بانشقاق تجمع القوى المدنية.. هل انفرط عقد "الحرية والتغيير" في السودان؟

أحمد يحيى | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل تواصل المظاهرات المطالبة بحكم مدني والرجوع عن القرارات الانقلابية في السودان، اندلعت أزمة في صفوف قوى "الحرية والتغيير"، كبرى قادة الحراك الشعبي، بانشقاق "تجمع القوى المدنية"، ما ينذر بتفكك هذا الكيان المدني الذي تأسس في بداية الثورة عام 2019.

وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2022، صدم التجمع (يضم كيانات ومنظمات مدنية)، الرأي العام السوداني، بإعلانه الانفصال عن قوى الحرية والتغيير، الائتلاف الحاكم سابقا، رغم تواصل الصراع الدائر مع قادة الانقلاب العسكري بالبلاد. 

وتتشكل قوى الحرية والتغيير من عدة أحزاب وتحالفات سياسية قادت الاحتجاجات التي أطاحت بحكم الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019، لكن التحالف الواسع الطيف يتعرض منذ مدة لانشقاقات.

ومع إعلان تجمع القوى المدنية، يبرز فصل آخر من الانشقاقات، فلماذا اندلع في هذا التوقيت؟ وما تأثيراته المتوقعة؟ وهل يكون بداية نهاية حركة التغيير الحالية في السودان؟

إعلان الخروج 

في بيان انشقاقه، قال التجمع إنه "بناء على تقييم أداء للتجمع المدني، وتباين المواقف مع قوى إعلان الحرية والتغيير، واتساقا مع الدور الذي يود التجمع القيام به، خلص إلى الخروج عن الحرية والتغيير".

وأضاف أننا "نسعى وبكل طاقتنا مع القوى المقاومة المختلفة لإسقاط الانقلاب، وهذه المهمة تتطلب قدرا أكبر من الاستقلالية، وحرية الحركة انطلاقا من موقعنا المستقل".

وتابع: "كنا قد نبهنا إلى الأخطاء التي حدثت خلال الفترة الماضية داخل قوى إعلان الحرية ومنها بروز تكتلات داخلية، تسيطر على العمل فيه، ما أدى إلى إضعاف مشاركة القوى الأخرى".

وانضم التجمع إلى الجبهة التأسيسية لقوى الحرية والتغيير في 3 يناير 2019، وأعلن آنذاك في بيان اصطفافه مع الجبهة، من أجل تعميق أهداف انتفاضة الشعب السوداني، لإنجاز التغيير الجذري، والانتقال السلمي نحو السلام والديمقراطية والعدالة الاقتصادية.

وبعد سلسلة من الإخفاقات والاضطرابات التي ضربت العملية السياسية، أكد التجمع أن تحالف الحرية والتغيير لم يحقق مآربه المتفق عليها. حسب البيان. 

 

وتم تدشين قوى إعلان الحرية والتغير في يناير 2019، وضمت في بنيتها خمسة أطراف مؤسسة، تجمع المهنيين، والجبهة الثورية، وتحالف قوى الإجماع الوطني وكذا التجمع الاتحادي المعارض، إضافة إلى تجمع القوى المدنية. 

وفي أغسطس/ آب 2019، وقع المجلس العسكري وقوى "إعلان الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم)، وثيقتي "الإعلان الدستوري" و"الإعلان السياسي"، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية.

وهو ما بني عليه تشكيل الحكومة التي قادها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، قبل أن يعلن استقالته في 2 يناير 2022، على خلفية الوضع المتوتر الراهن.

ويشهد السودان، منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، احتجاجات رافضة لإجراءات استثنائية اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وهو ما تعتبره قوى سياسية "انقلابا عسكريا".

وعلى إثر ذلك، بدأ حراك شعبي كبير مستمر منذ ذلك التاريخ، للمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة لحكم مدني.

انقسامات سابقة 

بداية الانقسامات التي شهدها كيان الحرية والتغيير كانت في 25 يوليو/ تموز 2020، حين أعلن تجمع المهنيين السودانيين سحب اعترافه بكل الهياكل القائمة لتحالف الحرية والتغيير، اعتراضا على أداء الحكومة الانتقالية.

وفي بيان بتاريخ 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، شن تجمع المهنيين هجوما على ما أسماه "شراكة الدم المعطوبة التي هدفت لوأد حركة التغيير الجذري في مهدها وإعادة إنتاج النظام المباد بواجهة مشذبة".

وأضاف أن "الحصيلة سيطرة جنرالات اللجنة الأمنية لنظام البشير على الموارد والسلاح وكل الملفات، وسياسات اقتصادية كسيحة معادية للعاملين والمنتجين وتزيد من رهق الكادحين".

كما انتقد تجمع المهنيين اتفاق السلام الموقع بين حكومة الحرية والتغيير والحركات المسلحة واصفا إياه بـ"سلام مشوه مقاصده مسارات توزيع الغنائم والمناصب والمحاصصات، فاقم الأزمة السودانية وفجر بؤر النزاع الجهوي والقبلي".

ووصل الانقسام بين مكونات قوى الحرية والتغيير ذروته مع بدء اعتصام في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أمام القصر الرئاسي للمطالبة بحل الحكومة مع الإبقاء على رئيسها حمدوك.

وتبنت مجموعة منشقة من قوى الحرية والتغيير احتجاجات القصر الرئاسي، ورأت أن بعض الوزراء لا يمثلون أطياف الحرية والتغيير، ويجب تشكيل حكومة جديدة تمثل المكونات المختلفة.

ووصف حمدوك، حينذاك، الأزمة بأنها الأكثر خطورة الي تواجه الحرية والتغيير والحكومة الانتقالية، ودعا الأطراف إلى الوحدة حتى لا تنجر البلاد إلى الفوضى.

وهو ما لم يتحقق، ووقع انقلاب على حكومة الحرية والتغيير الانتقالية من قبل قيادة المكون العسكري بالسلطة الانتقالية، عبدالفتاح البرهان، ما أعاد البلاد إلى نقطة الصفر، وفق مراقبين.

أجندات متباينة 

وتعقيبا على الانشقاقات، يقول السياسي السوداني الدكتور عمر الخضر إن "كثرة الإخفاقات والخسائر، والضبابية المستمرة في وضع الخطط وتنفيذها، تقود الكيانات والتجمعات السياسية إلى الانشقاق ثم النهاية الحتمية".

ويضيف لـ"الاستقلال": "وهو ما ينطبق على قوى الحرية والتغيير، التي هي في الأساس تجمع واسع للحركات والأحزاب التي شاركت في الثورة السودانية وأطاحت بالبشير، بداية من تجمع المهنيين إلى الحزب الشيوعي وحزب الأمة، وكذلك تجمع القوى المدنية الذي خرج لتوه من الكيان في توقيت صعب وفارق". 

ويتابع: "كانت قيادة حكومة الحرية والتغيير للمرحلة الانتقالية شديدة الارتباك، ودخلت في خلافات كبيرة فيما بينها، ومع المكونات الشعبية، وأخفقت في تحقيق مصالح المواطنين وتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، ولم تسع إلى انتخابات أو تغييرات هيكلية".

وبالتالي اكتسبت عدائية شديدة، وارتأت بعض القوى بداخلها ضرورة الانسحاب منها، خاصة في ظل الوضعية الحالية وانسداد الأفق السياسي بعد الانقلاب العسكري، يوضح الخضر. 

وذكر أن "الحرية والتغيير واليساريين السودانيين لم يتعلموا شيئا من التاريخ، ولا أحداث الشجرة، ولا انقلاب إبراهيم عبود، ولا انقلاب 1971، حيث كان فرع الحزب الشيوعي في الخرطوم والسودان هو الأكبر على المستوى العربي، حتى تم سحقه على يد جعفر النميري وضباطه، وعلقوهم على أعواد المشانق". 

واستطرد: "لولا وجود قوى دولية وإقليمية عملت على حماية أفراد الحكومة السابقة لرأينا مشاهد متشابهة، لكن الأزمة الأخطر هو دخولهم في إشكاليات مع الشارع السوداني نفسه مع قوى سياسية أخرى مثل الإسلاميين وبعض القوميين". 

وأكد الخبير السياسي أنه "على من يعمل في السودان خلال المرحلة القائمة أن يتجاوز الأحادية والأجندات الضيقة، لأن من المستحيل استيعاب مكونات السودان كبلد ضخم ومتعدد الطوائف والأعراق والحركات السياسية والدينية في مكون واحد أو تحت يد سلطة واحدة، حتى البشير بجيشه وقوته وحكمه الطويل لم يستطع أن يفعلها". 

وأردف: "أتوقع بهذا الانشقاق أن تكون بداية النهاية الحقيقية للحرية والتغيير بتكويناته القديمة، حيث سيذوب الجسد في كيانات أصغر، وفصائل متباينة ومتفرقة".