عباس يعين الشيخ خليفة له.. تحسبا لعودة البرغوثي أم إلغاء لفكرة الانتخابات؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع هدنة الـ6 أشهر في قطاع غزة، والبحث عن قيادة جديدة لحكمها مع الضفة الغربية، تحرك الرئيس الفلسطيني محمود عباس لوضع ترتيبات استباقية مختلفة، كأمر واقع، وتثبيت سلطته هو وأنصاره.

هذه التغييرات التي تمثلت من خلال “إعلان دستوري” في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، يتولى بموجبها نائبه حسين الشيخ مهامه الرئاسية في حال غيابه، أثارت جدلا سياسيا ودستوريا، خاصة أنه ثاني إعلان دستوري لتثبيت "الشيخ" بعد الأول عام 2024.

قرار عباس  (89 عاما) طرح تساؤلات عما إذا كان هدفه التحضير لخلافته؟ أو محاولة لإلغاء الانتخابات الرئاسية، وقطع الطريق أمام انتخابات تأتي بقيادة فلسطينية جديدة.

محللون فلسطينيون وصفوا هذا الإعلان الدستوري بأنه يستهدف إلغاء الحديث عن أي انتخابات رئاسية مقبلة وتعيين رئيس بديل له مستقبلا بدون انتخابات، لضمان السيطرة على "سلطة رام الله".

ورجح آخرون أن يكون قرارا استباقيا لإفشال خطط أميركية محتملة لإطلاق مروان البرغوثي ليدير غزة، وربما لاحقا الضفة، ضمن فكرة “دولة حكم ذاتي فلسطينية”، أي محاولة للهروب من كابوس تولي البرغوثي المتوقع الإفراج عنه من معتقلات الاحتلال لهذا المنصب.

والقيادي الفلسطيني في حركة “فتح” البرغوثي، تعتقله إسرائيل منذ 23 سنة ومحكوم عليه بـ5 أحكام بالسجن المؤبد.

أسباب النزول

وسبق لعباس، أن قرر في 26 أبريل/نيسان 2025، تعيين حسين الشيخ، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع أجهزة أمن الاحتلال، نائبا رسميا لرئيس السلطة، فلماذا القرار الجديد؟

في هذا التاريخ (أبريل 2025) استحدث المجلس المركزي الفلسطيني منصب "نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس دولة فلسطين"، ليصبح الطريق ممهدا لـ"الشيخ" لتولي الرئاسة بعد عباس الذي يعاني المرض وكبر السن.

لكن قرار 26 أكتوبر 2025، يختلف في أنه فرض الشيخ بشكل نهائي كنائب ومرشح وحيد لرئاسة السلطة بعد عباس، في صورة "إعلان دستوري"، ما يؤهله ليكون ثالث رئيس فلسطيني بعد ياسر عرفات وعباس.

إعلان عباس الدستوري الجديد برر الهدف منه أنه "تنظيم آلية انتقال السلطة حال شغور منصب رئيس السلطة الوطنية، وذلك في ظل غياب المجلس التشريعي".

وقضى بأن يتولى نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (نائب الرئيس الفلسطيني) مهام رئاسة السلطة بصورة مؤقتة لمدة لا تتجاوز 90 يوما، تجري خلالها انتخابات مباشرة لانتخاب رئيس جديد وفق قانون الانتخابات الفلسطيني.

ولأن الانتخابات عُطلت، تارة من جانب عباس وتارة من جانب حكومة الاحتلال، فقد تم النص على تمديد الفترة الانتقالية لمرة واحدة فقط بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني، حال تعذر إجراء الانتخابات بسبب "قوة قاهرة".

وهذا البند يعطي مرونة كبيرة قد تُستخدم كذريعة لتأجيل الانتخابات إلى ما لا نهاية بنفس الحجة (القوة القاهرة).

ولضبط مقعد الرئاسة مستقبلا على مقاس "الشيخ"، مرشح إسرائيل المُفضل، ألغى الإعلان الدستوري الجديد، إعلانا سابقا، صدر في 27 نوفمبر 2024، كان يقضي بأن يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني رئاسة السلطة حال شغور المنصب.

وعد هذا المرسوم الأول لعباس بتعديل القانون، وتعيين روحي فتوح، بحيث يكون خليفته في الرئاسة لو غاب، خطوة تهدف إلى منع انتقال الرئاسة إلى عزيز دويك، رئيس المجلس التشريعي المنحل والمنتمي لحركة حماس، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 26 أكتوبر 2025.

ولكن، بموجب القواعد الجديدة، يكون حسين الشيخ، نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، هو المسؤول الذي سيتولى المنصب مؤقتا حال شغوره.

إغلاق الطريق

وتشير تحليلات إسرائيلية وأميركية، منها تحليل لـ"معهد دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي، أن هذه الخطوة، وما سبقها في أبريل 2025، بمثابة "تهيئة" أو "تخطيط"، لخلافة عباس وليست فقط إجراء بروتوكوليا.

وترى أن تعيين الشيخ يعكس رغبة عباس في ضمان انتقال منظم للسلطة، خصوصا مع تقدمه في السن وضغوط داخلية وإقليمية.

وتشير إلى أن اختيار الشيخ، جاء لأنه يمتلك علاقات قوية مع إسرائيل والدوائر الدولية، ما يجعله مرشحا مفضلا من غالبية الأطراف.

كما ترى أن عباس يعتقد أن قراره يلبي بعض الجوانب المطلوبة أميركيا، على صعيد الإصلاحات، ويعيد التأكيد في الوقت عينه على استعداد السلطة الفلسطينية للاضطلاع بدور متقدم في تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة الأميركية.

وكانت الخطوة الأولى (إنشاء منصب نائب رئيس في أبريل 2025)، جزء من إستراتيجية إعادة هيكلة داخل منظمة التحرير والسلطة، تحت ضغط داخلي وخارجي.

أما الخطوة الثانية، بتثبيت تعيين الشيخ مباشرة، بإعلان دستوري، كنائب لعباس، فتعني ترتيب خلافة عباس بلا انتخابات بشكل نهائي.

وهي خطوة تخدم أمرين، التخطيط لخلافة عباس مستقبلا، وتأمين بقاء النظام القائم حاليا، بما في ذلك تأجيل الانتخابات، إن رأى عباس أو حلفاؤه أنه ليس في مصلحة السلطة إجراؤها حاليا.

وتشهد الساحة الفلسطينية منذ قرابة عقدين، انقساما سياسيا داخليا، وتعثر مسار المصالحة، وغياب الانتخابات العامة.

وعقب بدء العدوان على غزة، بدأت تحركات أميركية وإسرائيلية لترتيب "اليوم التالي" في غزة وتشكيل لجنة إدارية للقطاع، تتجاوز حماس والسلطة الفلسطينية معا، لذا تحركت السلطة للمطالبة بأن تكون إدارة غزة تحت مرجعيتها.

وخلال اللقاء الذي عقد بالقاهرة بين الفصائل الفلسطينية في 25 أكتوبر 2025، لبحث التوافق على اللجنة الإدارية لإدارة غزة، طلب وفد السلطة برئاسة الشيخ، أن تكون اللجنة تابعة لرام الله وليست منفصلة، وفق موقع "المنصة".

وزاد تشبث الشيخ بهذا الشرط في اجتماعات القاهرة للتوافق حول اللجنة الإدارية، وتعطيلها، بحجة "التشاور مع رام الله"، حديث الرئيس الأميركي ترامب عن احتمالات إطلاق البرغوثي، المعتقل لدى إسرائيل منذ 2002، ليدير غزة، وفق مصادر فلسطينية بالقاهرة لـ"الاستقلال".

المصادر أشارت إلى أن إصدار عباس المرسوم الدستوري الثاني لتعيين الشيخ نائبا له، يستهدف غلق الطريق أمام أي دور للبرغوثي حال إطلاقه، سواء في غزة (اللجنة الإدارية) أو قيادة السلطة الفلسطينية، بوصفه منافسا قويا.

أي إعادة إنتاج للنظام الفلسطيني الحالي بكل ما فيه بطريقة غير ديمقراطية، عبر فرض الأمر الواقع، وقطع الطريق أمام أي انتخابات فلسطينية في المستقبل، وقطع الطريق أمام ظهور جيل قيادي جديد، وفق مصادر فلسطينية.

“عرفات الجديد”

وفي 23 أكتوبر 2025 صرح ترامب بأنه "سيتخذ قرارا" بشأن إطلاق سراح البرغوثي ما عد إشارة إلى أن واشنطن تنظر إليه كجزء من المعادلة القيادية الفلسطينية المستقبلية، وفق وكالة "رويترز".

ويُشير الربط بين تعيين للشيخ، والتوقيت المرتبط بإشارة ترامب لبرغوثي إلى أن عباس أراد تثبيت خياره الخاص لخلافته (الشيخ) قبل أن يتحول البرغوثي إلى مرشح حقيقي قد يحظى بدعم دولي وإقليمي أو يصبح بديلا شعبيا، وفق المصادر الفلسطينية.

وبالموازاة، التعيين يُغير آلية التسلسل داخل السلطة، فبدلا من أن يكون البرلمان أو المجلس التشريعي (الذي توقف عن العمل)، له الكلمة، أصبح حسين الشيخ نائبا مؤهلا مباشرة، ما يقلل الفرصة أمام البرغوثي أو أي منافس آخر، ويلغي الانتخابات.

ورغم أن المرسوم ينص على انتخابات خلال 90 يوما، إلا أنه سمح بتأجيلها بحجة وجود "قوة قاهرة"، ما قد يُستخدم لتجميد الانتخابات التي يُمكن أن يستفيد منها البرغوثي.

ويعتمد نجاح الشيخ في استبعاد البرغوثي على ما إذا جرت انتخابات حقيقية أم لا، إذ إن غياب الانتخابات قد يُحول السلطة إلى استمرارية شكلية دون تغيير وينجح عباس بالكامل في إلغاء الانتخابات.

ويرى رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ديفيد هيرست، في تحليل نشره في 27 أكتوبر 2025، أنه "إذا لم يتول البرغوثي، أو شخص مثله، السيطرة على فتح في وقت قريب، فإن عباس سيجر حزبه وكل مؤسسة فلسطينية معه إلى الهاوية".

قال: إن مرسوم عباس بتعيين "الشيخ" خليفه له، يغلق الباب أمام أي منافس مثل البرغوثي أو أي انتخابات، مشيرا إلى أن "نائب عباس الجديد تمت الموافقة عليه من قبل كل من تل أبيب وواشنطن، لعلاقته الوثيقة بإسرائيل".

ولا يستبعد هيرست أن تغتال إسرائيل البرغوثي داخل السجن أو خارجه، إذا أصبح يوما ما منافسا جديا للسلطة في رام الله، كما فعلوا مع عرفات، الذي "مات مسموما"، وفق قوله.

ويقول بعض الخبراء: إن مخاوف إسرائيل، بخلاف عباس، من البرغوثي تعود لسبب آخر، إذ إنه من دعاة حل الدولتين رغم دعمه للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، مما يجعله شخصية موحدة وقادرة على حشد الفلسطينيين من حوله. 

ويقول موقع التلفزيون الألماني "دويتشه فيله" في 26 أكتوبر 2025، إن البرغوثي يحظى باحترام وإعجاب كبيرين بين قادة وقواعد حركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويشبهه كثيرون في فتح بأنه "ياسر عرفات الجديد".

ويتولى عباس (أبو مازن) رئاسة السلطة الفلسطينية بصورة غير شرعية منذ 15 عاما، بسبب رفضه إجراء انتخابات أظهرت استطلاعات سابقة أنه سيخسرها هو وتيار فتح ويفوز بها تيارات إسلامية مثل "حماس".

وبعد خلافات استمرت 15 عاما منذ الانتخابات التشريعية 2006، اتفق عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، الشهيد إسماعيل هنية، على إجراء انتخابات شاملة في فلسطين، في مايو/أيار 2021، لكنها لم تتم.

فقبل 24 ساعة من بدء الحملات الانتخابية، ألغى رئيس السلطة الفلسطينية في 29 أبريل 2021 "عمليا" الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في 26 مايو 2021، بإعلان تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

وكانت الدوافع الحقيقية لإلغاء عباس الانتخابات، هي إدراكه أن حركة "فتح" التي يتزعمها، ستسقط في الانتخابات، وتدخل الاحتلال لعرقلتها بطرق مختلفة.