مشاهد الحرب الأهلية.. من المسؤول عن اشتباكات "تحقيقات مرفأ بيروت"؟

12

طباعة

مشاركة

استرجعت العاصمة اللبنانية بيروت 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، صور ومشاهد الحرب الأهلية اللبنانية التي عصفت بشوارعها 15 عاما منذ 1975 حتى 1990.

جاء التصعيد الميداني على خلفية مسار التحقيق بتفجير مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، الذي أدخل البلاد في أزمة لم يخرج منها حتى اليوم.

خلفيات الأحداث

وشهدت ساحة الطيونة في بيروت تظاهرة شعبية دعا لها حزب الله المدعوم من إيران ومعه حليفته حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، اعتراضا على المسار القضائي الذي يسلكه قاضي التحقيق طارق البيطار في ملف تفجير المرفأ.

حزب الله يعتبر أن البيطار ينفذ أجندة أميركية هدفها استهداف المقاومة في لبنان، من خلال استدعاء وزراء حركة أمل إلى التحقيق، وتسطير مذكرة توقيف بحق وزير المال السابق علي حسن خليل، الذي يعد اليد اليمنى لنبيه بري.

وما هي إلا دقائق حتى تحولت الطيونة إلى ساحة حرب بكل ما للكلمة من معنى، موقعة أكثر من 6 قتلى و70 جريحا وفقا لمصادر في الصليب الأحمر اللبناني.

ووفقا لمصادر تحدثت إليها "الاستقلال"، فإن التوتر بدأ في المنطقة إثر توجه مسيرة مؤيدة لثنائي حزب الله وحركة أمل من منطقة الشياح إلى الطيونة باتجاه العدلية، مرورا بشارع سامي الصلح، وسط هتافات "شيعة شيعة" و"بالروح بالدم نفديك يا نبيه".  

وبينما كان عدد من شبان منطقة فرن الشباك وعين الرمانة (مناطق مسيحية تابعة بأغلبها لحزب القوات اللبنانية المعادي لحزب الله) متجمعين على مداخل أحيائهم، وقع إشكال أول تخلله تكسير بعض المحال التجارية والسيارات والتراشق بالحجارة، سقط نتيجته 3 جرحى.

 وسرعان ما تطور الأمر إلى إطلاق نار متبادل، أعاد المنطقة أربعة عقود إلى الوراء، إلى أيام الحرب الأهلية.

ووفقا لهذه المصادر، كان الطرفان مستعدان لتطور الأمور نحو الفلتان الأمني، فكانت عناصر مسلحة موجودة داخل أبنية مهجورة، بينما حضر السلاح خلال لحظات إلى المتظاهرين الشيعة.

 واستمر الاشتباك قرابة الساعتين ثم انتقل إلى الشوارع المحيطة ومنطقة عين الرمانة المسيحية، خاصة بعد سقوط عدد من القتلى والجرحى، نتيجة الرصاص الكثيف الذي تخلله إطلاق عدة قذائف صاروخية. 

كما تعرضت وحدات للجيش اللبناني المنتشرة في المكان إلى بعض الرصاص، فاقتحمت مبنى واعتقلت أحد المشتبه فيهم بإطلاق النار، على الأثر.

وقالت قيادة الجيش في بيان إن وحداتها المنتشرة "سوف تطلق النار باتجاه أي مسلح يوجد على الطرقات وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار من أي مكان آخر"، وطلبت من المدنيين إخلاء الشوارع.

كما علق مئات تلامذة المدارس في مدارسهم في منطقة بدارو، وسط استحالة إخراجهم من المنطقة، على اعتبار أن خط سامي الصلح- الطيونة مقطوع بالقنص، أما خط المتحف- العدلية فكانت تعمل القوى الأمنية على إقفاله منعا لتطور الأمور، كما سبق لها أن أقفلت طريق فرن الشباك - بدارو.

ودفعت هذه الأحداث الى اجتماع عاجل لمجلس الأمن المركزي برئاسة وزير الداخيلة بسام المولوي، وحضور قيادات القوى الأمنية المختلفة من أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة.

وقال مولوي بعد الاجتماع، إن "مجلس الأمن المركزي شدد على ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي الذي هو أقدس الأقداس"، مشيرا إلى أنه "حتى الآن هناك 6 قتلى و16 جريحا".

وشدد المولوي على أن "الذين حضروا للتظاهرة أكدوا لنا أنها ستكون سلمية وإطلاق النار بدأ بعمليات قنص على الرؤوس، وتم إطلاق 4 قذائف b7 في الهواء". 

تقاذف المسؤولية

وأوضح حزب الله وحركة أمل، في بيان مشترك أنه "في تمام الساعة 10:45 (بالتوقيت المحلي)، وعلى إثر توجه المشاركين في التجمع السلمي أمام قصر ‏العدل، استنكارا ‏لتسييس التحقيق في قضية المرفأ، وعند وصولهم إلى منطقة الطيونة ‏تعرضوا لإطلاق نار مباشر ‏من قبل قناصين موجودين على أسطح البنايات المقابلة".

وأردف: "تبعه إطلاق نار مكثف أدى إلى وقوع ‏شهداء وإصابات خطيرة، حيث إن إطلاق ‏النار كان موجها على الرؤوس". ‏

وأضاف البيان: "هذا الاعتداء من قبل مجموعات مسلحة ومنظمة، يهدف إلى جر البلد لفتنة ‏مقصودة يتحمل ‏مسؤوليتها المحرضون، والجهات التي تتلطى خلف دماء ضحايا ‏وشهداء المرفأ، من أجل تحقيق ‏مكاسب سياسية مغرضة". ‏

ودعا الجيش اللبناني لتحمل المسؤولية والتدخل السريع ‏لإيقاف "هؤلاء ‏المجرمين"، وناشد البيان جميع الأنصار والمحازبين إلى الهدوء وعدم ‏الانجرار إلى "الفتنة الخبيثة". ‏

وأتبع ذلك بيانا آخر، صدر عن الطرفين بعد عصر ذات اليوم، تضمن اتهاما مباشرا لحزب القوات اللبنانية بالوقوف خلف الاعتداء على المتظاهرين.

وقال البيان: إن المشاركين في التظاهرة تعرضوا إلى اعتداء مسلح من قبل مجموعات من حزب "القوات اللبنانية" التي انتشرت في الأحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد "مما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى".

من جهته حمل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حزب الله مسؤولية ما حدث، وقال في بيان نشره في يوم الحدث: "إن السبب الرئيس لهذه الأحداث هو السلاح المتفلت والمنتشر والذي يهدد المواطنين في كل زمان ومكان".

ودعا جعجع كلا من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري الدفاع موريس سالم والداخلية بسام المولوي إلى إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات عما جرى في العاصمة.

وأشار الى أن "السلم الأهلي هو الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، ما يتحتم علينا المحافظة عليه برمش العيون، ولكن ذلك يتطلب منا جميعا التعاون للوصول إليه".

ثم أصدرت الدائرة الإعلامية في القوات اللبنانية، بيانا ردت فيه على البيان الثاني لثنائي حزب الله وحركة أمل.

ورأت في البيان الذي نشرته الوكالة الوطنية للإعلام، (رسمية)، أن ما حصل من أحداث مؤسفة على الأرض، هو موضع استنكار شديد من قبلنا، "وما هي سوى نتيجة عملية للشحن الذي بدأه السيد حسن نصرالله (الأمين العام لحزب الله) منذ أربعة أشهر بالتحريض في خطاباته كلها على المحقق العدلي".

أضف إلى ذلك، "الدعوة الصريحة والعلنية لكف يده، واستكمالها بإرسال مسؤوله الأمني وفيق صفا إلى قصر العدل مهددا ومتوعدا القاضي بالقبع، وصولا إلى تخيير مجلس الوزراء بين التعطيل أو إقالة القاضي البيطار".

وتابع: "عندما وجد الحزب أن هناك عدم تجاوب مع تهديداته دعا إلى التظاهرة التي حصلت".

وأضافت أن "وسائل الإعلام كلها إضافة إلى الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد بالملموس الظهور المسلح بالأربيجيات والرشاشات والدخول إلى الأحياء الآمنة".

وأكدت ان "اتهام القوات اللبنانية مرفوض جملة وتفصيلا، وهو باطل والغاية منه حرف الأنظار عن اجتياح حزب الله لهذه المنطقة وسائر المناطق في أوقات سابقة".

وأشارت إلى أن ما جرى "يعرفه القاصي والداني وهو مواجهة العدالة بالمنطق الانقلابي نفسه، واستخدام السلاح، والترهيب، والعنف، والقوة لإسقاط مسار العدالة في انفجار مرفأ بيروت".

غياب رسمي

رسميا، لم يسجل أي تدخل فعلي للحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي على خط تهدئة الأمور، بل اكتفى الأخير بالإشادة بدور الجيش اللبناني في التعامل مع هذه الأحداث التي وصفها بالمؤسفة.

وجاءت تصريحات ميقاتي بعد زيارته مقر وزارة الدفاع في منطقة اليرزة، حيث كان في استقباله كل من وزير الدفاع موريس سالم وقائد الجيش جوزيف عون.

ومساء يوم الأحداث، توجه الرئيس ميشال عون بكلمة إلى اللبنانيين، أكد فيها أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأننا ذاهبون في اتجاه الحل وليس الأزمة.

واعتبر عون في كلمته التي بثتها وسائل الإعلام المحلية، أن "ما شهدناه اليوم مؤلم وغير مقبول بصرف النظر عن الأسباب والمسببين".

 وأكد أنه "ليس مقبولا أن يعود السلاح لغة تخاطب بين الفرقاء اللبنانيين، لأننا جميعا اتفقنا على أن نطوي هذه الصفحة السوداء من تاريخنا".

وأشار إلى أن "دولة القانون والمؤسسات التي ارتضاها الجميع، وهي تضمن الحريات لا سيما منها حرية التعبير عن الرأي، يجب أن تكون وحدها، من خلال مؤسساتها، المرجع الصالح والوحيد لمعالجة أي إشكال أو خلاف أو اعتراض".

ورأى رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري في بيان نشرته الوكالة الوطنية للإعلام، أن "ما حصل في بيروت من مشاهد إطلاق نار وقذائف وانتشار للمسلحين، أعادنا بالذاكرة إلى صور الحرب الأهلية البغيضة، وهو أمر مرفوض بكل المقاييس، ومستنكر ومدان بأشد التعابير والكلمات".

وناشد "الجميع اعتماد الحوار وسيلة لحل المشاكل ورفض الانجرار إلى الفتنة التي قد تجر البلاد إلى ما لا يحمد عقباه".

ودعا الجيش والقوى الأمنية إلى اتخاذ أقصى الإجراءات والتدابير لمنع كل أشكال إطلاق النار، وتوقيف المسلحين وحماية المدنيين ومنع الاعتداء عليهم وحماية الممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على السلم الأهلي.

وأعربت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا في بيان، عن "قلقها البالغ إزاء اندلاع أعمال العنف التي وقعت في أحياء من بيروت والتي تسببت بعدد من الوفيات والإصابات". 

ودانت "اللجوء إلى العنف المسلح خارج سلطة الدولة"، وشددت على "ضرورة ضبط النفس والحفاظ على الهدوء وضمان حماية المدنيين".

وتعقيبا على الحدث، كتب مدير تحرير جريدة المدن الإلكترونية الكاتب يوسف بزي، في مقالة له أن حزب الله يمكنه أن يحرك جموعا وجحافل راجلة أو آلية لاحتلال ساحات وشوارع في أي ساعة يشاء، لقلب موازين سياسية أو ردعا لأي اعتراض. 

وأضاف: "كل ذلك مفهوم ومعتاد، ونحن سلمنا له بانتصاراته وتفوقه وفائض قوته وصلابة عزيمته، كما أسلمنا لشعبه وأتباعه بسلاحهم وعصبيتهم وبأسهم".

لكن، قال بزي: "ما ليس مفهوما هو اضطرار نصرالله، بكل جبروته وعنفوانه أن يضع نفسه وحزبه وطائفته وجيشه ومستودعات صواريخه ورصيده السياسي وسلطته الهائلة ونوابه ووزرائه وشيوخه، بمواجهة قاض أعزل لا سند سياسيا له ولا حزب ولا عشيرة ولا طائفة ولا جهاز أمنيا يحميه ويدعمه. مواجهة لا حد أدنى فيها للتكافؤ".

وسأل السياسي اللبناني توفيق سلطان: "ماذا بقي من تفاهم مار مخايل (صفقة عقدت بين حزب الله وميشال عون عام 2008 فحواها أن يؤيد حزب الله انتخاب عون رئيسا للجمهورية وهو ما حدث عام 2016، مقابل أن يمنح عون غطاء مسيحيا لسلاح الحزب)؟ هل شمله إطلاق النار في الطيونة؟ هل جرى تعميد التفاهم بدماء الشهداء والجرحى؟".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": هل سنعود إلى حادثة بوسطة عين الرمانة (الشرارة التي أطلقت عبرها الحرب اللبنانية عام 1975)؟ 

وقال أنطوان سعد وهو سياسي وأكاديمي معارض لحزب الله، لـ"الاستقلال": "تثبت أحداث اليوم أنه يمكن التعايش بين الحضارات ضمن الدولة الواحدة، لكن مستحيل التعايش بين الإرهاب والإيديولوجيا والدويلة والدولة".

ويضيف: "لو لم يتدخل الجيش كنا كأبناء منطقة مضطرين للدفاع عن وجودنا كي نحفظ حضورنا لتبقى لنا الحرية ولتبقى شعلة صمودنا ومواجهتنا لحزب الله قائمة".