دمج "قوات حميدتي" وجيش السودان يثير جدلا.. هل ينجح البرهان في تحقيق أهدافه؟
قرار القائد العام للقوات المسلحة في السودان عبدالفتاح البرهان، بتوحيد الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تحت لواء "مجلس أعلى" جديد، أثار جدلا واسعا وتساؤلات بشأن أسبابه وجدواه.
يأتي هذا في ظل عملية سياسية متأزمة في السودان، لا سيما أن القرار غير مسبوق منذ تأسيس مؤسسة العسكر في البلاد.
وللجيش السوداني تاريخ طويل في الحياة السياسية والاجتماعية على غرار معظم جيوش الشرق الأوسط، تاريخ من الانقلابات والتدخلات لقلب الموازين في قصور الحكم.
قرار "معيب"
وفي 15 يناير/كانون الثاني 2022، وصفت صحيفة "الراكوبة" السودانية قرار البرهان، بتشكيل مجلس أعلى للجيش تحت قيادته، بأنه "استلهام للنموذج المصري، ومستوحى منه ومن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي الذي قام بانقلاب عسكري على الحكم المدني عام 2013".
فيما كشفت صحيفة "مونتي كاروو" السودانية، أن الوحدات العسكرية داخل العاصمة الخرطوم، شهدت مع نهاية دوام 13 يناير/كانون الثاني 2022، توزيع قرار البرهان، للقادة المتواجدين، على شكل مظروف كتب عليه "سري وشخصي، لا يفتح إلا بواسطته".
وشمل المرسوم، تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة البرهان، وعضوية العسكريين داخل مجلس السيادة بمن فيهم نائبه "حميدتي"، إضافة إلى رئيس هيئة الأركان ونوابه وقادة المناطق العسكرية بصفتهم الرسمية، وعبد الرحيم دقلو باعتباره قائد الدعم السريع بالإنابة.
وأرجعت الصحف السودانية دوافع اتخاذ ذلك القرار إلى مجموعة من الأسباب، أهمها ما أوردته "مونتي كاروو" التي تحدثت عن "تنامي حالة السخط والتململ وسط ضباط الجيش".
وقالت الصحيفة إن "البرهان يرتكب خطأ قاتلا إن ظن أن هذا المجلس الأعلى سيكون بمثابة درع يحميه من انقلاب صغار الضباط، لأن تشكيل المجالس بالفرمانات الفوقية لم يمنع (الرئيسين السابقين) جعفر النميري وعمر البشير، و(الزعيم الليبي، معمر) القذافي من السقوط".
ووصفت القرار بـ"المعيب" لأنه "يستحدث جسما تنظيميا لا وجود ولا سابقة له في التجربة السودانية، حيث هناك هياكل المؤسسة التقليدية ومجلس الأمن والدفاع الوطني".
بينما ذكرت صحيفة "الأخبار" المحلية، أن القرار "جعل وجود قادة قوات الدعم السريع التي لم يتم دمجها في الجيش، لها وضعية شبه مستقلة عن القوات المسلحة".
واعتبرت أن "كل هذا سيجعل من القرار مجرد حبر على ورق لا يعالج مشكلة المؤسسة العسكرية، التي تعاني من أزمة وجودية في هذا الوقت تجر خلفها البلاد إلى المجهول، في ظل قيادة فقدت الرؤية والبوصلة".
لاعب رئيس
قرارات البرهان الأخيرة، رسالته أن الجيش هو اللاعب الرئيسي في العملية السياسية بشكل مستمر، وأنه رغم الانقلابات القديمة التي دعمتها الأحزاب، لكن في النهاية من يقوم بها الضباط، وهو ما يرسخ أن "الجيش السوداني مؤسسة سياسية بامتياز، تمارس السياسة والتحليل وموازنة المصالح وتحدد شبكات القوة في كل ما يتعلق بها"، وفق محللين.
وبدأ تكوين القوات المسلحة السودانية عام 1925، وشاركت وحدات منها في الحرب العالمية الثانية (1945-1939)، ولها عقيدة قتالية كسائر جيوش المنطقة، تقوم على أساس الدفاع عن الوطن والحفاظ على سيادته، وحماية النظام الحاكم، فضلا عن انضباط عسكري صارم.
ويبلغ سن التجنيد بالخدمة العسكرية 18 عاما، ويضم الجيش 189 ألف جندي بينهم 105 آلاف في قوات الاحتياط، ويمتلك 191 طائرة حربية و410 دبابات و403 مركبات قتالية مدرعة و20 منصة صواريخ تجعله في المرتبة 69 بين أقوى جيوش العالم والمرتبة الثامنة على مستوى إفريقيا.
وسبق أن خاض الجيش السوداني معارك لمدة تزيد على 50 عاما في الحرب الأهلية بجنوب السودان من أغسطس/آب 1955 حتى عام 2005 التي انتهت بتوقيع اتفاقية "نيفاشا" للسلام.
ولعل من أبرز أسباب إقدام البرهان على تشكيل مجلس أعلى للجيش، هو حل إشكالية تموضع "الدعم السريع" في العملية السياسية والأمنية، حيث تأسست هذه القوات في 2013 كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات.
لكن لا توجد تقديرات رسمية لعددها، إلا أن المؤكد أنها تتجاوز عشرات الآلاف، فيما ذكرت وكالة الأناضول" التركية الرسمية، أنهم يصلون إلى نحو 40 ألفا مجهزين بعتاد متوسط وثقيل.
وفي يناير/كانون الثاني 2017، خلال عهد عمر البشير (1989 - 2019)، أجاز البرلمان، قانونا بشأن هذه القوات المثيرة للجدل يجعلها تابعة للجيش.
وبعد سقوط البشير، سعى قادة المرحلة الانتقالية سواء العسكريين أو المدنيين إلى إعادة هيكلة تلك القوات وتنظيمها، كأحد مهام السلطة، لكنهم اصطدموا بقوة قائدها "حميدتي"، الذي رفض كل تلك المحاولات وصعد من موقفه، وهذا ما يجعل انخراطه في "الهيئة العسكرية الجديدة" محل شك.
وكما قال سابقا المفكر السوداني، عبد الله علي إبراهيم، إن "الجيش هو الفيل داخل غرفة السياسة السودانية"، وهي عبارة مقصدها أنه المتحكم الرئيس في دواليب الدولة من وراء الستار.
مهام معقدة
وقال الصحفي والباحث السوداني، محمد نصر، إن "التحديات الداخلية والخارجية هي التي دفعت البرهان إلى خطوة تشكيل مجلس أعلى للجيش يستطيع من خلاله توحيد القوى المسلحة أو السيطرة عليها في أقل التقديرات، فتشرذم الجيش وتسييسه ليس في مصلحة السودان ولا الشعب".
وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال" أنه "ليس من المستبعد إطلاقا أنه استوحى الفكرة من قيادة النظام المصري والسيسي، خاصة وأن رئيس جهاز المخابرات العامة، عباس كامل، دائم التواجد والحضور في السودان هو ورجالاته، والتنسيقات بين الجانبين على أعلى مستوى، ويمكن أوحى له بتركيبة الجيش المصري".
حتى إن "إجراءات البرهان" (الانقلاب) التي اتخذها في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ومنها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، كان الجانب المصري مطلع عليها ومشارك في التخطيط لها بوضوح، وهو ما كشفته وسائل إعلام وقيادات في الحكومة السابقة.
ونبه نصر إلى "تشكيل مجلس أعلى للجيش تتجاوز مهمته الحالة القائمة إلى مهام أكثر تعقيدا في ظل منطقة مضطربة، أهمها الحدود السودانية مع ليبيا، وضبط مسألة تهريب السلاح والاتجار بالبشر، مع خشية اندلاع موجة قتال أخرى في الداخل الليبي".
وأيضا، الحرب الأهلية في إثيوبيا واحتمالية اندلاع نزاع موسع يشمل القرن الإفريقي بأكمله وتدخل دول على غرار إريتريا والصومال، لذلك فإن "ضبط الأوضاع في السودان مقدم وذو أولوية للقوى الدولية".
واعتبر الباحث السوداني أن "الحل الأمثل لقيام جمهورية بنظام جديد، هو وجود قوة موحدة، وبما أن قوى إعلان الحرية والتغيير (التحالف الحاكم سابقا) فشلوا في تلك الجزئية وانقسموا، ومع عدم وجود قوة مجتمعية قادرة على التوحد وقيادة المنظومة، فإن البرهان أرسل رسالة مفادها نحن الأقدر على الوحدة والقيادة".
واستدرك نصر قائلا: "مع ذلك يجب عدم إغفال أن إخضاع الدعم السريع بقيادة حميدتي، أو بقية الحركات المسلحة، وأن هناك صفقات عقدت لتمرير الوضع، لكن من الممكن الإخفاق والعودة إلى مربع الصفر في أي وقت".