مظاهرات الذكرى الـ11 للثورة.. كيف فضحت نظام قيس سعيد في تونس؟
11 عاما مرت على نجاح الثورة التونسية وإجبار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي على مغادرة البلاد، وسقوط نظام ديكتاتوري استمر أكثر من 23 عاما حكم البلاد بقبضة قمعية قيدت حريات التونسيين.
إلا أن احتفالات هذا العام جاءت في ظروف مختلفة تماما عن السنوات العشر السابقة، حيث شهدت العاصمة انتشارا كثيفا لقوات الأمن وإغلاقا تاما لكل الطرق المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة منذ الصباح الباكر.
ورغم القرار الذي اتخذ قبل أيام من إحياء ذكرى 14 يناير/كانون الثاني بمنع جميع أشكال التظاهرات والتجمعات، وإلغاء اعتباره عيدا وطنيا، فإن الآلاف من المواطنين استجابوا لدعوات الأحزاب السياسية والمنظمات والمبادرات للاحتفال بذكرى الثورة.
كما احتج هؤلاء على قرارات الرئيس قيس سعيد "الاستثنائية" التي يصفونها بـ "الانقلابية"، والتي بدأت في 25 يوليو/تموز بتعطيل عمل البرلمان وإقالة حكومة هشام المشيشي قبل تعيينه حكومة أخرى.
قمع عنيف
هذه الاستجابة الواسعة قوبلت بقمع أمني غير مسبوق، في مشهد ذكر التونسيين بآخر أيام نظام زين العابدين بن علي.
أسفر ذلك عن عدد كبير من الإصابات بعد استعمال قوات الأمن للغاز المسيل للدموع والهراوات وخراطيم المياه لتفريقهم بالإضافة إلى استعمال الدراجات النارية في محاولات دهس المواطنين وترهيبهم.
ما شهدته العاصمة تونس، قوبل بانتقادات حقوقية محلية ودولية واسعة، واستنكار من قبل أحزاب المعارضة التي اعتبرت أن ما حصل كشف "الوجه الحقيقي للانقلاب" أمام التونسيين والعالم.
في تصريح له بتاريخ 12 يناير 2022، قال والي تونس الجديد كمال الفقي الذي عينه قيس سعيد قبل أيام في موجة تعيينات لشخصيات مقربة منه في مناصب مهمة، إنه لم يتوصل بأي طلب ترخيص فيما يتعلق بالتظاهرات "غير الضرورية".
تصريحات والي تونس استبقت قرارات حكومية بفرض حظر للتجوال من الساعة العاشرة ليلا إلى الخامسة صباحا ومنع جميع أشكال التجمعات أو المظاهرات في داخل القاعات أو خارجها.
وهو ما اعتبره المعارضون استهدافا مباشرا لدعوتهم للتظاهر في شارع الحبيب بورقيبة.
وقالت رئاسة الحكومة إن "القرارات المتخذة تأتي لمجابهة التطورات المحتملة لفيروس كورونا، واستئناسا بتوصيات اللجنة العلمية (حكومية) الصادرة بتاريخ 9 و11 يناير".
قال جوهر بن مبارك الناشط السياسي وممثل مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" خلال ندوة صحفية في 13 يناير إن قرارات وتوصيات اللجنة العلمية "سياسية".
واعتبر أن اتخاذ قرار منع التظاهرات قبل يوم من دعوة عدد من القوى المعارضة للقرارات الرئاسية المتخذة في 25 يوليو وما بعده، أكبر دليل على تسيس اللجنة.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، أكدت شيماء عيسى الناشطة السياسية والقيادية في مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" أنه منذ وصولها برفقة قيادات المبادرة حوصروا بمجموعة أمنية ومنعوا من التحرك في أي اتجاه وضيق عليهم بحجة منع التجمعات.
وأضافت عيسى أن ما حصل استمر في مختلف الشوارع التي اتجهوا إليها مما اضطرهم للتشتت حتى الوصول إلى شارع محمد الخامس الذي فرضت فيه قوات الأمن طوقا مشددا لمنع وصول المتظاهرين.
وفي بلاغ لها يوم 15 يناير، أكدت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب (مستقلة) إفراط قوات الأمن في استخدام القوة ضد المتظاهرين والإمعان في إهانة وتعنيف الموقوفين حتى بعد السيطرة عليهم وتقييد حركتهم.
بالإضافة إلى استخدام القنابل المسيلة للدموع والمفرقعات الصوتية وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين.
كما سجلت الهيئة وجود اختراق صفوف المتظاهرين بواسطة الدراجات النارية والسيارات الأمنية مما أسفر عن بعض الإصابات التي استدعت تدخل الحماية المدنية.
كما وقع التضييق من قبل بعض الأمنيين غير المؤطرين على أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب أثناء أدائهم لواجبهم المهني، رغم حملهم الشارات المهنية وارتدائهم صدريات مميزة وظاهرة للعيان.
بلا تفريق
من جهتها أكدت النقابة الوطنية للصحفيين في تقرير لها يوم 14 يناير، تعرض الإعلاميين والمصورين إلى اعتداءات خطيرة وغير مسبوقة من قبل القوات الأمنية بشارع الحبيب بورقيبة خلال تغطيتهم للاحتجاجات بالعاصمة تونس.
وقد سجلت وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أكثر من 20 اعتداء.
إذ استهدفت قوات الأمن الصحفيين بعنف شديد خلال تصديها لمحاولة المحتجين دخول شارع الحبيب بورقيبة.
وجرى استهدافهم رغم ارتدائهم صدرياتهم الزرقاء وتأكيدهم خلال الاعتداء عليهم على صفتهم الصحفية.
وطالت الإيقافات 4 صحفيين ومصورين خلال عملهم بسبب تصويرهم التعاطي الأمني مع المحتجين وعمليات الإيقاف التي استهدفت المحتجين المنتمين لمختلف الأطراف المحتجة.
ما كان لافتا في 14 يناير أن الصورة خرجت مشابهة جدا لما حصل قبل 11 عاما في نفس الشوارع.
فالقمع الأمني لم يفرق مرة أخرى بين مختلف القوى السياسية والتنظيمات والانتماءات الفكرية والأيديولوجية.
إذ إن المسيرة التي دعت لها الأحزاب الديمقراطية (التيار، التكتل، الحزب الجمهوري) تعرضت إلى قمع شديد وعمليات دهس بالدراجات النارية.
كما تعرض الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي إلى الاعتداء بالعنف والاختناق بعد أن جرى رشه مباشرة بالغاز المسيل للدموع وهو ما وثقته عدد من وسائل الإعلام.
وكذلك جرى الاعتداء على القيادي في حزب التيار نبيل الحاجي، وظهر في أحد المقاطع المصورة وهو يتعرض لهجوم بالكلام البذيء من قبل أحد العناصر الأمنية.
وبحسب بلاغ صادر عن الأحزاب الثلاثة، فقد اعتقل 7 من المنتمين إليها لم يجر إطلاقهم إلا في ساعة متأخرة من مساء نفس اليوم.
نفس ما حصل مع الأحزاب الديمقراطية تكرر في المسيرة التي قادها عدد من المحامين، حيث اعتقل العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني وسحلت المحامية نوال التومي التي تعرضت إلى إصابات استوجبت نقلها إلى أحد مستشفيات العاصمة.
وفي حديث لـ"الاستقلال"، أكد عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري عيسى الخضري بالقول: "كنت في مسيرة الأحزاب الديمقراطية في شارع باريس ورفعنا شعارات مناهضة للانقلاب على حركة النهضة ثم قررنا أن ندخل لشارع الثورة عبر شارع جون جوراس".
وأردف: "ما إن وصلنا وجدنا البوليس يطارد المتظاهرين من شارع محمد الخامس (مسيرة النهضة) رفعنا نفس الشعارات وانهال علينا الأمن بالضرب فأصيب عصام الشابي بكسر واعتقل العديد من شبابنا".
وواصل: "كما تعرض غازي الشواشي للرش بالغاز المسيل للدموع، في شارع جون جوراس حيث كان الأمن يقمع الجميع القادم من شارعي باريس ومحمد الخامس".
وخلص إلى أن "هذه الأحداث التي كنت شاهد عيان حولها كافية لتجيب على سؤال كيف وحد القمع القوى السياسية".
ويعتقد الخضري أن "وزارة الداخلية لا تقيم ولا تراجع التعاطي الأمني مع جيل الشباب وتظن أن القمع يرهبنا، لكن كل هذه التحركات تزيد حجم التعاطف مع مطالبنا".
ورأى هنا أن ما حصل يشجع الذين ما زالوا على الحياد للنزول للشارع لأنهم اعتقدوا أن قيس سعيد لن يكون ديكتاتورا وأنه لن يكون هناك عودة إلى مربع القمع.
وبين أن "التونسي دائما ما كان يحلم بالحرية واليوم بعد 2011 نالها ولن يتخلى عنها، والتاريخ يكذب سردية أن التونسي يرضى بالقمع مقابل الخبز، لا تصدقوا البروفايلات المزورة وهاشتاغات الشعب معاك".
وأكد القيادي الشاب في الحزب الجمهوري "بعد القمع والإيقافات، التنسيق غير المباشر بين الأطراف الرافضة للانقلاب سيصير علنيا ومباشرا".
وتابع: "الرئيس يريد العودة بنا إلى ما قبل 17 ديسمبر/كانون الثاني 2010، لأن مشروعه هو إنهاء المسار الديمقراطي".