رغم إعلان طهران تقدمها.. ما أسباب جمود مفاوضات ملف النووي الإيراني؟

يوسف العلي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني تراوح مكانها، رغم إعلان طهران أكثر من مرة أنها تحقق تقدما، ولا سيما في تحديد جدول أعمال الملفات المطروحة في المحادثات الجارية بفيينا.

وتهدف المحادثات الحالية إلى إنقاذ الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران المبرم عام 2015.

وبعد توقف خمسة أشهر، استؤنفت مفاوضات فيينا في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بمشاركة دول لا تزال أطرافا في اتفاق 2015، وهي فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، الصين، روسيا وإيران. أما الولايات المتحدة المنسحبة من الاتفاق، فتشارك بشكل غير مباشر.

تباطؤ المفاوضات

على صعيد طهران فإن مصدرا مقربا من الفريق الإيراني المفاوض في فيينا، كشف في حديث لوكالة "تسنيم" القريبة من الحرس الثوري، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2021 أن ما وصفتها "الأطماع الأوروبية" أدت إلى بطء المفاوضات.

وقال المصدر إن "المحادثات في فيينا تمضي قدما لكنها بطيئة. أطماع الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) أو بعضها أدى إلى تباطؤ عملية التفاوض"، لافتا إلى أن "مواقف الدول الأوروبية هذه كانت أكثر طمعا من الجانب الأميركي".

وتابع: "كان نهج بعض الدول الأوروبية الثلاث غير بناء حتى قبل أن تقدم إيران مقترحاتها المكتوبة، والتي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا".

وبين أن "إصرار الفرق الأوروبية على هذه المواقف غير البناءة أدى الى حدوث خلافات بين أعضاء مجموعة 4 + 1".

وفي 14 ديسمبر/ كانون الثاني 2021، اتهمت إيران على لسان كبير مفاوضيها علي باقري القوى الغربية بسوء النية في المفاوضات بشأن برنامجها النووي، وسط مخاوف بشأن مصير المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق المبرم في 2015.

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري، إن التوافق لا يزال ممكنا إذا أقرت الولايات المتحدة، التي انسحبت من الاتفاق في 2018، بإخفاقها وانخرطت في دبلوماسية حقيقية.

من ناحية أخرى، قال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، إن "مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للوصول إلى موقع كرج النووي، غير مقبولة".

ونص اتفاق فيينا، التي انطلقت جولتها الأولى في أبريل/ نيسان 2021، على رفع جزء من العقوبات التي تخنق اقتصاد إيران مقابل تقييد برنامجها النووي ووضعه تحت رقابة صارمة من الأمم المتحدة.

الفرصة الأخيرة

على الجانب الآخر، صعدت بريطانيا من لهجتها ضد طهران، حيث حذرت وزيرة الخارجية ليز تراس من أن المفاوضات التي استؤنفت لإنقاذ الاتفاق النووي هي "الفرصة الأخيرة أمام إيران" لاعتماد موقف "جدي".

وقالت الوزيرة البريطانية التي تتولى بلادها حاليا رئاسة مجموعة السبع خلال البيان الختامي للمجموعة في 12 ديسمبر/ كانون الثاني 2021 إنها "الفرصة الأخيرة أمام إيران للمجيء إلى طاولة المفاوضات مع حل جدي لهذه المشكلة".

وشددت ليز تراس خلال مؤتمر صحفي في ليفربول بشمال إنجلترا على أنه "لا يزال هناك وقت لإيران كي تأتي وتقبل هذا الاتفاق" لكن "هذه هي الفرصة الأخيرة" وحثت طهران على تقديم "اقتراح جدي"، مؤكدة أنه "من المهم أن تفعل ذلك لأننا لن نسمح لها بامتلاك السلاح النووي".

وردا على ذلك، قال سفير إيران في بريطانيا محسن باهارفاند خلال تصريحات صحفية في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021 إن طهران لا تزال ملتزمة بالاتفاق، مشددا على أن "التحذيرات من أن المحادثات هي الفرصة الأخيرة لإحياء الاتفاق، لن تخيفنا".

وفي السياق حذر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكين خلال زيارة إلى إندونيسيا في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021، من أن واشنطن تعد "بدائل" مع الحلفاء إذا فشلت المحادثات.

وأضاف بلينكن: "نواصل متابعة الدبلوماسية، في هذه الساعة وفي هذا اليوم، لأنها في الوقت الحالي هي الخيار الأفضل، لكننا نتواصل بنشاط مع الحلفاء والشركاء بشأن البدائل".

وأشار الوزير الأميركي إلى بيان صدر مؤخرا عن الدول الأوروبية المشاركة في المحادثات، جاء فيه أن "الوقت ينفد، وأن إيران لا تزال غير منخرطة في مفاوضات حقيقية".

وقال بلينكن في إشارة إلى البيان الأوروبي "إن لم يكن هناك تقدم سريع، فإن الاتفاق النووي الإيراني سيصبح كقذيفة فارغة".

"إطار فارغ"

وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2021، قال مسؤولون دبلوماسيون من الدول الأوروبية الثلاث المشاركة في مفاوضات فيينا إن إيران أبدت مواقف جديدة تتعارض مع الاتفاق المبرم في عام 2015.

وعبر المسؤولون من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة عن خشيتهم من احتمال أن يصبح الاتفاق النووي مع إيران مجرد "إطار فارغ" لا معنى له، بالنظر إلى الوتيرة الإيرانية في تسريع برنامجها.

وقال المسؤولون الدبلوماسيون في بيان إنهم "يضيعون وقتا ثمينا في محادثات فيينا لأن إيران تثير مواقف جديدة لا تتفق مع خطة العمل المشتركة الشاملة، أو تتجاوز ما تنص عليه".

وأضافوا "خضنا ساعات طويلة من التفاوض، وقد ضغطت جميع الوفود على إيران لتكون عقلانية".

وخلص البيان إلى القول بأن "هذا أمر محبط لأن الخطوط العريضة لاتفاق شامل وعادل يسمح بإزالة جميع العقوبات المرتبطة بخطة العمل المشتركة الشاملة، ويعالج مخاوفنا بشأن منع انتشار (الأسلحة النووية)؛ كانت واضحة للعيان منذ صيف 2021".

وردا على ذلك، قال المسؤول الإيراني، علي باقري، لوكالة "إرنا"، إن "الطرفين جاءا بإرادة إلى طاولة الحوار، وبطبيعة الحال يحمل كلاهما شروطا خاصة وتدابير لتحقيق المزيد من المصالح عبر المفاوضات".

وأكد باقري أن "الأجواء غير البناءة خارج نطاق المفاوضات تدل على إفلاس الطرف الذي يقف وراءها"، مشيرا إلى أن "إيران بمواقفها الرصينة والحازمة خلال هذه الجولة من التفاهمات، والتي تنطلق من أسس يعتمدها الطرف الآخر، وضعت أطرا مميزة لاستمرار المباحثات".

وقال إن "الحظر، فرضه الأميركيون، ورغم أن هناك بعض الدول التي فرضت ونفذت وتابعته أيضا، لكن أساسه اللاقانوني والظالم الذي يعود جزء ملحوظ منه إلى سياسة الضغوط القصوى ضد الشعب الإيراني، أرسته وأنشأته الولايات المتحدة".

وشدد كبير المفاوضين الإيرانيين، قائلا: "يتعين على الأميركيين أن يتحملوا مسؤولية إلغاء الحظر، لأن ذلك يشكل المحور الرئيس لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي".

سناريوهات محتملة

وفي ظل الشد والجذب بين الطرفين، يرى الكاتب خلفان الكعبي خلال مقال نشره في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2021، أنه "ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمفاوضات فيينا النووية، يتداولها الخبراء والمحللون".

أولى هذ السيناريوهات، هي عدم التوصل لاتفاق، لأن الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 بات أشبه بالميت الذي يصعب إحياؤه.

 وثانيها إحياء الاتفاق النووي (ومؤداه إعادة امتثال إيران والولايات المتحدة للبنود السابقة بعد التوصل لتفاهمات معينة يترتب عليها تقديم الطرفين لتنازلات متبادلة ومتكافئة)، وفق الكاتب.

وثالثها الاتفاق الجزئي أو المؤقت (بمعنى توقيع واشنطن وطهران اتفاقا منفصلا تماما، بمعايير مختلفة عن اتفاق 2015، يشتمل على تجميد العناصر الأكثر إشكالية في البرنامج الإيراني، مقابل تخفيف محدود للعقوبات).

ولا يستبعد الكعبي التوصل لاتفاق بين إيران والدول الكبرى لإحياء خطة العمل المشتركة قبل اختتام الجولة السابعة من مفاوضات فيينا.

وعليه، لن يتم تناول القضايا الإقليمية، أو الصواريخ الباليستية، والتي قد يتفق على التفاوض حولها في اتفاق منفصل لاحقا، أو حتى يجري إدارتها عن طريق مقايضة رفع العقوبات، أو باستخدام أدوات الردع المختلفة.

ويعزز هذا السيناريو حاجة الطرفين الماسة للتوصل إلى اتفاق. فإيران تعاني كثيرا من العقوبات الأميركية، وعملتها تدهورت، واقتصادها على حافة الانهيار، والاحتجاجات الشعبية المدفوعة بتداعيات الأزمة الاقتصادية عمت مناطق كثيرة من البلاد، وفقا للكاتب.

وتابع: كما أن "الخطة ب" الأميركية للتعامل مع إيران تتضمن مزيجا من تكثيف العقوبات الاقتصادية والحرب السيبرانية مع عدم استبعاد الخيار العسكري، قد تجعل القيادة الإيرانية تفكر أكثر من مرة قبل التسبب بفشل المفاوضات.