بعد فشل الجولة الأولى.. قرار المصالحة الفلسطينية في الجزائر أم إسرائيل؟
استأنفت الجزائر في فبراير/شباط 2022، جهود المصالحة الفلسطينية عقب توقفها قرابة الشهر، بعد فشل الجولة الأولى التي بدأت في يناير/كانون الثاني من ذات العام.
وعكرت اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في 6 فبراير، الأجواء الوطنية وهو ما ساهم في فشل جولة المباحثات.
وقاطعت حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وفصائل أخرى اجتماعات "المركزي"، مبررة ذلك بأن الدعوة للاجتماع تمت "دون توافق وطني"، وأنه "استمرار لسياسة التفرد واختطاف المنظمة".
وجرت المباحثات استجابة لدعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ديسمبر/كانون الأول 2021، لتنظيم مؤتمر يهدف إلى إنهاء الانقسام المستمر منذ عام 2007.
وفي المقابل تكرر التساؤل في الشارع الفلسطيني "هل من الممكن أن تأتي هذه الجولة من المباحثات بما عجزت عنه الجولة السابقة وكل اتفاقات المصالحة الماضية؟"، والتي كان آخرها اتفاق عام 2017، وباء بالفشل؟
فرص النجاح
ومن جانبه، قال المحلل السياسي الفلسطيني، مصطفى الصواف في حديث لـ "الاستقلال" إنه لا توجد فرص لنجاح حوارات الجزائر في ظل هذه الظروف، وأنها لن تحرز أي تقدم يذكر والجميع يدرك هذا الأمر.
وأضاف: "أفشل رئيس السلطة محمود عباس هذه الحوارات قبل أن تبدأ باشتراطه اعتراف حماس بإسرائيل، وحقها بالوجود وباتفاقية أوسلو، وهو الأمر الذي يستحيل أن توافق عليه الحركة".
وأكد الصواف أن الجزائر جادة في محاولة رأب الصدع الفلسطيني، ولكن الواقع أنه لا مصلحة للسلطة بتحقيق المصالحة والذهاب للانتخابات التي من المؤكد أنها ستقصيها من الساحة السياسية في ظل السخط الشعبي عليها.
ويعزو مراقبون سبب عدم ارتفاع فرص نجاح لقاءات الجزائر؛ للاختلاف الجذري بين حركتي التحرير الوطني "فتح" وحماس، فبرنامجهما السياسي المختلف يشكل تحديا كبيرا أمام إنهاء الانقسام.
وبدوره، قال الباحث الفلسطيني عبد الله الكساب إن أي جهود للمصالحة ما بين حركتي حماس وفتح، كما يحصل في الجزائر من مباحثات، ستكون مجرد حوارات رمزية ولا أمل بأن تخرج باتفاق ينهي الانقسام أو يديره حتى.
وأكد الباحث أن ما تريده فتح هو بقاء الوضع القائم، بل إنها زادت من قمعها للمقاومة بعد معركة سيف القدس مايو/أيار 2021، وباتت تخشى من زيادة قوة حماس في الضفة الغربية عقب ارتفاع شعبيتها.
وتابع: "تحقيق المصالحة سيتعارض مع سياسة السلطة في الضفة الغربية، وسيتحتم عليها وقف عمليات الاعتقال تجاه أنصار حماس، والجهاد الإسلامي، وبالتالي زيادة النشاط العسكري المنظم".
ومن أكثر الأسباب التي ترجح احتمالية فشل حوارات الجزائر هو سطوة إسرائيل وتأثيرها في قرار السلطة.
وترفض إسرائيل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وسبق أن خيرت الرئيس عباس بين العلاقة معها أو مع حماس، كما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو عام 2014.
ومن جانبه، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، إن إسرائيل لن تسمح بإتمام المصالحة لاعتبارات جيوإستراتيجية.
فبقاء الانقسام يضمن استمرار الفصل السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقلص فرص التنسيق الأمني الذي لن تسمح به الفصائل، لذلك لا مصلحة للاحتلال بتحقيق الوحدة الوطنية، وفق ما تحدث لـ"الاستقلال".
وأضاف "الحالة الوحيدة التي ستسمح بها إسرائيل بإتمام المصالحة هي نقل ذات النظام الأمني إلى قطاع غزة، بمعنى عودة التنسيق الأمني".
وستكون السلطة في هذه الحالة مدعومة من قوى إقليمية عربية كمصر والإمارات، "وهذا السيناريو سيكون بمثابة كنز للاحتلال".
وشدد النعامي على أن السلطة في حال عادت إلى قطاع غزة ستكون مهمتها شاقة كتحييد مقدرات المقاومة من سلاح الأنفاق والصواريخ والتصنيع ومنع التدريب وتهريب الأسلحة والبحث عن الجنود الإسرائيليين المختطفين بالقطاع.
وقبل سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة عام 2007، كانت أجهزة الأمن الفلسطينية تمارس هذا الدور، بحسب ما قال.
السلاح والتنسيق
ويعتبر سلاح المقاومة من أكثر الملفات الشائكة التي تنتظر الفصائل، خلال مباحثات المصالحة المنعقدة في الجزائر.
وتعارض السلطة الفلسطينية وجود سلاح المقاومة، حيث أعلن الرئيس عباس في عدة مناسبات، آخرها في نوفمبر 2017، أنه لا يمكن القبول إلا بسلاح السلطة، فيما ترفض حركة حماس المساس بهذا الملف.
من جانبه، رفض القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، داوود شهاب، نقاش سلاح المقاومة في أي حوارات، متسائلا "لماذا لا نناقش مواجهة سلاح المستوطنين وهجماتهم وتهديدهم؟!".
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال" أن الدعوة إلى نزع سلاح المقاومة لا تنطلق من الحاجة الوطنية التي تتطلب تعزيزه وحمايته، وإنما هي مرتبطة بوظيفة السلطة التي تسعى لتعزيز دورها".
وبين شهاب أن السلطة تؤدي مهام وظيفية أخطرها التنسيق الأمني، ومع مرور الوقت تحولت أجهزتها إلى أداة قمع للحريات وتكميم الأفواه.
وأكد القيادي في الجهاد أن الحل لا يكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية مثلا أو بإجراء انتخابات، بل ترى حركته أن جوهر الخلاف هو في البرنامج السياسي.
وقرر الرئيس الفلسطيني نهاية أبريل/نيسان 2021، تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في مايو/أيار من نفس العام لحين ضمان سماح السلطات الإسرائيلية مشاركة سكان مدينة القدس المحتلة، لكن تقارير تؤكد أنه امتنع عنها خوفا من فوز حركة حماس.
ويوضح شهاب أن هناك طرفا فلسطينيا يحاول فرض رؤيته وتصديرها على أنها المشروع الوطني، ويريد من جميع القوى والمكونات السياسية الفلسطينية القبول بها.
بينما هذه الرؤية غير متوافق عليها وهي لا تمثل الإجماع ولا تستند لأي عمق شعبي، لأنها باختصار تتنازل عن 78 بالمئة من فلسطين وتقبل بالتعايش مع الاحتلال والاستيطان وهذا أمر مرفوض.
ومن جانبه، قال المسؤول في حماس إبراهيم المدهون إن نموذج الأمن في غزة يجب أن يعمم على الضفة الغربية وليس العكس.
وتابع في حديث لـ "الاستقلال": "التنسيق الأمني مع الاحتلال يعرقل المصالحة وهو مرفوض من الفصائل الوطنية كافة ومن قطاعات ومكونات شعبنا، ولا يخدم إلا الاحتلال".
وكشف المسؤول في دائرة العلاقات الوطنية لحماس، أن لقاء الجزائر استكشافي، وأن حركته قدمت رؤيتها الكاملة.
وبين أن حماس أطلعت المسؤولين الجزائريين على تراكمات الجهد الذي بذلته الحركة لإتمام المصالحة وأيضا خريطة الطريق للتوافق على كافة الملفات الوطنية.
وأكد المدهون أن حركته لا تدخر جهدا في السعي لإنجاز المصالحة وتطرق جميع الأبواب لتحقيقها على أساس الشراكة الكاملة من الفصائل الفلسطينية كافة دون إقصاء.
وتشهد الساحة الفلسطينية انقساما منذ يونيو/ حزيران 2007، عقب سيطرة "حماس" على قطاع غزة، في حين تدير "فتح" الضفة الغربية.