بإصرار الرباط على التطبيع.. مغاربة يفندون ادعاءات النظام ويرصدون تناقضاته
الاحتجاجات الداخلية في المغرب والدعوات الفلسطينية لوضع حد لمسار التطبيع مع إسرائيل لم تفرمل مواصلة الرباط في توطيد علاقاتها مع الاحتلال عبر توقيع مزيد من الاتفاقيات الثنائية، أبرزها في الملفين الأمني والعسكري.
هذا الإصرار "الرسمي" يجابهه رفض "شعبي" يحذر من خطر "الاختراق الصهيوني" على المملكة التي كانت حتى الأمس القريب من أشد الداعمين للقضية الفلسطينية العادلة.
وتتمثل الرواية المغربية الرسمية وفق مراقبين في أن موقف البلاد من فلسطين ظل وسيظل ثابتا، والأولوية لتعزيز مصالح الرباط العليا بشراكات مع أي جهة وفي أي مكان.
وفي هذا الاتجاه، جدد العاهل المغربي محمد السادس في رسالة بمناسبة "اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني" في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، الدعوة إلى إطلاق جهد دبلوماسي مكثف لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، من أجل التوصل إلى تسوية القضية الفلسطينية،في إطار حل الدولتين.
فيما يرى معارضون لتوجه المغرب التطبيعي أنه ليس بحاجة إلى التعاون مع إسرائيل، لا أمنيا ولا اقتصاديا ولا عسكريا، سيما وهو يتمتع بعلاقات مستقرة على كافة الأصعدة مع اللاعبين الدوليين.
طعنة في الظهر
في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس زيارة إلى المغرب، استمرت يومين، هي الأولى من نوعها، إذ لم يسبق لأحد من أسلافه في هذا المنصب أن زار الرباط.
وجرى خلال الزيارة الإعلان عن توقيع اتفاقيتين بين البلدين في مجالات عسكرية، وسط انتقادات للزيارة من جهات عدة بالبلاد، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتأتي الزيارة تتويجا لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمغرب نهاية 2020، بعد توقفها عام 2002، ومنذ ذلك الحين تم افتتاح سفارة لإسرائيل بالمغرب خلال زيارة قام بها وزير الخارجية يائير لابيد إلى الرباط في أغسطس/آب 2020.
وبالتزامن مع تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل اعترفت واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ عقود بين الرباط وجبهة "البوليساريو"، المدعومة من الجزائر.
ولاقت الزيارة والاتفاقات الأمنية الموقعة رفضا كبيرا واستهجانا من مناهضي التطبيع في المغرب، فيما اعتبرتها هيئات فلسطينية بـ"الطعنة".
ووصفت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي وقعها المغرب مع إسرائيل بـ"طعنة في ظهر القدس".
وأدانت الحركة، في بيان صادر في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، توقيع تلك الاتفاقيات، وقالت إنها "تفتح شهية الاحتلال على المزيد من التهويد للمدينة المقدسة ومحيطها".
وخاطبت "فتح" الملك المغربي محمد السادس بصفته رئيس "لجنة القدس"، قائلة إن اللجنة "مؤسسة عربية إسلامية، انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1975، يترأسها جلالته شخصيا، مهمتها حماية القدس الشريف، من خلال التصدي للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الطابع العربي الإسلامي للقدس".
واعتبرت أن "الاتفاقيات لن تكون سوى لبنات في طريق التخلي عن مسؤوليات المغرب القومية والدينية تجاه فلسطين".
من جانبها، دعت حركة "حماس"، في بيان في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 المغرب إلى "التراجع العاجل" عن الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي وقعها مع إسرائيل، وقطع علاقته معها.
ووصفت حماس تلك الخطوة بـ"الانتكاسة"، معتبرة أنها "لن تؤدي سوى إلى استباحة السيادة المغربية، ومزيد من سفك دماء الشعب الفلسطيني، وارتكاب الجرائم والانتهاكات بحقه".
وقالت إن "مكانة المغرب التاريخية ودور شعبه تجاه فلسطين والقدس لا يمكن أن يستقيم مع التطبيع والتحالف مع العدو الصهيوني، والإسهام في دمجه في المنطقة".
واعتبرت حماس أن "استقبال المغرب لوزير الدفاع غانتس خطيئة كبرى بحق الشعب الفلسطيني وقضيته"، واصفة إياه بـ"مجرم الحرب الذي لطالما افتخر بقتل العرب والفلسطينيين".
وغانتس كان وزيرا للدفاع بالحكومة الإسرائيلية السابقة المسؤولة عن العدوان الوحشي الأخير على أراضي السلطة الفلسطينية والبلدات العربية بإسرائيل، الذي أسفر عن 279 شهيدا، وآلاف الإصابات.
زمن الانبطاح
فيما شدد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 على أن "ما تقدم عليه بعض الدول مثل الإمارات والمغرب من الانغماس في التحالفات مع الكيان الصهيوني المحتل عمل مدان ومحرم شرعا وخيانة لحقوق الشعب الفلسطيني".
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قالت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية: "كنا نأمل من المغرب، الذي يرأس لجنة القدس، ألا يقدم على هذه الخطوة الخطيرة في ظل ما تمارسه إسرائيل من إجراءات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني"
واعتبرت اللجنة في بيان أن "هذه الاتفاقية "تضر بالأمن القومي العربي ومصالح الأمة العربية"، وطالبت المغرب بالتراجع عنها.
وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تصدر هاشتاغ (وسم) "التطبيع خيانة" منصة "تويتر" في المغرب، احتجاجا على أول زيارة يجريها وزير دفاع إسرائيلي إلى الرباط.
وغرد الناشط أحمد الحسني تحت هاشتاغ "التطبيع خيانة" عبر تويتر قائلا: "تلويث البلاد برجس الصهاينة جريمة لا يجوز السكوت عنها".
فيما قال أحمد حفصي عبر تويتر: "الضباط الإسرائيليون في المغرب شيء مثير للاشمئزاز في زمن الانبطاح والهوان".
بدورها، اعتبرت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة (غير حكومية)، في بيان، أن زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي "خطوة غير محسوبة العواقب، واستمرار في مسلسل التطبيع المذل مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين".
فيما خاطب الصحفي المغربي يونس مسكين مسؤولي بلاده بالقول: "مجرم الحرب الذي يأتي إليك ليضع يده في يدك ويمنحك ما يعتقده الخيال المريض للبعض سلاحا وعلما خارقا، فلأنه يريد منك في المقابل إقرارا وتزكية لجرائمه".
وأضاف في تدوينة على "فيسبوك": "لأن اعترافك به ثمين للغاية لكونك، شئت أم أبيت، موضوعا في نفس الخانة الحضارية مع ذلك الفلسطيني المغلوب على أمره، وبالتالي تصبح حجة عليه ومطية لسلب المزيد من أرواح أبنائه وبيوتهم".
وتساءل مسكين: "لماذا تحوج نفسك إلى جماعة عصابات عنصرية مقيتة؟ أين هي نخوتك ووطنيتك واستماتة أجدادك في محاربة الغزاة بالأظافر والأنياب حين غاب السلاح؟".
فتات مسموم
فيما قال الناشط المغربي عبد الله التيجاني في حديث لـ"الاستقلال" إن "إصرار الرباط الرسمي على مواصلة التطبيع رغم الرفض الشعبي راجع للمصالح المشتركة بين البلدين، تجارية، اقتصادية، سياسية.. وغيرها، فكل واحد يستقوي بالآخر لمصالحه، وطبعا المغرب أهدافه إقليمية، وإسرائيل لتبييض جرائمها".
إضافة إلى "التقارب التاريخي والتعايش بين المغاربة واليهود، حيث استقبل المغاربة اليهود عند طردهم من الأندلس (إسبانيا) وتناسلوا بينهم خصوصا في مدينتي فاس والصويرة، وخير دليل على هذا أن أقرب المستشارين من الملك يهودي (أندري أزولاي)، وفق التيجاني.
واستطرد: "علاوة على ذلك، هناك ضغط من أميركا وغيرها من الدول الكبرى وأيضا البنك الدولي للقيام بهذا القرار المرفوض من الشعب المغربي الذي خرج في مسيرات مليونية تشهد عليها شوارع العاصمة الرباط".
من جانبه، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، العالم المغربي أحمد الريسوني، اعتبر أن العلاقات مع إسرائيل "لن تضيف للمغرب إلا الاختراق والتوريط وصناعة العملاء".
وفي مقال نشره العالم المغربي عبر موقعه الإلكتروني، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تحت عنوان "المغرب الرسمي في مفترق طريقين".
قال الريسوني: "علاقة المغرب مع العدو الصهيوني لم تعد كما قيل لنا قبل سنة، مجرد اعتراف بدولة الاغتصاب، مقابل اعتراف الرئاسة الأميركية بسيادة المغرب على صحرائه، ولم تعد مجرد استئناف للعلاقات الدبلوماسية".
وتابع: "بل هي الآن تنغمس تماما في العشق الحرام مع العدو الصهيوني، وتفتح له كافة الأبواب: اتفاقيات شاملة، وزيارات متلاحقة، وغزوات صهيونية لا تبقي ولا تذر"، على حد وصفه.
وأضاف: "دائما في مثل هذه الحالات فإن القوي يفترس الضعيف، ويجعله في قبضته وفي خدمته، مقابل كسب موهوم وفتات مسموم، وفي مثل هذه الحالة أيضا يكتشف الناس لاحقا أن ما خفي أعظم وأسوأ مما يظهر الآن".
واعتبر أنه "من الناحية العسكرية، فإن المغرب مسيطر سيطرة تامة على صحرائه منذ 46 عاما، ويزداد رسوخه وتحكمه في الوضع، ولا تمر سنة أو بضعة أشهر إلا والانفصاليون يلوحون ويهددون بالعودة إلى الحرب، ثم لا يستطيعون شيئا فيلوذون بالصمت".
ومضى قائلا: "أما التسلح فكل دول العالم تعرض لنا ولغيرنا منتجاتها المتطورة ليل نهار، فالمغرب لا يعاني من حظر التسلح عليه، ولا من نقص في أصدقائه وحلفائه، فماذا سيضيف لنا العدو الصهيوني في هذه المجالات وغيرها، سوى الاختراق والتوريط وشراء الذمم وصناعة العملاء؟".