بعد مؤتمره العام.. هل يتجه "الاتحاد التونسي للشغل" إلى معارضة قيس سعيد؟

12

طباعة

مشاركة

أسدل مساء 19 فبراير/شباط 2022 الستار على أعمال المؤتمر الـ25 للاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة النقابية الأكبر في تونس.

رافق المؤتمر جدل واسع واختلاف بين النقابيين بشأن قضية التعديل في القانون الأساسي من أجل السماح بالترشح لعدد من القيادات لدورة ثالثة، من بينهم الأمين العام الحالي نور الدين الطبوبي.

يأتي المؤتمر في وقت تعيش فيه البلاد على وقع أزمة اقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى الأزمة السياسية المعقدة التي خلفها انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، الذي لم يعبر الاتحاد إلى اليوم عن موقف حاسم منه.

ويعتبر موقف الاتحاد مهما تجاه الإجراءات الانقلابية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد من ناحية ترجيع كفة المعارضة على السلطة القائمة.

وتدخل البلاد تحت إدارة حكومة سعيد مرحلة اقتصادية حرجة، إذ باتت تراهن على إيجاد حلول لأزماتها عبر الاقتراض من صندوق النقد الدولي وما يرتبط به من إجراءات تقشفية يرفضها الاتحاد منذ مدة.

لكن اتحاد الشغل ونظرا للخلافات الداخلية التي يعيشها، وهيمنة أطراف يسارية وقومية مؤيدة لمسار 25 يوليو على جزء من هياكله، لا يتوقع كثيرون أن يكون له موقف قطعي من الانقلاب.  

تجاوز العقبات 

عاش اتحاد الشغل لأشهر صراعا داخليا حول مسألة التمديد لقيادته الحالية على رأس المكتب التنفيذي، بلغت إلى درجة التقاضي من أجل إبطال نتائج المؤتمر وتعديل القانون الأساسي للمنظمة.

واتهمت السلطات التونسية بعد الانقلاب بتوظيف هذا الخلاف لضمان موقف للاتحاد يتراوح بين تأييد إجراءات سعيد وبين الحياد بينه وبين المعارضة المتصاعدة.

وكان المجلس الوطني للمنظمة قد أقر في 24 أغسطس/آب 2021 تنظيم مؤتمر استثنائي غير انتخابي يرمي أساسا إلى تنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي للاتحاد والذي يسمح بالتمديد لأعضاء المكتب التنفيذي لأكثر من فترتين.

واعتبر كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي وهو المحسوب على القوميين العرب والداعم لانقلاب قيس سعيد في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن الدعوة إلى مؤتمر استثنائي تعد انقلابا على النهج الديمقراطي للاتحاد وسابقة خطيرة.

المعارضون اتجهوا أيضا إلى القضاء للطعن في مشروعية المؤتمر، إلا أن الدائرة الاستعجالية عدد 25 بالمحكمة الابتدائية بتونس قضت في 8 فبراير 2022، برفض الدعوى المرفوعة.

وهذه الدعوى تتعلق بطلب إبطال المؤتمر الوطني واعتبار القضية الاستعجالية لاغية، وفق ما نشره موقع "الشعب نيوز" التابع لاتحاد الشغل.

وقاد الأمين العام المساعد في الاتحاد محمد علي بوغديري ما وصفه بـ"المعارضة النقابية" داخل اتحاد الشغل، والتي ترفض انعقاد المؤتمر الوطني الـ25 للاتحاد، وحمل شارة سوداء طيلة أيام انعقاده.

وبحسب مصادر من داخل المؤتمر، شهد اليوم الثالث حالة من التشنج والتوتر بعد إلقاء الأمين العام المساعد بالمكتب التنفيذي المتخلي محمد علي البوغديري، القانون الأساسي للاتحاد في القاعة على الحاضرين، معتبرا أن هذا القانون "وقع الدوس عليه والتلاعب به".

الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل محمد علي البوغديري الذي يعد من مؤيدي قرارات سعيد، انتقد في تصريح لإذاعة موزاييك خلال أشغال المؤتمر، ما ورد في بعض تدخلات مسؤولين نقابيين دوليين بخصوص الوضع في تونس.

واعتبر أن الأمر تدخل في الشأن الداخلي و"كان عليهم توجيه كلماتهم نحو القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الذي يهجر يوميا من أرضه"، وفق قوله.

الخيار الثالث 

لم يكن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل رافضا لإجراءات 25 يوليو التي بات يعتبرها غالبية الطيف السياسي انقلابا على المؤسسات الشرعية في الدولة، إلا أنه اكتفى حينها بالدعوة إلى ضبط سقف زمني لإنهاء الفترة الاستثنائية وإطلاق حوار وطني لإخراج البلاد من الأزمة.

قيس سعيد من جهته أوصد أبوابه أمام كل أطروحات الاتحاد العام التونسي للشغل وغيره من المساندين لقراراته، ولم يلتق الأمين العام للمنظمة سوى مرة واحدة منذ ليلة الانقلاب.

واعتبر أمين عام الاتحاد التونسي للشغل نورالدين الطبوبي أن "العديد من القرارات السياسية في تونس كانت متسرعة، وكان هناك سوء إدارة للمرحلة إلى أن جاءت الفرصة في 25 يوليو".

ففي 5 ديسمبر/كانون الأول 2021، قال الطبوبي خلال إشرافه على الذكرى 69 لاغتيال مؤسس الاتحاد، فرحات حشاد: "التونسيون يرفضون العودة إلى ما قبل 25 يوليو، لكنهم يعتبرون أن من حقهم معرفة الطريق الذي تسير نحوه البلاد".

وأردف: "من حقهم مساءلة أي مسؤول بشأن ما يعتزم فعله في إطار المسؤولية المنوطة بعهدته".

وأضاف أن "بناء الديمقراطية واستكمال مسارها لا يستقيم من دون وسائل ديمقراطية وتطوير ثقافة الحرية والمواطنة".

ومن أهم هذه الوسائل الفصل بين السلطات، وتنقيح القانون الانتخابي، ومراجعة قانون الأحزاب والجمعيات والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تكون ديمقراطية وشفّافة، كما قال.

وكشف حينها الطبوبي، عن وجود "خيار ثالث" لم يحدده لإنهاء الأزمة القائمة في البلاد.

 الرّد جاء سريعا من قيس سعيد الذي قال في كلمة له بعد يوم 13 ديسمبر 2021، حين أعلن عن خريطة طريق للوصول لوضع دستور جديد وتنظيم انتخابات تشريعية جديدة.

وقال سعيد "تواتر الحديث عن صف ثالث وإن أرادوا فليزيدوا صفا رابعا أو خامسا"، مشددا على أنه ينتمي فقط إلى صف الشعب.

ما بعد المؤتمر 

ويرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي سمير حمدي أن الاتحاد العام التونسي للشغل، سيحافظ على مواقفه لكن مع محاولة الضغط لإيجاد بوادر لحوار وطني.

ويضيف حمدي في حديثه لـ"الاستقلال": "بالطبع الموقف رهين تجاوب السلطة من ناحية والحراك الاجتماعي من ناحية أخرى".

وبين أنه "رغم نجاح مؤتمره الأخير، يظل الاتحاد محكوما بفكرة التمديد الذي حصلت عليه قيادته وهو عامل يجعله يحسب ألف حساب لموقف السلطة منه".

واعتبر المحلل السياسي التونسي أنه "إذا صدقت التقديرات بحصول نوع من التوافق الخفي بين السلطة والاتحاد بحيث يؤيد الأخير إجراءات الحكومة مقابل التمديد، فلا يمكن أن نتوقع الكثير إلا إذا انفجر الوضع الاجتماعي والذي سيكون خارج إرادة قيادة الاتحاد".

وبين سمير حمدي أن فكرة مجال ثالث التي تحدث عنها الأمين العام للاتحاد في مناسبات سابقة قد تنجح، لكنها ستكون خيارا محدودا بالنسبة للأحزاب.

فالاتحاد قوة اجتماعية لا تخوض الانتخابات وتأثيره السياسي يعود إلى هذا العامل.

وأكد أن الأحزاب ستجد نفسها مطالبة بمواقف واضحة من السلطة الحالية وفي نفس الوقت إقناع الجمهور بصواب موقفها في أي انتخابات مقبلة.

وتابع: "المرحلة الحالية ليس فيها خيارات كثيرة فإما مع إجراءات يوليو أو ضدها غير هذا لا يمكن تسويقه للجمهور".

وفي تصريح للتلفزيون الرسمي، مساء 21 فبراير 2022، في أول حديث إعلامي له بعد المؤتمر، ذكر الطبوبي أنه سيجري قريبا محادثات مع قيس سعيد ومع المنظمات الوطنية والأطراف السياسية المختلفة، لبحث حل الأزمة التي لم تعد تحتمل الانتظار.

وقال الطبوبي إن منظمته مفتوحة على الحوار ولكنها لن تقبل بالضغط أكثر على الطبقات المتوسطة والفقيرة.

وبين أنها "لن تقبل بإجراءات حكومية موجعة يدفع ثمنها هؤلاء فقط، مثل تجميد الأجور لمدة 5 سنوات ورفع الدعم عن السلع الأساسية".

ودعا الطبوبي القوى السياسية المختلفة في تونس إلى التنازل المتبادل لإنقاذ البلاد. 

ووجه رسائل مباشرة إلى قيس سعيد وإلى معارضيه، كي يتنازل كل منهما ويخطو خطوة إلى الوراء من أجل إنقاذ تونس من وضعها المعقد.