اقتصاديا وسياسيا.. هكذا تؤثر أزمة "تيغراي" على العلاقات بين تركيا وإثيوبيا

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

اعتبرت وكالة "الأناضول" التركية أن "إثيوبيا تتميز عن الدول الإفريقية الأخرى بمكانتها الاجتماعية والدينية والجيوسياسية، لذلك كان قيام تركيا بأولى اتصالاتها الدبلوماسية في إفريقيا جنوب الصحراء مع إثيوبيا، خطوة إستراتيجية تستحق الاهتمام".

واستدركت الوكالة الرسمية في مقال للأستاذ في جامعة "كوركوت أتا" يونس تورهان، بالقول إن "العلاقات التركية الإثيوبية تمر بمرحلة حرجة بسبب أزمة إقليم تيغراي، ومع أنه من الواضح أن قرنا من العلاقات التاريخية لن يهتز بأمر كهذا، إلا أن عواقبها على العلاقات الثنائية تؤرق العديد من الشخصيات".

تأثير اقتصادي

وقال تورهان: "لا شك أن أول التأثيرات المباشرة لأزمة تيغراي على العلاقات التركية الإثيوبية، تتجلى في مجال الاقتصاد".

ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، كان اقتصاد إثيوبيا أحد أسرع الاقتصادات نموا في إفريقيا، إذ بلغ متوسط ​​معدل النمو السنوي 9.4 بالمئة من عام 2010 وحتى عام 2019، وإن تراجع هذا إلى 6.1 بالمئة عام 2020، بسبب جائحة كورونا وأزمة تيغراي.

وأضاف تورهان موضحا "وفقا لبيانات هيئة الإحصاء التركية، تراجعت واردات أنقرة من أديس أبابا إلى حوالي 18 مليون دولار عام 2021 بعد أن كانت تتجاوز 51 مليون دولار في 2019، وبالمثل، انخفضت صادرات تركيا إلى حوالي 247 مليون دولار عام 2021 بعد أن كانت حوالي 380 مليون دولار".

وتابع: "من ناحية أخرى، تحتل تركيا المرتبة الـ18 في صادرات إثيوبيا بحصة تبلغ حوالي 1.5 بالمئة وفقا لبيانات وزارة التجارة التركية لعام 2020. أما في واردات إثيوبيا، فتحتل تركيا المرتبة الثالثة بنسبة 5.7 بالمئة".

وتصدر تركيا إلى إثيوبيا مواد، مثل الحديد والصلب والأجهزة الميكانيكية، فيما تستورد الخضروات والحبوب والبذور الزيتية.

أما من حيث الاستثمار، فتحتل تركيا المرتبة الثانية في قائمة الدول الأكثر استثمارا في إثيوبيا تصل قيمتها إلى 2.5 مليار دولار من خلال أكثر من 150 شركة تنشط في مجالات النسيج والبناء والصناعة.

لكن من المتوقع أن تتأثر الشركات التركية والعلاقات الثنائية، خاصة في مجال التجارة بأزمة تيغراي بشكل كبير، وفقا للكاتب التركي.

وشرح ذلك بالقول: "من المحتمل جدا أن تحدث مشاكل في توريد البن والسمسم والحبوب الأخرى، تشكل 70 بالمئة من صادرات إثيوبيا، إلى تركيا بسبب أزمة تيغراي".

وعلى الناحية الأخرى، فإن أي اضطراب قد يحدث في تصدير السلع الضرورية للصناعة من تركيا إلى إثيوبيا، يمكن أن يؤثر بالسلب على حركة التصنيع والتنمية في تلك البلاد.

تأثير سياسي

وبحسب تورهان، فإن المجال السياسي من أهم المجالات التي تأثرت بأزمة تيغراي بعد الاقتصاد في العلاقات التركية الإثيوبية التي تطورت من شراكة اقتصادية إلى شراكة إستراتيجية مع زيارة رئيس الوزراء آبي أحمد إلى تركيا في أغسطس/آب 2021.

وقال: "خلال الزيارة التي جاءت مع الذكرى الـ 125 للعلاقات الثنائية، تم توقيع اتفاقيات تعاون في مجال المياه والمجال العسكري والمالي".

ومع أن آبي أحمد أكد خلال الزيارة على ترحيب إثيوبيا بوساطة تركيا في النزاع الحدودي مع السودان، إلا أن أزمة تيغراي قد تؤثر على سياسة الانفتاح السياسي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي الذي تبنته أنقرة تجاه المنطقة.

الجدير بالذكر أن تركيا تحافظ على "مبدأ الحياد" منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020 التي اندلعت فيها أزمة تيغراي، حيث تتبع دبلوماسية كطرف خارجي ولا تجعل من نفسها أحد أطراف النزاع مع أنها على اتصال بالسلطة السياسية، بحسب تورهان.

وأردف: "سياسة تركيا هذه منطقية جدا عند النظر إليها في سياق الحلقة المفرغة التي تدور فيها إثيوبيا سياسيا وعسكريا، خاصة في ظل تغير مسار الأزمة والجهات الفاعلة فيها والعوامل التي تتأثر بها، والروايات حول الجهة التي سيطرت على منطقة أو جهة أخرى بحسب القنوات الإخبارية".

وأعقب: "ومع أن الحال استمر طويلا، إلا أن التحركات العدوانية للحكومة المركزية التي قامت بها مؤخرا، قلبت الوضع لصالح آبي أحمد، ما جعل من انسحاب قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من منطقتي أمهرة وعفر، وفتح الحكومة الباب أمام حوار وطني شامل، بمثابة تطورات واعدة من شأنها أن تنهي الحلقة المفرغة التي دارت فيها البلاد لـ13 شهرا".

سياسة الحياد

وقال تورهان: "وفيما وصلنا إليه حاليا، يمكن أن يؤثر استمرار العلاقات بين تركيا والسلطة السياسية في إثيوبيا، دون أن تكون طرفا مباشرا في الصراع، بطرق ثلاث على تركيا".

أولا، تأثر علاقات تركيا مع الإمارات والصين في حال أنهى آبي أحمد الأزمة وخرج منها بصورة أقوى، لما تلعبه تركيا من دور نشط في السياسة الإثيوبية.

وفي مثل هذا السيناريو، من المهم مراقبة موقف هذه الدول من الوجود التركي في إثيوبيا والموقف الذي ستتخذه أديس أبابا تجاه كل ذلك، ينوه الكاتب.

واستطرد: ثانيا، تعرض تركيا لانتقادات شديدة من قبل المعارضة في إثيوبيا لما فتحته من صفحة جديدة مع آبي أحمد، وهنا قد يكون من الضروري تطوير تحركات بديلة في سياق الدبلوماسية العامة ضد الحملات المعارضة لتركيا هناك.

وثالثا، احتمالية أن تحاول الدول الغربية عزل آبي أحمد عن السياسة الدولية بقضايا مثل انتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي يجب على تركيا أن تأخذه بالحسبان.

وعلق تورهان: "باختصار، يمكن القول إن أزمة تيغراي قادرة على التأثير على إستراتيجية تركيا طويلة المدى والتي تتمحور حول الصومال والسودان وإثيوبيا، خاصة في ظل زاوية (تحرك أو مت) التي حصر فيها آبي أحمد الشاب والطموح، ما ينتهي به الأمر أحيانا لإعطاء ردود فعل غير متسقة".

وختم مقاله لافتا إلى أنه يمكن لتركيا أن تنهي الحلقة المفرغة المتمثلة في "السلام الذي لم يتمكن من أن يجد طريقا إلى إثيوبيا"، من خلال الحفاظ على "سياسة الحياد" بدلا من "الانتظار والترقب".

وتابع تورهان موضحا: "ويمكن أن تفعل ذلك بخبرتها في الوساطة، ومن خلال دعم الأمل في السلام الذي بدأت زهوره تتفتح أخيرا في إثيوبيا، إذ إن الآثار السياسية والمالية التي قد تنشأ نتيجة استمرار الصراعات في البلاد، ستكلف الجميع أثمانا باهظة".