غوتيريش يقر بمسؤولية الجزائر في عرقلة تسوية قضية الصحراء.. هل تتغير المعادلة؟

منذ ٨ ساعات

12

طباعة

مشاركة

بمناسبة اقتراب الملف من عامه الخمسين، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ضرورة الوصول إلى حلّ لملف إقليم الصحراء الغربية، وهو النزاع الأطول بالقارة الإفريقية، مشيرا إلى مسؤولية السلطات الجزائرية في هذا الجانب.

وفي تقريره إلى مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية، شدد غوتيريش على “ضرورة انخراط الجزائر بشكل أكبر من أجل التوصل إلى حل سياسي” لهذا لنزاع الإقليمي.

وذكر في تقريره المتداول إعلاميا في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بأن دول الجوار، وفي مقدمتها الجزائر، لها "دور حاسم ينبغي أن تضطلع به من أجل التوصل إلى حل" لهذا النزاع، مبرزا أن ذلك من شأنه أيضا أن يعزز أمنها وآفاقها التنموية.

تجديد الجهود

وأشاد التقرير بالإشارات الأخيرة التي بعث بها المغرب من أجل حوار مفتوح مع الجزائر، مشيرا- على الخصوص- إلى خطاب العرش في 29 يوليو/تموز 2025، الذي جدّد فيه العاهل محمد السادس تأكيد استعداد المغرب لبدء حوار "صريح ومسؤول؛ حوار أخوي وصادق" مع الجزائر.

بيد أنه و"رغم إعلانات النوايا"، لاحظ التقرير أنه لم يتم تسجيل أي "تحسن ملموس" في العلاقات بين الجزائر والمغرب، داعيا البلدين إلى تجديد جهودهما بما يخدم التعاون الإقليمي، بصفته شرطا أساسيا لتحقيق سلام دائم في منطقة المغرب العربي.

وفي السياق ذاته، سجل الأمين العام أيضا "الرغبة التي عبر عنها الملك محمد السادس في إيجاد حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف".

وأشار إلى أن المغرب جدّد التأكيد للمبعوث الشخصي، ستافان دي ميستورا، على الدعوة إلى إعادة إطلاق المفاوضات ضمن إطار يضم الأطراف المعنية كافة، وبينها الجزائر.

ويأتي هذا التذكير بضرورة الانخراط في الحوار في وقت تكثف فيه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي جهودهما من أجل إحياء العملية السياسية في أفق التوصل إلى حل سياسي واقعي وبراغماتي ودائم للنزاع حول الصحراء الغربية الذي سيبلغ عامه الـ50 في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.

على المستوى الأميركي، حسم كبير مستشاري ترامب، مسعود بولس، الجدل القائم منذ أسابيع بشأن موقف واشنطن من تطورات ملف إقليم الصحراء.

وفي مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية" في 27 أكتوبر 2025، أكد بولس أن الولايات المتحدة تتبنى رؤية "واضحة وثابتة" تقوم على دعم المسار الأممي وتشجيع مقترح الحكم الذاتي الذي تقدَّمت به الرباط عام 2007، بصفته الحل الواقعي والدائم للنزاع.

وأعرب بولس عن تفاؤل الإدارة الأميركية بإمكانية التوصل إلى تسوية نهائية لهذا الملف الذي طال أمده، مشددا على أن "المرحلة المقبلة ستشهد زخما دبلوماسيا متجددا لإيجاد مخرج توافقي يرضي جميع الأطراف، في إطار من الواقعية والمسؤولية".

وتدعم الجزائر ما تسميه بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، وتدعم جبهة البوليساريو ماديا وعسكريا ودبلوماسيا، كما تحتضن لاجئين صحراويين فوق أراضيها بمنطقة تندوف.

في المقابل، اقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا للمنطقة المتنازع عليها، تمكن الساكنة المحلية من تدبير شؤونها باستقلالية ما عدا رموز السيادة، والتي تبقى مشتركة مع الرباط، ومنها العملة والعلم والجيش والأمن والعلاقات الخارجية.

مسؤولية قائمة

في قراءته لتقرير غوتيريش، أوضح الباحث في الدراسات الدولية بكلية الحقوق بالرباط، مصطفى بوزنار، أنه “جاء في سياق دولي يتسم بتنامي الاعترافات بمبادرة الحكم الذاتي التي تقدَّمت بها المملكة عام 2007، والتي تحظى بزخم دبلوماسي متزايد على المستويين الإقليمي والدولي”.

ورأى بوزنار لموقع "شفاف" المحلي في 25 أكتوبر 2025، أن “الجزائر تمرّ بمرحلة عزلة سياسية متصاعدة على المستويين الإقليمي والدولي، نتيجة تمسكها بمواقف جامدة تدعم جبهة البوليساريو على كل المستويات”.

ولفت إلى أن “الجزائر تتابع باهتمام كبير مسار جلسات مجلس الأمن، لا سيما في ظلّ احتمال تضمين القرار الأممي المقبل إشارات واضحة إلى مسؤولية البوليساريو عن أعمال تهدد الأمن والسلم في منطقة الساحل والصحراء”.

ورجّح الباحث الأكاديمي أن “القرار المنتظر قد يتضمن لأول مرة توصيفا للجبهة كحركة انفصالية متطرفة، بالنظر إلى تورطها في أنشطة تهريب وتعاونها مع جماعات إرهابية عابرة للحدود”.

وأفاد بأن “هذا التوجه هو نتيجة مباشرة لجهود الدبلوماسية المغربية خلال السنتين الأخيرتين، والتي عملت على فضح ارتباطات البوليساريو بمسارات الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة”.

ولمح بوزنار إلى أن “الجزائر تعد أي إدانة للبوليساريو تهديدا مباشرا لمصالحها؛ لأنها تمسّ بعمق روايتها حول (تقرير المصير) وتضعها في موقع الدولة الداعمة لجماعة انفصالية مسلحة”.

وأشار إلى أن البوليساريو بعثت، أخيرا، رسالة احتجاج إلى رئيس مجلس الأمن، عبّرت فيها عن رفضها لما وصفته بـ"الانحراف الخطير" في مشروع القرار الأميركي، مهددة بعدم المشاركة في أي مفاوضات مستقبلية حول الصحراء.

واستنتج بوزنار أن "قرار مجلس الأمن المقبل سيشكل نقطة تحول مهمة في مسار النزاع حول الصحراء المغربية؛ إذ من المرجح أن يتضمن تمديد مهمة بعثة المينورسو لسنة إضافية، مع الإشادة بالجهود التي تبذلها الدبلوماسية المغربية من أجل إيجاد حل نهائي للنزاع".

التفاعل الجزائري

هذا التقرير الأممي وتطورات ملف الصحراء خلق تفاعلا بالجزائر أيضا؛ حيث قال رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة: إن "قضية الصحراء الغربية تتعرض لمؤامرة دولية". وفق تعبيره.

وبحسب موقع "الخبر" الجزائري، رأى بن قرينة في كلمة له بالملتقى الوطني للقيادات الطلابية في 25 أكتوبر 2025، أن المستجدات في القضية الصحراوية، تندرج ضمن "مرور جوارنا الإقليمي ومحيطنا الإستراتيجي في هذه المرحلة بتحديات وتحولات ينبغي أن ندرك فيها الدور الذي تضطلع به الجزائر لاستقرار مناطقه، سواء في منطقة الساحل والصحراء، أو جوارنا الليبي".

كما ربط المسؤول الحزبي الجزائري القضية بـ"ساحة دولية أصبحت عالما متحولا ومضطربا، تشهد ولادة عسيرة لمحاور جديدة، تتصارع على النفوذ والموارد".

ودعا بن قرينة إلى ضرورة "تفهم مكانة الجزائر كدولة ذات سيادة وقرار مستقل من هذه التحولات".

وعن موقفها بشأن مشروع القرار الأميركي المُقدم لمجلس الأمن الدولي، رأت البوليساريو أنه يشكل “انحرافا خطيرا وغير مسبوق، ليس فقط عن مبادئ القانون الدولي التي تقوم عليها مسألة الصحراء الغربية كقضية تصفية استعمار، ولكن أيضا عن القاعدة التي يتناول على أساسها مجلس الأمن قضية الصحراء الغربية”.

فيما جدَّد رئيس حزب "الجزائر الجديدة"، جمال عبد السلام، التأكيد على وقوف حزب الجزائر الجديدة والجزائر قاطبة إلى جانب الشعب الصحراوي في كفاحه من أجل الحرية والاستقلال. وفق تعبيره.

وعبّر عبد السلام وفق ما نقلت وكالة أنباء "البوليساريو" في 27 أكتوبر 2025، عن رفضه لـ"أي حلول أحادية أو مقترحات تتنافى مع حق تقرير المصير الذي تكفله المواثيق الدولية".

وأكد مواصلة الحزب “المرافعة عن القضية الصحراوية في مختلف المحافل القارية والدولية، دعما للشعب الصحراوي وحقه المشروع في الاستقلال وإقامة دولته الحرة على كامل ترابه الوطني”.

تحولات عميقة

من جهته، أكد الكاتب الصحفي المهتم بالشأن السياسي، طارق قطاب، أن “تقرير الأمين العام للأمم المتحدة يكرّس صراحة خطة الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء، وذلك لأول مرة، يكرس النص صراحة خطة الحكم الذاتي المغربية”.

وأضاف قطاب لـ"الاستقلال"، الأكثر أهمية من ذلك، يحدد القرار تاريخ 31 يناير/كانون الثاني 2026 موعدا لحل سياسي نهائي للنزاع، ويعلن عن تحويل أو إنهاء بعثة المينورسو الأممية إذا لم يتم إحراز أي تقدم في غضون ستة أسابيع.

ورأى أن "كل هذه العوامل تتضافر لتفسير سبب وجيه لفزع النظام الجزائري وتهربه من عملية التصويت؛ إذ أحسّت الدبلوماسية الجزائرية بالخطر الوشيك بسبب هذه التطورات".

وأردف قطاب بأن “السبب واضح، وهو أن النص يكرس بالحرف الواحد، ما يدافع عنه المغرب منذ عام 2007، وهو خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وفي الوقت ذاته يفرغ من مضمونه الخطاب الانفصالي الذي دأب النظام الجزائري على رعايته عبر البوليساريو منذ نصف قرن”.

وذكر أن “الإعلام الأميركي يتحدث عن عدم مشاركة الجزائر في التصويت الحاسم الذي سيجرى نهاية أكتوبر في مجلس الأمن”. 

ورأى أن “وراء هذا المشهد، يسيطر الخوف لدى النظام الجزائري الذي يدرك أن التصويت ضد القرار سيعرِّضه لعزلة دبلوماسية كاملة، وأن التصويت لصالح القرار يعني الاعتراف بخطة الحكم الذاتي المغربية”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن النص يحرِّص على إشراك جميع "الأطراف المعنية"، أي المغرب، والجزائر، وموريتانيا، والبوليساريو في مشاورات المبعوث دي ميستورا.

وشدد على أن هذا الذكر الصريح، الذي غالبا ما كان يتم التملص منه، يكرس وضع الجزائر كطرف فاعل في النزاع، بدلا من مجرد "جار قلق"، وهذا يغيّر كل شيء، إذ لم يعد بإمكان الجزائر أن تدعي بأنها مجرد "مراقب" للعملية، بل يجب عليها الجلوس إلى طاولة المفاوضات التي لم تكف عن مقاطعتها.

وأردف، هي مطالبة بالمشاركة الفعالة وبحسن نية في مفاوضات وضع خطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت سيادة المملكة المغربية، وإلا ستتحمل مسؤولية أي فشل محتمل. ومن هنا ينبع الانزعاج الواضح والهجمات ضد "انحياز" مجلس الأمن.

وشدد قطاب على أن "النظام في الجزائر يحق له أن يشعر بالذعر؛ لأن هذا القرار إذا تم اعتماده على حاله، يثبت الانتصار الدبلوماسي للمغرب ويدفن الحلم الانفصالي الذي رعته بفضل عائدات النفط والبروباغندا".

وأردف: "لقد انتهى زمن التظاهر والتملص، وتدخل الصحراء حقبة الحل السياسي، ويدخل النظام الجزائري حقبة الغرق الكبير".