بقدوم أخنوش.. لماذا اختفت انتقادات الإعلام المعتادة ضد حكومات المغرب؟
بشكل واضح، اختفت المقالات والأخبار المنتقدة للعمل الحكومي من مختلف وسائل الإعلام في المغرب، منذ تعيين حكومة عزيز أخنوش في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ونهاية فترة حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي لولايتين استمرت 10 سنوات.
ويرى مراقبون أن المقاربة الإعلامية في تغطية الشأن السياسي، بدت واضحة للعيان أنها تختلف إزاء حكومة أخنوش، التي يكاد تغيب الانتقادات الموجهة لها، مقابل "ضخ احتفائي" لأي مشاريع أو برامج لها، رغم أنها ما تزال على الورق.
واعتبروا أن هذا التوجه الجديد خلقته "الماكينة المالية" لاستقطاب معظم المؤسسات الإعلامية الخاصة بـ"الإعلانات"، وبقية وسائل الإعلام تابعة في الأصل لأخنوش وكانت تستعد لهذا المرحلة منذ فترة طويلة، حيث ساهمت في الترويج له وحماية مصالحه الاقتصادية الضخمة.
فقدان المصداقية
وخلال الفترة الأخيرة، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات ومقاطع فيديو تنبه إلى خطورة تراجع الإعلام عن دوره في تناول قضايا سياسية واجتماعية أثارت غضب الشارع المغربي خلال الولاية الحالية للحكومة الجديدة.
وقال مدون يدعى "زكريا" على "فيسبوك" في 4 يناير/ كانون الثاني 2022 إن "الحملات الإعلامية التي كانت توجه ضد (رئيسي الحكومة السابقتين) عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني لم نعد نشاهد مثلها ضد أخنوش! إلى درجة أصبح الإعلام في سلام ووئام تام مع رئيس الحكومة الجديد!!".
وتساءل: "هل أخنوش أفضل من سابقيه؟، هل أخنوش حقق إنجازات عظيمة لدرجة أن ينشغل الإعلام بالتفاهات ويصمت عن سياسة أخنوش؟!".
وفي تعليق على هذا التحول، أشار الباحث في الإعلام والاتصال، إبراهيم الشعبي، إلى أن "أخنوش ليس لديه فقط مال الإعلانات، بل صاحب مجموعات إعلامية، ومساهم أيضا في تمويل أخرى، وبالتالي هو حاضر في معظم وسائل الإعلام، وهذا ما يجعله في منأى من النقد والمحاسبة".
واستدرك قائلا: "رغم المال والحضور الإعلامي، لكن البدايات المتعثرة للحكومة الحالية كانت جميعها فاشلة في عدة مناحٍ تهم المواطن، ورغم أمواله فهناك انتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي، وجزء من وسائل الإعلام الخاص، طبعا لا أتحدث عن الإعلام الرسمي أو المستفيد من مال أخنوش، أو الخاص المتخصص في التشهير".
وشدد الشعبي، وهو رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان، في حديث لـ"الاستقلال" على أن "الرأسمال الأساسي للصحفي هو المصداقية، وعندما لا يقوم بدوره في الإخبار والنقد والتحقيقات الصحفية في قضايا الفساد كالمحروقات وغيرها، يفقد مصداقيته".
ويملك أخنوش إحدى أكبر محطات توزيع المحروقات حيث أطلق نشطاء بمنصات التواصل الاجتماعي منذ 2018، حملة مقاطعة لها، احتجاجا على الارتفاع الكبير لأسعارها.
ولفت الشعبي، إلى أن "المواطن بدأ يفر ويهاجر من رحاب هذه الصحافة التي لا تقوم بدورها الأساسي مع الأسف، إلى فضاءات أخرى خاصة الفضاء الأزرق (فيسبوك)، حتى يتابع كل ما ينشر في هذه المنصات، وبالتالي نلاحظ أن عدد المتابعين في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي أكبر بكثير ممن يتابع الصحف الورقية والإلكترونية".
أدوار تضليلية
وفي دراسة أجراها موقع "لوديسك" المغربي الخاص بشراكة مع منظمة "مراسلون بلا حدود" (مقرها فرنسا)، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 كشفت على أن الدولة المغربية والمقربين منا أهم المالكين لوسائل الإعلام.
ومن بين أهم التساؤلات التي تثيرها الدراسة، هو حرص وجوه من عالم الاقتصاد والمال على الاستثمار في الصحف التي لا تحقق أرباحا، منها خمس صحف فرنسية، من بين مسيريها أهم رجال الأعمال في البلد، اثنان منهم، عزيز أخنوش ومولاي حفيظ العلمي.
وتعليقا على نتائج الدراسة، قال مدير منظمة مراسلون بلا حدود الدولية، مايكل ريديسك، إن وسائل الإعلام المغربية "يجب أن تكون قادرة على إظهار قدر أكبر من الاستقلال عن السلطة السياسية، والمصالح اللاقتصادية، من أجل القيام بدور أفضل في إعلام الرأي العام".
كما رصدت الدراسة، إسهام سوق الإشهار في "تغذية بيئة مبهمة تفلت من المراقبة العامة".
وأوضحت أنه "رغم انفتاح قطاع البث وتنويع الصحافة مع ظهور منابر جديدة ونمو القطاع الإلكتروني، يظل جزء كبير من قطاع الإعلام خاضعا لسيطرة فاعلين اقتصاديين رئيسين".
وذكرت الدراسة أن "فاعلين اقتصاديين مهمين مثل أخنوش والعلمي يقومان بالاستثمار في النفوذ المحتمل عن طريق الصحف التي يدعمانها، الأمر الذي قد يعود عليهما بالنفع في مساعيهما المتعلقة بالسياسة والأعمال".
وأوضحت أن "هذا الأمر بجلاء يظهر عند مقارنة الاستثمارات بعدد القراء، فالجرائد المستهدفة ليست من بين الأكثر شعبية، إذن في هذه الحالة، ليس المهم هو عدد القراء، بل المجموعة النخبوية المختارة التي تستهدفها الجرائد المعنية، والتي تحافظ على استمرار هذا النموذج الاقتصادي المتضخم المصطنع".
وفي حديث لـ"الاستقلال، قال الصحفي في الإعلام العمومي محمد أمين، إن "حكومة أخنوش هي تكنوقراطية بثلاثة ألوان حزبية (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال)، وهي حكومة بكماء صماء، ولا تستند إلى أيديولوجيا".
وشدد على أن "قوة هذه الحكومة في سيطرتها على عالم المال والأعمال، وبالتالي السيطرة على أهم شريان لضمان استمرارية المؤسسات الإعلامية، وأي منبر إعلامي يتقرب من هذه الحكومة ورئيسها حتى يضمن إشهارات ودعم وامتيازات".
واستدرك أمين موضحا أن "أي منبر إعلامي يحاول ممارسة النقد يحرم من الدعم العمومي الموجه للإعلام، بل إنه يتم تجنيد فاعلين ونشطاء ومنابر إعلامية أخرى ضده لتشويهه، وقد يصل الأمر إلى فبركة ملفات وقضايا ضد صحفيين بعينهم ولنا عبرة في قضايا كل من توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني".
واستطرد: "ما تعرضت له صحيفة أخبار اليوم (مديرها ورئيس تحريرها السابقان، بوعشرين والريسوني) من حصار هو النموذج، في حين تم فتح الخزائن في وجه منابر تنسب إلى مجال الإعلام والصحافة، وهي في الحقيقة تقوم بأدوار تضليلية وتعتيمية وإغوائية وتحشد سكاكينها ضد معارضي الحكومة".
توجه واحد
وعبر مقطع فيديو منشور على منصة "يوتيوب" في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وفي نقاش حول التغيرات التي عرفها الإعلام المغربي أخيرا، تساءل "اليوتوبرز"، محمد تحفة عن غياب ما سماه بـ"صحافة المنبطحة" التي لا تتحدث إلا عن "العام زين" (كل شيء جيد) في ظل هذا "الكم الهائل من المصائب في البلاد".
فيما أجابه الناشط الإعلامي، رضى الطاوجني: "الصحفيون لا يستطيعون التحرك وفق تفكيرهم ورغباتهم، لأنهم مقيدون بالإعلانات وغيابها يعني إفلاس المشروع الإعلامي".
ويرى الباحث في الإعلام إبراهيم الشعبي، أن "الإعلام النقدي بدأ يخفت منذ زمن طويل وليس فقط في عهد أخنوش، جراء الظروف الحالية للفضاء الإعلامي المغربي بصفة عامة، إلى جانب ضعف هامش الحرية، ولا ننسى أيضا المرتبة المتأخرة لحرية الصحافة في المغرب حيث تحتل المرتبة 136 عالميا (وفق مراسلون بلا حدود)".
وأيضا "هاجس الخوف لدى الصحفيين يدفعهم إلى الرقابة الذاتية، بمعنى أن الصحفي يراقب نفسه بنفسه قبل أن تراقبه الأجهزة الأخرى، وبالتالي هذا الخوف المستمر في هيئات التحرير ولدى الصحفيين حتى لا يقعوا في المحظور ولا يتابعوا قضائيا، وبالتالي نقدهم يكون محسوبا".
وأوضح الشعبي لـ"الاستقلال" أن "بدايات تحرر الإعلام كانت أواسط تسعينيات القرن الماضي، وحينذاك كنا نتحدث عن الإعلام المستقل، ونسميه مستقلا عن الحكومات، لكن الآن أصبح تابعا لرجال المال والإعلام، وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن إعلام مستقل، بل خاص تابع لرجال المال والأعمال، للأسف لا يوجد إعلام مستقل في المغرب".
وأشار إلى أن "اعتقالات الصحفيين الذين توبعوا بالقانون الجنائي وليس حتى قانون الصحافة، تدفع زملاءهم لمزيد من الحيطة والحذر حتى لا يقعوا فيما وقع فيه إعلاميون آخرون".
وأكد أنه "من الصعب الحديث عن إعلام مستقل، بل إعلام ذي توجه واحد، أصبح محتشما نظرا لارتباطاته مع هذه الجهة أو تلك، لكن هناك بعض الصحف والمواقع الرقمية القليلة جدا التي تحاول أن تكافح وأن تطرح القضايا الكبرى التي تشغل بال المواطن".
من جهته، كشف الصحفي أمين، لـ"الاستقلال" عن كواليس تعاطي وتعامل الإعلام الرسمي مع رؤساء الحكومات السابقة من جهة والرئيس الجديد أخنوش.
وقال أمين "بالنسبة للإعلام الرسمي فالأمور تدبر لصالح الحكومة والاختيارات موجهة حتى تظهر الحكومة في أحسن صورها، وآخر شواهد ذلك أن اللقاء الخاص لرئيس الحكومة في عهدي بنكيران والعثماني كان يتم بشكل مباشر، في حين تم تصوير وتوضيب حوار أخنوش، وإزالة أي شيء فيه قد يسيء لصورة رئيس الحكومة قبل بثه في القناتين الأولى والثانية".
ونبه بأن "هذا الإعلام لم يتعرض ولو لملف واحد من القضايا المطروحة في الشارع والمجتمع، ومنها الاحتجاجات التي وقعت ضد جواز التلقيح، والعمر الأقصى للتوظيف في التعليم، وارتفاع الأسعار".
واعتبر أمين أن "الإعلام العمومي لا يهتم ولا يبالي ولا يتعرض لهذه القضايا في برامجه الحوارية التي أضحت جد محدودة وولاءات منشطيها معلومة ومعروفة، فمثلا مقدمة برنامج الحوار بالقناة الأولى صباح بن داود هي مستشارة المدير العام للإذاعة والتلفزة فيصل العرايشي، وبذلك فهي تنفذ توجيهات المدير وموقفه من الحكومة".
وتابع: "فيما مقدم البرنامج الحواري في القناة الثانية رضوان الرمضاني هو الفتى المدلل للإعلام في المغرب سواء في الإذاعة الخاصة أو في القناة الثانية، فهو يشتغل في مؤسسة إعلامية خاصة مشهورة بعدائها للمعارضة وولائها للحكومة وخصوصا رئيسها أخنوش".
وختم حديثه بالقول إن "المغاربة في عهد هذه الحكومة يعيشون تحت رحمة إعلام بعين واحدة ولسان يتفنن في التزلف والتملق لهذه الحكومة ولرئيسها رجل المال والأعمال والمليونير الذي احتكر الوقود والبنزين والغاز وبسط سيطرته على الفلاحة والصيد البحري واشترى الصحافة ومجموعة من الفاعلين والنشطاء".