قد يصل أوروبا.. معهد إيطالي: صراع إثيوبيا مقدمة لنزاع أوسع نطاقا في إفريقيا
يرى معهد الدراسات العالمية في إيطاليا وجود أمل ضئيل في إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين القوات الفيدرالية في إثيوبيا و"الجبهة الشعبية لتحرير تغراي" نظرا لتدهور الوضع على الميدان.
وفي حوار مع "مجلة فورميكي" الإيطالية، حذر المعهد من أن الأزمة الحالية ستزداد سوءا، لا سيما وأن الأمر لا يقتصر على تبخر آمال وقف إطلاق النار، وإنما هناك خطر قوي يتمثل في تأجيج صراعات أخرى في البلدان المجاورة قد تمتد تداعياتها إلى أوروبا، وذلك بمجرد انتهاء الأزمة في إثيوبيا.
وتشهد إثيوبيا منذ أكثر من عام نزاعا مسلحا بين القوات الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، اشتدت ضراوته خلال الأيام الأخيرة مع تقدم ملحوظ للجبهة الشعبية باتجاه عدد من المدن الرئيسة.
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، صدق البرلمان الإثيوبي على تطبيق حالة الطوارئ في عموم البلاد، بعد يومين من إعلان الحكومة لها، نتيجة تقدم قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في أمهرة.
وتأتي التطورات في "تيغراي" بعد مرور عام كامل على اندلاع اشتباكات في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بين الجيش الإثيوبي والجبهة، بعدما دخلت القوات الحكومية الإقليم ردا على هجوم استهدف قاعدة للجيش.
وتسبب الصراع بتشريد مئات الآلاف، وفرار أكثر من 60 ألفا إلى السودان، وفق مراقبين، فيما تقول الخرطوم إن عددهم وصل إلى 71 ألفا و488 شخصا.
أمل ضئيل
وأوضح "نيكولا بيدي" مدير معهد الدراسات العالمية في جوابه على سؤال المجلة حول احتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار، أن هناك مجموعة من العوامل ميدانية في الوقت الحالي تجعل الأمل في ذلك ضئيلا للغاية.
وتابع "لا تريد حكومة آبي أحمد أن توقف العمليات القتالية خاصة وأن جبهة تحرير شعب تيغراي كانت أول من خرق الهدنة، وأيضا في ظل الزحف الجاري من قبل مقاتلي الجبهة وبداية حصار العاصمة أديس أبابا، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانوا يريدون دخول المدينة أم لا".
وفيما يتعلق بالأسباب الأخرى التي تمنع متمردي تيغراي على وجه الخصوص من وقف هجومهم، يشرح الموقع الإيطالي أن أهالي الإقليم لا يشعرون بالاستياء مما حدث في الماضي فحسب، بل يطالبون أيضا بضرورة تحرير نصف أراضيهم التي لا تزال تحتلها مليشيات عرقية، وجزئيا من قبل القوات الإريترية.
واعتبر أنهم عالقون في منطقة مغلقة ولا يمكن الوصول إليها ولتلقي المساعدات يسعون إلى توسيع سيطرتهم الإقليمية.
وعن وزن التحالفات التي يتم تشكيلها على الأرض بين مختلف القوات المسلحة والمليشيات، يرى مدير معهد الدراسات العالمية أنه في الوقت الحالي، ليس في صالح أي طرف على الأرض وقف النزاع لأسباب مختلفة.
وبين أن التحالفات التي يتم تداولها والتي تشكلت خلال هذا الصراع لا تزال غامضة.
كما اعتبر أن الإعلان عن ولادة تحالف مع قوات إقليم التيغراي متكون من تسع تنظيمات سياسية ومسلحة له أهمية نسبية.
ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن مقاتلو تيغراي عن تدشين "الجبهة المتحدة للقوات الفدرالية الإثيوبية".
وهو تحالف يضم 8 فصائل أخرى بهدف "إقامة ترتيب انتقالي في إثيوبيا"، حتى يتمكن رئيس الوزراء من الرحيل في أسرع وقت ممكن، حسبما قال يوهانيس أبرهة، وهو من مجموعة تيغراي، لوكالة أسوشيتد برس الأميركية.
وقال المعهد الإيطالي إن "أحد هذه التشكيلات حدث فيه انقسامات" في إشارة إلى جيش التحرير الشعبي لجامبيلا الذي تبرأ قادته من إعلان الانضمام إلى التحالف الجديد.
ولكن يجب أيضا التأكيد أن بقية المجموعات تعد مجرد تشكيلات صغيرة جدا، يقول المعهد.
مستقبل البلاد
وفي سؤال "فورميكي" عما إذا كانت هناك أيضا عقبات ذات طبيعة سياسية ورؤية لمستقبل البلاد تمنع التوصل إلى وقف إطلاق النار في إثيوبيا في الوقت الحالي، أفاد "نيكولا بيدي" بأن أول هذه العقبات يتمثل في أن إقليم تيغراي لا يخفي رغبته في الاستقلال من خلال إجراء استفتاء.
وبين أن المشكلة بالنسبة للسلطات الإثيوبية الفدرالية تكمن في أن دستور البلاد ينص على إمكانية الانفصال كحق دستوري وهو ما يريد إقيلم تيغراي الوصول إليه.
ولفت إلى أن فرضية استقلال تيغراي تثير مخاوف معظم الأقاليم الفيدرالية الأخرى، لأن تفكك الاتحاد الفيدرالي سيفضي إلى تشكل دول صغيرة شديدة الفقر وضعيفة على المستوى الإقليمي.
أما العائق الثاني وفق المحلل يتعلق بسخط سكان الإقليم الشديد تجاه إريتريا كما أنهم يطالبون بمنفذ على البحر الأحمر.
لذلك ستكون إريتريا جبهة حرب جديدة بمجرد حل الخلافات الداخلية في إثيوبيا.
وعن دور أوروبا وروما في هذه الأزمة، لاحظ المعهد الدولي "أنه في حين أن الاتحاد الأوروبي لديه ممثل خاص وفريق يهتم بالمفاوضات، رغم أن دوره غير فعال، تبدو إيطاليا غائبة عن هذه الأزمة".
وأضاف "بينما يمتلك الاتحاد الأوروبي هيكلا يتعامل مع منطقة القرن الإفريقي ويجري محاولات وساطة، تعاني إيطاليا في المقابل من مشكلة كبيرة في المنطقة لأن سياستها غير حاضرة وذلك جراء سنوات من اللامبالاة وعدم التخطيط كما حدث في الصومال وإريتريا".
وأردف: "إذا نظرنا إلى الفاعلين المفاوضين في المحاولات الدولية لإدارة الأزمة، ندرك أن إيطاليا هي الغائب الأبرز".
فكما يحدث في ليبيا، أصبح الفاعلون الكبار في ديناميكيات الأزمة هذه أطرافا ثالثة مثل الإمارات العربية المتحدة وتركيا وقطر، يلاحظ المعهد.
واعتبر أن إيطاليا في إثيوبيا أيضا باتت تحت رحمة سلسلة من الديناميكيات السياسية الجديدة التي تمليها الدول الصغيرة والغنية ولكن بأجندات واضحة.
وفي استفسار المجلة عن مخاطر هذه الأزمة بالنسبة لإيطاليا، أكد مدير معهد الدراسات الدولية بالقول "لا نملك منخرطين في إدارة الجهود الدبلوماسية لمحاولة تسوية مصالح هذه الأزمة وليس لدينا أي تخطيط لما بعد ذلك".
وحذر من أن الأزمة لن تنتهي بالمواجهة بين القوات الفدرالية وقوات تيغراي بل سيكون لها تطور في المنطقة.
وأشار إلى أن هناك العديد من الديناميكيات المستعجلة على غرار العلاقات بين كينيا والصومال، والتي تحتاج إلى معالجة ولكن في أي من هذه الأزمات "لا تلعب روما أي دور وهذه مشكلة خطيرة".
وشدد إلى "أن هناك حاجة إلى تحديد سياسة وطنية للقرن الإفريقي لأن هذه الأزمة ستكون لها آثار سياسية ضارة على إيطاليا حيث ستؤدي إلى تدفقات جديدة من اللاجئين ومن الخطر عدم التعامل معها".