"إعادة غير إنسانية".. موقع أوروبي يرصد انتهاكات قبرص بحق اللبنانيين
أكد موقع أوروبي أن قبرص تنتهك الاتفاقيات الدولية في تعاملها مع المهاجرين القادمين بحرا من لبنان، بعد أن دفعتهم الأزمة السياسية والاقتصادية لمغادرة بلادهم.
وأوضح موقع "سوشال يوروب" أن "لبنان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات في العالم، حيث فقدت عملته أكثر من 90 بالمائة من قيمتها، ويعيش أربعة من كل خمسة لبنانيين في فقر".
ووسط التدهور السريع للظروف المعيشية، وزيادة أسعار المواد الغذائية ونقص الوقود، يغادر الآلاف البلاد على أمل بدء حياة جديدة في الخارج.
تحديات عديدة
ولم يكن المواطنون اللبنانيون وحدهم من يحاول الفرار من البلاد، ففي السنوات الأخيرة أصبح لبنان موطنا لـ1.5 مليون لاجئ سوري، والذين يتعين عليهم الآن مرة أخرى التماس الحماية في مكان آخر.
وبالنسبة للبعض، هذا يعني الشروع في رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط إلى ساحل قبرص.
ووقعت قبرص ولبنان عام 2020، اتفاقا يسمح لقبرص بإعادة الأشخاص الذين يصلون إلى حدودها عن طريق القوارب، وقد انتقد المجتمع الدولي الاتفاقية لأنها تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يضمن عدم إعادة أي إنسان إلى بلد قد يواجه فيه معاملة قاسية وأذى.
وعلى مدى العقد الماضي، واجه لبنان العديد من التحديات الاجتماعية والسياسية التي فرضت ضغوطا كبيرة على اقتصاد البلاد.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نزل عشرات الآلاف إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية ووضع حد للفساد.
ورغم أن الحكومة تراجعت في نهاية المطاف واستقالت - بعد انفجار هائل بمرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020، في مستودع حيث تم تخزين نترات الأمونيوم بإهمال، ولم يحاسب أحد بشأنه - ظلت العديد من الشخصيات السياسية البارزة في السلطة، دون تنفيذ أي من الإصلاحات التي يمكن أن تنهي الأزمة.
ومنذ ذلك الحين، حدث تدهور اقتصادي أكثر خطورة وحرم الآلاف من إمكانيات كسب الدخل.
ودفع الافتقار إلى الخيارات لكسب العيش وإعالة أسرهم الكثير من اللبنانيين إلى محاولة الوصول إلى قبرص، يوضح الموقع الأوروبي.
وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن ارتفاع بنسبة 160 بالمئة في محاولات الهجرة غير النظامية بين لبنان وقبرص منذ عام 2019.
وتقدر الأمم المتحدة أن 82 بالمائة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وأن 36 بالمائة يعيشون في فقر مدقع، فيما يكافح الكثيرون لشراء الضروريات الأساسية، مثل الغذاء والدواء.
وفيما قد لا يتم الاعتراف بالصعوبات الاقتصادية كأساس للجوء، لكن الأزمة اللبنانية لها بعد سياسي قوي، يؤكد "Social Europe".
وأضفى اتفاق عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية طابعا مؤسسيا على الانقسامات الطائفية بين المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين، مما ترك الدولة مختلة، حيث يؤكد العديد ممن يحاولون الفرار من البلاد اليوم أنهم يفرون من الاضطهاد السياسي.
إعادة "غير إنسانية"
وبالنسبة لأسر اللاجئين السوريين، أفادت مؤسسة "بروكينغز" أن 90 بالمئة يعيشون في فقر مدقع، بزيادة من 55 بالمئة أوائل عام 2019.
وتحتاج غالبية الأسر السورية إلى اقتراض المال، وبالتالي البقاء على قيد الحياة فقط من خلال الاستدانة، فيما لم يعد لبنان مكانا آمنا لهم، لكنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون العودة إلى وطنهم، ولذلك قرر الكثيرون تجربة حظهم في الوصول إلى أوروبا، وهو ما يعني غالبا قبرص كمحطة أولى.
وتعد قبرص التي تقع على بعد 276 كيلومترا فقط من لبنان، واحدة من الوجهات الرئيسة التي اختارها الفارون من البلاد لسنوات، لكن كلما وصل المزيد من اللاجئين إلى قبرص، زاد ترددها في قبولهم.
وأمرت الحكومة القبرصية خفر السواحل بمنع مرور القوارب التي تقل الأشخاص القادمين من لبنان.
وبعد وصول اللاجئين إلى الساحل، يضطر البعض للعودة عبر البحر مرة أخرى، ويؤخذ آخرون إلى المعسكرات، حيث يجدون أنفسهم محتجزين دون إمكانية تقديم طلب لجوء.
وكان أحدث رد تم الإبلاغ عنه في أغسطس/آب 2021، عندما أوقفت سفن الشرطة البحرية القبرصية 88 لاجئا سوريا على بعد 15 كيلومترا فقط من الساحل، ووضعتهم على متن قارب وأعادتهم إلى لبنان، وتحاول الحكومة القبرصية تبرير مثل هذه الأحداث بـ"الحاجة إلى حماية حدود الاتحاد الأوروبي".
وتعد قبرص الآن الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تضم أكبر عدد من طالبي اللجوء.
وفي السنوات الأخيرة، تسبب اللاجئون القادمون من تركيا بالفعل في إجهاد نظام اللجوء في البلاد إلى أقصى حدوده.
ومع وصول أعداد متزايدة من لبنان، دعت قبرص الاتحاد الأوروبي إلى "تفعيل جميع الآليات المتاحة لمساعدة البلاد في إدارة وصول اللاجئين من سوريا ولبنان وتركيا".
وحتى لو كانت قبرص محقة في مخاوفها من أن البلاد قد لا تكون قادرة على استيعاب جميع اللاجئين القادمين من لبنان، فإن الطريقة التي يتم بها تنفيذ عمليات الإعادة "غير إنسانية"، يشدد الموقع الأوروبي.
انتهاك الاتفاقيات
وكشفت الأورو-متوسطية للحقوق، وهي شبكة تمثل 65 منظمة حقوقية، أنه من أجل إيقاف قارب يحمل لاجئين سوريين، كان خفر السواحل القبرصي "يعطلون محرك القارب، فيما يظل المهاجرون لساعات محرومين من الطعام والماء، بما في ذلك أمان الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة، وكذلك الأطفال والنساء الحوامل اللواتي اقترب موعد ولادتهن".
ومنذ توقيع لبنان وقبرص على الاتفاقية التي تسمح بإعادة اللاجئين، لجأت الحكومة القبرصية كثيرا إلى هذه الممارسة.
وأشار التقرير إلى أن عدم توفير الحماية الإنسانية للاجئين يعني إدانتهم بطريقة أو بأخرى بسوء المعاملة والجوع والعيش "في ظروف مهينة".
ويعد القيام بمثل هذه الممارسات، "انتهاكا" للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان واتفاقية عام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين.
وكما توضح المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذه الوثائق تتطلب من الدول "حماية حق الأشخاص في طلب اللجوء والحماية من الإعادة القسرية، حتى لو دخلوا بشكل غير قانوني".
وأكد الموقع الأوروبي أنه "لا يمكن للسلطات رفض دخول الأشخاص أو إعادتهم تلقائيا، دون إجراء تقييم فردي لمن هم في حاجة إلى الحماية".
ومع وقوع كارثة إنسانية في لبنان، من المتوقع أن يفر المزيد من الناس من البلاد ويلجؤوا إلى أوروبا طلبا للمساعدة، لذلك يجب على الاتحاد الأوروبي تكثيف جهوده لمساعدة الفئات الأكثر ضعفا وحماية الحقوق الأساسية للاجئين، وفق التقرير.
كما "يجب تخصيص المزيد من الأموال للبرامج التي تدعم مجتمعات اللاجئين واللبنانيين المعوزين. ويجب التركيز بشكل أكبر على منع نزوحهم، بدلا من التخفيف من أزمة اللاجئين الناجمة عن اليأس المتزايد لديهم".
وفي غياب حلول مستدامة للأزمة اللبنانية، ستستمر التوترات في البلاد في التصاعد وسيتعين على قبرص والاتحاد الأوروبي ككل الاستعداد لزيادة وشيكة في طلبات اللجوء.
وختم الموقع الأوروبي تقريره بالقول: "عند تنفيذ السياسات المصممة لإدارة تدفق اللاجئين، يتعين عليهم احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي والتزاماتهم بحماية اللاجئين، وكخطوة أولى، يجب أن تنتهي عمليات صد المهاجرين".