كيف مهدت إسرائيل الطريق أمام باكستان للتوغل في الشرق الأوسط؟

منذ ٩ ساعات

12

طباعة

مشاركة

"من وجهة نظر السعودية وقطر وإيران، بل وحتى روسيا، يبدو أن مسار تطور باكستان عام 2025 يمثل تحولا تدريجيا ومنهجيا، من دولة هامشية تقتصر على تصدير العمالة وتقديم الدعم الأمني، إلى لاعب رئيس في استقرار منطقة الشرق الأوسط".

بهذه الافتتاحية استهل موقع "نادي فالداي الدولي" الروسي تقريره تحت عنوان "دور باكستان في ضمان الأمن في الشرق الأوسط"، والذي توقع فيه أنه "إذا تمكنت إسلام أباد من الحفاظ على الاستقرار السياسي ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية، فقد تجد نفسها في موقع لم يكن أحد يتصوره قبل عقد من الزمن".

إعادة تموضع 

وأشار الباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية في إسلام أباد، محمد تيمور فهد خان، إلى أنه "خلال عام 2025 ومع تراجع حدة التوتر في عواصم دول الخليج العربي، برزت مكانة باكستان بشكل غير مسبوق".

وأردف: "فبعد أن كانت تُعد شريكا بعيدا، تحولت إسلام آباد عام 2025 إلى عنصر رئيس في إعادة تشكيل بنية الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط".

وأكد أن "هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لتماسك باكستان الإستراتيجي مقابل هشاشة النظام الإقليمي الذي يعاني من الحروب والعدوان وإعادة التموضع الدبلوماسي".

وفي هذا السياق، أبرز التقرير "الحرب القصيرة بين باكستان والهند في مايو/ أيار 2025 كنقطة تحول مفصلية في تاريخ جنوب آسيا، فرغم قصر مدتها، دفعت هذه المواجهة المراقبين في الشرق الأوسط إلى إعادة تقييم الدور الإستراتيجي لباكستان".

فوفقا له، "أظهرت هذه الأزمة ليس فقط الجاهزية العسكرية لباكستان، بل أيضا قدرتها على مواجهة الضغوط المنسقة دون الانزلاق نحو تصعيد غير محسوب".

وهو ما انعكس على حكومات الخليج القلقة من هشاشتها أمام الصدمات الخارجية، حيث رأت أن "قدرة إسلام آباد على إدارة أزمة مع قوة عظمى منحتها مكانة جديدة ومعتبرة".

تعزيز المكانة

ولفت الموقع الروسي إلى أنه "سرعان ما انتقل هذا التأثير إلى المستوى السياسي، ففي 17 سبتمبر/ أيلول 2025، وقعت باكستان والسعودية اتفاقية دفاع إستراتيجي متبادل في الرياض، تنص على تقدير أي عدوان على أحد الطرفين بمثابة عدوان على الطرفين معا".

وقد أسس هذا الاتفاق لتعاون مؤسسي في مجالات الاستخبارات والتدريب المشترك ومكافحة الإرهاب والصناعات الدفاعية.

ورغم أن الموقع ادعى أن "القدرات النووية الباكستانية خارج نطاق الاتفاق"، إلا أنه شدد على أن "الرمزية كانت واضحة: الرياض باتت تنظر إلى إسلام أباد كشريك موثوق ذي أغلبية مسلمة، في وقت تبدو فيه الضمانات الأمنية الغربية التقليدية أقل موثوقية".

وبالنسبة لباكستان، يرى أن "ذلك لم يكن مجرد انتصار دبلوماسي، بل ارتقاء في المكانة الإقليمية، فقد وفر هذا التحالف مكاسب مادية، وضمانات في مجال الطاقة، وفرصا استثمارية، وتبادلا تكنولوجيا، والأهم من ذلك، أعاد تأكيد دور باكستان كعنصر فاعل في أمن الخليج، لا كمجرد مصدر للعمالة".

"وقد تعزز هذا التحول بفعل أحداث لاحقة هزت المنطقة، فالعدوان الإسرائيلي على غزة ودول المنطقة، والذي بلغ ذروته بالهجوم على قطر، كشف هشاشة منظومة الردع في الخليج"، يقول التقرير.

وأضاف أنه "إذا كانت دولة غنية ومسلحة جيدا وتحت حماية أميركية يمكن أن تتعرض لهجوم، فإن فكرة الاعتماد على قوى بعيدة لضمان الأمن الإقليمي تصبح غير قابلة للاستمرار".

ومن ثم، "بدأت مراكز القرار والتحليل في الخليج تناقش علنا ضرورة بناء روابط دفاعية داخلية، سواء بصيغة إقليمية أو عبر محور (الجنوب - الجنوب)".

"وهنا، برزت باكستان، بجيشها الذي يعد من أكثر الجيوش خبرة في العالم الإسلامي، وبقدراتها المثبتة في الردع النووي، كشريك لا غنى عنه"، بحسب الموقع.

منطق براغماتي

ويقدر التقرير الروسي أن "تداعيات هذه التطورات وصلت إلى إيران أيضا".

وأوضح مقصده قائلا: "فالمواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل، والتي أسفرت عن خسائر كبيرة في البنية التحتية لدى الطرفين؛ دفعت طهران إلى إعادة النظر في موقعها الإستراتيجي".

وأردف: "وبعد سنوات من الحذر تجاه تقارب باكستان مع السعودية، يبدو أن الساسة الإيرانيين باتوا يرون قيمة في توسيع دور إسلام آباد، بشرط أن يبقى ضمن منظومة إسلامية متعددة الأقطاب، لا ضمن محور سعودي حصري".

ووفق تقديره، "أدت هذه المواجهة إلى تعديل الحسابات الإيرانية لصالح الجارة الشرقية".

كما أن وسائل الإعلام الإيرانية والتصريحات الرسمية تجنبت التصعيد ضد باكستان بشأن اتفاقها الدفاعي مع الرياض، الأمر الذي عده التقرير "انعكاسا لتقدير براغماتي بأن تعزيز التعاون مع إسلام آباد قد يسهم في استقرار الخليج، لا في زعزعته".

وهكذا، ومن منظور "نادي فالداي الدولي"، تبدو تداعيات الاتفاق الدفاعي بين السعودية وباكستان "وكأنها تتجاوز حدود البلدين، لتلامس بنية الأمن الإقليمي بأكملها".

واستدل على ذلك بما "يُثار في الأوساط الإستراتيجية داخل الخليج، من توقعات بأن دولا أخرى مثل الإمارات والبحرين، وحتى قطر، قد تسعى للانضمام بطريقة أو بأخرى إلى هذه المنظومة الأمنية الناشئة".

ومن وجهة نظر الموقع، فإن "مثل هذا التطور لا يعزز فقط مكانة باكستان كلاعب شرعي ومحوري في أمن الشرق الأوسط، بل قد يمهد أيضا لظهور بنية أمنية أكثر استقلالية وتعاونا داخل العالم الإسلامي".

على الصعيد الدولي، يعتقد الموقع الروسي أن "القوى الكبرى خارج المنطقة تبدو وكأنها ترحب بهذه التحولات بصمت".

فالصين، بحسب رؤيته، تنظر إلى هذه التحولات "كامتداد لرؤيتها حول الترابط الإقليمي والاستقرار ضمن مبادرة (الحزام والطريق)".

أما روسيا، فتنظر إليها "كخطوة نحو استقلال إستراتيجي لمنطقة الخليج، بما يتماشى مع أجندتها متعددة الأقطاب". 

بل إن الموقع يرى أنه "حتى الولايات المتحدة، رغم صمتها العلني، تبدو وكأنها تعد هذا التطور وسيلة لتوزيع الأعباء الأمنية، بما يعزز التماسك الإقليمي دون أن يمس مصالح واشنطن بشكل مباشر".

حلقة وصل

وعند جمع هذه الرؤى المتقاطعة، يتضح -وفقا للتقرير- أن "التعاون الدفاعي بين باكستان والسعودية قد يشكل نواة لبنية أمنية متعددة الأطراف في الشرق الأوسط".

وأشار إلى أن "هذه الرؤية تدعمها حقائق بنيوية ملموسة، أبرزها حجم الجالية الباكستانية في الخليج، والتي تعد من أكبر تجمعات المغتربين في المنطقة، حيث تتجاوز أربعة ملايين شخص من أصل نحو 10.8 مليون باكستاني يعيشون خارج البلاد".

وتكمن أهمية هذه الجالية في مساهمتها الاقتصادية الهائلة، ففي السنة المالية 2024–2025، تلقى الاقتصاد الباكستاني تحويلات مالية بلغت 38.3 مليار دولار، بزيادة قدرها 27 بالمئة عن العام السابق.

وجاءت 9.34 مليارات دولار من السعودية، و7.83 مليارات من الإمارات، ونحو 6 مليارات من بقية دول الخليج. 

وبحسب التقرير، "تشكل هذه التحويلات نحو 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لباكستان، وتغطي سنويا ما بين ربع إلى ثلاثة أخماس العجز التجاري للبلاد".

وخلص إلى أن "ازدهار باكستان مرتبط ارتباطا وثيقا باستقرار الخليج، كما أن الاستقرار الاجتماعي في الخليج يعتمد على رفاهية ملايين العمال الباكستانيين".

إلى جانب هذا الترابط الاقتصادي، تبرز أهمية المكانة العسكرية الراسخة لباكستان، "فعدد قليل من الدول الإسلامية يمتلك خبرة قتالية مماثلة"، يقول الموقع.

وأضاف: "فعلى مدى عقود، قام ضباط باكستانيون بتدريب قوات دول الخليج، وشاركوا في بعثات استشارية في الرياض وأبوظبي والدوحة، وأسهموا في جهود مكافحة الإرهاب الإقليمية".

ووفق رأيه، "أسهم هذا الإرث المؤسسي المشترك في بناء الثقة التي مهدت لتوقيع اتفاق الدفاع عام 2025".

ونوه التقرير الروسي إلى أن "هذه الدينامية تزداد زخما بفعل السياق العالمي الأوسع، فمع تراجع النفوذ الغربي في الشرق الأوسط، بدأت الدول الإقليمية لتجربة نظم أمنية متعددة الأقطاب".

وهنا تبرز باكستان بموقعها الجغرافي الإستراتيجي عند تقاطع جنوب آسيا والخليج وأوراسيا، لتكون حلقة وصل بين الصين وروسيا والعالم العربي.

علاوة على ذلك، أشار الموقع إلى أن "مبادرة (الحزام والطريق) الصينية تتيح، عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، للمصدرين من دول الخليج طرقا برية وبحرية إلى آسيا الوسطى وغرب الصين، مما يقلل من اعتمادهم على مضيق هرمز".

من جانبها، ترى روسيا -التي تسعى إلى فتح ممرات اقتصادية جديدة في ظل العقوبات- في باكستان شريكا في مكافحة الإرهاب وجسرا لوجستيا محتملا نحو المياه الدافئة عبر ميناء جوادر الباكستاني".

تحديات جمة

ومع ذلك، لفت "نادي فالداي الدولي" إلى أن صعود إسلام أباد "ليس خاليا من التحديات".

في هذا السياق، حذر الموقع باكستان من أن "تُبالغ في تقدير قدراتها، فالاضطرابات الداخلية، والتضخم الذي يتجاوز 20 بالمئة، والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي؛ تحد من قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية".

من جهة أخرى، لم يستبعد أن "يؤدي التقارب المفرط مع الرياض إلى نفور طهران، ما يضعف التوازن الهش الذي يمنح باكستان نفوذا على جانبي الخليج".

وهذا هو الجانب السلبي لهذه الفرص الدبلوماسية التي أتاحها العدوان الإسرائيلي لباكستان في الشرق الأوسط، إذ يخشى الموقع أن "التصعيد الإقليمي غير المنضبط قد يفرض على إسلام آباد اتخاذ قرارات صعبة كانت تفضل تجنبها".

على المدى الطويل، أكد أنه "من خلال الحفاظ على ضبط النفس الإستراتيجي وتقديم شراكة عملية، يمكن لباكستان تحويل سياساتها الحالية إلى نفوذ مستدام".

وأضاف: "فبدلا من التدخل العسكري في كل أزمة، يمكن أن تلعب باكستان دور الوسيط والمستقر، مستفيدة من مكانتها لدى كل من الملكيات السنية وإيران الشيعية".

واستطرد: "كما أن صوتها في المنتديات متعددة الأطراف، مثل منظمة التعاون الإسلامي، يمكن أن يسهم في صياغة لغة جديدة للأمن الجماعي، قائمة على مبادئ دول الجنوب، مكملة للخطط الغربية والخارجية الأخرى دون الاعتماد عليها".

وهكذا، يرى الموقع أنه "من منظور الرياض والدوحة وطهران وحتى موسكو، أصبحت باكستان تمثل مسيرة تحول متدرج، من دولة طرفية تصدر الأيدي العاملة والمساعدات الأمنية، إلى لاعب رئيسي في استقرار الشرق الأوسط".

"فقد أثبتت الحرب في مايو/ أيار 2025 قدرة البلاد على الصمود، وأسس الاتفاق الدفاعي مع الرياض لشراكة مؤسسية بين إسلام أباد وشركائها، وكشفت الاعتداءات الإسرائيلية عن الحاجة الملحة لدورها، بينما أكدت إعادة تموضع إيران شرعية هذا الدور".

مع ذلك، شدد الموقع على أهمية "مواءمة الفرص الإستراتيجية مع التماسك الداخلي".

وتوقع أنه "إذا نجحت إسلام آباد في الحفاظ على الاستقرار السياسي والإصلاحات الاقتصادية، فقد تجد نفسها في دور لم يتخيله أحد قبل عقد من الزمان".

حيث ستكون "كجسر يربط بين الدول العربية وأوراسيا، ودولة تسهم جهودها الأمنية والدبلوماسية في تعزيز ليس فقط استقرار الخليج، بل أيضا في بناء نظام عالمي أكثر تعددية وتوازنا"، وفق قوله.