رغم الانقلاب وتعثر المسار.. لماذا تواصل "الحرية والتغيير" رفض الانتخابات بالسودان؟
الأزمة السياسية المستمرة في السودان، خلفت جدلا واسعا حول سبل الخروج منها، خاصة مع الإعلان عن مقترح وضع خارطة طريق لإجراء انتخابات في أسرع وقت، من أجل تجاوز العقبات والوصول إلى حل توافقي عبر صناديق الاقتراع، ينتج عنه "هيكل جديد" للسلطة.
لكن مقترح الانتخابات ترفضه بعض قوى المعارضة، على رأسها "الحرية والتغيير"، التيار الرئيس المغذي للثورة التي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير (1989-2019)، وساهمت في السلطة السابقة خلال بداية المرحلة الانتقالية.
رفض قاطع
وفي 3 فبراير/شباط 2022، أعلن ائتلاف "الحرية والتغيير" رفضه القاطع لقرارات مجلس الأمن والسلم الإفريقي التي من ضمنها إجراء انتخابات خلال عام، معللا ذلك بأنه "يمنح الشرعية للانقلاب العسكري".
ودخل مجلس الأمن والسلم الإفريقي على معرض الأزمة السودانية، محاولا حلحلة الموقف بطرح خطة انتقال للسلطة، أعلنها في 25 يناير/كانون الثاني 2022، وتتضمن بشكل أساس إجراء انتخابات تعقد خلال عام واحد، يسلم بعدها الحكم إلى هيئة منتخبة.
لكن ذلك الطرح تحطم أمام إصرار "الحرية والتغيير" رفض إجراء الانتخابات، عندما أعلن عدم ترحيبه بأي إجراءات مترتبة عليه، إضافة إلى إدانتهم ما وصفوها بمحاولات مجلس الأمن والسلم الإفريقي "منح الشرعية لانقلاب عسكري وفرض رؤاه على شعب حر".
يأتي ذلك في وقت قال قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال خطاب في 2 فبراير/شباط 2022، إن "القوات المسلحة وكل القوات النظامية والأطراف السياسية ملتزمة بعدم تسليم أمانة السلطة إلا لمن يأتي عبر الانتخابات أو التوافق السياسي".
وأضاف "نريد أن نسلم السلطة لمواطنين منتخبين من قبل الشعب لحكم السودان".
ومنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، يشهد السودان أزمة سياسية واحتجاجات رافضة لإجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية "انقلابا عسكريا"، في مقابل نفي الجيش.
أبعاد الرفض
ومنذ عزل البشير، رفضت قوى "الحرية والتغيير" والمعارضة كل أطروحات إجراء انتخابات تعجل بالمرحلة الانتقالية، وهو ما حدث في 4 يونيو/حزيران 2019، عندما أعلنت رفضها خطة المجلس العسكري إجراء انتخابات خلال تسعة أشهر، بعدما شهد السودان أسوأ أعمال عنف في البلاد منذ عزل البشير.
وقتها أعلن البرهان خارطة طريق لإقامة انتخابات، لكن تحالف المعارضة رفضها، ووصل الأمر للدعوة إلى عصيان مدني مستمر بهدف إسقاط المجلس العسكري.
وفي 11 فبراير/شباط 2022، تحدث "حزب الأمة القومي" (أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم السابق)، عن "ضرورة تهيئة مناخ صحي وبناء الثقة لأي عملية سياسية لإخراج البلاد من أزمتها الحالية".
وقالت نائب رئيس الحزب، مريم المهدي، عقب لقاء مع القائمة بأعمال سفارة واشنطن بالخرطوم، لوسي تاملين، والملحق السياسي بالسفارة جاستن وليامسون، إن "الانتخابات الحرة والنزيهة لديها استحقاقات سياسية وإدارية تتطلب الوقت الكافي، وأن علاقات السودان مع الدول يجب أن تقوم على الشفافية والمصالح المشتركة".
مشروع غائب
ومع ذلك فإن حالة الرفض المستمرة لإجراء انتخابات من قبل قوى الحرية والتغيير، يراها بعض الكتاب والخبراء، أنها تعرقل تجاوز المرحلة الانتقالية المتعثرة، وتؤطر لاشتباك طويل الأمد مع العسكر وبقية القوى والتيارات السياسية الأخرى.
وقال السياسي زين العابدين صالح عبدالرحمن، عبر صحيفة "الراكوبة" المحلية في 26 يناير/كانون الثاني 2022، إن "الأزمات التي بدأت تتوالد منذ سقوط رأس نظام الإنقاذ حتى اليوم، أحد أسبابها الرئيس أنه لم يكن هناك مشروع سياسي متفق عليه من قبل كل القوى".
واعتبر أن "عدم صياغة مشروع (مثل الانتخابات) من قبل أي حزب سواء كان صغيرا أو كبيرا حديثا أو تاريخيا لكي يقدم للحوار السياسي والمجتمعي، يؤكد حالة الفقر الفكري التي تعيشها المؤسسات الحزبية".
ولكن بعض السياسيين كان لهم رأي آخر، منهم، أمجد فريد الطيب، الذي كتب عبر صحيفة "القدس العربي" في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، أنه "كان من الممكن استعادة الثقة في الحكومة (أو جزء منها على الأقل) إذ كان لدى رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك القدرة على اتخاذ قرارات تعكس التزامه بالتحول الديمقراطي واستعادة مسار الانتقال".
وقال الطيب: "لكن على العكس من ذلك، أطلق حمدوك حملة علاقات عامة للتبرير، متبنيا نفس خطاب الانقلابيين حول استبعاد القوى السياسية من المشهد، واعتماد الدعوة لإجراء انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية التي انتهت عمليا بانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022".
وتابع: "انتهى التحول الديمقراطي، الذي تعثر منذ أغسطس/آب 2019، عمليا بانقلاب عسكري، هذه الحقيقة التي لا يمكن وينبغي عدم تجاهلهاـ والآن يحتاج السودان إلى عملية سياسية شاملة جديدة لاستعادة تحقيق تطلعات الثورة الشعبية".
خارطة فاشلة
وقال عضو الجمعية القومية السودانية، مجدي حليم، إن "خارطة المرحلة الانتقالية لدى قوى الحرية والتغيير لم تكن واضحة إلا في مخيلتهم، ولم يعلمها الشعب، ولم يلمس التغيير الحقيقي المنشود في مرحلة ما بعد البشير، التي كان رجاء جميع القوى السياسية فيها مشاركة فعالة، وبداية عهد جديد قائم على المشاركة لا المغالبة".
وأضاف حليم في حديث لـ"الاستقلال" أنه "منذ الأشهر الأولى بعد غياب دولة البشير، كان النداء العام لإقامة انتخابات حرة، نضمن عن طريقها انتقالا سلسا للسلطة، وتجنب الدخول في الصراعات التفصيلية التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الدماء وتفاقم للأزمة، خاصة في ظل وضع مضطرب".
وأشار إلى "انتشار للحركات المسلحة واختلافات في بنية القوات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بينما على الجانب الآخر كانت تتم مطاردة رجل الاستخبارات، صلاح قوش، الذي يثير القلاقل هو والكيزان (لفظ كان يطلق على أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم)، وهو ما كان ينذر بانفجار غير مأمون العواقب".
وذكر حليم أن "قوى الحرية والتغيير، وحكومتها المنبثقة بقيادة حمدوك، لم تستوعب ذلك الواقع الصعب، وبدلا من ضمان إقامة عملية ديمقراطية انتقالية، وسعوا من قاعدة الخلاف والاشتباك مع مخالفيهم ونظرائهم، ولا أقصد هنا العسكريين، بل الخلافات داخل كيان الحرية والتغيير نفسه، ثم الصراع مع الفصائل الأخرى من إسلاميين وقوميين".
واستطرد أن "ذلك خلق حالة عدائية عامة ضدهم، وأدخل السودان في طريق تسريع الانقلابات العسكرية، وتحطيم كل أمل مستقبلي للديمقراطية".
وشدد السياسي السوداني على أنه "لو جعلت الحكومة ومن ورائها الحرية والتغيير اهتمامها منصبا على تسريع عملية الانتقال السلطوي، لتجنبنا كل ما يحدث حاليا، ولكنهم أرادوا وضع أجندة تجعل وجودهم في السلطة وقيادتهم للبلاد أمرا حتميا ومضمونا".
ودعا حليم جميع القوى والفصائل السياسية لـ"النظر بواقعية للأزمة، لأن الحل الوحيد الذي يجنب السودان الصراع وإراقة الدم هو إقامة انتخابات شاملة أمام أعين العالم تفرز هيكلا جديدا للسلطة، بتوافق ومعبر عن جميع الفصائل والتيارات، مع انسحاب الجيش بالكامل والعودة إلى الثكنات والتفرغ لحل أزمة الحركات المسلحة ومناطق النزاع في الشرق والغرب".