهام، ما يجعلنا نفكر بأن الهدف الرئيس من ذلك يختلف عن الهدف المعلن عنه.
وبين الكاتب أن المعارضة التي اتحدت في مناهضة الرئيس رجب طيب أردوغان، تستخدم النظام البرلماني المعزز كوسيلة لتحقيق غاية أخرى.