مدعوما بتنظيمات "بوليسية".. كيف وظّف سعيد أحداثا تاريخية خدمة لانقلابه؟ 

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع إحياء الذكرى الثامنة لاغتيال المعارض اليساري والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد ليلة 6 فبراير/شباط 2022 حل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وفق أحكام دستور العام 2014.

ما جرى من قرارات وتحركات، ضاعف الشكوك حول وجود تحالف خفي بين سعيد وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي لم يعارض انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، وانخرط في مهاجمة خصوم الرئيس.

فجملة القرارات التي اتخذها سعيد ليلة ذكرى اغتيال بلعيد ودعوته المواطنين للمشاركة في التظاهرات ورفع المنع الصحي عنها، اعتبر توظيفا للقضية من قبله في صراعه السياسي لتبرير قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء.

ومن تلك الخطوات دعوة حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد للتظاهر في الشارع مطالبين بنفس القرار، وتنظيم ندوة صحفية في 7 فبراير بثتها القناة الرسمية التونسية، توجهوا فيها بجملة من الاتهامات لحركة النهضة (إسلامية) ورئيسها راشد الغنوشي، وأيضا المجلس الأعلى للقضاء.

مجال مفتوح 

تجندت التلفزة الرسمية التونسية صباح 7 فبراير 2022، لبث الندوة الصحفية لهيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي والتي جاءت بعد يوم واحد من وقفة احتجاجية لهم أعلن فيها منظموها عن مساندة قرار سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء.

وسبق أن قررت وزارة الداخلية منع كل التجمعات والتظاهرات منذ 12 يناير/كانون الثاني 2022 بحجة الوقاية من انتشار فيروس كورونا.

وهي الحجة التي اعتمدت عليها الوزارة لقمع تظاهرات 14 يناير، والتي أسفرت عن سقوط قتيل وعشرات الجرحى والمعتقلين بعد استعمال قوات الأمن العنف الشديد في مواجهة المحتجين.

إلا أن تحرك حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد سبقه قرار من قيس سعيد بالسماح لهم بالتظاهر في الشارع إحياء لذكرى الاغتيال ومساندة لقراره بحل المجلس الأعلى للقضاء.

في العام 2013، هزت تونس، حادثتا اغتيال في 6 فبراير/شباط و25 يوليو/تموز، استهدفتا شكري بلعيد، ومحمد البراهمي.

الحادثة الأولى أدت إلى إسقاط حكومة النهضة الأولى برئاسة حمادي الجبالي والثانية أدخلت البلاد في أزمة سياسية عميقة كادت تؤدي إلى حرب أهلية لولا الوصول إلى تفاهمات خلال الحوار الوطني.

والتفاهمات المذكورة انتهت بتنازل حركة النهضة وحلفائها عن الحكم قبل انتخابات العام 2014 التي فاز بها حزب نداء تونس والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

ووجهت هيئة الدفاع اتهامات قالت إنها مبنية على معطيات "تثبت تورط راشد الغنوشي في قضايا تتعلق بغسل الأموال، فضلا عن تهمة التخابر مع جهات أجنبية والتجسس على السياسيين وعلى المسؤولين في الدولة".

من جهته، قال عضو هيئة الدفاع كثير بوعلاق خلال هذه الندوة الصحفية إن وكيل الدولة العام فتحي عروم رفض تنفيذ تعليمات وزيرة العدل ليلى الجفال، بالبحث في الملفين المذكورين، متهما رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر بأنه "وراء هذا الرفض".

كما علق الناصر العويني "عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين" خلال الندوة الصحفية نفسها ، على قرار المحكمة الإدارية إلغاء قرار إيقاف القاضي بشير العكرمي عن العمل، والذي اعتبره دليلا على تورط المجلس الأعلى للقضاء في التغطية عليه ومحاولات التستر وطمس الحقائق.

وبين أنه من غير المعقول أن يصدر خيرة القضاة التونسيين قرارا خاطئا إجرائيا وقانونيا يسمح للمحكمة الإدارية بالطعن فيه.

مشهد مكرر 

ليست المرة الأولى التي يجري توظيف ملف الاغتيالات في إطار الخصومة السياسية، وخاصة في استهداف حركة النهضة الحزب السياسي الأكبر في البلاد.

ففي العام 2018، تفجر خلاف عميق بين رئيس الجمهورية حينها الباجي قائد السبسي ورئيس حكومته يوسف الشاهد.

هذا الأخير ساندته حركة النهضة في صراعه للبقاء على رأس الحكومة لتحدث بذلك قطيعة بينها وبين السبسي.

صرح السبسي وقتها بأن حركة النهضة تهدده، وأنه لن يصمت، وأن القضاء هو الفيصل، مضيفا بطريقته الساخرة "خلا لك الجو فبيضي وفرخي، ولكن هذا لن يمر".

هذه الاتهامات جاءت بعد تبني السبسي حينها رواية تروجها هيئة الدفاع وحزب شكري بلعيد عن وجود تنظيم سري لحركة النهضة هو المسؤول عن حوادث الاغتيال السياسي التي حصلت في أثناء وجودها في الحكم بين العامين 2011 و2013.

وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، التقى وفد عن "هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي"، السبسي بطلب منه.

إذ طالبه أعضاؤها بسماع الهيئة من طرف مجلس الأمن القومي، وتكوين لجنة ظرفية برئاسة شخصية وطنية لدراسة اتهامات لحركة النهضة، وذلك إضافة لتولي المركز الوطني للاستخبارات تقديم تقارير للغرض بطلب من رئاسة الجمهورية.

ونسبت وزارة الداخلية الاغتيال إلى جماعة "أنصار الشريعة" التي صنفتها تونس والولايات المتحدة الأميركية في 2013 تنظيما "إرهابيا".

ومطلع فبراير/شباط 2014 قتلت الشرطة في عملية لمكافحة الإرهاب قرب العاصمة تونس، كمال القضقاضي الذي قالت وزارة الداخلية إنه نفذ عملية اغتيال بلعيد.

ارتباك الروايات

وفي ديسمبر/كانون الأول 2014 تبنى "سلفيون" تونسيون انضموا إلى تنظيم الدولة اغتيال كل من شكري بلعيد، والنائب المعارض في البرلمان محمد البراهمي الذي قتل بالرصاص أمام منزله في العاصمة تونس يوم 25 يوليو/تموز 2013.

ولا تزال أطوار محاكمة 24 متهما باغتيال بلعيد والبراهمي جارية منذ  العام 2015، في انتظار استصدار أحكام نهائية والبت في القضايا .

لكن الرواية الرسمية لوزارة الداخلية والملف المحال أمام القضاء لم يعتبر مقنعا لدى قيس سعيد، الذي أعاده إلى سطح الأحداث خلال هذه الفترة التي يخوض فيها صراعا محموما مع السلطة القضائية و معارضيه السياسيين.

وتغيب القضية عن التداول إعلاميا وسياسيا، إلا عند اللجوء إليها مثلما حصل منتصف فبراير 2022، رغبة من سعيد في تصفية أبرز خصومه السياسيين أي حركة النهضة وحلفائها في مشهد مشابه لما فعله نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي مطلع تسعينيات القرن الماضي.

هذه الاتهامات وجهتها مبادرة مواطنون ضد الانقلاب لقيس سعيد وحزب الوطنيين الديمقراطيين ومن ورائها هيئة الدفاع في بيان لها.

وقالت في البيان إن "الانقلابي المعزول حرك أذرعه من بقايا جلادي منظومة ابن علي الأمنية والتنظيمات السياسية للبوليس السياسي السابق (في إشارة لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد)".

وأضاف البيان في 9 فبراير 2022 أنه تأكد "الالتقاء الفعلي بين سلطة الأمر الواقع والأذرع المليشياوية، غير أن أخطر ما أعلنت عنه الندوة هو ما صرح به أعضاء الهيئة من حصولهم على معطيات استخباراتية عسكرية أمدتهم بها سلطة الانقلاب" حسب ادعائهم.

من جهته اعتبر المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم أن "الرئيس قيس سعيد يوظف هيئة الدفاع للضغط على حركة النهضة وشحن الرأي العام ضدها. لذلك وقع بث الندوة الصحفية الخاصة بهم على القناة العمومية".

وأكد سالم لـ"الاستقلال" بالقول "دائما يستغل سعيد أي مناسبة تمهيدا لقرار جديد، تماما مثلما حصل إثر التظاهرات يوم 25 يوليو وفيما بعدها في عدد من القرارات".

ولا يعتقد المحلل السياسي أن قيس سعيد يهدف إلى حل النهضة لأنه ببساطة ضد كل الأحزاب السياسية "وقال سابقا إنهم يجب أن يرحلوا جميعا دون تمييز بينهم".

واعتبر أن التركيز على حركة النهضة يرجع إلى أنها الحزب الأقوى والأكبر في البلاد، وربما أيضا لإلهاء الرأي العام بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

وأردف: "مسألة الاغتيالات السياسية لا يكشف عن مرتكبيها الحقيقيين في كل دول العالم، لكن تبقى مجالا للابتزاز السياسي والمتاجرة".

وكان قيس سعيد أعلن في 25 يوليو 2021، في خضم أزمة اجتماعية واقتصادية وبعد أشهر من الجمود السياسي في البلاد، إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان ومحاصرة مقري الحكومة والبرلمان بآليات عسكرية.

وبعد ذلك بشهرين، أصدر في 22 سبتمبر/أيلول أمرا رئاسيا قرر بمقتضاه تعطيل العمل بالدستور ومنح نفسه سلطة التشريع عبر مراسيم، وأعلن تمديد الإجراءات التي اتخذها "حتى إشعار آخر".