تآكل ثمار النمو مع تفاقم الدين العام.. كيف ينعكس على المجتمع الأردني؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ما زال الدين العام الأردني يشهد صعودا ملحوظا وبخاصة الخارجي منه الذي بلغ نحو 14.5 مليار دينار (20 مليار دولار) حتى النصف الأول من عام 2021، وهو الأعلى بتاريخ البلاد.

وتوقع البنك الدولي أن تبلغ نسبة الدين العام في الأردن من الناتج المحلي الإجمالي من 110.5 بالمئة لواقع 47.7 مليار دولار في نهاية عام 2020 إلى 113.2 بالمئة بواقع 50 مليار دولار في نهاية العام 2021.

وقفز إجمالي الدين العام خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2021 بمقدار 1.165 مليار دينار (1.64 مليار دولار) أي كان يزيد 166 مليون دينار (234.1 مليون دولار) شهريا، ليصل إجمالي الدين خلال هذه الفترة إلى 34.196 مليار دينار (48.23 مليار دولار).

وأشار البنك بتقريره في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حول الاقتصاد الأردني، إلى أن نسبة الدين بالأردن في العامين المقبلين سترتفع عن النسبة المتوقعة للعام 2021، بحيث تصبح 115 بالمئة و115.2 بالمئة على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت 109 بالمئة في عام 2020.

وهو الأمر الذي دفع البنك الدولي لاعتبار ارتفاع الديون من التحديات الكبرى التي تقف أمام التعافي القوي في الأردن.

وطالب بالاستمرار في الإصلاحات لتعزيز النمو الذي يقوده الاستثمار وخلق فرص عمل، خاصة مع وصول معدل البطالة إلى 24.8 بالمئة في الربع الثاني من 2021، بحسب دائرة الإحصاءات العامة.

نمو لحظي

ورغم تحقيق الأردن معدلات نمو اقتصادي في الربع الثاني فإن حجم الدين العام يتزايد نتيجة حاجة الحكومة للاقتراض من أجل سداد ديون مستحقة الدفع، وخاصة الخارجية منها، إضافة إلى ارتفاع فوائد الدين.

بالإضافة إلى طرح سندات يورو بوند في الأسواق العالمية لتوفير التمويل اللازم لسد عجز الموازنة العامة وتنفيذ أولويات تنموية واحتياجات أساسية للإنفاق على متطلبات مواجهة الجائحة.

وبلغت خدمة الدين الخارجي، أي الفوائد خلال شهر يوليو/ تموز 2021 حوالي 81.7 مليون دينار (115.23 مليون دولار) في حين بلغت تسديدات الأقساط الخارجية حوالي 22.4 مليون دينار (31.59 مليون دولار)، بحسب أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.

ويرى الخبير الاقتصادي، حسام عايش، أن تزايد الدين العام سنة بعد أخرى يعود في جانب كبير منه إلى أن الإيرادات المحلية والعامة التي تتضمن المنح والمساعدات لا تكفي لسداد نفقات الموازنة.

وأضاف عايش، لـ"الاستقلال"، أن العجز في موازنة 2021 المقدر بـ2.6 مليار دينار قبل المنح والمساعدات وحوالي ملياري دينار بعد المنح والمساعدات المتوقع أن تبلغ 577 مليون دينار يحتاج إلى مصدر إضافي لسد هذا العجز والمصدر الإضافي هو الديون.

وبالتالي تأتي الديون لتطفئ هذه الاحتياجات خاصة مع وجود نفقات إضافية أخرى طارئة تظهر بين الحين والآخر.

ولكن ما أثار حفيظة البعض هو استمرار تزايد هذه الديون على الرغم من تحقيق الاقتصاد الأردني نموا في الربع الثاني من عام 2021 بنسبة 3.2 بالمئة مقارنة مع نمو نسبته 0.3 بالمئة في الربع الذي سبقه، وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة الصادرة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

ويعود سبب عدم انعكاس هذا النمو على حجم الدين المتزايد، وفق عايش، إلى أن النمو الحاصل في الاقتصاد لحظي.

خاصة أنه مع توقعات النمو العام عند مستوى 2 بالمئة فيما أقل فإن هذه النسبة تقل عن معدلات النمو السكاني في البلاد والذي من المتوقع أن تبلغ 2.4 بالمئة مع نهاية العام بواقع 264 ألف نسمة جديدة.

ومن هنا، يكون معدل النمو سالبا قياسا مع معدل الزيادة السكانية، ما يعني أن مردود هذا النمو الاقتصادي على الاقتصاد والمواطنين يكون إما صفرا أو أقل من ذلك.

وهو الأمر الذي يجعل الحكومة مستمرة في زيادة المديونية بشقيها الداخلي والخارجي مما يترتب عليه المزيد من الفوائد على الحكومة وفق موازنة عام 2021 والتي تقارب 1.5 مليار دينار. ومن ثم، أصبحت المديونية تحتل جزءا كبيرا من حيز التفكير عند صانعي القرار الحكوميين.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن اللجوء إلى الاستدانة تنظر إليه الحكومات في الأردن بأنه يزيد الثقة بالاقتصاد، على الرغم من أنه لا يستطيع أن ينمو بما يوفر إيرادات إضافية، ما يعني استمرار الاستدانة في المستقبل.

وتأتي هذه الفكرة مع العلم أن أعباء المديونية تتحملها الأجيال القادمة، كونها تعد ضرائب مؤجلة وأن الاعتماد عليها كأحد مصادر الإنفاق في الأردن بجانب الضرائب المفروضة بالفعل يعد عبئا على الاقتصاد والمواطنين ومعوقا لمعدلات النمو الاقتصادي.

وخفض صندوق النقد الدولي في 24 أغسطس/آب 2021، توقعاته لنمو الاقتصاد الأردني من 2.5 بالمئة المتوقعة في المراجعة الأولى إلى 2 بالمئة لعام 2021.

بينما يتوقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد الأردني في نفس العام بنحو 1.9 بالمئة، ما يزيد من صعوبة المشهد.

مخاطر كبيرة

وتكبل هذه الديون قدرة الدولة على تسخير مقدراتها بالكامل لتقديم الدعم إلى أبنائها، حيث يقدر مستوى انعدام الأمن الغذائي الشديد لعام 2020 في الأردن بـ 13.5 بالمئة، ويعيش أكثر من 15.7 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، حسب المجلس الأعلى للسكان في المملكة.

ويرى عايش، أن زيادة حجم الدين له مخاطر كبيرة، خاصة وأن مخصصات الفوائد في الموازنة الأردنية تفوق مخصصات أي قطاع آخر مهم مثل قطاع التعليم والصحة والأجهزة الأمنية الداخلية. ولذلك فهي تشكل العبء الأكبر من الموازنة والذي يقتطع مباشرة من الإيرادات المحلية.

وبالتالي الحكومة أصبحت غير قادرة على الإنفاق الاجتماعي عبر تحسين خدماتها أو زيادتها، وهو الأمر الذي أصبح ملحوظا من انخفاض وتراجع مستوى الخدمات العامة سواء في الطرق والمراكز الصحية والتعليم بنوعيه سواء الأساسي أو الجامعي.

وتبرز تداعيات الاستدانة المستمرة، في تقرير حديث لـ"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" بعنوان "الأردن: تدهور واسع في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".

وقال التقرير إن الأردن وخلال السنوات الأخيرة الماضية شهد أزمات أثرت في حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.

وتتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الظروف الأساسية اللازمة للعيش بكرامة وحرية، وتتعلق بالعمل والضمان الاجتماعي والصحة والتعليم والغذاء والماء والسكن والبيئة الصحية.

ووفقا للتقرير فإن المملكة شهدت خلال السنوات الماضية عدة أزمات اقتصادية واجتماعية، من بينها تراجع النشاط الاقتصادي والمساعدات المالية المقدمة للاجئين في المملكة.

هذا إضافة إلى تفاقم تداعيات فيروس كورونا، والفساد والتهرب الضريبي، وتزايد الدين العام.

وأثرت هذه الأزمات على تمتع الأفراد والكيانات بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية المكفولة في القوانين المحلية والدولية ذات الصلة.

وأشار التقرير الحقوقي، إلى أن السياسات الحكومية أثرت "في بعض الأحيان بشكل مباشر على حق الأردنيين في العيش بكرامة والعمل والصحة والتعليم والمياه وتكوين النقابات".

وذكر التقرير أنه بالنسبة للقطاع الصحي، فمعظم المستشفيات العامة تعاني نقصا في العاملين، وبالتالي تقدم خدمات منخفضة الجودة، وهو ما يمكن حسمه في ظل تكرار الوفيات في المستشفيات بسبب سوء الخدمات المقدمة للمرضى، خاصة في الحالات الطارئة.

وأوصى التقرير بضرورة وضع خطة عمل عاجلة تتناول الأولويات الرئيسة لإنقاذ الوضع الاقتصادي في الأردن، ووقف الانتهاكات التي من شأنها مصادرة الحقوق التي لا غنى عنها للمواطنين الأردنيين.

الحلول اللازمة

لا يبدو أن هناك انفراجة قريبة، في ظل عدم وجود إرادة حقيقية من قبل الحكومات الأردنية، بالإضافة إلى الشروط التي يفرضها المقرضون الدوليون.

كما توجد تخوفات لدى صانعي القرار من اتخاذ قرارات تأتي نتائجها مخالفة للتوقعات خاصة فيما يتعلق بالمطالبة بالتحول إلى نموذج اقتصادي جديد.

وهو الأمر الذي دفع الخبير الاقتصادي حسام عايش، لوصف الحكومة وممارستها تجاه الوضع الاقتصادي بأنها "تدير الأزمة أكثر مما تتدخل لتطوير الاقتصاد أو تعديله".

وطالب عايش، بضرورة وضع خطة عمل طويلة الأمد وتغيير النموذج الاقتصادي الذي يعتمد بشكل أساسي على الديون للإنفاق على احتياجاته المختلفة.

كما دعا إلى ضرورة الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي من أجل زيادة وتوسيع القدرات الاقتصادية.

بالإضافة إلى تكوين شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص، مما يؤدي إلى نمو اقتصادي أكبر يسمح بتوفير فرص عمل وزيادة الإيرادات الحكومية وغير الضريبية.

كذلك ضرورة العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية التي تساعد في توفير مزيد من فرص العمل وتكون قادرة على أن تلعب دورا حقيقيا في إثراء العملة الاقتصادية وزيادة تراكم رأس المال المحلي الداخلي.

أما فيما يتعلق بالحلول على المدى القصير لتقليص الديون، فيرى عايش، ضرورة منع التهرب الضريبي مما يزيد من إيرادات الدولة ودمج الاقتصاد غير الرسمي في نظيره الرسمي.

فضلا عن تقليل الهدر في الموازنة عبر مراعاة كافة البنود المتعلقة بالإنفاق للتخلص من كل ما يشكل عبئا على الموازنة، إضافة إلى مواجهة الفساد.

ووفق بعض التقديرات فإن حجم الاقتصاد غير الرسمي في الأردن تتراوح نسبته على مدى السنوات الماضية حول ما يعادل 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وبالمقارنة مع الدول المجاورة تعتبر نسبة القطاع غير الرسمي في الأردن هي الأقل عربيا.