جدران وكاميرات وأبراج.. هكذا حولت إسرائيل والسيسي غزة إلى أكبر سجن بالعالم

12

طباعة

مشاركة

بعد بناء رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي سورا خرسانيا وآخر فولاذيا على طول الحدود مع قطاع غزة، البالغة 14 كيلومترا تقريبا عام 2020، أنهى الاحتلال الإسرائيلي في 2021 بناء جدار حول القطاع فوق الأرض وتحتها.

إسرائيل احتفلت بانتهاء بناء السور في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021 بعد عمل استمر منذ 2017، بطول 65 كيلومترا وارتفاع 6 أمتار فوق الأرض، محولة قطاع غزة إلى أكبر سجن شديد الحراسة في العالم.

بلغ فخر الاحتلال حد قول مدير المشروع "عيران أوفير" أنه جرى صب 330 ألف شاحنة بها ثلاثة ملايين متر مكعب من الخرسانة في الجدار "تكفي لشق طريق من إسرائيل إلى بلغاريا"، بحسب ما نشرت صحيفة جيروزاليم بوست العبرية في 7 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وأكد أنه جرى استخدام 140 ألف طن من الحديد والصلب في بناء الحاجز الضخم "أي ما يعادل طول الجدار الفولاذي الممتد من إسرائيل إلى أستراليا".

السور الذي يضم أجهزة مراقبة دقيقة ترصد الحركة أعلى الأرض وأسفلها على مدار الساعة، يجعل إسرائيل تضع تحت مرأى ومسمع العالم أكثر من مليوني إنسان داخل قفص حديدي برا، وبحرا.

قبل هذا شرع الاحتلال في بناء جدار إسرائيلي مع الضفة الغربية عام 2004، لكن في العام التالي يوليو/تموز 2005 أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يعتبر المشروع "عنصريا غير شرعي" لأنه مبني على أراض فلسطينية محتلة.

وطالبت المحكمة إسرائيل بإزالته مع تعويض المتضررين من بناء الجدار؛ لأن 85 بالمئة من مساره يمر داخل الضفة الغربية بما فيها شرق القدس.

كما أن الجدار المذكور يضم 9,4 بالمئة من الضفة الغربية. ولم تستجب إسرائيل وتعمل حاليا على استكمال بنائه.

تفاصيل الجدار

بحسب وزارة الجيش الإسرائيلي، يتكون الجدار في غزة من 5 عناصر تكمل بعضها البعض، وهي: حاجز تحت الأرض به أجهزة استشعار، وسياج فولاذي ذكي ارتفاعه 6 أمتار، وحاجز بحري به أجهزة لكشف التسلل عبر البحر.

إضافة إلى نظام سلاح يتم التحكم فيه عن بعد، ومجموعة من الرادارات والكاميرات، وغرف القيادة والتحكم.

ويبلغ طول الحاجز حوالي 65 كلم، واستمر بناؤه حوالي 3 سنوات ونصف، وتم بناء 6 مصانع خرسانة في موقعه لضخ الإسمنت، وبلغت كلفته حوالي 3.5 مليار شيكل (1.1 مليار دولار).

لذلك وصف مدير عام وزارة الجيش اللواء "أمير إيشل" الجدار بأنه "من أعقد المشاريع الهندسية التي جرى بناؤها على الإطلاق"، بحسب جيروزاليم بوست 7 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وتوقع أن يلتقط ما يقرب من 70 ألف إسرائيلي يقيمون في أكثر من 50 بلدة في منطقة حدود غزة، أنفاسهم بعد بناء الجدار؛ لأنه سيمنع تسلل قوات حركة المقاومة الإسلامية حماس، عبر الأنفاق، وفق تقديره.

وادعى وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس أن الجدار "سيحرم حماس من إحدى القدرات التي حاولت تطويرها (الأنفاق)، ويسهم في لجمها وتعزيز الهدوء طويل الأمد"، بحسب ما نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت 7 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وزعمت إسرائيل أنها شيدت الجدار لأسباب أمنية لمنع التسلل عبر الأنفاق، إلا أن الفلسطينيين والأمم المتحدة يقولون إن إقامته جاءت لضم أراض فلسطينية.

ويتقدم موقع بناء الجدار عما يسمى "الخط الأخضر" أي المنطقة الفاصلة بين غزة وإسرائيل، ما يعني أنه يأكل جزءا من المساحة الحدودية للقطاع وهي منطقة زراعية يمنع أصحابها من الوصول إليها لدواع أمنية. 

وبدأ بناء هذا الجدار الفولاذي بين غزة وإسرائيل بتمويل أميركي عام 2017، وجرى تزويده بأدوات تكنولوجية ووسائل قادرة على تحديد إمكانية حدوث اختراق.

وأظهر العدوان على غزة عام 2014 قدرة المقاومة على اختراق الأراضي المحتلة عبر الأنفاق الهجومية.

ويمتد الجدار من مستوطنة "زيكيم" عند الحدود الشمالية لقطاع غزة، ويتصل به آخر بحري من ثلاث طبقات بارتفاع 200 متر قبالة الساحل إلى معبر كرم سالم جنوب رفح مزود بأجهزة استشعار وآلات مراقبة متطورة.

ويستخدم بمثابة "إجراء أمني أخير"، وذلك لتلافي أي تسلسل بري لمقاتلي حماس البحريين، على غرار ما فعلوا في حرب 2014، حين دخل فريق منهم بحرا، وهاجموا موقع "زيكيم".

في عام 2006، حفرت حماس نفقا إلى داخل الأراضي المحتلة ونفذت عملية أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود وأسر رابع، هو جلعاد شاليط، الذي احتفظت به في الأسر لمدة خمس سنوات قبل عقد صفقة تبادل مع إسرائيل.

وخلال حرب 2014 أثبتت حماس فعالية الأنفاق، وتمكنت من الدخول إلى الأراضي المحتلة وتنفيذ هجمات وعمليات عسكرية، لذا بدأ التفكير في بناء الجدار منذ ذلك الحين.

تطوير وقلق

كانت المقاومة في غزة متنبهة من البداية للتعامل مع بدائل الأنفاق بعد بناء الاحتلال الجدار الذي يصعب المرور عبرها، لذا سعت لابتكار أسلحة جديدة.

هذه البدائل تمثلت في "الطائرات المسيرة الصغيرة" و"الغواصات المسيرة"، وهو ما ظهر في حرب غزة الأخيرة مايو/أيار 2021.

لذلك يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف، أن هذه الجدران لن تحرم المقاومة من سلاحها السحري، وعلى العكس ستدفعها لإبداع وسائل قتالية جديدة تحقق الغرض.

ويشير لـ "الاستقلال" أن ما يقلق الاحتلال هو انتقال الحروب إلى الداخل بعدما كان يخوض حروبا بعيدة، وهو ما فعلته المقاومة عبر الأنفاق والصواريخ ووسائل قتالية أخرى.

وحين بدأت إسرائيل الحديث عن بناء الجدار سبتمبر/ أيلول 2016 أكد القيادي البارز في حركة حماس صلاح البردويل في تصريحات صحفية حينئذ أن "هذا المشروع لن يردعنا".

وأضاف: "يستطيع الشعب الفلسطيني والمقاومة التغلب على جميع العقبات التي يفرضها الاحتلال، فهي خلاقة وتحرز تقدما ولا تعبأ بإجراءاته".

لكن دراسة لمعهد كارنيجي 27 مارس/آذار 2019 قالت إن الجدار لن يترك بعد اكتماله خيارات كثيرة أمام حماس، وسيكون عليها تصعيد أنشطتها شبه العسكرية، بما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب جديدة.

ذكرت الدراسة أنه "على الرغم من أن حماس شددت على أنها ستظل قادرة على تهديد إسرائيل بعد الانتهاء من بناء الجدار، فإنه ليس واضحا كيف سيتحقق ذلك، لا سيما إذا تسبب الحاجز بقطع طرق تهريب السلاح التي تعول الحركة عليها"، وفق تقديره.

أوضحت أن من عيوب الجدار أيضا أنه سيقلل شهية إسرائيل بشأن الدعوات الفلسطينية للتفاوض، لذا قد ينتقل الصراع إلى الضفة الغربية عبر زيادة الهجمات الفردية بطعن جنود الاحتلال والمستوطنين، وهو ما بدأت تشكو منه تل أبيب بالفعل الآن.

ورغم التباهي الإسرائيلي والاحتفالات بالجدار، فقد اعترف قادتها أنه ليس حلا سحريا، ولن يمنع المقاومة من استخدام الأنفاق. 

مدير مشروع بناء الجدار "عيران أوفير" امتنع حين سأله المراسلون الصحفيون يوم الافتتاح 7 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن الرد على أسئلة بخصوص قدرة الجدار على منع هجمات عبر الأنفاق بنسبة 100 بالمئة.

ظل يقول إنه "فخور" بالجدار الفاصل، لكنه اعترف أنه "لا تزال هناك نقاط ضعف في دفاعات الجيش أمام غزة يمكن استغلالها"، بحسب ما قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في ذات اليوم. 

وردا على سؤال حول احتمالات قدرة حماس على "تحدي" هذا الجدار الحدودي الجديد، اكتفى أوفير بالقول إنه "على الرغم من اكتماله يعمل الجيش باستمرار لضمان عدم عبور الحركة للحدود".

قبل ذلك وأثناء بنائه، قال جنرال إسرائيلي بارز لصحيفة "هآرتس" العبرية 14 سبتمبر/أيلول 2018 "إن الجدار العازل حول قطاع غزة لن يمنع تهديد الأنفاق من داخل القطاع".

واعتبر أنه "لا جدوى كبيرة من بناء الجدار التكنولوجي حول قطاع غزة، لأنه لن يمنع استمرار عمل الفلسطينيين ببنائهم للأنفاق إلى الداخل الإسرائيلي".

ويقول المحلل العسكري الإسرائيلي "عاموس هرئيل" في تحليل بصحيفة هآرتس" 7 ديسمبر/كانون الأول 2021 إن الجدار الفاصل "يثبت أن إسرائيل لا تريد احتلال قطاع غزة، بل تحصن نفسها منه"، وتسعى لتجنب الحرب معه.

وأردف: منذ الانفصال (الانسحاب) عن غزة عام 2005، انتهجت الحكومات الإسرائيلية خطا واحدا تقريبا، هو الامتناع من خوض حرب شاملة ضد القطاع أو أي غزو بري.

لذلك وكبديل عن الحروب التي تتسبب بوقوع خسائر كثيرة، وبدلا من احتلاله، حصنت إسرائيل نفسها بالجدار، لكن حركتا حماس والجهاد الإسلامي واصلتا إطلاق الصواريخ، ولجأتا إلى الطائرات والغواصات المسيرة.

وخاضت إسرائيل أربعة حروب على قطاع غزة، وفي المعركة الأخيرة خلال مايو /أيار 2021، أطلقت حماس وفصائل المقاومة أكثر من 4300 صاروخ على الأراضي المحتلة.