بعد فشل الاحتلال.. هذه وسائل السلطة الفلسطينية لكسر المقاومة في جنين

محمد النعامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"خروجنا من السيارة أحياء كان معجزة، شعرت بالموت، ألقوا علينا الحجارة وضربونا بأيديهم وحطموا زجاج السيارة".

هذه شهادة أحد المستوطنين اللذين أنقذتهما أجهزة السلطة الفلسطينية في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد أن دخلا مدينة رام الله عن طريق الخطأ، حيث تصدى لهم الفلسطينيون وأحرقوا سيارتهم.

واحتفى الإعلام العبري بعد عملية الإنقاذ بجدوى العمل الأمني مع السلطة الفلسطينية في الحفاظ على حياة المستوطنين وتأمين المستوطنات.

وقال مراسل القناة 14 العبرية "شمعون ريكلين": "يجب أن نقولها بصراحة، لولا التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية فإن حادثة اليوم كانت ستنتهي بصورة فظيعة تماما كما حدث قبل حوالي 20 عاما".

والحادثة التي تطرق إليها المراسل، قتل فيها مستوطنون دخلوا الضفة بالخطأ في الانتفاضة الثانية بعد أن اكتشفهم فلسطينيون وضربوهم بالحجارة ثم طعنوهم بالسكاكين.

وعقب "جال بيرغير " مراسل الشؤون الفلسطينية بقناة "كان" العبرية على عملية الإنقاذ وما تقدمه السلطة من خدمات أمنية للمستوطنين، بأنه "اتضحت اليوم مرة أخرى أهمية التنسيق الأمني".

حملة كبرى 

وتزامنت عملية إنقاذ المستوطنين مع الحملة الأمنية الشرسة التي تشنها السلطة الفلسطينية ضد المقاومة في الضفة الغربية وبالتحديد في مدينة جنين (شمال).

وشرعت السلطة في الأسابيع الأخيرة بحملة ضخمة ضد المقاومة في مخيم جنين والأحياء المحيطة به، وشملت مناطق في الضفة الغربية كالخليل ورام الله ونابلس وطولكرم، بحسب مصادر محلية.

جاءت الحملة الأمنية مباشرة بعد عقد اجتماع بين رئيس السلطة محمود عباس، ورئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" رونين بار في مقر المقاطعة برام الله في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وكشفت القناة الـ12 العبرية أن اللقاء بحث مواجهة المقاومة المسلحة المتنامية ومنع حركة المقاومة الإسلامية حماس من زيادة نفوذها في الضفة الغربية لتعزيز حضور السلطة.

وبعد لقاء عباس بالشاباك، أعلن محافظ جنين اللواء أكرم الرجوب، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني أن السلطة الفلسطينية قررت البدء بحملة أمنية في المدينة.

وبين الرجوب أن السلطة "لن تسمح بوجود ما يسمى سلاح المقاومة، لأنه يضر بالعلاقة مع إسرائيل"، حسب ما نشرت وكالة شهاب المحلية. 

وأضاف أن ما جرى في جنين من حملة اعتقالات هي بداية للمنظومة الأمنية الجديدة التي تشكلت بعد التغييرات الأخيرة. 

وأكد أنه "لا سلاح شرعي في جنين سوى التابع للسلطة الفلسطينية، ولا نعترف بغير ذلك، وأن التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي مستمر ويتطور، والتغيرات الأخيرة لقيادة الأجهزة الأمنية في المدينة كانت ضمن خطة تطوير العمل بين الجانبين".

وأتت الحملة الأمنية على شكل اعتقالات واسعة بصفوف ناشطي حركتي حماس والجهاد الإسلامي في جنين ومدن أخرى، من ضمنهم أسرى محررون وأشخاص تتهمهم السلطة بأنهم من العناصر المسلحة التي تشارك في التصدي لاقتحامات الاحتلال.

 وتداول ناشطون مقاطع تظهر عناصر السلطة بلباس وعربات مدنية، يعدون الكمائن لاعتقال الناشطين.

مصلحة مشتركة

وفي حديث لـ "الاستقلال" كشف القيادي في حركة الجهاد الإسلامي داود شهاب أن السلطة شنت حملتين ضد حركته في كل من نابلس وجنين خلال الأسابيع الأخيرة، طالت عددا من المحررين والناشطين.

وأوضح أن الاعتقالات طالت في نابلس 13 كادرا من الحركة معظمهم من ناشطي المقاومة الشعبية في بلدة بيتا، ثلاثة منهم لا يزالون رهن الاعتقال لدى اللجنة الأمنية المشتركة في سجن أريحا التابع للسلطة الفلسطينية.  

وقال شهاب إن الحملة في جنين لا تزال متواصلة منذ 23 نوفمبر/تشرين الثاني وطالت 7 من كوادر الجهاد إضافة إلى ما يقرب من 6 مناصرين للحركة من الناشطين الميدانيين في مخيم المدينة.

وأكد أن اعتقالات جنين جرت خارج المخيم حيث اختطف الشبان أثناء وجودهم في أعمالهم.

وتابع "حملة جنين تحديدا جاءت بطلب إسرائيلي، فلقد أثبت مخيمها مؤخرا قدرة المقاومة على منع اقتحامه من قبل الاحتلال عبر الرباط الليلي العسكري".

وبدوره، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن لقاء محمود عباس رئيس الشاباك جاء خصيصا للتنسيق ووضع خطة لإنهاء حالة المقاومة في جنين والضفة الغربية عموما.

وبعدها مباشرة شهد المخيم بدء الحملة الأمنية تجاه المقاومة ومدن أخرى في الضفة الغربية والقضاء الشرقي لمدينة القدس، حيث شاركت في هذه الحملة قوى أمن السلطة وكذلك قوات الاحتلال.

وأضاف الصواف في حديث لـ "الاستقلال": "العلاقة بين السلطة ورأس هرمها محمود عباس وبين المخابرات الإسرائيلية وطيدة".

 ويعتبر الشاباك أكثر المؤسسات الإسرائيلية تعاونا مع السلطة لمتابعة تحركات المقاومة، ومنع أي عمليات ضد الاحتلال وتأمين المستوطنات، وفق الصواف.

وأكد أن السلطة تدرك جيدا أن عودة نشاط المقاومة يمثل تهديدا لها بقدر التهديد الذي تمثله للاحتلال.

إذ إن أهم أهداف إنشاء السلطة هو حراسة الوجود الإسرائيلي في الضفة تحت مسمى التنسيق الأمني "وعندما تعجز عن أداء هذا الغرض فلن يكون لها وجود"، بحسب تعبيره.

وشدد المحلل السياسي على أن تصريحات السلطة التي تنكر وجود مقاومة في جنين وتصف المقاومين بالخارجين عن القانون ومثيري الفوضى والفلتان الأمني هي بمثابة تمهيد لمواصلة واشتداد الحملة الأمنية الواسعة تجاه المدينة.

وتابع "جنين بحكم موقعها الجغرافي هي أقرب مدن الضفة إلى العمق الصهيوني (حيفا – نتانيا) والمستوطنات، وأقرب حتى من بعض بلدات الداخل المحتل".

لذلك فهو يرى أن "وجود مقاومة فيها يمثل تهديدا جديا للمستوطنين، وهناك تخوف إسرائيلي من أن تشكل نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات في المدن المحتلة".

لكن جنين التي واجهت معركة كبرى ومجازر عام 2002 وعادت لتشتعل من جديد في وجه الاحتلال "ستستمر مهما حاولت السلطة إنهاء المقاومة فيها"، بحسب تقدير الصواف.

المقاومة تتصدى

وبعد اشتداد الحملة الأمنية، هاجم مسلحون في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، مقر المقاطعة (التابع لقيادة السلطة) بجنين شمال الضفة الغربية برشقات نارية من الأسلحة الرشاشة.

وكانت السلطة في ذات اليوم قد اعتقلت 6 من كوادر وناشطين من حركتي حماس والجهاد من بينهم أسرى محررون. وأفادت وكالة القدس الإخبارية، بأن أجهزة أمن السلطة اعتقلت الأسرى المحررين نور الدين الجربوع ومحمد تركمان وثائر شواهنة وأحمد الغول ووسام وأحمد أبو الرب.

من جانبه قال الشاب إسلام (27 عاما) من مخيم جنين، رفض نشر اسمه كاملا، إن المدينة تشهد انتشارا كبيرا وحواجز لعناصر الأمن منذ تغيير قادة الأجهزة الأمنية.

وكشف في حديث لـ "الاستقلال" أن السلطة تنفذ حملات اعتقال لعناصر المقاومة والناشطين في التنظيمات الفلسطينية وخصوصا من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس.

وكذلك باتت تمنع رفع رايات أي فصيل فلسطيني سوى علم حركة التحرير الوطني "فتح".

وتهاجم قوات أمن السلطة مسيرات الاحتفال بالإفراج عن الأسرى التي ترفع فيها رايات حماس والجهاد الإسلامي وحتى جنازات الشهداء لم تسلم من هذا السلوك.

وأضاف "كانت السلطة في جنين تعمل بشكل خفي نوعا ما وغير مباشر كجمع الدراجات النارية التابعة للمقاومين قبيل الاقتحامات ولكنها باتت أكثر وضوحا الآن حيث تنصب الكمائن وتعتقل الأسرى المحررين وتنشر عناصرها بزي مدني".

وأكد إسلام أن الاقتحامات منذ عودة نشاط المقاومة في جنين خلال معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021 كانت تتم من خلال قوات الاحتلال الخاصة.

وكانت قوات الاحتلال تقتحم أحياء محددة وتعتقل المطلوبين، وهو ما كان يعرضها لإطلاق النار من المقاومة.

ولكن اليوم السلطة حلت محل هذه القوات بشكل واضح، وباتت تستهدف الناشطين الذين كان الاحتلال يستهدفهم في اقتحاماته.

وسبق بدء الحملة الأمنية عدد من عمليات إطلاق النار تجاه أهداف إسرائيلية، كان أحدثها إعلان غرفة العمليات المشتركة للمقاومة بجنين، في 14 أكتوبر/تشرين الأول، عن استهداف برج دوتان العسكري للاحتلال جنوب المدينة. 

وفي السياق، أعلنت الإذاعة الإسرائيلية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، أن قوات الاحتلال اعتقلت في الأسابيع الأخيرة أكثر من 50 ناشطا، خلال تنفيذها مداهمات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية.

وبحسب الاحتلال، فإنه سمح بالنشر عن القبض على شبكة واسعة لحركة حماس تضم أكثر من 50 ناشطا، والعثور على أسلحة وأحزمة ناسفة كانت الشبكة تعتزم استخدامها في عمليات بالضفة.

وبين أنه جرى الكشف عن خلية وبنية تنظيمية واسعة لـ"حماس"، ادعى أنها كانت تخطط لتنفيذ عمليات وتفجيرات ضد إسرائيل.

وبدوره، قال وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، إننا "لن نسمح لحركة حماس بموطئ قدم في القدس الشرقية".

وأضاف "تحاول حماس إشعال الوضع داخل إسرائيل، وبالأخص في الضفة، وهذه محاولة خطيرة وقد فشلت، لن نسمح لها بتحويلها إلى غزة أخرى".