محاكاة افتراضية مرعبة.. كيف يهدد عالم ميتافيرس الحياة الواقعية؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

أصبحت ميتافيرس واحدة من أكثر المفاهيم التي ثارت بشأنها النقاشات أخيرا، إذ يعبر المفهوم في أصله عن عالم افتراضي يلتقي فيه وجود البشر المادي والفكري.

ومع أننا لا نملك معلومات كافية حتى الآن بشأن النقطة التي ستأخذنا إليها ميتافيرس، فإنه يوفر وبلا شك، فرصة الوصول إلى العديد من السلع والخدمات والتجارب دون مغادرة المنزل.

إذ من الممكن للأفراد من خلاله أن يشاركوا فعليا في عمليات الاتصال التي تتم عن بعد عبر الإنترنت.

وما لقاء الأشخاص الجالسين في أماكن مختلفة حول نفس طاولة الاجتماع، أو التجول بين أرفف المراكز التجارية أثناء الجلوس على الأريكة في المنزل، أو الاجتماع مع أشخاص يعيشون في مناطق مختلفة من العالم، إلا بعض الأمور التي سيوفرها ميتافيرس في حياتنا اليومية، بصفته "مساحة لتمثيل افتراضي عبر المحاكاة". 

العالم الافتراضي

وتقول صحيفة "ستار" التركية في مقال للأكاديمي حميد أمرح بيريش: "سمحت الألعاب عبر الإنترنت بوجود الأشخاص من أماكن مختلفة في نفس البيئة الافتراضية في نفس الوقت وتعاونهم". 

وقد أدى انتشار هذا النوع من الألعاب إلى توفر السماعات والنظارات المستخدمة في العالم الافتراضي وغيرها من الأدوات بكثرة مع رخص ثمنها.

وأعقب قائلا: ولما كانت البنية التحتية التكنولوجية جاهزة، برزت ميتافيرس كواقع في العالم الرقمي. ومن الواضح أن جائحة كورونا مثلت عتبة مهمة في تطوير وزيادة استخدام التقنيات عبر الإنترنت. 

وأظهر الناس الذين جلسوا في منازلهم لفترة طويلة أثناء الوباء، اهتماما أكبر باكتشاف طرق جديدة للتواصل مع بعضهم البعض.

وأخيرا، أعلن مؤسس موقع فيسبوك "مارك زوكربيرغ"، أن منصته ستصبح شركة وسائط اجتماعية من الجيل الجديد تعتمد على ميتافيرس، وهو يقول إنه سيخلق عالما يمكن فيه للناس أن يفعلوا كل شيء على أرض الواقع. 

وفي هذا، لم يكن من قبيل الصدفة تغيير اسم المجموعة التي تتضمن غوغل وإنستغرام وواتسآب وفيس بوك إلى "ميتا".

وعلق قائلا: وبالنظر إلى التطورات في تقنية سلسلة الكتل "بلوك تشين" أيضا، يتضح لنا أن ميتافيرس سيلعب دورا متزايدا في حياتنا مستقبلا. 

وبالطبع فإن انعكاس هذا الوضع على العلاقات الاجتماعية وأبعادها المتعلقة بتكنولوجيا الاتصال وجانبها القانوني يحتاج إلى تقييم منفصل.

واستدرك بيريش منوها: الواقع أنه كثيرا ما تدور مناقشات حول أن العالم الافتراضي يفصل الناس عن الحياة الواقعية، وينقل العلاقات إلى مسارات خاطئة ويسبب العزلة. 

قد يكون ذلك صحيحا، لكن من السهل فهم حقيقة أن هذه العيوب المحتملة لن تؤثر على تطور هذا المجال وتقدمه، وفق الكاتب.

وتابع: يلاحظ من الآن أن ميتافيرس سيكون له تأثيرات على السياسة أيضا، حيث يحمل الإنترنت - منذ البداية - إمكانية لتوفير فرصة مشاركة المواطنين في العمليات السياسية بشكل مباشر. 

ومن المعروف أن شبكات الإنترنت تزيد من المشاركة السياسية من خلال خلق مساحة جديدة للرأي العام.

وأوضح قائلا: فمع أن مشاركة أكبر عدد من المواطنين في عمليات صنع القرار تعد من أهم أهداف الديمقراطية، إلا أن مشاركة المواطنين في الديمقراطية التمثيلية بشكل عام محدودة للغاية. 

وأهم الأسباب خلف ذلك، العوائق المادية؛ إذ يكاد يكون من المستحيل على جميع المواطنين التجمع في مكان معين بنفس الوقت وإبداء آرائهم حول القضايا. لذلك، برزت الحاجة إلى تعيين ممثلين عنهم (النواب).

وأردف: أما الآن، فيعبر الأفراد عن آرائهم وأفكارهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فردي أو جماعي وينقلونها إلى صانعي القرار، ويمارسون الضغط على من فوقهم من الإداريين. 

والفضل في ذلك يعود إلى منصات التواصل الاجتماعي التي جعلت من الممكن إعلام الناس وأخذ ردود فعلهم ومشاركاتهم حول الموضوع في نفس الوقت.

ونوه قائلا: بيد أن أهم عيوب هذه المنصات، أن كل هذا يحدث في غياب الوجود الفيزيائي الواقعي للناس. 

كذلك فإن بعد المسافة بين الأشخاص يجعل للأمر ثغرة مفتوحة، إذ يصعب على المستخدم العادي فهم ما إذا كانت الحسابات المفتوحة على منصات التواصل الاجتماعي مزيفة أو لا أو ما إذا كان الأشخاص يقدمون معلومات حقيقية عن أنفسهم.

لذلك، فإن استخدام الروبوتات والحسابات الوهمية في الحملات السياسية أو الاجتماعية عبر الإنترنت، أو دخول الأشخاص إلى النظام الأساسي بأكثر من حساب واحد، يمكن أن يمنع رؤية الصورة الحقيقية. 

لكن ميتافيرس قد يكون له دور إيجابي في تقليل ذلك بما أنه يتيح وجود الأفراد بمظهرهم الحقيقي، بحسب ما يراه الكاتب التركي.

الجانب السام

ولفت بيريش: غير أنه من الواضح أن هناك جانبا ساما أيضا لوسائل التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن تؤدي المشاكل مثل الخطابات السياسية التي تحرض على الاستقطاب ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة وكراهية الأجانب والترويج للعنف إلى تدمير نسيج المجتمع. 

وتنبع هذه المشاكل غالبا من حقيقة أن الناس يخفون هوياتهم الحقيقية على منصات التواصل الاجتماعي.

واستطرد: وحتى لو ظهروا بهوياتهم الحقيقية، يمكنهم استخدام لغة قاسية تتجاوز المعتاد لأنهم لا يواجهون بعضهم البعض. 

إذ إنه من المتوقع أن يتبنى من يدخلون في نقاشات بهوياتهم الحقيقية، موقفا أكثر هدوءا وحذرا أثناء عملية المناقشة. 

وهكذا، يمكن القول إن التأثير الإيجابي الأول لميتافيرس هو أنه يمكن أن يجعل لغة المناقشات أكثر اعتدالا، ما سيقلل من مشكلة الاستقطاب.

كذلك يمكن لميتافيرس أن يكون مثالا لنموذج الديمقراطية المباشرة، حيث سيتاح للمواطنين فرصة حضور اجتماعات المجالس العامة والمحلية، والتعبير عن آرائهم والتصويت هناك. وينطبق الشيء نفسه على السياسيين، يشدد الكاتب.

ويضيف: كما ستتاح للسياسيين فرصة لقاء الناخبين والحصول على آرائهم بسهولة أكبر، سواء كان ذلك في الحملات الانتخابية أو في العمليات السياسية. 

وسوف يتعمق التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، وتتعزز شرعية القرارات المتخذة بمشاركة المزيد من المواطنين، وفق الصحيفة. 

وباختصار ستنتقل السياسة من كونها عملية سلبية تقتصر على الانتخابات إلى ساحة تضمن المشاركة الفعالة للمواطنين. ويقول: من جانبها، تعد الانتخابات من أهم عناصر الديمقراطية.

وعلى الرغم من أن التكنولوجيا عبر الإنترنت يسمح بالتصويت عن بُعد، فإن النقاشات حول إمكانية التدخل في عمليات التصويت والفرز عن بُعد لا تنتهي أبدا. وقد شهدنا أحد أشهر الأمثلة على ذلك في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.

وأعقب ذلك بالقول: لم تحل مشكلة منع التصويت نيابة عن شخص آخر في الانتخابات عبر الإنترنت. 

غير أنه يمكن حلها عبر ميتافيرس التي ستأخذ الناخبين إلى صناديق الاقتراع الافتراضية حيث سيصوتون عن أنفسهم فحسب، وتكنولوجيا الـ "بلوك تشين" التي ستضمن السرية والتخزين الثابت للأصوات.

وسيكون التصويت على ميتافيرس و"بلوك تشين" أسهل بكثير وأكثر موثوقية من الطرق الحالية. وشرح ذلك قائلا: إذ سيجرى منع التصويت لأكثر من شخص وفرز الأصوات بشكل أسرع. 

وبتأسيس مثل هذا النظام، ستنخفض تكلفة الانتخابات بشكل كبير لكل من السلطة والمواطنين. ويمكن أن نتوقع وبسهولة، أن مثل هذه الطريقة ستزيد من نسبة المشاركة في السياسة.

ولا يقتصر الأمر على الانتخابات، بل سار ذلك أيضا على الاستفتاءات التي ستجرى حول مواضيع مختلفة. وبالطبع، ليس من المعقول ولا من المستهدف أن يصوت الجميع على كل قضية. 

لكن هذه التكنولوجيا ستضمن على الأقل إشراك المهتمين بموضوع معين وسماع آرائهم. كل هذا يقودنا إلى ما يمكن تسميته بـ "الديمقراطية الرقمية".

وختم بيريش مقاله قائلا: غير الإنترنت العالم بشكل جذري خلال وقت قصير، كان لهذا بعض الآثار السلبية على المجتمع والناس بالطبع.

لكنه قدم خدمة مهمة للبشرية من حيث تسهيل الوصول إلى المعلومات وزيادة التواصل بين المجتمعات، وتقوية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية من خلال الوعي بالحقوق وإضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات.

ويبرز ميتافيرس كعلامة على الوصول إلى مرحلة جديدة في هذه العملية، التي لا يمكن إيقافها. 

وليس من الصواب هنا أن نرسم صورة مشرقة له أو نحصر أنفسنا في ظلام الـ "ديستوبيا" (أدب المدينة الفاسدة). 

وبوسعنا أن نستعد ونتخذ الخطوات اللازمة لإدارة هذه الحقيقة الواقعة ومحاولة فهمه بدلا من إطلاق الأحكام عليه.

وهنا، وجب التنويه أن المشكلات المتعلقة بميتافيرس ومجال الإنترنت ليست مشكلة تقنية أكثر منها مشاكل اجتماعية، وفقا للكاتب التركي.