الإمارات تختطف تاريخ مصر.. حكاية دولة عمرها 50 سنة سرقت آثار 7 آلاف عام

بينما كانت التحقيقات تجري في مصر في "قضية تهريب الآثار الكبرى" ويتناولها الرأي العام باهتمام، بزغ اسم صادم بالقضية، هو السفير الإماراتي بالقاهرة حمد الشامسي، وسط اتهامات بتورطه في تهريب الآثار إلى أبوظبي.
ولطالما كانت عمليات تهريب الآثار إلى الإمارات محور جدل خلال السنوات الماضية، لا سيما بعد رصد مجموعة من الآثار المصرية النادرة في 2017 خلال افتتاح متحف اللوفر بأبوظبي، ما طرح تساؤلات عن كيفية وصولها إلى الدولة الخليجية؟
فيما وجهت اتهامات للنظام المصري بتسهيل تلك العمليات غير المشروعة إرضاء للحكومة الإماراتية التي ترعاه منذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 وتمده بالأموال والقروض، وتدعمه دوليا.
وتذخر مصر بالكثير من الآثار الفرعونية واليونانية والإسلامية، إذ إنها صاحبة أطول تاريخ مستمر لدولة في العالم لما يزيد عن 7000 عام قبل الميلاد، ما سمح لها بتكوين العديد من الحضارات، لا سيما على ضفتي نهر النيل، شريانها الرئيس.
في المقابل فإن الإمارات تأسست كآخر دولة في الجزيرة العربية في 2 ديسمبر/كانون الأول 1971 (50 سنة)، وكانت المنطقة تعرف سابقا بساحل عمان.
فضيحة السفير
تدور منذ شهور رحى معركة الآثار أمام القضاء المصري، المتهم فيها رجل الأعمال حسن راتب، والنائب البرلماني علاء حسانين، و21 آخرون.
وجميع هذه الأسماء متورطة في تشكيل عصابة للإتجار في الآثار، وتمويل عمليات تنقيب عنها، وحيازة كمية كبيرة من الآثار التي تعود إلى عصور مختلفة، تمهيدا لبيعها وتهريبها خارج البلاد، وهنا جاء اسم السفير الشامسي، كوسيط ووكيل أصيل لأبوظبي.
في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2021، فوجئ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينة لسفير مصر الأسبق بالدوحة، محمد مرسي، كتب فيها: "بعد أن أصبحت آثارنا نهبا مستباحا، صار لزاما وقف نزيف سرقة تاريخنا وتراثنا".
وسرعان ما تداول الناشطون التدوينة التي كشف فيها المصري عن قيام القاهرة بترحيل سفير الإمارات حمد سعيد الشامسي بعد تورطه في قضية تهريب الآثار.
وقال السفير المصري: "إن قرار ترحيل السفير الإماراتي جاء بعد أن كشفت التحقيقات مع حسن راتب وشريكه علاء حسنين عضو البرلمان السابق تورطه في تهريب الآثار المصرية بالحقائب الدبلوماسية الإماراتية".
وعلق قائلا: "قرار صائب يؤكد يقظة أجهزة الأمن والرقابة المصرية، وحسن تصرف وزارة الخارجية بمعالجة الأمر بشكل محترف، وبدون إثارة مشاكل؛ حرصا على العلاقات مع الإمارات".
وشدد: "هذا الإجراء لا بد أن يستكمل بإجراء إماراتي مماثل يتضمن سرعة معاقبة السفير الذي أجرم في حق بلده وفي حق البلد الذي استضافه، مع إعادة الآثار التي سبق تهريبها، ومعه إجابة عن ألف تساؤل واستفسار عن سلوك الإمارات الذي يتقاطع ويتعارض مع مصالحنا في ملفات حيوية عديدة لمصر".
وتدوينة مرسي على فيسبوك التي حذفها واعتذر عنها لاحقا، تؤكد أن ثمة أزمة حقيقية بين النظام المصري والإماراتي، لتعارض التوجهات والسياسات في مجموعة من الملفات الإقليمية البارزة، وهو ما ظهر بقوة خلال الفترة الأخيرة.
يذكر أنه قبل هذه التدوينة، عينت الإمارات مريم خليفة الكعبي سفيرة لدى مصر، وأدت اليمين القانونية أمام الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في 16 نوفمبر/ تشرين الأول 2021، خلفا للسفير المرحل حمد الشامسي.
كما أن الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، نشر تغريدة حول الموضوع في 20 ديسمبر 2021، قال فيها إن أحد سفراء الدولة ارتكب أخطاء خلال عمله سفيرا.
وأضاف دون تسمية السفير في التغريدة التي حذفها لاحقا: "تم استدعاؤه عاجلا واستبداله سريعا، ويخضع للتحقيق حاليا ولمحاكمة عادلة، وستعلن نتائج وتفاصيل القضية بشفافية في موعدها، وأنه أمر قد يحدث في أي مكان وزمان".
وتسبب هذا الكشف في فتح ملف سرقة الآثار وبيعها إلى الإمارات خلال السنوات الماضية، إذ إن الوضع ليس جديدا سوى على مستوى التناول السياسي والإعلامي.
فضيحة "اللوفر"
في 17 يونيو/ حزيران 2017، تولى رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، رئاسة مجلس أمناء المتحف المصري الكبير، في سابقة نادرة لم تحدث من قبل، أن يتولى رئيس الجمهورية رئاسة أمناء المتحف المصري الكبير.
وسرعان ما تم ربط ذلك بحدث آخر جاء بعده بأشهر معدودة، عندما تم افتتاح معرض متحف اللوفر بالعاصمة الإماراتية أبوظبي في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، حيث شهد عرض قطع آثار مصرية نادرة.
حينها اتهم ناشطون السيسي بتسهيل تهريب ثروات البلاد إلى الإمارات، مشيرين إلى قرار منع استخدام الكاميرات بمخازن وزارة الآثار عقب تولي السيسي رئاسة أمناء المتحف، ثم الإعلان عن اختفاء أكثر من 30 ألف قطعة أثرية خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أي ما قبل افتتاح المعرض الإماراتي بشهر واحد فقط.
وكان من أبرز من تناولوا تلك الواقعة رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية (حكومية) الأسبق، عبدالناصر سلامة، الذي انتقد السلطات العسكرية في مصر، بشأن التفريط في آثار الدولة لصالح الإمارات.
وكشف سلامة آنذاك عبر فيسبوك أن الإمارات عرضت آثارا مصرية نادرة في متحف جديد يطلق عليه اسم "لوفر أبوظبي"، وتساءل الكاتب المصري عن سبب صمت الحكومة على هذه القضية الفجة.
أما خبير علم المصريات بسام الشماع، فقد شارك في الحملة، وقال "إن عرض الآثار المصرية بأبوظبي هو مأزق يتطلب جهودا رسمية وشعبية للخروج منه، متسائلا عن دور المنظمات الدولية المعنية بالآثار في السعي لاسترجاع الآثار المهربة ومحاسبة المسؤولين عن ذلك".
وفي 5 ديسمبر/ كانون الأول 2017، نشرت جريدة "The New Republic" الأميركية، تقريرا عن "لوفر أبوظبي" وقالت فيه "كل شيء هنا مستورد، فالدولة في محاولات تسلحها الثقافي المستميتة تتعامل بمنطق استهلاكي رأسمالي تماما".
وأضافت أنه "بدلا من تأسيس متحف يعكس تاريخها القومي، اشترت الإمارات اسم (اللوفر) من المتحف الأم في فرنسا، وكأنه ماركة ملابس تحاول احتكارها، وكذلك مررت قطعا أثرية نادرة بطريقة مريبة من مصر واليمن والعراق وسوريا، وهو ما يؤكد أن دولة الإمارات لا تاريخ لها".

وكلاء الشر
الباحث المصري محمد ماهر، قال إن "عملية سرقة وتهريب الآثار المصرية ليست وليدة اللحظة أو هذا العهد، فالأنظمة المتعاقبة تورطت في تجارة الآثار، وتحديدا نظام حسني مبارك،.
وأضاف ماهر لـ"الاستقلال" أن سيدة مصر الأولى آنذاك سوزان مبارك، كانت متورطة في قضايا عدة عقب ثورة يناير 2011 تخص الآثار المصرية رفقة زاهي حواس وزير الدولة لشؤون الآثار الأسبق، وهو ما تم طرحه حينئذ، لكن تمت التغطية عليه بشكل غير مفهوم".
وأشار إلى أن "سياسة اهتمام الإمارات بالآثار المصرية وسرقتها تحت رعاية النظام الحالي، مسألة لها أبعاد أخرى".
وأوضح أن أبوظبي تعد نفسها كقوة إقليمية صاعدة ومهيمنة، يجب أن تمتلك كل المقومات الاقتصادية والسياسية، وكذلك التاريخية، فأنشأت متحف اللوفر على غرار لوفر باريس، لتقول إنها بلد حضاري تحتضن سائر حضارات وأديان الشرق، وهو ما ظهر أيضا في إنشاء مجمع الأديان، والكنائس، ومعابد للهندوس، وتماثيل لبوذا".
واستدرك: "لكن ما يتعلق بمصر مختلف، أولا لأن الآثار المصرية مستباحة عبر الزمن، ثانيا أن الذي يتورط في سرقة الآثار ليسوا عصابات أو مافيا، لكنهم وكلاء الشر من النظام نفسه، الذي من المفترض أن يحمي تراث وكنوز مصر، لكنهم يمررونها لأهداف سياسية، ومن أجل جمع مزيد من الأموال".
وتطرق الباحث المصري إلى المكاشفة الأخيرة عن السفير الإماراتي حمد الشامسي، قائلا: "لا يمكن تمرير أمر مثل هذا من قبل رجل دبلوماسي مثل السفير محمد مرسي، دون أن يكون هناك جهة سيادية وراءه".
وأردف ماهر: "قد يأتي هذا في ظل توتر للعلاقات بين القاهرة وأبوظبي، خاصة وأن وسائل الإعلام لم تقم بحملة هجوم ضارية وممنهجة ومنكرة لهذا الوضع، واكتفت بعض البرامج بذكر أن العلاقة جيدة وراسخة، بطريقة باردة لم تعبر عن حجم الأزمة".
واعتبر أن ذلك يؤكد أيضا أن الإمارات أو شخصيات إماراتية تحركت في الجريمة الأخيرة بطريقة منفردة وبشكل خاص، دون الترتيب مع النظام المصري، وتلك أطروحة أخرى قد تكون سببا آخر للمشكلة.
"غير أن الأكيد أن مصر أمام مرحلة من أسوأ مراحل العبث بتاريخها وحاضرها ومن ثم مستقبلها"، يضيف ماهر.