"شبح الحرب".. لماذا تجددت التحذيرات من مواجهة وشيكة بين حزب الله وإسرائيل؟

مصعب المجبل | منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ما يزال لبنان يعيش على صفيح ساخن، في ظل مؤشرات متزايدة على احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين حزب الله وإسرائيل، وسط ما يبدو أنه "إحماء عسكري" متبادل بين الطرفين.

وفي تصعيد جديد في الخطاب، أكد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أن الحزب "جاهز للدفاع، لكنه ليس جاهزًا لشن معركة".

تسخين سياسي

أكّد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في مقابلة مع قناة "المنار" التابعة للحزب، نُشرت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أن الحزب "جاهز للدفاع، وليس جاهزًا لشن معركة"، مضيفا: "إذا فُرضت علينا معركة، ولو لم يكن لدينا سوى خشبة، فلن نسمح للإسرائيلي أن يمرّ. سنقاتله حتى لو لم يبقَ منا رجل أو امرأة".

وعن ارتفاع وتيرة القصف الإسرائيلي على لبنان، قال قاسم إن إسرائيل تعتمد هذه الوتيرة "لأن هناك قرارًا أميركيًا-إسرائيليًا يرى أن هذا الضغط العسكري قد يحقق سياسيًا ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالحرب".

في المقابل، نقلت صحيفة "معاريف" العبرية في 27 أكتوبر 2025 عن المحلل العسكري آفي أشكنازي قوله إن الجيش الإسرائيلي يركز هجماته بكثافة على حزب الله، الذي بات مجددًا الهدف الأول لتل أبيب منذ وقف إطلاق النار في غزة بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول.

وأشار أشكنازي إلى أن الجيش الإسرائيلي نفّذ أكبر مناورة تدريبية على طول الحدود مع لبنان، أجرتها "الفرقة 91" خلال الأسبوع الأخير من أكتوبر.

ورجّح أن "حزب الله" قد يهاجم مواقع عسكرية في مزارع شبعا المحتلة، أو يحاول استعادة مستوطنات مثل أفيفيم ويعرون وهانيتا، أو يشن هجمات صاروخية على العمق الإسرائيلي.

وفي السياق ذاته، أفادت هيئة البث الإسرائيلية يوم 27 أكتوبر أن "حزب الله" هرّب مئات الصواريخ من سوريا إلى لبنان خلال الأشهر الماضية، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي تمكن من إحباط جزء فقط من هذه الشحنات.

ونقلت الهيئة عن مسؤولين إسرائيليين أن تل أبيب أبلغت واشنطن بحاجتها لمواصلة العمليات العسكرية في لبنان، في ظل تصاعد عمليات تهريب السلاح من الأراضي السورية، مؤكدين أن هذه الأنشطة تمثل "تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل". وفق تعبيرهم.

ومع اقتراب الموعد الذي حددته الولايات المتحدة لنزع سلاح "حزب الله" بحلول نهاية عام 2025، يواصل الحزب رفضه للضغوط الدولية، معلنًا رفع حالة التأهب استعدادا لأي تطورات، بما في ذلك احتمالات العودة إلى المواجهة.

وقد بدا أن قرار الحكومة اللبنانية، الصادر في أغسطس/آب 2025، بشأن تجريد حزب الله من سلاحه قبل نهاية العام، ووضع الجيش خطة من خمس مراحل لسحب السلاح، قرار غير قابل للتطبيق عمليًا، بحسب مراقبين.

في المقابل، فإن الضربات الإسرائيلية المتكررة في الآونة الأخيرة، والتي استهدفت مواقع تابعة لحزب الله، بما فيها مراكز وعناصر وقيادات ميدانية، لم تمنع الحزب من إعادة ترميم قدراته، وفق ما تشير إليه التقديرات الأمنية.

وكانت إسرائيل قد شنت عدوانًا على لبنان في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تطوّر إلى حرب شاملة في 23 سبتمبر/أيلول 2024، أسفرت عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح.

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيّز التنفيذ، غير أن تل أبيب انتهكته أكثر من 3 آلاف مرة، ما أسفر عن مقتل 262 شخصًا وإصابة 563 آخرين، وفق بيانات رسمية.

وفي تحدٍّ للاتفاق، نفّذ الجيش الإسرائيلي انسحابًا جزئيًا من جنوب لبنان، لكنه لا يزال يحتل خمس تلال لبنانية سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة.

ضربات لا تهدأ

تواصل إسرائيل شن غارات متكررة على لبنان، تسفر يوميًا عن سقوط قتلى من عناصر "حزب الله" ومدنيين، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك في محاولة لممارسة ضغوط على الحكومة اللبنانية لدفع الجيش إلى نزع سلاح الحزب، الذي يرفض بشدة التخلي عن سلاحه.

ومنذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2025 وحتى 27 منه، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل 23 شخصًا، بحسب بيانات وزارة الصحة اللبنانية.

وفي 26 أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ غارة بطائرة مسيرة على بلدة النبي شيت في منطقة البقاع الشرقي، أسفرت عن مقتل علي حسين الموسوي، الذي وصفه بـ"مهرب أسلحة في حزب الله".

وفي اليوم نفسه، اغتيل قيادي آخر في الحزب يُدعى عبد محمود السيد، بقصف بطائرة مسيّرة استهدف بلدة الناقورة، حيث كان يعمل ممثلًا محليًا للحزب في منطقة البياضة جنوب لبنان.

وتفيد تقارير صحفية بأن علي حسين الموسوي عضو في الحرس الثوري الإيراني، وقد درس الطب في طهران، وشغل موقعًا بارزًا ضمن المسؤولين الكبار في العمليات العسكرية التي خاضها "حزب الله" خلال الحرب في سوريا، قبل أن يعود بعد سقوط نظام بشار الأسد ليتولى مهامًا أمنية وعسكرية في منطقة البقاع اللبنانية.

وسبق اغتيال الموسوي أربع عمليات اغتيال لقادة ميدانيين في "حزب الله" خلال أكتوبر 2025، بينهم زين العابدين حسين فتوني، الذي قال الجيش الإسرائيلي إنه يشغل منصب قائد في منظومة الصواريخ المضادة للدروع بوحدة قوة الرضوان التابعة للحزب، وكان "يهم بمحاولات إعادة إعمار بنى تحتية في جنوب لبنان".

تواصل إسرائيل تهديدها بحرب جديدة في لبنان تحت عنوان منع محاولات "حزب الله" من ترسيخ وجوده والوصول إلى مستودعات الأسلحة التي تضررت، ومحاولة إعادة بناء قوته العسكرية، بهدف تعقيد مهمة الحكومة اللبنانية في تنفيذ الجزء الخاص بها من اتفاق تفكيك سلاح الحزب.

ونقلت قناة "i24NEWS" الإسرائيلية في 27 أكتوبر 2025 عن مسؤول إسرائيلي لم تذكر اسمه قوله: "سنصل قريبًا إلى نقطة الحسم بشأن تنفيذ عملية في لبنان".

أفاد موقع "والاه" العبري في 27 أكتوبر 2025، أن حزب الله يستعد بحذر لحرب مستقبلية ضد إسرائيل، معتمداً سياسة احتواء محسوبة تضحي فيها قوات تكتيكية على الحدود بهدف الحفاظ على قوته وتعزيزها في العمق. في المقابل، يستغل الجيش الإسرائيلي "وقف إطلاق النار" لتعزيز إنجازاته العملياتية التي حققها خلال المواجهة الأخيرة على الجبهة الشمالية.

أهداف لم تتحقق

وفي هذا السياق، قال الباحث المهتم بالشأن الإيراني عمار جلو لـ"الاستقلال" إن تصريحات الأمين العام لحزب الله تستند إلى معطيات داخلية وخارجية، إقليمية ودولية، إلى جانب البروباغندا التي يعتمدها الحزب من خلال خطاب مرتفع النبرة يجمع بين القوة والغطرسة تحت شعار المقاومة.

وأضاف جلو: "على الصعيد الداخلي اللبناني، هناك عقدة كبيرة تتعلق بتفكيك سلاح حزب الله، وهي قضية شائكة بين الحكومة اللبنانية والحزب، تشهد جدلاً ونقاشاً مستمرين. هذه المسألة كانت وما زالت موضع خلاف داخلي".

وتابع: "أما على الصعيد الخارجي، فهناك دعم واضح لموقف حزب الله الرافض لنزع سلاحه، ما يعرقل جهود الحكومة في هذا المجال أو على الأقل يخفف من ضغط المجتمع الدولي عليها، لا سيما أن الحكومة تحاول دفع الحزب لتسليم أسلحته الثقيلة والمتوسطة".

وأشار جلو إلى أن "الضغوط الإقليمية والدولية على لبنان ترفع من احتمالات تفكيك البنية العسكرية لحزب الله في كامل الأراضي اللبنانية، جنوباً وشمالاً".

ومع ذلك، استدرك بأن "الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان تمثل خروقات واضحة لاتفاق وقف إطلاق النار، ما يعكس استمرار حالة التوتر والحرب المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل".

يرى الباحث عمار جلو أن "إسرائيل لم تحقق أهدافها كاملة في الجنوب اللبناني، ولا تزال متمسكة بالتواجد في بعض المواقع التي تعدها إستراتيجية في لبنان، وتواصل تنفيذ عمليات قصف شبه يومية، مما يعزز خطاب حزب الله الذي يبرر تمسكه بسلاحه بدعوى الرد على الخروقات الإسرائيلية".

وأضاف جلو: "لذلك، يعد حزب الله عدم تسليم سلاحه أو تفكيك بنيته العسكرية ردا موازيا على الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار".

وأوضح أن "وقف القتال في غزة قد يعيد تركيز الأنظار على حزب الله، خصوصاً أن إسرائيل لم تحقق هدفها في تحطيم الحزب معنويا وعسكريا وأمنيا، تمهيدا لتحويله إلى حزب سياسي فقط".

وأكد جلو أن "التصعيد في الخطاب بين إسرائيل وإيران يشير إلى احتمال اندلاع صراع مباشر بين الطرفين، فالجميع يستعد لمعركة مقبلة، وحزب الله كذراع إيرانية سيكون جزءاً من هذا المشهد".

وأشار إلى أن "أكبر خسارة لحزب الله في الحرب الأخيرة كانت بسبب القرار الإيراني بعدم استخدام الأسلحة الاستراتيجية أو الصواريخ الدقيقة، ما أدى إلى تكبده خسائر كبيرة".وتابع جلو قائلاً: "يبدو أن طهران تعيد برمجة استراتيجيتها، بحيث يصبح حزب الله درعا متقدما لها في مواجهة إسرائيل المقبلة، أو على الأقل ورقة ضغط عسكرية تُستخدم عند الحاجة".

وأضاف: "بعد اغتيال حسن نصر الله وتولي قيادي من الحرس الثوري الإيراني إدارة الحزب، أصبح حزب الله أشبه بواجهة إيرانية سياسية وعسكرية".

وأشار إلى أن "هذه المعطيات تفسر تصاعد حدة خطاب حزب الله تجاه إسرائيل حاليا، وهو تصعيد قد يكون خطيرا؛ لأنه يمنح إسرائيل مبررا لتوسيع عملياتها العسكرية في جنوب لبنان ومناطق أخرى، تمهيدا لما يمكن عده الحرب النهائية بعد أحداث 7 أكتوبر داخل الجغرافيا الإيرانية".

وختم جلو بالقول: "رغم حرص إيران سابقا على تجنب توسيع الصراع إلى أراضيها، فإن الهجمات التي وصلت بالفعل إلى الداخل الإيراني قد تدفعها الآن إلى إعادة إشراك حزب الله بقوة في المواجهة القادمة".