الجزائر تتجه لرفع الدعم عن السلع الأساسية.. ما عواقب القرار؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لطالما ترددت السلطات الجزائرية في مهاجمة منظومة الدعم الحكومي للسلع الأساسية التي أتاحت شراء السلم الاجتماعي من خلال الضخ النفطي.

لكن السؤال الذي تطرحه صحيفة لوبوان الفرنسية هنا، هو: هل تدير الجزائر ظهرها لواحد من أهم تقاليدها الاقتصادية؟  

وقع الرئيس عبد المجيد تبون في 31 ديسمبر/كانون الأول بعد مجلس النواب في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، بالإضافة إلى قانون المالية لسنة 2022، على نهاية منظومة الدعم العمومي للمنتجات الأساسية القائمة منذ الستينيات.

وقد أثارت موافقة نواب البرلمان الجزائري، لأول مرة منذ استقلال البلاد، على إلغاء الدعم بشكله الحالي على المواد الاستهلاكية الأساسية المخاوف في الجزائر، حيث يعاني المواطنون بالفعل من ارتفاع الأسعار وأزمات معيشية أخرى. 

يقوم هذا النظام من جهة على "التحويلات الاجتماعية"، وهي مزايا تتيح لجميع الجزائريين، مهما كان دخلهم، الاستفادة من التعليم المجاني والرعاية الصحية، وأيضا على وجه الخصوص من الإسكان الرخيص للغاية.

من جهة أخرى، يقدم هذا النظام الدعم للمنتجات والخدمات الأساسية (الخبز، السميد، السكر، الزيت، الماء، الكهرباء، الغاز والنقل) وهي المنتجات التي كانت محل مراقبة على أسعارها في التسعينيات.  

تراعي هذه المنظومة الأسعار في المتاجر أو فاتورة الطاقة، وتعود بالنفع على كل الجزائريين، سواء من الأغنياء أو الفقراء، وفق لوبوان.

لكن هذه السياسة الاجتماعية للإعانات المعممة لها تكلفة تصل إلى ما يقرب من 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.   

وفي مواجهة تراجع عائداتها من النفط والغاز منذ سبع سنوات، عدلت الجزائر نظام الدعم الذي يبتلع مليارات الدولارات كل عام، فيما وعدت بمواصلة دعم الفئات الأكثر حرمانا بصفة مباشرة.  

وبالتالي، فإن القوة الشرائية للعديد من الجزائريين تعتمد على عائدات الدولة، كما تقول الصحيفة الفرنسية.

واستطاعت الجزائر، لسنوات، أن تحافظ على السلم الاجتماعي من خلال تمويل نظام المساعدة الخاص بها، بفضل مداخيل تصدير المحروقات، التي كانت توفر لها أكثر من 90 في المئة من دخلها الخارجي، وحوالي 60 بالمئة من تمويل ميزانية الدولة. 

ضغوط دولية

يأتي هذا الإصلاح الذي طال انتظاره وغالبا ما يجرى تأجيله في الوقت الذي تضرر فيه الاقتصاد الجزائري بشدة من وباء كورونا وانخفاض أسعار النفط.  

وشهدت البلاد انخفاضا حادا في احتياطياتها من العملات الأجنبية، لا سيما بسبب الانخفاض في الإيرادات المرتبطة بصادرات النفط والغاز، حتى لو عادت الأسعار حاليا للارتفاع مرة أخرى، مما يسمح للجزائر بالتنفس قليلا. 

قال وفد من صندوق النقد الدولي في لقاء أجرته بعثة "افتراضية" في الجزائر خلال الفترة من 13 سبتمبر/أيلول إلى 3 أكتوبر/تشرين الأول أنه "من الضروري إعادة ضبط السياسة الاقتصادية لتصحيح الاختلالات الشاملة للاقتصاد، مع حماية وتعزيز الدعم للفئات الأكثر ضعفا من السكان".  

وأشار صندوق النقد الدولي إلى أن "الوباء وما صاحبه من انخفاض في إنتاج النفط وأسعاره كان لهما تأثير حاد على الاقتصاد، مما تسبب في انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد بنسبة 4.9 بالمئة في عام 2020".

وسلط الوباء "الضوء على عوامل ضعف الاقتصاد الجزائري، فاتسع عجز الميزانية والعجز الخارجي بشكل أكبر في عام 2020".

بينما انخفضت الاحتياطيات الدولية التي ظلت عند مستوى مناسب، من 62.8 مليار دولار في عام 2019 إلى 48.2 مليار دولار في نهاية عام 2020. 

تتعرض الجزائر وهي رابع أكبر قوة اقتصادية في القارة الإفريقية، بشكل خاص لتقلبات أسعار النفط بسبب اعتمادها على عائداته التي تمثل أكثر من 90 بالمئة من الإيرادات الخارجية، تقول الصحيفة.

وقدرت بعثة صندوق النقد الدولي أن "الانتعاش التدريجي جار، مع توقع نمو اقتصادي بأكثر من 3 بالمئة هذا العام" بفضل الارتفاع الأخير في أسعار الذهب الأسود.

مع ذلك، يلاحظ صندوق النقد أن "التضخم تسارع ليصل إلى 4.1 بالمئة في المتوسط ​​السنوي في يونيو/ حزيران 2021".

ومن المتوقع أن يفقد هذا النمو زخمه على المدى المتوسط ​​بسبب التآكل المحتمل لطاقة الإنتاج في الهيدروكربون. 

ويأتي ذلك في سياق تقليص المشاريع الاستثمارية المقررة لعام 2020، والسياسات الحالية التي من شأنها أن تحصر الائتمان على القطاع الخاص.

ويتوقع صندوق النقد "استمرار عجز الميزانية المرتفع على المدى المتوسط"، الأمر الذي "من شأنه أن يستنزف احتياطيات النقد الأجنبي ويشكل مخاطر على التضخم والاستقرار المالي والميزانية العمومية للبنك المركزي".

كما توصي البعثة بأن تتخذ الجزائر مجموعة من التدابير، ولا سيما تنويع مصادر تمويل الميزانية بما في ذلك اللجوء إلى الاقتراض الخارجي. 

لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستثني باسم "السيادة الوطنية" التعاقد على قروض من صندوق النقد الدولي والمنظمات المالية الدولية. 

"فلسفة جديدة"

قال رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن أخيرا إن "الحكومة ليس لديها نية للتخلي عن" نظام مساعدات الدولة"، ردا على انتقادات من نواب بشأن إنهاء الدعم المعمم.  

وأشار رئيس الحكومة إلى أن دعم المنتجات الأساسية سيظل يمثل لعام 2022 ما مجموعه "17 مليار دولار". 

في سبتمبر 2021، قدرت نسبة الدعم السنوية بـ "ما بين 30 و41 مليار دولار" - اعتمادا على تقلبات سعر الصرف.

وأضاف رئيس الحكومة أن الأمر يتعلق بتبني "فلسفة جديدة تستهدف المساعدات الموجهة للأسر المحتاجة بشكل مباشر".

وأوضح "نحن نفكر في فلسفة جديدة تسمح لنا بتوجيه هذا الدعم إلى أصحابه والذي سيكون نقدا". 

ويقول في ذات السياق إن "الدولة لن تدعم المواد ولكن مداخيل الأسر بعد تحديد المستوى الذي يجب ابتداء منه دفع هذا الدعم النقدي".

وذكر في تصريح نقله التلفزيون الحكومي عقب التصويت على قانون المالية أن "قيمة الدعم لسنة 2022 يساوي 17 مليار دولار رغم الأزمة الاقتصادية".

وأوضح أن ما ورد في القانون هو "الهدف الذي ستوضع الآليات لتحقيقه" وأنه "لم يكن أبدا في نية الدولة رفع الدعم". 

وصوت جميع البرلمانيين لصالح رفع منظومة الدعم باستثناء أعضاء الحزب الإسلامي الرئيسي، حركة مجتمع السلم (65 من أصل 407 نواب).

شجب الحزب هذا الاقتراح في بيان قال فيه إن "رفع الدعم يمثل تحولا اجتماعيا كبيرا يضعف القوة الشرائية للجزائريين بشكل غير مسبوق دون آليات تضمن لهم الحصول على تعويضات نقدية".

وقالت الحركة في ذات السياق إنها قررت التصويت ضد ميزانية الدولة التي اقترحتها الحكومة بسبب "خطورة ما جاء في المادة 187 باستحداث جهاز لتوجيه الدعم الاجتماعي دون وجود قاعدة معطيات ودون حوار وطني شامل ولا تنمية اقتصادية". 

وسيجرى تحديد شروط تطبيق القانون المتعلق برفع الدعم على وجه الخصوص وقائمة المنتجات المعنية وفئات الأسر المستهدفة لاحقا بتنفيذ المراسيم التي ستنشر في الرائد الرسمي خلال الأيام المقبلة.